جريدة صوت الملايين
رئيس مجلس الإدارة
سيد سعيد
نائب رئيس مجلس الإدارة
د. محمد أحمد صالح
رئيس التحرير
محمد طرابية

تحقيقات وملفات   2024-09-06T06:39:46+02:00

خريطة الممرات المائية المنافسة لقناة السويس المصرية

ايمان بدر

حين دعت الدولة المصرية مواطنيها إلى المشاركة فى حفر قناة السويس الجديدة " التفريعة التى تحقق أزدواجية مرور السفن" تسارع المواطنين إلى شراء شهادات قناة السويس وتم تجميع الرقم الشهير 64 مليار جنيه خلال أيام قليلة، ولم يكن السبب فقط هو قيمة العائد المرتفعة بدليل إن كل من كان يمسك الشهادة فى يده كان يلتقط لنفسه صورة معها وينشرها على صفحته بمواقع التواصل الاجتماعى وتعالت أصوات الزغاريد حول فروع البنوك الوطنية، وتلك الكلمة الأخيرة

 " الوطنية" هى السر، لأنها ليست مجرد وعاء إدخارى مصرفى يحقق عائد ضخم ولكنه مشروع قومى التف حوله المصريون مثلما التف أباءهم حول السد العالى، ولأنهم يعلمون أن أجدادهم  الكبار حفروا هذه القناة قديمًا بأظافرهم وأجسادهم النحيلة وجرت فيها دمائهم قبل المياة، مثلما حررها أجدادهم الأقرب وأمتزجت دمائهم بمياهها حين عبروها فى أكتوبر 1973، ومن ثم تبقى لقناة السويس مكانة خاصة فى قلوب المصريين جيلًا بعد جيل، بل وتتعاظم قيمة السد العالى لأنه بنى بأموال تأميم القناة وعودتها إلى ورثتها الشرعيين.

ومن المشاعر الانسانية إلى الأرقام الاقتصادية تمثل قناة السويس المصدر الأول للعملة الصعبة والمكون الرئيسى للنقد الأجنبى اللازم لاستيراد كل احتياجات البلاد، كما أنها تمثل المكون الأول للاحتياطى النقدى لدى البنك المركزى ويليها تحويلات المصريين فى الخارج وإيرادات السياحة والصادرات.

ولأن العلوم السياسية والاقتصادية لا تنفصل عن الاستراتيجية والعسكرية، وقتما كانت مصر تحفر قناة السويس الجديدة، أكد الخبراء أنها بذلك حققت إنتصارًا جديدًا على العدو الصهيونى، وأجهضت حلمه لشق قناة

 " بن جوريون" والتى كان الكيان المحتل يخطط لأن يحفرها لينافس بها قناة السويس القديمة.

ومن صهاينة اليهود إلى أحفاد الفرس، حيث تولى أتباعهم الحوثيين مهمة إعادة التحرش بقناة السويس من خلال توجيه ضربات تستهدف السفن العابرة فى مضيق باب المندب مؤخرًا، يزعمون أنها بهدف مقاومة الاحتلال الاسرائيلى على خلفية عملية 7 اكتوبر 2023 وأحداث غزة، ولكن تسببت هذه الضربات فى إنخفاض أعداد السفن العابرة للقناة، ولجأت غالبيتها إلى طريق رأس الرجاء الصالح، رغم طول المسافة وصعوبة الرحلة.

وعلى خلفية ذلك أكد الفريق أسامة ربيع رئيس هيئة قناة السويس أن الهيئة تدرس حاليًا عدة مقترحات لرفع المميزات التنافسية للقناة، لتستعيد كثافة مرور السفن وبالتالى تعود الإيرادات السنوية التى تراجعت بنسبة كبيرة.

وفى السياق ذاته برزت تساؤلات عن طريق رأس الرجاء الصالح وما هى مميزاته التى يمكن أن تتخطاها القناة المصرية، وهل هو المنافس الأوحد لها، وهل دبرت إسرائيل أزمة غزة الحالية لإجلاء الفلسطينين منها قسراً وتنفيذ مشروع القناة الإسرائيلية فى هذه المنطقة، حسبما يرى بعض الخبراء.

 

 

 

زيادة أعداد السفن العابرة له بنسبة 41% بسبب الهجمات الحوثية

 

-        رأس الرجاء الصالح طريق قديم تعانى موانيه من ضعف الإمكانيات فى مواجهة الازدحام وشبح عودة القرصنة

 

تقوم العديد من المشروعات اللوجيستية على فكرة إستغلال دولة ما لموقعها الجغرافى بهدف تشييد ممرات لوجيستية تخدم خطوط التجارة الإقليمية والعالمية المارة فى نطاق إقليم معين أو العابرة للقارات.

وفيما يتعلق بالمشروعات التى تعتبر منافس حالى أو مستقبلى لقناة السويس، صدر مؤخرًا تقرير بعنوان " قناة السويس فى مواجهة المنافسة العالمية"، أعده مصطفى عبداللاه الباحث بالمركز المصرى للفكر والدراسات الاستراتيجية،  وفى الحلقة الأولى من هذا التقرير تناول الباحث هذه الممرات التى يعتقد أنها قد تصبح منافسًا قوياً لقناة السويس.

ولعل أقدم هذه الطرق وأشهرها طريق رأس الرجاء الصالح، الذى تربع على رأس الممرات البحرية الرابطة بين شرق العالم وغربه منذ أواخر القرن الخامس عشر وحتى أواخر القرن التاسع عشر، إلا أن أهميته أخذت في الخفوت مع افتتاح مصر لقناة السويس عام 1869، حيث ساعدت القناة المصرية على اختصار المسافة بين أقصى شرق آسيا وأقصى غرب أوروبا بنسبة تقارب على 26%، كما قلصت من أزمنة الرحلات بما متوسطه 20 يومًا بالمقارنة باستخدام طريق رأس الرجاء الصالح، كما عملت الدولة المصرية خلال العقود الماضية على توسعة وزيادة مرافق قناة السويس، وهو ما ساعدها على إمكانية استقبال ناقلات الحاويات العالمية من مختلف الأحجام، فضلًا عن 93% من إجمالي سفن الصب، و61.2% من سفن نقل البترول.

وعلى جانب آخر أسهمت محدودية إقبال السفن العالمية على استخدام طريق رأس الرجاء الصالح في ضعف نشاط الموانئ الأفريقية المطلة على مسار الطريق بدول مدغشقر وجنوب أفريقيا علاوة على دول ليبيريا وسيراليون وغينيا والسنغال غيرها من دول الساحل الغربي الأفريقي، هذا ما حد من ضخ الاستثمارات التنموية فيها على مدار العقود الماضية، ليتسبب ذلك في بقاء تلك المواني خاصة موانئ الحاويات منها بين فئة الموانئ الصغيرة أو المتوسطة على أكثر تقدير، كما حُرمت أغلب تلك الموانئ الصغيرة من إمكانية الدخول في تصنيفات التنافسية العالمية، أما النسبة القليلة من الموانئ الأفريقية التي نجحت في إيجاد مكان لها داخل تلك التصنيفات، لم تستطع بإمكاناتها المحدودة أن تجاوز المراتب الأخيرة داخل أي تصنيف عالمي.

وانتقل الباحث عبر الزمن من الماضى إلى الحاضر، حيث ساعدت التوترات الأمنية التي اندلعت بجنوب البحر الأحمر منذ نوفمبر الماضي 2023 – بسبب هجمات الحوثيين على السفن- على إعادة الزخم إلى طريق رأس الرجاء الصالح، بعد قيام العديد من خطوط الشحن العالمية بتحويل حركة سفنها باتجاه هذه الممر الملاحي عوضًا عن طريق قناة السويس الذي قفزت كلفة التأمين على السفن المارة عبره بمقدار عشرين ضعفًا، وذلك خلال المدة من أكتوبر 2023 حتى فبراير 2024 فقط، ولذلك دللت الإحصاءات الدولية على تلك الحالة المزدهرة التي يعيشها طريق رأس الرجاء الصالح الذي ارتفعت حركة السفن العابرة عليه بنسبة تجاوز 41% خلال عام واحد.

وعلى جانب آخر تعاني الموانئ الأفريقية الآن من حالة ضغط وازدحام كبيرة، هذا ما يدفع السفن العابرة لتجنب الوقوف بها إن أمكن، لذلك تتصاعد الأصوات الإقليمية والدولية المطالبة بتطوير تلك الموانئ، استغلالًا لحالة التحول الراهنة في عالم الشحن البحري، لكن الاستثمارات في هذا الصدد لا تزال توصف بترددها، فمن المحتمل أن تعود الحركة لطبيعتها بطريق قناة السويس؛ مما سيؤدي لخسارة المبالغ المدفوعة في تطوير الموانئ الأفريقية، كما أن هناك خشية من توسع أعمال القرصنة في غرب أفريقيا تبعًا لتوسع الأنشطة البحرية التجارية، وذلك في مقابل محدودية قدرات دول غرب أفريقيا على تأمين الطرق البحرية وسوء التنسيق بينها.

 وتوقع التقرير أنه من المحتمل أن يتم العمل خلال السنوات القادمة على حل مختلف المعضلات التي تعطل تطوير طريق رأس الرجاء الصالح، وذلك لإبقائه بديلًا فعالًا لطريق قناة السويس الذي من الممكن أن يواجه حالة تعطل جديدة حال نشوب أزمات أخرى على غرار الأزمة الراهنة، كما تدفع التكنولوجيات الحديثة المستخدمة في بناء السفن إلى إمكانية الاعتماد على طريق رأس الرجاء الصالح حتى ولو لم يتم تطوير الموانئ الأفريقية المطلة عليه، حيث ستعتمد سفن المستقبل على مصادر طاقة نظيفة ومستدامة، فضلًا عن تحملها لسعات أكبر من البضائع وهو ما سيجبرها على خوض المياه المفتوحة متجنبة العبور بقناة السويس التي لها غواطس محددة.

 

 

 

 

 

 

الممر الشمالى الشرقى الروسى منافس قوي خلال شهور الصيف فقط

 

-        التغيرات المناخية أذابت ثلوج السواحل وبوتين ينفق ٣٠ مليون دولار لتنميته

 

بالرغم من التحالفات القوية بين مصر وروسيا ولكن تسعى الأخيرة إلى منافسة قناة السويس، من خلال تطوير الممر الشمالى الشرقى الروسى، الذى يتميز بقصر المسافة الفاصلة بين شرق آسيا وشمال غرب أوروبا، حيث تستغرق الرحلة بين اليابان وبحر النرويج ٨ آلاف ميل بحري، بينما تستغرق ذات الرحلة عبر قناة السويس ١٢ ألف ميل بحري، كما لا تواجه السفن العابرة على امتداد هذا الطريق نقاط اختناق أو توتر أمنى، ولا يعيبه سوى تراكم الثلوج وامتلاء مياهه بالجبال الجليدية، وهو ما لا يتيح الاستفادة منه إلا خلال شهور الصيف فقط.

وأوضح التقرير أن أهمية هذا المنافس تتزايد بسبب التغيرات المناخية التى يتوقع أن تذيب الثلوج المتاخمة لسواحل روسيا خلال ٣ عقود فقط.

وبالفعل تستعد القيادة الروسية لهذا التغيير حيث أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين منذ عام ٢٠٢٢ عن خطة لتنمية هذا الممر بتكلفة بلغت ٣٠ مليون دولار، لأنه يحتاج إلى تجهيزات خاصة مثل كاسحات الجليد، بالإضافة إلى بناء أسطول من السفن التجارية المقواه ضد صدمات الجليد.

وعملاً بحق كل دولة في البحث عن مصلحتها تستفيد الصين أيضاً من هذا الممر لإحياء مشروع ( طريق الحرير الجليدي) كما ستتمكن روسيا حال إذابة الجليد من استغلال حقول النفط والغاز الطبيعي تحت هذه السواحل، وتطمح موسكو إلى أن يسهل الطريق الشمالى تداول ١٦٠ مليون طن بضائع سنوياً بحلول عام ٢٠٣٥، ولكن تظل إمكانية الاستفادة منه قاصرة على شهور الصيف فقط.

 

 

قناة بن جوريون مشروع استراتيجى بهدف الضغط السياسى على مصر

 

-        غير قابل للتحقق رغم مشاركة بعض الدول العربية الثرية

 

أورد التقرير العديد من الممرات الملاحية مثل قناة بنما التى تربط بين الأطلنطى والهادى، موضحًا أنها أكثر عرضة للجفاف مرارًا وتكرارًا مثلما حدث لها من قبل؛ بسبب التغيرات المناخية، وهناك أيضًا قناة نيكاراجوا التى تسهل نقل التجارة العابرة بين السواحل الشرقية والغربية لقارتى أمريكا الشمالية والجنوبية، والتى يواجهها معوقات تتعلق بتقلب الظروف الطبيعية بالمنطقة المقترحة لشقها مثل كثرة الفيضانات والزلازل والبراكين وانتشار الأمراض المدارية المعدية.

وعلى خلفية ذلك أكد التقرير أنه لا يوجد منافس حقيقى للقناة المصرية خلال المديين القصير والمتوسط، أما طريق رأس الرجاء الصالح والممر الشمالى الشرقى الروسى فيمكن أن يتحولا إلى منافسين قويين على المدى الطويل، حال زيادة الاستثمارات المتعلقة بتطوير البنية التحتية الخادمة لهما.

ولأن مثل هذه المشروعات لا تخضع للحسابات الاقتصادية والظواهر الطبيعية فقط، ولكن يستهدف بعضها الضغط سياسيًا واستراتيجياً على دولة ما للتأثير على نفوذها، تطمح إسرائيل من آن لآخر إلى إحياء فكرة مشروع قناة بن جوريون لتنافس قناة السويس، حيث كانت الولايات المتحدة الأمريكية قد عرضت على حليفتها إسرائيل في مطلع الستينيات فكرة ربط البحرين الأبيض والأحمر عن طريق شق قناة مائية موازية لقناة السويس المصرية، على أن يمر مسار هذا المجرى الملاحي من إيلات على ساحل البحر الأحمر، مرورًا بصحراء وجبال النقب ذات الطبيعة التضاريسية القاسية، وصولًا إلى مدينة بئر السبع ثم ساحل البحر المتوسط عند عسقلان، ووضع الأمريكان تصورًا لاستخدام مئات من القنابل النووية بهدف حفر مجرى القناة الذي يبلغ طوله 160 ميلًا، لكن التقديرات الأمريكية عادت لتأكد علو الكلفة الاقتصادية والسياسية لمثل هذا المشروع، وهو ما مثل تراجعًا أمريكيًا سريعًا عن الفكرة.

أما إسرائيل فقد ظلت متعلقة بأمل إمكانية حفر قناة مائية موازية لقناة السويس على مدار العقود الماضية، ليدفعها الأمر إلى طرح أفكار تمثل تحديًا هندسيًا للتغلب على الصعوبات الطبيعية التي تلاقي ممر القناة المقترح في صحراء النقب والعقبة، وأبرزها تشييد قناة تعمل بنظام الأهوسة مثل قناة بنما ولكنها فكرة باهظة الكلفة، حيث أثبتت الدراسات صعوبة الحفر والتشييد بتلك الجبال الوعرة، كما أن استعمال الأهوسة المائية في الصحراء يطرح تساؤلًا آخر حول كيفية تحويل كميات المياه الضخمة التي ستحتاجها عمليات الغلق والفتح لكل هويس.

ولأن الهدف كما أشرنا هو مناكفة مصر، عادت إسرائيل لتطرح فكرتها على العالم من جديد في السنوات الأخيرة خاصة بعد حادث جنوح السفينة أيفير جيفين، حيث ادعت إسرائيل أنها تقدم حلًا لوجستيًا غير قابل للتعطل وهو المتمثل في قناة بن جورين المقسمة لممرين متوازيين أحدهما للذهاب والآخر للإياب، ولقد حاولت إسرائيل إقناع بعض الدول العربية الثرية التي دخلت معها في مصالحات سياسية لكي تشاركها في تنفيذ المشروع، إلا أن الأمر برمته لا يزال أملًا غير قابل للتحقق.


مقالات مشتركة