الحكومة: الخميس 25 يوليو إجازة رسمية بمناسبة ذكرى ثورة 23 يوليو       خطة حكومية لزيادة الاستفادة من العلماء والباحثين المصريين في الخارج       بالأرقام الرسمية .. 50 مليون زيارة من السيدات لتلقي خدمات الفحص والتوعية ضمن مبادرة دعم صحة المرأة       اللجنة الخاصة المشكلة بمجلس النواب لدراسة برنامج الحكومة الجديدة تختتم أعمالها اليوم       تفاصيل مشاركة الأهلى فى أعمال الجمعية العمومية لرابطة الأندية الأوروبية       وزارة المالية : الدولة ليس من دورها إدارة الأصول العقارية       أخبار سارة للموظفين.. المالية تعلن تبكير صرف مرتبات شهر يوليو 2024       بالأرقام الرسمية .. إصدار 32.5 مليون قرار علاج على نفقة الدولة       وزارة العمل تُحذر المواطنين بعدم التعامل مع الشركات والصفحات وأرقام الهواتف الوهمية       إطلاق دورى رياضى لأبناء الأسر في قرى ( حياة كريمة ) تحت شعار ( أنت اقوى من المخدرات )       أخبار سارة : مصر تستهدف إنتاج 800 ألف أوقية ذهب عام 2030  
جريدة صوت الملايين
رئيس مجلس الإدارة
سيد سعيد
نائب رئيس مجلس الإدارة
د. محمد أحمد صالح
رئيس التحرير
محمد طرابية

تحقيقات وملفات   2024-03-09T11:49:13+02:00

تلوث البيئة يهدد المصريين بالموت جوعًا وعطشًا

على محمود

مع ارتفاع نسب الإصابة بحالات الاكتئاب والضغوط النفسية والتوتر العصبى خاصًة فى فترات الخريف والشتاء، يرجع غالبية الأطباء ذلك إلى تلوث الهواء ليس فقط بسبب الغازات السامة والانبعاثات الصناعية ولكن أيضًا نتيجة اشتعال الحروب حولنا والشكوك المحيطة باستخدام بعض الدول القريبة والمتاخمة لحدود مصر لغازات محرمة دوليًا أبرزها غاز الأعصاب، وبنظرة أكثر إتساعًا نجد أن اشتعال الحروب والصراعات فى المنطقة الملتهبة والعالم يؤدى إلى تصاعد غازات ضارة بصحة الإنسان والبيئة المحيطة، وتؤدى هذه الغازات إلى أضرار بيئية تصل إلى الجفاف والتصحر وبالتالى نقص حاد فى المياة وموارد الغذاء مما يتسبب فى تفشى المجاعات الغذائية والمائية لتشتعل حروب وصراعات جديدة على الماء والغذاء، لأنه لا يمكن لإنسان مهدد بالموت جوعًا وعطشًا ألا يشهر سلاحه فى وجه الآخرين، سواء كانت هذه الحروب أهلية داخل حدود بلاده أو خارجية بينها وبين دول أخرى، ومن ثم تتوالى الحروب والصراعات حتى أجمع المحللون على أن الحروب والنزاعات القادمة تشتعل أساسًا على الموارد المائية، كما تنتج الجرائم عن تفشى أزمات الجوع والفقر، مثلما نتجت ظاهرة القرصنة والاختطاف عن المجاعات فى بعض الدول التى مازالت هى نفسها مختطفة ومحاصرة ما بين الجوع والاحتراب الداخلى.

وعلى خلفية ذلك نتذكر قوله تعالى " ظهر الفساد فى البر والبحر بما كسبت أيدى الناس" وقول الملائكة فى موضع آخر من كتابه العزيز " أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء" لنستخلص أن الإنسان هو المسئول عن إفساد البيئة المحيطة به وأن هذا الإفساد الناتج عن الحروب هو نفسه الذى أشعل المزيد من الحروب والصراعات على لقمة العيش وشربة الماء، وكا قال الإمام على بن أبى طالب كرم الله وجهه " عجبت لرجل لا يجد قوت يومه ولا يخرج على الناس شاهرًا سيفه".

وما بين السيوف القاتلة والأسلحة الفتاكة والقنابل الذرية المدمرة التى وصلت حاليًا لجرائم الإبادة الجماعية لشعوب بأكملها، تكررت وتتالت الصراعات والحروب الأهلية والإقليمية والعالمية، وبعد عدة عقود من هذه الحروب التي استخدم فيها البشر مُختلف أنواع الأسلحة ذات التأثير الخطير على الإنسان والطبيعة على حدٍ سواء، ظهرت أصواتٌ تنادي بضرورة مراعاة البيئة التي نعيش فيها والحفاظ عليها من مختلف أشكال التلوث، بدءًا من الأسلحة وصولًا إلى ما يشهده العالم حاليًّا من ثوراتٍ صناعية وتكنولوجية تُعدُّ البيئة الخاسر الأكبر فيها، وهنا ظهرت بوادر حروب ونزاعات جديدة قد يكون سببها تغيّر الظروف البيئية كالجفاف والتصحر وقلة مصادر الغذاء وموارد المياة، إضافةً لقلة الثروات الطبيعية نتيجة تعرضها للنضوب والإنقراض والإهلاك بسبب الاستخدام الجائر، ما دفع العديد من الدول إلى اعتماد سياساتٍ تُراعي من خلالها ما نُطلق عليه الآن مصطلح الأمن البيئي، وهو مصطلح ظهر للدلالة على وجود علاقة بين أمن البشر والبيئة التي بقيت موضع نقاشٍ ومثار جدل خلال العقود الأخيرة، حتى ظهر مفهوم الأمن البيئي بالتوازي مع تحديد معنى استراتيجية الدفاع والمجتمع البيئي، وإيجاد نوعٍ من التفاهم والارتباط بين الفكر التقليدي للأمن الوطني والحماية البيئية وتطوير السياسة.

وفى هذا السياق يمكن القول إن الأمن البيئي هو أحد مجالات الأمن الوطني والإقليمي الذي يقلل ويمنع من حدوث التهديدات المتعلقة بمصادر الطاقة وطرق إمدادها والمخاطر البيئية والضغوطات المسببة لزعزعة الاستقرار السياسي والاقتصادي وحدوث النزاعات والصراعات بين البلدان، وفى ظل محاولات عديدة لإيجاد مفهومٍ واضحٍ ومحددٍ للأمن البيئي، برزت عدة أفكارٍ ومفاهيمَ تدور في فلك هذا المصطلح، حيث تعتبر البيئة واحدة من أهم وأكثر القضايا التي تتجاوز الحدود الوطنية للدول، ويُعتبر الأمن المتعلق بها إحدى ركائز إحلال السلام والأمن الوطني وضمان حقوق الإنسان وأبرزها حقه فى الحياة وفى المأكل والمشرب والحياة الآدمية الآمنة.

وبنظرة مستقبلية سريعة يتوقع الخبراء أن يتغير حوالي ثلث معالم الأرض الحالية خلال المئة عام القادمة، خاصةً مع التحديات والصعوبات المتزايدة التي يواجهها البشر في مختلف أنحاء الكرة الأرضية والتى نستعرض بعض أشكالها وتداعياتها فى سياق السطور التالية.

 

خريطة التلوث وتأثيره المسرطن على الإنسان والحيوان

 

 

-           قائمة المناطق المهددة تضم شبرا الخيمة وحلوان والعامرية بالاسكندرية  والزيتية بالسويس

 

-           مصدرها مصانع الأسمنت والحديد ومحطات توليد الكهرباء

 

منذ الثورة الصناعية والتطور التكنولوجي، يتزايد التلوث البيئي بشكل مضطرد، ما يؤثر سلباً على الكائنات الحيّة ومصادر الحياة، ومن عجائب هذا الملف  أن الأسباب معروفة وكذلك الحلول، ولكن الدول الصناعية الكبرى مازالت تماطل وتؤجل تطبيق الحلول لأنها تقلص من أرباحها، رغم علمها اليقينى بأن تلوّث البيئة ليس مشكلة محلية أو تقتصر على مساحات معينة من الكون، ولكنها باتت مشكلة عالميّة بسبب تراكم تأثيراتها وتأجيل تنفيذ الحلول، وقد تجلت العواقب المرتبطة بتلوث البيئة في أواخر القرن الماضي؛ متمثلة فى ظاهرة الاحتباس الحراري التى أدت إلى ذوبان الجليد الطافي في القطب الشمالي وانبعاث الجزيئات الدقيقة ما أدى إلى تفشى أمراض بعضها قاتلة، وظلت التأثيرات الضارة تتزايد يوماً بعد يوم، بالرغم من توقيع 190 دولة اتفاقية باريس حول المناخ في نهاية العام 2016، والتي تهدف إلى وقف ارتفاع حرارة الأرض عبر خفض انبعاثات الغازات الدفيئة، حيث اضطرت 55 دولة تمثل 55٪ على الأقل من الانبعاثات العالمية إلى التوقيع على المعاهدة.

ومن المعروف أن الدول النامية هى التى تدفع فاتورة التقدم الصناعى للدول الكبرى والمتقدمة المسبببة لهذه الانبعاثات، أما فى مصر فعلى ما يبدو ندفع فاتورة مزدوجة فإلى جانب تأثرنا بإنبعاثات الغازات القادمة من الدول الأخرى، هناك أيضًا إنبعاثات مصانعنا الداخلية حيث يعانى سكان المدن الكبرى والقريبة من المناطق الصناعية معاناة ضخمة بسبب تلوث الهواء والمياة، ناهيك عن مظاهر ومسببات التلوث الأخرى، وحول خطورة تلوث البيئة فى مصر صدرت مؤخرًا دراسة بعنوان

 " قضايا بيئية فى مصر" أعدتها هاجر جودة الخبيرة  بالمركز المصرى للبحوث والدراسات، حيث استهلت ورقتها البحثية بتوضيح أهدافها التى تتمثل فى الكشف عن التهديدات التي تتعرض لها البيئة وتواجهها لما لها من تأثيرات سلبية علي حياة الكائنات الحية، مشيرى إلى أن  البيئة هي البيت الأول والأخير وهي ركيزة أساسية للحفاظ على حياتنا وكوكبنا،  ومشددة على أهمية وضع حلول للمشكلات القائمة والمتوقعة، والاستفادة من الدراسات الخاصة بالأمن البيئي حيث يعتبر الأمن البيئي من القضايا الهامة والجوهرية في الوقت الحالي، نظرا لكثرة الأخطار وعلامات التدهور البيئي.

وأوضحت الدراسة أن مناطق معينة وأحياء مثل شبرا الخيمة وحلوان بالقاهرة الكبرى والعامرية بالإسكندرية والزيتية بالسويس وغيرها من المناطق الصناعية تعانى من تلوث الهواء، وكشفت عن بعض هذه الغازات السامة الملوثة للهواء وأبرزها أول أكسيد الكربون وهو غاز سام تكمن خطورته فى أنه عديم اللون والرائحة، أما غاز أول أكسيد الكبريت فهو غاز كريه الرائحة ومصدره الرئيسى إحتراق الوقود فى محطات توليد الكهرباء والمنشآت الصناعية وله تأثير ضار على الجهاز التنفسى للإنسان والحيوان، كما يتسبب فى الأمطار الحمضية التى تضر بالتربة الزراعية بل ويمتد إلى تآكل الأبنية.

ومن الغازات السامة والضارة إلى الدخان، أشارت الدراسة أن مدينة القاهرة تعانى من تركيزات للدخان وصلت في بعض الأوقات إلى أكثر من ١٣٠٠ ميكروجرام / م٣، وتتمثل خطورته فيما يحتويه من بعض المواد العضوية المسببة لمرض السرطان، ناهيك عن تلوث الهواء بغازات أخرى مثل ثانى أكسيد النيروجين وكذلك الجسيمات العالقة والأتربة المتساقطة الناتجة عن صناعات الأسمنت والحديد والصلب وتكسير الأحجار، وغالبيتها جسيمات سامة نتيجة لخواصها الكيميائية أو الفيزيائية واحتوائها على عناصر مثل الرصاص والاسبستوس، ويتبع الزيادة الكبيرة في مستويات ملوثات الهواء بالجسيمات العالقة تدهور درجة الرؤية، فقد بينت الدراسات في هذا المجال أن نسبة درجة الرؤية القليلة بمدينة القاهرة في ازدياد مستمر منذ عام ١٩٦٠ وحتى الآن.

 

خفايا تغير درجات الحرارة وتعرض مدينة الأسكندرية لسيول عنيفة

 

-           ظواهر غير مسبوقة أخطرها نحر البحر وابتلاع أحياء كاملة

 

 بما أننا جميعًا نلاحظ حدوث تغيرات كبيرة فى درجات الحرارة حيث تتسع الفجوة بين درجة حرارة الليل ودرجة حرارة النهار، كما أصبحت مدن كانت معروفة بجوها المعتدل وأبرزها مدينة الأسكندرية، أصبحت مؤخرًا تعانى من ظواهر مناخية عنيفة مثل السيول وارتفاع درجة الحرارة فى الأحياء الغير مطلة على البحر بشكل غير متسق مع درجة حرارة ساحل البحر، وفى هذا السياق أوضحت الدراسات التي تمت عن التغير المناخي في مصر وجود زيادة مطردة في الرطوبة النسبية ودرجة حرارة الليل ودرجة الحرارة الصغرى ؛ نظرا لميل الجو إلى الثبات في الفترة الأخيرة على مصر، مما يساعد على زيادة كثافة الملوثات خاصة في المناطق الحضرية والداخلية من اليابس،  ومن دراسة التغير في درجة الحرارة على مدينة الإسكندرية – على سبيل المثال- خلال التسع عقود الماضية يتبين أن درجة الحرارة قد ازدادت بشكل نسبى ملحوظ في العقد الأخير، ناهيك عن تعرضها لخطر نحر البحر وصعود أمواجه لتهدد بابتلاع أحياء كاملة.

 

 

            إنقراض الأسماك والطيور وتسمم القمح والشعير والبرسيم

 

من الطبيعى أن ينعكس تلوث البيئة على جميع الكائنات الحية وحتى الغير حية كالأبنية التى تتعرض للتآكل، أما عن الكائنات الحية رصدت الدراسة قتل الحياة بصفة شبه كاملة فى البحيرات الشمالية وأبرزها بحيرة مريوط، وذلك بسبب كميات هائلة من الصرف الصحى التى ظلت تلقى بها يوميا على مدار عقود، حتى قررت الحكومة تطهيرها عام 2020 من خلال مشروع تكلف المليارات ولكن يخشى من عودة السلوكيات البشرية الخاطئة التى ستعيد التلوث إلى ماكان عليه فى البحيرة وباقى المجارى المائية، مما يهدد بانهيار الثروة السمكية المحلية ويتسبب فى خسائر ضخمة، وبالفعل باتت بعض الأسماك وخاصةً السلمون والقشريات كالجمبرى مهددة بالإختفاء وكذلك طيور مثل أبو قردان رغم أهميته للقضاء على دودة القطن، وحينما استغنى الفلاح عن صديقه أبو قردان وقرر الاعتماد على رش الآفات بالمبيدات كانت النتيجة تلوث التربة ونفوق الماشية.

 وعلى سبيل المثال فى مركز قطور بمحافظة الغربية قضت المبيدات الفسفورية على الثروة الحيوانية نتيجة الرش بالطائرات، كما يتضح أثرها السلبى من خلال بقاءها داخل التربة لمدة قد تطول إلى 12 عامًا، وكذلك تنتقل هذه الآثار إلى بذور الكثير من النباتات كالشعير والقمح والبرسيم وفول الصويا والجزر.

 

 

روشتة يقترحها الخبراء ومشروعات تمت بالفعل

 

 

-           أبرزها مشروع معالجة الصرف الصناعى بمنحة قدرها 29.8 مليون يورو

-           الاستثمارات فى القطاع العام تجاوزت الـ 500 مليون جنيه

 

تناولت الدراسة بعض مقترحات الخبراء للحد من مخاطر التلوث، فى مقدمتها تقليل الأنشطة الملوثة وتشجيع الانتاج العضوى بالإضافة إلى حظر الصيد الجائر للأسماك والحيوانات والقطع الجائر للأشجار لحماية التنوع البيولوجى، إلى جانب التوسع فى مشروعات إعادة تدوير المخلفات ومعالجة النفايات، وكذلك مشروعات استخدام الطاقة الشمسية وتوليد الطاقة من توربيانات الرياح وتوربينات المد والجزر وغيرها من مصادر الطاقة النظيفة والمتجددة، للحد من استهلاك الوقود الإحفورى.

ورصدت الدراسة بعض المشروعات التى تم الانتهاء منها بالفعل فى مصر، وأبرزها مشروع التحكم فى التلوث الصناعى، الذى استهدف مساعدة المنشآت الصناعية للتوافق مع قوانين حماية البيئة، وهناك أيضًا مشروع معالجة الصرف الصحى للمنشآت الصناعية التابعة لصندوق حماية البيئة، حيث قام بنك التعمير الألمانى بتوفير منحة قدرها 29.8 مليون يورو لتمويل مشروعات معالجة الصرف الصناعى للمنشآت الصناعية، وقد تم بالفعل تنفيذ 24 مشروع داخل 26 منشأة صناعية باستثمارات بلغت 500 مليون جنيه مصرى وذلك لشركات قطاع الأعمال العام.

وهناك أيضًا مشروع حماية  البيئة للقطاع الخاص وقطاع الأعمال العام الصناعي والممول من بنك التعمير الألماني، وتستهدف هذه المشروعات تمويل عمليات مكافحة التلوث الصناعي بالمنشآت الكبيرة، بالإضافة للمنشآت الصغيرة والمتوسطة، مع التركيز على محافظات الدلتا والوجه القبلي - حتى لا تقتصر هذه الخدمات على القاهرة الكبرى والإسكندرية فقط، وذلك للوصول للتوافق التام مع القوانين البيئية.


مقالات مشتركة