جريدة صوت الملايين
رئيس مجلس الإدارة
سيد سعيد
نائب رئيس مجلس الإدارة
د. محمد أحمد صالح
رئيس التحرير
محمد طرابية

سيد سعيد يكتب   2024-05-27T04:44:12+02:00

كفاية» صب» فى مصلحة المواطن يا حكومة

سيد سعيد

لم أجد فى مفردات اللغة وصفًا دقيقًا، يليق أو يعبر عن التناقضات التى نعيش فى دواماتها ليل نهار، من دون فهم لسياسات الحكومة، لذا فقد اختلطت علينا الأشياء، ولم تعد هناك فروق واضحة بين قرارات أو تشريعات تبعث على الأمل أو أخرى تزيد من مساحة الألم، لكن هناك قولا شائعا، أرى، أنه الأنسب للتعبير عن الحال، الذى لا نملك القدرة على فهمه، سواء سلباً أو إيجاباّ، لكن فى ذات الوقت، تملك الغالبية القدرة على مزج الوجع بالسخرية» شر البلية ما يضحك»، فقبل أن نفيق من صدمة، تلاحقنا أخرى أشد مرارة وقسوة، حيث دأبت الحكومة طيلة الأشهر الماضية على طمأنة الشعب بقدوم انفراجة، ستقضى على فوضى الأسعار فى الأسواق، بما يساهم فى إزاحة الهموم الثقيلة التى تفوق قدرة المواطن على تحملها، لأنها، أى الحكومة، كما تعلن دائماً، عقدت اجتماعات مكثفة مع الغرف التجارية، بشأن تخفيض أسعار السلع بعد انخفاض سعر الدولار مقابل الجنيه، وتوافر العملة الأجنبية التى تلبى احتياجات الإفراج عن البضائع المستوردة ومستلزمات الإنتاج والأعلاف والأدوية، وبالفعل تم الإعلان عن انخفاض أسعار الدقيق والسكر والكثير من السلع الأساسية، الاعلان فقط، لكن على أرض الواقع، لا شىء من هذا يحدث، بل لا توجد بوادر أو مؤشرات لبوادر تذهب إلى إزاحة الهموم وحل المشكلات،لأن الحكومة فى واد آخر غير وادينا المثقل بالمتاعب والأنين من المعاناة اليومية لملايين الأسر، التى تتوجع تحت وطأة الحاجة، كما أن غالبية الشرائح المجتمعية،لم تعد قادرة على تلبية الحد الأدنى من متطلبات الحياة اليومية، ابتداء من الأكل والشرب ودواء وليس انتهاء بفواتير الخدمات الأساسية» مياه وكهرباء وغاز«.

وهنا نطرح السؤال الذى لا نعرف له إجابة شافية، هل الحكومة لديها خطط؟ وتتخذ بشأنها قرارات، ولاجل تفعيلها تتقدم للبرلمان بتشريعات، أم أنها غير قادرة على تنفيذ أحلامها الوردية فى ظل واقع منهك، ولا تملك جرأة السيطرة على الأسواق، أم أنها اكتفت بإطلاق الوعود عبر تصريحات تتبخر فور مغادرة وزرائها الشاشات والميكروفونات، بالمناسبة نحن لا نملك سوى طرح مثل هذه التساؤلات التى نرى أنها مشروعة.

لم تراع الحكومة فى تنفيذ أجندتها المعايير الأساسية للمهام الموكلة إليها، وعلى رأسها أو فى مقدمتها مراعاة البعد الاجتماعى فى قراراتها، باعتبار أن الدولة راع لمواطنيها، وليست تاجرا هدفه الربح فقط، فالحكومة تتحدث دومًا عن خطط تقول إنها تصب فى مصلحة المواطن، أما الترجمة الحقيقية لتلك المصلحة على أرض الواقع، فتؤكد عكس ما يتم ترويجه، فهى ليست سوى عملية متقنة لدهس غير القادرين، وتغل قدرة الغالبية مواصلة العيش، وفى ذات السياق، حتى لا يتحول كلامنا إلى انتقاد فقط، فهناك ضرورة للاعتراف بوجود إيجابيات، لا يمكن لأى منصف إغفالها، أو تجاهلها بأى صورة من الصور، ومفاد ما أود الإشارة إليه والتأكيد على حقيقة الإيجابيات، توجد تنمية، نعم توجد تنمية حقيقية، وتوجد مشروعات تهدف توفير الخدمات الضرورية عبر مشروعات قومية فى العديد من المجالات، لكن فى المقابل، وهو مربط »الفرس»، ومحور أحاديث العامة وبعض المحسوبين على النخبة، عدم انعكاس الإيجابيات على أوضاع الناس، بما  يحقق للمواطن البسيط والمتوسط والفقير قدر من الطمأنينة وعدم الحاجة، فهناك ارتفاع فى الأسعار لا يمكن ملاحقته، فتدنت أحوال الناس، وهذا القول لا يمكن وضعه فى خانة المبالغة، خاصة إذا علمنا، وبالتأكيد جميعنا يعلم، أن الفجوة بين دخل الأسرة وحجم إنفاقها من الاحتياجات الضرورية فقط، صارت كبيرة جداً، فلا الحكومة اجتهدت فى ابتكار الحلول لحل تلك المشكلات التى ترهق الغالبية، ولا المواطنين أصبحت لديهم القدرة على تحمل المزيد من القرارات أو القوانين، التى لا تهدف سوى إرهاقهم، لعل آخرها المتعلق بالصحة، مرة أخرى الصحة، والتى نظن أنها والتعليم مسؤولية أولى لدى كافة الحكومات فى كل بلدان العالم، باعتبار أن محاربة الثالوث البغيض «الجهل، الفقر، المرض» أمن قومى لأى دولة تنشد التقدم والرقى وتوفير الرفاهية لشعوبها، فالشعوب المعتلة، المريضة، غير قادرة على البناء والتطور، وغير قادرة على التعايش مع المعطيات العصرية، لذا فإن الصحة أهم أولوية لدى حكومات العالم، وفى القلب منها مصر بالضرورة.

و لم يعد سرًا أن البرلمان أقر فى الأيام القليلة الماضية قانون تأجير أو تطوير «أيا كان المسمى» المستشفيات الحكومية، الذى تقدمت به الحكومة وأحيط به لغط واسع، وأثار الكثير من المخاوف لدى قطاعات مهمة داخل المجتمع من شماله إلى جنوبه، فالأمر هنا يتعلق بالصحة والدواء فى بلد غالبيته مطحونة حتى النخاع، وقطاعات منه ليس لديها القدرة على ارتياد العيادات الخاصة، ولا تملك جرأة الاقتراب من أسوار المستشفيات الخاصة والاستثمارية،أو المرور بجوار بواباتها الفندقية الفخمة، فما بين مؤيد للقانون، ويسعى لتجميل الصورة لغرض فى نفس يعقوب، سواء كان هذا الغرض نبيلاً وبريئاً أو كان تزلفاً للحكومة لكسب رضاها، أو قناعة بما يهدف إليه القانون، وفريق آخر يرفضه جملة وتفصيلاً، ربما لأسباب فئوية أو أسباب موضوعية، وفى جميع الحالات أصبح المواطن مجرد وسيلة للتعبير عن الرضا والقبول أو الرفض، فنقابة الأطباء وإن كانت فى المقام الأول تدافع عن مصالح أعضائها، وهذا حق أصيل لها، لكنها فى ذات الوقت، لم تغفل الحقوق الإنسانية والدستورية للمواطن، فهى ترى أن تكاليف العلاج لابد وأن نوضع كمعيار أساسى حتى لا يتحول العلاج إلى استثمارى للقادرين دون سواهم، وأيضاً للوقوف على مدى قدرة المواطن معدوم الدخل أو محدود الدخل على التماهى مع فلسفة القانون الجديد، الذى أقره البرلمان وينتظر الموافقة عليه نهائيا من الرئيس عبدالفتاح السيسى، حيث بدأت المناشدات من منظمات المجتمع المدنى بعدم الموافقة عليه.

 

والقانون حظى بقدر هائل من الجدل فى الأوساط المجتمعية بتنوع مستوياتها، من النخب السياسية والحزبية داخل مجلس النواب والمتخصصين من الأطباء، هؤلاء أدلوا بدلوهم، وكما أسلفنا جميعهم رفعوا لافتة الدفاع عن حق المواطن فى العلاج وتوفير الرعاية الصحية، إلى أن صار ذلك المواطن لحناً فى مكلمة فى سامر، ثم ينفض المولد، وننتظر مولد جديد لقضية جديدة يكون المواطن فيها حاضرًا، باعتباره جزءًا أساسيًا فى أى مكلمة، وفى هذا السياق علينا التوقف عند مشهد مناقشة قانون تأجير المستشفيات، فقد رفضته نقابة الأطباء وعدد من نواب البرلمان بوصفه يهدد استقرار الطواقم الطبية، وهذه مسألة مهمة فى تقديرى الشخصى، لأن المنظومة العلاجية بدون أطباء مهرة، وطواقم تمريض من ذوى الكفاءة، يكون مصيرها الفشل، كما أثيرت مخاوف من عدم حصول المواطنين على خدمات علاجية بسعر مناسب، لكن ما الضمانات لتحقيق المعادلة الصعبة؟ والمقصود هنا الحفاظ على استقرار الطواقم الطبية، وحصول المواطن على خدمة بأسعار مناسبة، وهنا تسقط من المعادلة فكرة العلاج المجانى، فالقانون الذى صدر، يتيح للحكومة إمكانية منح امتياز إدارة وتشغيل المستشفيات الحكومية المختلفة لمستثمرين مصريين أو أجانب، وببساطة شديدة جداً، مستثمر يعنى السعى نحو الربح، فلا يوجد استثمار فى العالم كله بما فيه مصر، يهدف رفع المعاناة، فهذه مسؤولية الحكومة، الحكومة وحدها.

تضمن القانون ألا تقل مدة الالتزام عن 3 أعوام، ولا تزيد على 15 عامًا، مع عودة جميع المنشآت الصحية، بما تحويه من تجهيزات للغرف والأجهزة الطبية اللازمة لتشغيلها تلك المنشآت إلى الدولة فى نهاية مدة الالتزام، دون مقابل وبحالة جيدة، بينما استبعد المجلس من المنشأت، مراكز ووحدات الرعاية الصحية الأساسية، وصحة الأسرة، وعمليات الدم وتجميع البلازما باعتبار أن لهذه الأنشطة الصحية بعدًا قوميًا، وفق تصريحات رئيس لجنة الصحة بمجلس النواب الدكتور أشرف حاتم، ورغم الجدل والمخاوف من النتائج حال البدء فى التنفيذ، إلا أن المجلس أقر القانون من عرضه للنقاش المجتمعى وأيضاً دون النظر فى أسباب رفض نقابة الأطباء له، فقد أرسل نقيب الأطباء الدكتور أسامة عبد الحى خطاباً إلى مجلس النواب تضمن التأكيد غياب ضمانات التزام المستثمر بنسبة علاج مرضى التأمين الصحى، والعلاج على نفقة الدولة، مطالباً بقصر القانون على بناء مستشفيات خاصة جديدة لصالح المستثمرين سواء المصريين أو الأجانب، وليس منح المستشفيات الحكومية الموجودة للمستثمرين لإدارتها وتخارج الدولة منها.

فى السياق ذاته هناك من يؤكد أن هذه المخاوف لا أساس لها من الصحة، فى ظل وجود النصوص القانونية الواضحة التى لا تقبل التأويل، وتتضمن استمرار تقديم الخدمة للمواطنين بالنسب التى يتم الاتفاق عليها، على أن تتحمل الدولة سداد الفارق للمواطن، بين ما يدفعه فى العلاج المجانى بهذه المستشفيات بعد التطوير وبين التسعير المحدد لتقديم الخدمات فى المستشفى، لكن هل من الممكن أن يتحقق ذلك؟ خاصة أن الصحة التزام دستورى، فضلا عن أن السوابق التى تبعث لعدم الثقة كثيرة، بل كثيرة جدًا، ومنها على سبيل المثال لا الحصر، ما صدر من قرارات سابقة تلزم المستشفيات الاستثمارية بقبول الحالات الطارئة والحوادث، لا جراء الاسعافات الأولية والتدخل السريع فى الحالات الحرجة والعاجلة، لم يتحقق منها شىء، وإن كان الحديث عنها يبدو مريحًا بالنسبة للحكومة، فهى أصدرت القوانين والقرارات اللازمة، دون الأخذ فى الاعتبار، عدم وجود آلية قانونية لتنفيذ ما تهدف إليه، بالضبط مثل عدم السيطرة على انفلات غول الأسعار.

ومع ذلك لا يمكن أن نغفل جانب مهم، مفاده أن المدافعين عن القانون، يؤكدون أنه جاء فى إطار السعى لتحقيق الالتزام الدستورى بتقديم رعاية صحية لائقة وجيدة للمواطنين، وأن هناك نصوصًا واضحة فى تتضمن سحب امتياز الإدارة والتشغيل من المستثمر، حال مخالفته للقواعد التى جرى الاتفاق عليها عند التعاقد، وبشكل فورى، فالمخاوف من أن يطال التوسع فى هذا الأمر، المستشفيات التى تقدم خدمات لذوى الأمراض المزمنة ومرضى الأورام خصوصًا فى ضوء غياب أى استثناءات للمستشفيات التى تمس قطاعًا ليس بالقليل من المواطنين، وتقوم وزارة الصحة بإدارتها، كما تضمن القانون إلزام المستثمر باستمرار تشغيل نسبة لا تقل عن 25 فى المائة، كحد أدنى قابلاً للزيادة من العاملين بالمنشأة الصحية، وبشرط موافقتهم، مع مراعاة الحفاظ على الحقوق المالية والوظيفية لهم ولغيرهم من العاملين الذين سيتم نقلهم لجهات أخرى، بما يعنى أن عدم الاستقرار سيهدد 75 فى المائة من الأطقم الطبية بتلك المستشفيات التى سيتولى المستثمر إدارتها وتشغيلها، وهذا بدوره سيقودنا إلى توسيع مساحة المخاوف فإعطاء الحق للمستثمر فى الاستغناء عن هذه النسبة الكبيرة من العاملين والطواقم الطبية وإعادة توزيعهم إلى أماكن أخرى، من دون مراعاة للظروف الاجتماعية والأسرية، أمر سيزيد من معاناتهم ويؤدى لزيادة وتيرة الهجرة إلى الخارج.

 وهناك من يرى أحقية المستثمر فى الاستعانة بالكفاءات المتميزة لخلق التنافس الإيجابى، وإن هذا سيكون دافعًا لدى الأطباء لتطوير أنفسهم، بل سيحفز عددًا من الذين سافروا إلى الخارج على العودة إلى مصر، والعمل فى هذه المستشفيات، مع الأجور الكبيرة التى سيحصلون عليها من جانب المستشفى عند إدارتها من القطاع الخاص الذى سيتيح رواتب لا تستطيع الحكومة دفعها، هذا القول مفاده طرح الإيجابيات القادمة فى التنفيذ، ورغم وجاهة الطرح من الناحية الشكلية، إلا أن جوهره يصيح بتأكيد المخاوف، خاصة فيما يتعلق بتنفيذ علاج نسبة محددة من ذوى العلاج المجانى، فكيف لمستشفى ستجلب أطباء أجانب بمرتبات ومزايا ضخمة، تستوعب علاج محدودى الدخل، مهما كانت نوايا الحكومة وإعلانها عن المحاسبة.

القانون الجديد يثير مخاوف بشأن استمرار تقديم الخدمات بأسعار مناسبة، من دون تحديد لمصطلح اسعار مناسبة، ولذلك أبدى نقيب الأطباء، فى رسالته لمجلس النواب، تخوفه من جلب أطباء أجانب خريجى جامعات غير معتمدة فى مصر، وغير معترف بها، منتقداً تجاوز القانون الإجراءات المعمول بها لمنح ترخيص مزاولة مهنة الطب للأجانب، ليكون من وزير الصحة وليس من نقابة الأطباء، وفى المقابل ترى لجنة الصحة بالبرلمان أن القانون حدد فى عملية استقدام الأطباء والأطقم الطبية الأجنبية ضوابط عدة، أهمها أن الطبيب الأجنبى يأتى للعمل حصراً فى الجهة التى استقدمته، مع عدم أحقيته فى افتتاح عيادة خاصة به، أو العمل فى مستشفى آخر، الأمر الذى يعنى عدم دخوله لسوق العمل بشكل مباشر، ولكن فقط فى مكان استقدامه، وهو أمر سيجعل عملية الاستقدام مقتصرة على المتميزين من الأطباء.

وبالرغم من التطمينات المتعلقة بالرد على نقابة الأطباء بهدف تبديد مخاوفهم، وأيضا بشأن توفير العلاج للمواطنين البسطاء، إلا أنهم شعروا بالرضا عندما أضيفت نقطة، كانت بالنسبة لهم جوهرية، وهى تلك المرتبطة بالحق فى إلغاء الامتياز حال عدم الالتزام بضوابط التشغيل.

و ومجمل النصوص بحسب ما جرى تداوله سواء فى كواليس مناقشات القانون، أو فى أروقة نقابة الأطباء  مجملها من الناحية الشكلية إيجابية وجيدة، واذا تحققت سوف تصاحبها طفرة بقطاع الصحة؛ لكن يبقى الرهان على آلية المراقبة بتنفيذ كل ما ورد فى القانون عند تطبيقه، فهل هذه الآلية موجودة، أشك والسوابق، كما أسلفت، كثيرة، بل كثيرة جدًا.


مقالات مشتركة