جريدة صوت الملايين
رئيس مجلس الإدارة
سيد سعيد
نائب رئيس مجلس الإدارة
د. محمد أحمد صالح
رئيس التحرير
محمد طرابية

دنيا ودين   09/03/2014

شيخ الأزهر: يطالب بتعديل النظام الأساسي للأمم المتحدة لأنه لا يسمح بنشر سلام حقيقي

كتب..هانى رفعت

 

 ألقى فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، كلمته أمام "منتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة".

 

وقال إن "الحديثَ عن السَّلام حديثٌ مُتشعِّبُ النواحي والاتِّجاهات، ولا يُمكِن أنْ تُستَقصَى جوانبُه في كلمةٍ كهذه محدودةِ المِساحةِ والزمَنِ، ولا تزالُ التساؤلاتُ حولَ "السلامِ" ومعناه، وعلاقتِه بحُقولِ المعرفةِ البشريَّةِ الأُخرَى – مفتوحةً لم تُحسَم حتى يومِ الناسِ هذا، بل أصبح الآنَ للسلامِ عِلمٌ خاصٌّ به، يُبحَثُ فيه عن السلامِ وعن الحُروب وأسبابِها، وارتباطِ كلِّ ذلك بالعُلومِ الاجتماعيَّةِ والسياسيَّةِ والدِّراساتِ الاستراتيجيَّةِ والعُلومِ العسكريَّة، بل وعلوم الأخلاق.. ولا يَزال فلاسفةُ التاريخِ يَنقسمونَ حولَ علاقة السلامِ بالإنسان؛ فمنهم مَن يَذهَبُ إلى أنَّ "التاريخَ البشريَّ إنَّما هو تاريخُ بُحَيراتٍ دَمَويَّةٍ"، ومنهم مَن يَذهَبُ إلى أنَّ "السلامَ" هو القاعدةُ في حياةِ البشَرِ، وأنَّ الحربَ أو العُنفَ استثناءٌ وشُذوذٌ من القاعدة، أما الإسلام فيرى أن "السلامِ" هو الأصلُ في العلاقاتِ الدوليَّةِ، وفي علاقةِ الناسِ بعضِهم ببعضٍ، وأنَّ الحروبَ ضرورةٌ واستثناءٌ، يضطرُّ إليها المسلمون في حالةٍ واحدةٍ هى الدِّفاعُ عن أنفُسِهم أو أراضِيهم أو عقيدتِهم ضدَّ عُدوانٍ مُحقَّقٍ".

 

وأضاف أنَّ "الحَضاراتِ الكُبرَى المُعاصِرةَ الآن لا تَجِدُ بأسًا إذا أعوزَتْها أسبابُ الفِتَنِ والحُروب أنْ تَختَرِعَ لها عَدُوًّا تُدِيرُ عليه رَحى الحَرْبِ؛ وتَنقِلُ إليه بُؤَرَ التوتُّرِ والعُدوانِ والقِتال بعيدًا عن أراضيها وشُعوبِها.. وهذا السُّلوكُ الذي تتَّخِذُه بعضُ الكِياناتِ السياسيَّةِ المُعاصِرةِ هو – لا شَكَّ – دعوةٌ سافرةٌ إلى وَأدِ السِّلم والسلامِ العالميَّين وتشجيعِ العُدوانِ، وخُروجٌ على كلِّ الأُطُرِ الأخلاقيَّةِ والإنسانيَّةِ التي تجعَلُ من "السلامِ" أبسطَ حقٍّ من حُقوقِ البشَرِ، والمجتمعِ الإنسانيِّ".

 

وتابع: "وإنِّي وإنْ كُنتُ لا أُعوِّلُ كثيرًا في تفسيرِ مَصائبِنا التي تُحدِقُ بنا في الشَّرْقِ على نظريَّةِ "المُؤامرة" التي تجعَلُ مِن التَآمُرِ الغربِيِّ باعثًا رئيسًا لمُشكلاتِنا في الأمنِ والاقتصادِ والصحَّةِ والتعليمِ، إلا أنّ المسرحَ الذي تتتابَعُ على خشبتِه هذه الأحداثُ البَشِعَةُ هو مسرحٌ عبثيٌّ وفوضويٌّ يُشِيرُ بكلِّ قوَّةٍ إلى هذه الأيدي الخفيَّةِ السوداءِ التي تُمسِكُ بخُيوطِ اللُّعبةِ الماكِرة وتُحرِّكُها من وراء سِتارٍ".

 

وقال إنَّ "القائمين على مُؤسَّسةِ الأُمَمِ المتحدةِ والإعلانِ العالمي لحقوقِ الإنسانِ، والذين حدَّدوا – بكلِّ وضوحٍ – في المادَّةِ الأولى من مِيثاقِ هذه المؤسَّسةِ: حِفظَ السَّلامِ والأمنِ الدوليَّينِ ومبدأَ المُساواةِ بين الدولِ الأعضاءِ وتحريمَ استخدامِ القوَّةِ، أو مُجرَّدَ التهديدِ بها في العلاقات الدوليَّةِ، والامتناعَ التامَّ عن "التدخُّل في الشُّئونِ الداخليَّةِ للدولِ"، هؤلاء لم يكونوا جادِّين فيما يَقولونَ، وفيما يَضعون من مَواثِيقَ زعَمُوا أنَّها من أجلِ الإنسان ومن أجل الحفاظ على حقوق الدُّولِ، وبحيث لا تتميَّز فيها دولةٌ عن دولةٍ، ولا يتفاضَلُ فيها الإنسانُ الغربيُّ عن أخيه الشرقيِّ، ومن ثَمَّ لم يكن غريبا أن نرى منظمة كمنظمةِ الأُمَمِ المتَّحدةِ عاجزة عن القيام بأيِّ دورٍ في رَدْعِ كثيرٍ من السِّياسات الجائرةِ والظالمةِ، ورغمَ مُرورِ ستَّةٍ وستين عامًا على مُنظَّمةِ الأُمَمِ المتَّحدة التي أُنشِئت من أجلِ مُواجهة تهديداتِ السَّلام العالمي، ووَقْفِ أعمال العُدوان بين الدُّولِ وفرضِ الاستقرارِ والسِّلمِ في رُبوع الأُمَمِ والشعوب، إلا أنَّ القُوَى الكُبرى في العالَم لا تزال تمنَحُ السَّلامَ للأُمَمِ وتمنَعُه عنها حَسَبَ مَصالِحها الشخصيَّةِ، وحَسَبَ نظامِ الهَيْمنةِ، وحَسَبَ منهجِ الظُّلمِ الذي تُبرِّرُه القاعدةُ اللاأخلاقيَّةُ عندَهم، وهى القاعدةُ التي تُقرِّرُ أنَّ "الغايةَ تُبرِّرُ الوسيلةَ".

 

وأكد أنَّ "النظامَ الأساسيَّ للأممِ المتحدةِ ومَواثيقِها ومُؤسَّساتِها الكُبرَى، لا يَسمحُ بنَشرِ سَلامٍ قائمٍ على قِيَمِ العدلِ والإنصافِ ومُراعاةِ حُقوق الآخَرينَ، بل إنَّ من أخطَرِ عَوامل الهَدمِ للسَّلامِ العالميِّ هو ما يُسمَّى بحقِّ: "الفيتو" أو "النَّقض" والإسرافَ في استِخدامِه، والذّي يَغُلُّ يدي هذه المُنظَّمة عن مُلاحَقة المُجرِمين وإقرارِ "السَّلامِ العادلِ" في كثيرٍ من مَناطِقِ التوتُّرِ العالميِّ، بل ذهَب كثيرٌ من المحلِّلين إلى أنَّ الفيتو الأمريكيَّ فيما يتعلَّقُ بالنِّزاعِ الصهيونيِّ الفلسطينيِّ هو أهمُّ أسبابِ الإرهابِ الدوليِّ والتشجيعِ عليه".

 

وقارن فضيلته بين المِيثاق الدَّولي الذي أعلَنَه نبيُّ الإسلامِ محمدٌ (صلى الله عليه وسلم) في خُطبتِه في حَجَّةِ الوَداع، وقرَّر فيه حُقوقَ السلامِ والعدلِ والمُساواةِ بين الناسِ، وبَيْنَ مِيثاقِ الأُمَم المتحدةِ في هذا المجال، وكيف أنَّ المِيثاقَ النبويَّ حَقَّقَ أهدافَه كاملةً غيرَ منقوصةٍ في نَشْرِِ السلامِ العالميِّ، بينما أخفَقَ إعلانُ الأممِ المتحدةِ في إنشاءِ مَظَلَّةٍ دوليَّةٍ تُنصِفُ المظلومين من المُتربِّصين بها من خارجِ هذه المُنظَّمة، أو حتى من بين أعضائها أنفسِهِم.

 

وعلَّل ذلك بأنَّ "نبيَّ الإسلامِ (صلوات الله وسلامه عليه) كان صادقًا في دَعواه في نشرِ السِّلمِ وتحقيق العَدل والمُساواة بينَ الناس، وأنَّه لم يَكُنْ يعمَلُ من أجلِ الإنسانِ العربيِّ أو الإنسانِ المُسلِمِ دُونَ غيرِهما من سائرِ الناسِ، بل كان يُكرر في خِطابِه هذا نداءه للناس جميعا، بعبارته الشريفة: "لِيُبلِّغ الشاهدُ منكم الغائبَ"، بل إنه كثيرًا ما تحدَّى -(صلى الله عليه وسلم) أصحابه بأنَّ مظلَّةَ الأمنِ والسِّلمِ سوفَ تنشُرُ آفاقَها على البلادِ والعِبادِ في فترةٍ وَجيزةٍ، وَاللَّهِ لَيَتِمَّنَّ هَذَا الأَمْرُ، حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إلى حَضْرَمَوْتَ لا يَخَافُ إِلاَّ اللَّهَ أَو الذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ، وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ".

 

وقال: "أمَّا القائمونَ على المُنظَّمات الدوليَّةِ التي أخَذَت على عاتِقها نشرَ السلامِ في العالَمِ فإنَّهم لم يكونوا صادقينَ في دَعواهُم، بل كانوا يُفرِّقون في دَخائِل أنفُسِهم بينَ الغربِ والشرقِ، وبين حقِّ الإنسانِ الغربيِّ في الأمنِ والسلمِ وحقِّ غيرِه من سائرِ الناس، وإلا فقولوا لنا: لماذا تخلو أوروبا وأمريكا من بُؤَرِ الصِّدامِ والاقتِتال، بينما تُصنَعُ صُنعا أسبابُ الصِّدامِ في الشرقِ وأفريقيا وبلادِ المسلمين على وجهِ الخُصوصِ؟! إنَّنا نعلَمُ عِلمَ اليَقِين أنَّ مَصانِعَ السلاحِ في الغربِ لا تتوقَّفُ عن الدَّوَرانِ لحظةً واحدةً، فإذا كان مَمنوعًا أنْ يَعمَل هذا السلاحُ في الغربِ، أو أنْ يتوجَّه إلى صُدور الغربيِّين، فأين يَعمَل إذن هذا السلاحُ؟ ولمَن يتوجَّهُ؟ إذا لم يَعمَل في الشرقِ وفي صُدورِ أبنائِه وبناتِه؟!".

 

وشدَّد فضيلة الإمام على أنَّ "آفةَ الآفاتِ في فلسفةِ "السلامِ" أنْ يَرتَبِط بمقاصدِ السياساتِ الدوليَّةِ ومِزاجها المُتقلِّب، وأنْ يتخلَّى عن مَقاصِدِ الأخلاقِ وغاياتِها الثابتةِ، وفي هذه الآفةِ يَكمُن الفرقُ بينَ نَظرةِ الرِّسالاتِ الإلهيَّةِ لمَفهوم "السَّلامِ" وضَرورتِه القُصوَى كشرطٍ أساسٍ للتقدُّمِ والرُّقيِّ والرفاهيةِ وبينَ معني "السلامِ" في مفهومِ الأمزِجَةِ البشريَّةِ المُتقلِّبة حِينًا، والمُتَصارعةِ حِينًا، والظالمةِ حِينًا آخَر".

 

واستعرض "أهميَّةَ "السلامِ" في الإسلامِ، ليس للإنسانِ فقط، بل للحيَوانِ والنباتِ والجمادِ أيضًا؛ فضَرورةُ السلامِ للإنسانِ في الإسلامِ تَنبُعُ من أنَّ الإسلامَ يُسوِّي بينَ الناسِِ جميعًا في الحُقوقِ والواجباتِ، وأوَّلُ هذه الحقوقِ هو حقُّ "الاختلافِ"، فاللهُ خلَقَ الناسَ مُختلفِين {وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ}"هود: 118"، وإذا كان الاختلافُ مَشِيئةً إلهيَّةً في خَلقِ الناسِ لا رادَّ لها؛ فإنَّ العلاقةَ بين المُختلفِين - فيما يُقرِّرُ الإسلامُ - هى علاقةُ التعارُفِ والالتقاءِ والتعاونِ على البرِّ والتقوى.. و"السلام" هو مُقتَضى علاقةِ التعارُفِ ولازِمُها الأوَّل".

 

وأوصى هذا المنتدى بأنْ يتبنَّى قاعدةَ "التعارُف" التي وردت في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} "الحجرات - 13"، وأن ينشط اليومَ - وليس غدًا - لتَعزِيزِ السلمِ في المُجتَمعات العربية والإسلامية، وأنْ يَتوسَّلَ لذلك بفتحِ قَنَوات اتِّصالٍ مُباشِرٍ بينَ العُلَماءِ والحُكَماءِ وبينَ صُنَّاعِ القَرار من السياسيِّينَ في الشرقِ والغربِ، وأنْ يدعو إلى ترسيخِ قِيَمِ السلامِ والأمانِ والأُخوَّةِ والمحبَّةِ عبرَ برامجِ الحوارِ، وعبرَ برامجَ تعليميَّةٍ لتربيةِ النَّشءِ والأطفالِ على اختيارِ المُمارَسات السلميَّة في الحياةِ اليوميَّةِ، وأنْ يتحرَّكَ فورًا من أجلِ دعوةٍ عامَّةٍ لعُلَماءِ المسلمين للجُلوس بقُلوبٍ صادقةٍ ومُخلصةٍ لا تَشوبُها شوائبُ المصالح والأغراضِ والانتماءاتِ الصغيرةِ، التي كانت ولا تزالُ سببًا في تأخُّرِ أمَّتِنا العربيَّةِ والإسلاميَّةِ، وتفكُّكِها وضَعفِها وهَوانِها على الناسِ، وما لم يتَّفِقِ العُلَماءُ على إقامةِ السلامِ العادِلِ بينَهم أوَّلًا، فلا أملَ في أنْ يَسوسُوا الناسَ بقِيَمِ الحقِّ والخيرِ والجمالِ، كيف وفاقِدُ الشيءِ لا يُعطِيه، والذي يَعجِزُ عن قيادةِ نفسِه هو عن قيادةِ غيرِه أعجَزُ".

 

وفي نهاية كلمته تقدَّم فضيلة الإمام الأكبر بالشكر لدولة الإمارات الشقيقة على أنْ فطنت لخطَرِ موضوعِ السِّلم والأمن الاجتماعيَّين، وحاجة العالمِ المُلِحَّةِ - الآنَ - إلى إحياءِ مفهومِ السلامِ العادلِ، وإلى تطبيقِه وتنزيلِه على واقعِ الناسِ، الذي عانَى ويُعانِي الأمرَّين بسبب غِياب هذا المفهومِ فترةً تَزيدُ على نصفِ قَرنٍ.


مقالات مشتركة