جريدة صوت الملايين
رئيس مجلس الإدارة
سيد سعيد
نائب رئيس مجلس الإدارة
د. محمد أحمد صالح
رئيس التحرير
محمد طرابية

تحقيقات وملفات   2024-06-11T05:34:52+02:00

خريطة أزمات الأحزاب السياسية فى مصر

ايمان بدر

جاء الإعلان عن تأسيس اتحاد القبائل العربية في سيناء ليفتح الباب أمام طوفان من الآراء والتوقعات بين المخاوف والتطمينات، وبالرغم من تأكيد المتحدث الإعلامي للكيان الكاتب الصحفي والنائب البرلماني مصطفى بكري إن مثل هذه الاتحادات والائتلافات هى كيانات وطنية تعمل تحت مظلة الدولة ومؤسساتها السيادية، ولكن برزت علامات استفهام حول العلاقة بين ضعف الحياة الحزبية في مصر وبين تصاعد كيانات سياسية أخرى مثل التحالفات والائتلافات والاتحادات القبلية، حيث طالعتنا أنباء عن تشكيل إتحاد آخر لقبائل الصعيد، ليبقى السؤال هو هل تتراجع الأحزاب السياسية ليحل محلها العصبيات القبلية والعرقية.

للإجابة على هذا السؤال نعود إلى الماضي القريب حيث أجريت انتخابات رئاسة الجمهورية في أواخر عام ٢٠٢٣ ووقتها خاض المرشح المستقل عبد الفتاح السيسي المنافسة مع ثلاثة من رؤساء الأحزاب أحدهم يمثل الوفد حزب الليبرالية العريقة والثاني يمثل تيار اليسار الناصرى والثالث ينتمي إلى جيل الوسط وفصيل رجال البيزنس، وبالرغم من قوة هذه التيارات السياسية ولكن لا أحد كان يتوقع الفوز إلا للسيسى رغم كونه مستقلاً، بل وجاءت الأرقام التى حصل عليها المرشحين الثلاثة مخجلة ليس لشخوصهم التى لها كل الاحترام ولكن للتجربة الحزبية في مصر بشكل عام.

وللوقوف على أسباب ذلك نعود إلى تاريخ تأسيس الأحزاب بعد ثورة يوليو ١٩٥٢ التى توحدت خلفها قوى الشعب في نظام احادى فرضته طبيعة المرحلة ما بعد التحول من الملكية إلى الجمهورية، ثم خوض معارك الاستقلال وحروب بناء الدولة، فانحلت الأحزاب التى كانت قريبة من القصر الملكى وتأسس الاتحاد القومي ثم الاتحاد الاشتراكي في ظل شعار لا صوت يعلو فوق صوت المعركة، مع تتالى المعارك التي خاضها نظام الزعيم الراحل جمال عبد الناصر.

ومع انتهاء الحرب وتحقيق الانتصار ثم إقرار السلام بات الواقع يفرض حالة من الهدوء والاستقرار تقتضي إقامة الديمقراطية والتعددية فأصدر الرئيس الراحل أنور السادات قانون الأحزاب عام ١٩٧٧ بمقتضاه تأسست المنابر التى تحولت إلى أحزاب سياسية، واحتفظ السادات لنفسه برئاسة الحزب الوطني ليتحول إلى نجم الشباك وحوله مجموعة من السنيدة والكومبارس، يحصل بعضهم على مقاعد برلمانية لا تقترب من أرقام مقاعد حزب الأغلبية الحاكمة، بل وبعضها لا يستطيع الحصول على أى تمثيل برلماني إلا بصفقة مع الحزب الحاكم، الذى تعمد إضعاف الأحزاب القائمة بزرع الانشقاقات داخلها تارة أو بعقد صفقات مع جماعة الإخوان الأصولية تارة أخرى لتزاحم الأحزاب ليس فقط على مقاعد البرلمان ولكن لتزيحها تماماً من الشارع ومن المجال العام وتسيطر التيارات المتأسلمة منفردة على النقابات والجمعيات الخيرية والمجتمع المدني وتتوغل في حياة الناس وبيوتهم وتربى أولادهم، حتى بات من اليقين أنه حال سقوط الحزب الوطني بقيادة الرئيس الأسبق الراحل حسني مبارك لأى سبب لن يقفز على السلطة سوى الإخوان ولن يكون هناك غيرهم أكثر جاهزية لخوض الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، وهو ما حدث بالفعل عقب ثورة يناير ٢٠١١.

ولكن حين هب الشعب المصري للحفاظ على هويته الوطنية واسقط تلك الجماعة التى ثبتت خيانتها وعمالتها، وجاءت ثورة ٣٠ يونيو بنظام الرئيس عبد الفتاح السيسي، لم يخفي عليه أن الوطن بحاجة لكوادر سياسية شابة قوية، فكان أول رئيس عربى يدعو لعقد مؤتمرات الشباب ويقود جلساتها بنفسه كما تأسست الأكاديمية السياسية للشباب وتنسيقية شباب الأحزاب والمستقلين ودعا إلى الحوار الوطني الشامل لتقوية الحياة السياسية في مصر.

ولكن جاءت انتخابات الرئاسة لتؤكد أنه مازال أمامنا الكثير، لأن الحزب السياسي بحسب تعريف الدكتور على الدين هلال أستاذ العلوم السياسيه هو كيان تأسس لكى ينافس على الوصول للحكم، ومادامت الأحزاب بعيدة كل البعد عن هذا الحلم فستظل أحزاب ضعيفة أو ديكورية خاصةً مع تزايد أعدادها بشكل كبير خلال الفترة منذ ثورة يناير وحتى الآن، حتى أن أحداً لا يصدق أن لدينا في مصر أكثر من مئة حزب، لا يستطع أى منها تشكيل أغلبية برلمانية قوية إلا بعد التحالف والدخول في ائتلافات مع بعضها، لتتصاعد أصوات أطالب بحل الأحزاب الضعيفة وضم الأحزاب ذات التوجهات السياسية والاقتصادية المتقاربة ليكون لدينا عدد قليل من الأحزاب لكنها قوية وفعالة لأن العبرة ليست بالكثرة.

وفي إطار حرصه على دعم الحياة السياسية والحزبية التقى الرئيس السيسى عقب إعلان فوزه برئاسة مصر مع منافسيه رؤساء الأحزاب الثلاثة حازم عمر وعبد السند يمامة وفريد زهران، وناقش معهم اقتراحاتهم التى خرجوا بها من تجربة الانتخابات وكيف يمكن الوصول إلى تمثيل سياسى أفضل للأحزاب.

وبالرغم من ذلك وحتى كتابة هذه السطور لم يتم تحديد موعد لإجراء انتخابات المحليات لأن الأحزاب لازالت غير جاهزة في مقابل مخاوف من قفز مرشحو الجماعات المتطرفة والتيارات المتأسلفة على المقاعد، ناهيك عن خطر العصبيات القبلية الذى أعلن عن نفسه بقوة.

 

 

 

بعد تكرار فشلها فى الإنتخابات البرلمانية

 

دمج الأحزاب هو الحل !!

 

إذا كان تعريف الحزب السياسى كما أشرنا هو جماعة تسعى للوصول إلى السلطة، وفى ظل فشل غالبية الأحزاب الموجودة حاليًا ليس فقط فى تحقيق هذا الهدف ولكن أيضًا فى احتلال نسبة معقولة من المقاعد البرلمانية والنيابية، تصبح المعضلة الأبرز هى هل علينا أن نتمسك ب( أكليشيه ) حرية تأسيس الأحزاب بالإخطار فقط"، وهو حلم تحقق كأحد مكتسباب ثورة يناير 2011، وأفرز عشرات الأحزاب التى لا يعرف المواطن حتى إسمها أو أسماء رؤوساءها، أم علينا أن نعود إلى وضع معايير لتأسيس الأحزاب كما كانت من قبل، وهل تدخل الدولة يمثل عبأ ويزيد من التحديات التى تعوق عمل الأحزاب فى المجال العام، وما هى أبرز هذه التحديات.

يجيب عن هذه التساؤلات الباحث السياسى محمود إبراهيم من خلال ورقة بحثية أعدها بعنوان " نحو حياة حزبية للجمهورية الجديدة"، أوضح خلالها أن حرية التنظيم ليس هدفًا فى حد ذاته وإنما هى وسيلة لتجميع المصالح المشتركة والمتقاربة، والأهم التفاوض بشانها وتعبئة المواطنين حولها وصياغة السياسات العامة وتربية الكوادر السياسية على العمل العام والسياسى وتحقيق المصالح العامة، وأشار " إبراهيم" فى سياق دراسته إلى أن هذا العمل غير مرتبط فقط بالانتخابات ولكنه مستمر لأنه جزء من الحياة العامة والمجال العام، لافتاً إلى أن الأصل فى العمل الحزبى هو المنافسة حول التعبير الأفضل عن المصالح، وإقترحت الدراسة أن يتم الإبقاء على تأسيس الأحزب بالإخطار لكن مع تقليل العدد إلى 3000 توكيل، والإبقاء أيضًا على شرط الـ10 محافظات لضمان عدم التكتل القبلى أو الحدوى، مشددة على أن تكون على أرضية وطنية وتضع خط واضح وفارق بين ما هو وطنى لا يجوز الإختلاف عليه وماهو سياسى يمكن الإختلاف عليه.

ولأن تخفيض الرقم إلى 3000 توكيل قد يفتح الباب أمام المزيد من الأحزاب الكرتونية تفادت الدراسة هذا الخطر بأن يكون عدم نجاح الحزب خلال 3 دورات متتالية فى الحصول على مقعد برلمانى على الأقل فى مجلسة الشيوخ أو النوب، أو 10 مقاعد فى المجالس المحلية، يحوله تلقائياً إلى لجنة من لجان العمل السياسى وليس حزبًا، فى محاولة للقضاء على التعددية الحزبية السلبية، مع وضع قواعد لتنظيم عمل هذا اللجان، وتشجيع الأحزب الصغيرة على الاندماج والتحالف الذى يؤدى إلى نضوج التجربة السياسية وممارستها.

 

 

 

 

 

حجم التمويل المالى السنوى

 

- مليون جنيه سنويًا لكل حزب له تمثيل نيابى ونصف مليون للحزب الغير ممثل فى البرلمان

 

- عودة الدولة إلى التمويل وفتح باب التبرعات مع الرقابة والشفافية

 

تطرق الباحث فى سياق دراسته إلى أبرز التحديات التى تواجه الأحزاب، ومثل كل الكيانات فى الدول الفقيرة تعانى الأحزاب هى الأخرى من فقر التمويل، لافتًا إلى أن المخاوف من إتاحة وجود مصالح مالية وإقتصادية للأحزاب هى مخاوف كانت وليدة الحقبة الاشتراكية التى انتهت، ومن ثم يتعين على الدولة إتباع الحلول التى نجحت بالفعل فى دول أخرى استطاعت مواجهة خطر المال السياسى، وأبرز تلك الحلول عودة الدولة إلى تقديم الدعم المالى للأحزاب، سواء بشكل مباشر أو فى صورة دعم إعلامى وإعفاءات من الضرائب.

وبالأرقام حددت الدراسة هذا التمويل بأن يكون مليون جنيه سنوياً لكل حزب لديه تمثيل برلمانى ونصف مليون جنيه للحزب الذى لم يحرز مقاعد برلمانية بعد، مع عدم وضع سقف للتبرعات الحزبية طالما تتم فى إطار من الشفافية والافصاح ووجود رقابة على الإنفاق، كما يجب السماح للأشخصا الاعتبارية بتمويل الأحزاب لتوسيع قاعدة المستفيدين من الجمهور، مع إلزام كل حزب بتقديم بيان بما حصل عليه من تبرعات وكيفية إنفاق هذه الأموال إلى لجنة شئون الأحزاب.

 

 

            حل نهائى للصراعات والانشقاقات الداخلية

 

-           تشكيل لجنة لفض المنازعات على رئاسة أى حزب

 

دائمًا ما يواجه العمل العام وحتى النقابى فى مصر أزمة الصراعات والانشقاقات الداخلية، رغم أنه من المفترض عمل تطوعى " تكليف وليس تشريف" وفيها يتعلق بالأحزاب يتردد أحيانا أن الدولة كانت فى عهود سابقة تتدخل لتزرع الأزمات داخل أى حزب يبدأ فى الصعود لصالح الحزب الذى كان حاكمًا، ولكن حاليًا لا يوجد حزب حاكم بزعامة رئيس الجمهورية ولا حزب يشكل الحكومة، ومن ثم لدينا فرصة سانحة لإيجاد آليات القضاء على الصراعات الحزبية الداخلية، لأنها حاليًا أقل حدة، أما لو قدر لمصر أن يصبح لديها حزب يشكل الحكومة أو يقرر رئيس الدولة أن ينضم إليه فسوف تكون الأزمات شديدة العنف، من أجل إضعاف الأحزاب الأخرى والتطبيل للحزب الذى سيكون حاكماً. ومن أجل التغلب على مشكلة الصراعات الحزبية الداخلية، قالت الورقة البحثية يمكن أن تكون هناك ما يشبه لجنة حكماء فرعية يتم انتخابها من الأحزاب كلها تتكون من عشرة أعضاء تكون بمثابة لجان فض المنازعات الحزبية على رئاسة أي حزب، وتصدر توصياتها التي تكون بمثابة قرار إداري يجوز الطعن عليه أمام القضاء الإداري ولكنها ستمثل أساسًا شرعيًا وأخلاقيًا يستند إليه أطراف أي نزاع حزبي ويحقق الاستقلالية ويمنع التحجج بتدخل الدولة في الشؤون الحزبية ويعزز الديمقراطية الحزبية عبر ممارستها بشكل جماعي.

 

            مخاوف من إملاء القرارات وإثارة الفوضى

 

كيف تنفتح الأحزاب على دول العالم دون السماح لها بالتدخل فى شئون البلاد ؟!

 

لا تقتصر مشاكل الأحزاب الداخلية على الصراعات حول رئاسة الحزب ومقاعده القيادية فقط، ولكن هناك مشكلة عدم وجود تواصل بين القيادات المركزية فى القاهرة وبين القواعد الجماهيرية فى المحافظات، وللتعامل مع تلك المعضلة أوضحت الدراسة أنه خلال السنوات القليلة الماضية  تطورت وسائل الاتصال ووسائل التواصل الاجتماعي وأصبح الاتصال الحزبي الداخلي أو حتى مع الجماهير له أشكال مختلفة ليست كما كانت طوال الـ200 عام السابقة، كم أن الاستقطاب الأيديولوجي والسياسي بفعل وسائل التواصل الاجتماعي أصبح أقوى ويؤثر في المجتمعات والمؤسسات والتنظيمات السياسية بشكل عميق يحتاج إلى تعامل مرن معه يجمع بين الحفاظ على المؤسسات الدستورية والقانونية بقوتها وفاعليتها وفي نفس الوقت يستوعب قوى التغيير الصاعدة غير المنظمة.

كما أن لجنة شؤون الأحزاب يجب أن يكون لها موقع على الإنترنت، ويوضح عليه قانون الأحزاب، ويحتوي على القرارات والمعلومات المختلفة، وتستطيع الأحزاب الوصول إليها والتفاعل معها، وكذا يجب أن يكون للأحزاب مواقع على شبكة الانترنت بل وأن أغلبها لها تواجد على وسائل التواصل الاجتماعي وهو ما يحتاج إلى حماية وتنظيم لهذا التواجد.

 

أحزاب الحوار الوطني تحتفل بذكرى 23 يوليو..وإهداء درع الثورة لرئيس  الديمقراطي الناصري..صور

كما أن جزءًا مهمًا من الانفتاح على العالم هو الاطلاع والاستفادة من تجارب الدول الأخرى والديمقراطيات الناشئة، مع مراعاة مشددة للخط الفاصل بين التعاون والاطلاع والتعلم وبين التدخل والإملاء وإثارة الفوضى.


مقالات مشتركة