فى وزارة العمل .. لجنة ل (غربلة ) المستشارين والإطاحة بـ9 قيادات ترشيدا للإنفاق       خفايا لعبة القط والفار بين مصر والموردين الدوليين فى صفقات استيراد القمح       زيزو يشترط على مجلس الزمالك إما الحصول على 60 مليون جنيه سنوياً أو البيع بشكل نهائى       فى المرحلة الثاثلة للتنسيق .. أماكن محدودة بالجامعات معظمها لطلاب الشعب العلمية بالحقوق انتساب والخدمة الاجتماعية والتربية الرياضية       تفاصيل طلب جماعة الإخوان الصلح مقابل الإبتعاد عن السياسة       مفاجأة .. شركات الأدوية تطلب إعفاءات جمركية وضريبية !!       تفاصيل النظام الجديد لحفلات التخرج بالجامعات       إعلان نتائج تنسيق المرحلة الثانية للتنسيق قبل نهاية الأسبوع الحالى       الليلة .. محمد صلاح يطمع فى تحقيق انجاز جديد أمام برينتفورد بالدورى الإنجليزى       التعليم العالي: 325 ألف طالب يسجلون في تنسيق المرحلة الثانية للقبول بالجامعات       حقيقة تأجيل موعد بدء الدراسة بالمدارس الحكومية للعام الدراسي الجديد 2024 - 2025  
جريدة صوت الملايين
رئيس مجلس الإدارة
سيد سعيد
نائب رئيس مجلس الإدارة
د. محمد أحمد صالح
رئيس التحرير
محمد طرابية

سيد سعيد يكتب   2024-08-26T03:04:39+02:00

عفوًا يا حكومة.. التعليم أمن قومى وليس حقل تجارب

سيد سعيد

 

لماذا لا يثق المواطن فى قرارات الحكومة؟ حتى لو كانت إيجابية.. وما المطلوب منها - أى الحكومة - لتنال الرضا الشعبى؟

إن أى إجابة عن أى تساؤل، لن تكون مريحة، ولن تبعث على التفاؤل، بل إن أى إجابة، ستقذف من جوفها علامات استفهام، طازجة تطل برأسها، بحثًا عن إجابة تريح الصدور، وكأننا ندور فى الفراغ، تتقاذفنا التساؤلات، بحثًا عن إجابات، ثم تلقى بنا الاجابات إلى ذات الفراغ، مرة ومرات ومرات، دون جدوى، وهذه هى المأساة التى أُبتلينا بها عبر عقود طويلة، جراء سياسات الحكومات المتعاقبة،

 وربما يعود فقدان الثقة، إلى عدم وجود حوار مجتمعى، خاصة فيما يتعلق بالقضايا المصيرية، التى تخص المجتمع بكل شرائحه وفئاته، وفى القلب منها قضية التعليم، باعتبار أن التعليم من أهم مفردات الأمن القومى المصرى، إن لم يكن الأهم على الإطلاق، لذا فإن القرارات التى أصدرها محمد عبداللطيف، وزير التربية والتعليم، الخاصة بهيكلة نظام الثانوية العامة وإلغاء الدروس الخصوصية، وإغلاق السناتر، وإلزام الطلاب بالحضور، أحدثت جدلًا واسعًا، حول ما سيترتب عليها من تداعيات سواء إيجابية أو سلبية.

بالطبع.. لا أحد يستطيع الانصراف بعيدًا عن الجدل الدائر، حول تلك القرارات، المتعلقة بتحديد مواد الدراسة، وإلغاء مواد فى الشعبة الأدبية وشعبتى العلوم والرياضيات، فالقرارات فتحت مساحة لتباين الآراء حولها واستدعت جدلًا يتجدد من حين لآخر حول سياسات الحكومات المتعاقبة، وعدم وجود استراتيجية واضحة للتعليم، وفى جميع الحالات ينقسم الناس حول القرارات بين مؤيد لها بصورة مطلقة، ومؤيد بتحفظ، وأصوات أخرى رافضة لها من حيث الشكل والمضمون.

وفى تقديرى الشخصى، أن قرارات تحديد المناهج والتزام التلاميذ بالحضور وإلغاء الدروس الخصوصية إيجابية بامتياز شكلًا، لكن يصعب تحقيقها من حيث المضمون، كما أنها ليست جديدة، فكل وزير يأتى يؤكد عليها، لكن يبقى الحال على ما هو عليه، لا التلاميذ انتظموا فى الدراسة، ولا ظاهرة الدروس الخصوصية تراجعت، ولا السناتر أغلقت، فهذه القرارات وغيرها فى نظر الكافة، مجرد قرارات سرعان ما تتبخر، ولا يتبقى منها سوى الصخب الإعلامى، فالقرارات الحكومية تكتسب قوتها من القدرة على تنفيذها، وتصبح بلا قيمة، ما لم يتم تفعيلها بآليات تنفيذ تحمل الثواب والعقاب.

يا سادة.. هناك ضرورة لقراءة القضية من زاوية أوسع، نعم.. المجتمع يريد القضاء على بعبع الثانوية العامة، لكن بالتأنى وليس بالتسرع، حيث يوجد عجز فى المدرسين، كما أن المدارس لا تكفى لفترة الواحدة، بما يعنى العودة لنظام الفترتين.

وإذا كانت هذه القرارات ستخفف الأعباء المالية التى يتم استنزافها فى الدروس الخصوصية، حال القضاء فعلاّ على تلك الظاهرة، فضلًا عن أن تحديد المواد، بمثابة توظيف للقدرات العلمية، بهدف اجتياز المناهج الدراسية، وفق رغبات الطالب، وليس إلزامه بمناهج لن يستفيد منها، ولا تتوافق مع ميوله ورغباته، لكن يبقى السؤال الجوهرى والمهم.. هل هناك خطة واضحة لربط التعليم بسوق العمل؟

إن عمليات التجريب فى التعليم أنتجت كوارث لا نستطيع تجاوز تداعياتها على الأقل فى المنظور القريب، فعلى مدار ثلاثين عامًا، جرى ما جرى خلالها من سياسات عشوائية، ذهبت بنا من فشل إلى فشل، بما يعنى أن الفشل نتج عن تراكم سياسات خاطئة، بدأت من إلغاء الصف السادس الابتدائى، ثم عودته مرة أخرى، فحدث خلل فى المرحلة، ثم تطبيق نظام التبلت، ولم تكن هناك بنية تحتية مؤهلة لنجاح التجربة المشكوك فى نجاحها منذ البداية، ثم اتسع نظام السناتر، وأصبحت بديلا للمدارس، نعم بديلا للمدارس، كما تحولت المدارس  إلى سوق للاتجار فى المجموعات الدراسية بدون أى فائدة سوى تحصيل المعلوم.

فجأة وبدون مقدمات، تم الإعلان عن تفاصيل خطة إعادة هيكلة الثانوية العامة بمراحلها الثلاثة، والتى تضمنت إلغاء مواد، وإضافة مواد جديدة، واحتساب درجات بعض المواد الدراسية ضمن إجمالى المجموع الكلى، الذى يحصل عليه الطلاب، بحيث تؤثر على النتائج النهائية للامتحانات وعدم احتساب درجات مواد أخرى مهمة، كانت تُحتسب من قبل لتكون عاملًا حاسمًا فى نتائج الطلاب، بالاضافة الى اقتصار المواد الأساسية التى تضاف للمجموع لـ 5 مواد فقط يدرسها طلاب الصف الثالث الثانوى بالشعب الثلاثة كل حسب تخصصه.

على خلفية الإعلان حدث نقاش واسع، جرى خلاله تبادل الاتهامات، تمت عبر مواقع التواصل الاجتماعى بين أولياء الأمور، وكذلك معلمى بعض المواد التى طالها الـ «تهميش» وفقًا لرؤيتهم، حيث يوجد مؤيدون للقرارات ورافضون لها، كما رأى البعض أن التغييرات الجديدة من شأنها إصلاح نظام الثانوية العامة، بينما يعتقد آخرون أنها تدمير للتعليم.

المتفاعلون، بإيجابية واستحسان مع قرارات الوزير، يعنى بصريح العبارة «المؤيدون» يرون أن هذه القرارات ستزيل الرهبة والتعقيد والقلق، والمخاوف التى تنتاب الطلاب فى السنة الدراسية المفصلية فى حياة كل طالب، ووجهة نظرهم، بحسب متابعتى للجدل المشتعل، مفادها أن تقليص عدد المواد الدراسية إلى خمس مواد فقط، يسهل على الطلاب الإلمام بها، وتحقيق أفضل النتائج، وأنها ستنهى الكابوس، كما رأى الكثير من الآباء وأولياء الأمور، أن النظام الجديد سيوفر عليهم الكثير من المال، بعد أن تقلص عدد المواد إلى خمس مواد فقط،

 

 

 

 

حيث كانوا يضطرون إلى دفع تكلفة الدروس الخصوصية فى عدد كبير من المواد.

فيما يرى المعارضون أن التغيير فى نظام الثانوية العامة قد يضعف مستوى التعليم، بسبب حذف بعض المواد التى يرونها مهمة، وهى بالفعل كذلك، مثل مواد، الجغرافيا، وعلم النفس والفلسفة، واللغة الأجنبية الثانية، التى تم تهميشها.

هؤلاء يطالبون بالإبقاء على النظام القديم للثانوية العامة، الذى أفرز العلماء والأدباء، رافضين أن يكون التعليم حقل تجارب لكل وزير.

المعارضون للقرار يرون أنه قرار متسرع، وكان يحتاج لمزيد من التأنى فى دراسته والوقوف على مدى تأثيره على المدى البعيد، فيما يتعلق بالمستوى التعليمى والمستوى الاقتصادى.

بالوقوف على حزمة من الحقائق التى تم إغفالها فى زخم الجدل والنقاش حول القرارات الجديدة، لا بد من إلقاء الضوء على النتائج السلبية، فبموجب القرار تم تهميش عدد ليس بالقليل من أقسام كليات الآداب والتربية والألسن، وهو ما يترتب عليه زيادة عدد العاطلين عن العمل قد يقدر بـ بالآلاف سنويًا.

 

كما أن أغلب النقاط التى طرحها الوزير فى خطة الهيكلة المعلنة، غير قابلة للتطبيق بالأساس بسبب العجز الصارخ فى عدد المعلمين، وهم العمود الفقرى لمنظومة التعليم، وهناك الكثير من المدارس تلجأ لضم الفصول وترك فصول فارغة، بسبب عدم وجود معلمين، وهذا نتيجة التوقف عن تعيين معلمين منذ 2013، وخلال الـ 11 عامًا، لم يتم سوى تعيين 46 ألف معلم فقط، 30 ألفًا فى 2015 و16 ألفًا العام الماضى، وفى المقابل يتم خروج نحو 30 ألف معلم تقريبًا للمعاش كل عام، وهو ما يعنى أن عدد المعلمين حاليًا أقل من عددهم قبل 11 سنة.

جانب آخر يشغل أولياء أمور الطلاب المؤجلين، ممن قاموا بتأجيل، أو تقسيم المواد الدراسية بالصف الثالث على عامين وكذلك الطلاب الراسبين من العام الماضى، ما هو موقفهم ومصيرهم، خاصة أن الوزير لم يشر بأى قرار بشأنهم، هل ستكون امتحاناتهم وفق النظام القديم أم الجديد؟ هل سيوجد نظام قديم يقدر من 410، ونظام حديث يقدر من 320؟ كيف سيتم تنسيق الجامعات فى العام 2025 فى وجود نظامين تعليميين؟

 

كما أثيرت تساؤلات كثيرة حول دمج مواد الكيمياء والفيزياء والأحياء فى مادة واحدة تحمل اسم العلوم المتكاملة، وهنا تتقاذف الأسئلة المهمة والمنطقية عن كيفية تطبيق ذلك القرار خلال العام الدراسى المقبل 2024/2025، والذى سيبدأ بعد أسابيع قليلة، ومن سيقوم بتدريس تلك المواد لطلاب الصف الأول الثانوى، وهل سيكون مدرس واحد كفء لتدريس الكيمياء والفيزياء معًا، خاصة وأن المدرسين فى الثانوى على مدار سنوات طويلة، متخصصين إما كيمياء أو فيزياء، فهل هؤلاء مؤهلين الآن لشرح الفرعين؟

وجانب آخر، يجب وضعه فى الاعتبار، مفاده التسرع فى تطبيق النظام الجديد، بما يعنى أن التسرع سيجعل المتخصصين فى وضع المناهج الدراسية يعملون من الآن وعلى عجل فى دمج مادتى الكيمياء والفيزياء فى منهج جديد.

من الطبيعى أن يتسع الغضب الممزوج بالخوف من القادم، المجهول، بين معلمى المواد الملغاة بسبب فقدان مصدر دخلهم، وفى ذات الوقت لن تتوقف آثار الهيكلة الجديدة عند هذا أو على الطلاب وأولياء الأمور، بل سيمتد إلى المعلمين الذين تقرر إلغاء موادهم من حسابات المجموع النهائى للثانوية العامة، ومن بينها اللغة الفرنسية، وهى المادة التى لم تعد درجاتها تحتسب من المجموع الكلى للثانوية العامة، فهناك خيبة أمل لدى بعض المعلمين الذين تم إلغاء المواد التى يدرّسونها، لم تتوقف عند حد القلق بشأن دخلهم الشهرى حيث يرى معلمو هذه المادة أن اتخاذ قرار خروج اللغة الثانية من المواد التى تضاف لمجموع الطالب، ألحق بهم أضرارًا نفسية ومادية، باعتبار أن الأعباء الاقتصادية على الأسر، زادت بصورة مرعبة، إلا أنه وبين ليلةٍ وضحاها انقلبت ترتيبات حياتهم رأسًا على عقب، فى ظل ضعف مرتباتهم.

قد يتصور البعض أن الأمور تتعلق فقط بطلاب الثانوية العامة وذويهم، لكن الأمر ليس كذلك، حيث طال القلق، الطلاب داخل الكليات، من الذين تخصصوا فى اللغات الفرنسية والألمانية والإيطالية والإسبانية بكليات الآداب والتربية والألسن وينتظرون التخرج للعمل، أين سيذهبون، وأين سيعملون؟

القرارات الجديدة فى ظاهرها، تستهدف التخفيف على الطلاب، والتركيز على المحتوى العلمى، لكن جوهرها، يبعث على المخاوف، لعدم القدرة على بلوغ الأهداف المرجوة من أى إصلاح، مثل جودة التدريس، وهذا لا يتحقق إلا بتوفير معلمين أكفاء، حصلوا على تدريبات حقيقية بصورة تتماشى مع عمليات التطوير، مع التأكيد على الابتعاد عن التدريبات الصورية لمعلمى المناهج المُختلفة.

أما بخصوص دمج مواد وإلغاء أخرى أو استبعادها من الإضافة لمجموع، فهذا لن يلغى الدروس الخصوصية، وإن كانت ستساهم فى تخفيفها، لذا فإن الضروريات تحتم على الحكومة، الاهتمام بوضع المعلم الذى ضاعت هيبته، بعدما أصبح المدرس يتقاضى أجره من الطالب جراء الدروس الخصوصية، ولا أخفى سرًا، إذا تحدثت عن أطروحات نقابة المهن التعليمية للوزير فى هذا الشأن، لإعادة مكانة المعلم، الذى كان شامخًا.

وإذا كانت هناك إيجابيات لا يمكن القفز عليها، أيضًا توجد سلبيات يجب إلقاء الضوء عليها لتلافيها، منها العجز فى المدارس والذى يتجاوز 470 ألف معلم، خاصة فى المرحلة الابتدائية ورياض الأطفال، وهو ما يتطلب حلولا عاجلة لسد العجز لتحقيق الاستقرار المطلوب فى العملية التعليمية، وربما كان ذلك وراء مطالبة نقيب المعلمين، بالإطلاع على الإجراءات الجديدة، لتوضيح أوضاع المعلمين الذين يقومون بتدريس المواد التى خرجت من المجموع مثل، اللغة الأجنبية الثانية والجيولوجيا، وتحديد طبيعة عملهم مع قرار متوقع بتخفيض عدد الحصص الدراسية باعتبارها مواد خارج المجموع، ومعلمى الجغرافيا بعد قرار رفع المادة للعام الدراسى الجديد من المواد التى تدرس فى الصف الأول الثانوى لحين تطويرها، فضلا عن تفسير واضح لطريقة تدريس المواد التى تم دمجها «مادتى الكيمياء والفيزياء» للصفين الأول والثانى الثانوى، تحت مسمى العلوم المتكاملة فى ظل اقتراب انطلاق العام الدراسى الجديد.

فى سياق الحديث ذاته، لا يفوتنا التنبيه على ضرورة إجراء تدريبات عملية لطلاب الفرق النهائية بكليات التربية، لتأهيلهم قبل التحاقهم بالعمل، لكن قبل هذا وذاك، يصبح لزامًا على الحكومة قبل غيرها العمل على إعادة هيبة المعلم، وهذا لن يتحقق على أرض الواقع إلا بحزمة من القوانين والإجراءات لحمايته، وكذلك تقديم كل سبل الدعم المادى والأدبى له للقيام بدوره على أكمل وجه، وهذا من ضرورات استقرار العملية التعليمية، باعتباره العمود الفقرى لأى عملية تطوير، كما أن تحقيق الأهداف المطلوبة لن يأتى إلا بتهيئة الأجواء المناسبة للمعلم ليؤدى رسالته فى طمأنينة.


مقالات مشتركة