جريدة صوت الملايين
رئيس مجلس الإدارة
سيد سعيد
نائب رئيس مجلس الإدارة
د. محمد أحمد صالح
رئيس التحرير
محمد طرابية

تحقيقات وملفات   14/03/2014

شمس بدران يتحدث عن مبارك: تنامى الفساد بـطريقة مفزعة في الـ10 سنوات الأخيرة من حكمه.. وضع أمن مصر القومي في خطر.. أعد نجله جمال لخلافته وهدم ما بناه عبد الناصر

وكالات

 

 تواصل صحيفة «السياسة» الكويتية، نشر مذكرات شمس بدران، وزير الحربية في عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، ويتحدث «بدران» في حلقة اليوم عن الرئيس الأسبق حسني مبارك، وكيف أصبح رئيسا لمصر.

 

وإلى نص الحلقة:

من هو حسني مبارك، وهل كنت أعرفه؟ كل ما أذكره عن صاحب هذا الاسم أنه كان مرشحًا لدورة تدريب على القاذفات في إحدى الأكاديميات الروسية، وعندما حضر إلى مقر القيادة لمقابلة المشير عبد الحكيم عامر، كان يبدو عليه الالتزام واحترام القواعد العسكرية، ولم يظهر عليه أي طموح سياسي خارج نطاق مجاله وتخصصه، وتمت الموافقة على سفره مثل مئات الضباط بطريقة سلسة لا وساطة فيها ولا محاباة.

 

في تلك الفترة كنت مسئولًا عن توزيع سيارات "فيات" على ضباط القوات المسلحة بطريقة الحجز، حيث كان يتم تجميعها في مصر، وفي ذلك الوقت كنت أتولى مهمة تسليم مفاتيح السيارات لأصحابها، لكنني لم أجرؤ على حجز سيارة لنفسي، واستمررت في استخدام سيارتي القديمة، فقد كان حجم الفساد في مصر عموما وفي القوات المسلحة محدودًا للغاية، ولم يستطع أي مسئول في مصر أن يمد يده على المال العام، أو أن يتربح ويجمع الملايين بالطريقة التي كنتُ أسمع عنها في أواخر حكم مبارك.

 

ففي منتصف ستينات القرن الماضي وقبل تعييني وزيرًا للحربية بنحو خمسة أعوام قررت الزواج، فواجهتني مشكلة البحث عن شقة للزوجية، وبعد أن علم عبد الناصر بالموضوع أبلغني أن هيئة الحراسة لديها مجموعة شقق يمكن أن أختار واحدة منها، وبالفعل اتصلت بالشخص المسئول وعرض علىّ شققا في منطقتي الدقي والعجوزة وغيرهما، ووجدت شقة مناسبة، لكن قبل أن أوقع عقد استئجارها علمت أنها كانت ملكًا لأحد كبار رجال الأعمال الذين هربوا من مصر بعد الثورة، فرفضت أن أقيم في شقة كانت ملكًا لمواطن غير موجود.

 

الهيئة نفسها عرضت على شقة أخرى متميزة أيضًا، لكن وجدت أن قيمة إيجارها الشهري تقترب من راتبي، فرفضت وبحثت عن شقة أخرى تتناسب مع دخلي الشهري المحدود في ذلك الوقت.. لقد أردت فقط أن أذكر حكاية البحث عن شقة أقيم فيها والحيرة التي واجهتها، رغم أنني كنت في ذلك الوقت أُعْتَبَر من كبار الشخصيات في السلطة بمقاييس الوقت الحالي، ومع ذلك لم تكن لدينا ثقافة استغلال الوظيفة أو الثراء من المسئوليات التي نتولاها، هذا السلوك لم يكن خاصا بي، بل كان سمة ذلك العصر.

 

عامر وناصر ليسا فاسدين وإذا كان بإمكان أي شخص أن يصف نظام عبد الناصر بأوصاف استبدادية أو دكتاتورية أو تسلط وغيرها من الأوصاف، لكن لم يكن الفساد من بين الأوصاف التي كانت سائدة بين المسئولين مهما كان مركزه أو شأنه، فالجميع كان يعيش في مستوى معيشي متقارب.

 

وفي ذلك تساوى عبد الناصر مع عبد الحكيم عامر، فقد كنت شاهدًا على أن المرحوم عامر، الذي كان تحت يده ميزانية مفتوحة، لم يترك لأسرته شيئًا يذكر، رغم انتمائه إلى أسرة صعيدية ثرية وكان والده وأشقاؤه يملكون عشرات الأفدنة في قرية أسطال بمحافظة المنيا، بل إن المشير كان ينفق من ماله الخاص على بعض الجنود والضباط الذين يواجهون ظروفًا إنسانية صعبة، وكان يكلفني بتقديم هذه المساعدات دون أن يعلم أحد ولا يشعر الشخص الذي حصل على المساعدة أنها من ماله الشخصي، وليس من أموال القوات المسلحة، لذلك عندما كنت أقرأ أو أسمع أن وزيرًا أو موظفًا كبيرًا في عصر مبارك تضخمت ثروته واختلس الملايين من المال العام، كانت تتملكني الدهشة والذهول، وأتساءل عن أسباب تلك الظاهرة، وعن سبب قبول أجهزة الدولة والمواطنين بهذه البساطة بها.

 

الإجابة في رأيي أن سبب انتشار هذه الظاهرة يرجع إلى أن المسئول الصغير دائمًا يقلد ويسير على درب المسئول الكبير الذي اختاره لتولي هذا المنصب، لذلك كنت على ثقة بأن مبارك ونظامه لم يكونا قط يكافحان الفساد، ولم يكن الفساد بعيدا عنهما شخصيا.

 

صعود نجم مبارك

أعود إلى مبارك وكيف بزغ نجمه فجأة حتى ورث حكم مصر؟.. قبل أن يختاره السادات نائبًا لرئيس الجمهورية، لم يكن له دور ولم يكن معروفًا سوى على نطاق القوات الجوية، ثم بدأ يظهر ويكون له دور في المشهد السياسي المصري بعد ذلك، وعندما اغتيل السادات وتولى مبارك الحكم، أعطى إشارات أن عصره سيكون مختلفًا عن عصر السادات، وسيعالج سلبيات المرحلة السابقة، وبالفعل عمل في هذا الاتجاه لفترة طويلة، لذلك كان يحظى بقبول شعبي معقول ورضا القوات المسلحة، لكن في النصف الثاني من حكمه شعر أنه سيطر على كل مفاصل الحكم، وبدأ يتصرف بطريقة توحي بأنه يتجه بسرعة نحو الهاوية.

 

في الفترة الأخيرة من حكم مبارك، تقدمت في العمر وبت أمكث فترة طويلة في البيت وسط الصحف ووسائل الإعلام، كنت أندهش مما أسمعه وأقرؤه حول قصص الفساد، وتضخم ثروات بعض رجال الأعمال المقربين من مبارك ونظام حكمه.. لم أندهش من مشاركة ابني مبارك وابني محمد حسنين هيكل في صفقات شركات تجارية بالملايين، بل إنني كنت أسمع من بعض الناس قصصًا مرعبة عن حجم ثروات ابني مبارك وشركائهما، وشعرت بالقلق أكثر عندما سمح مبارك للأجانب بتملك العقارات والشركات في مصر بلا رابط ولا تنظيم.. في هذه اللحظة أحسست أن كل ما تم بناؤه في فترة عبد الناصر بدده مبارك بطريقة تفكيره القاصرة التي وضعت أمن مصر القومي في خطر، لكن الذي أفزعني بحق ذلك الدور الذي بدأ يؤديه ابنه في تعيين الوزراء، وإصدار القرارات الاقتصادية الخطيرة، حيث كان بالفعل يعده لخلافته في الحكم، ولم تكن هناك جدوى من أي نفي أو إنكار منه، لكن التقارير الغربية كلها كانت على قناعة بنوايا مبارك المستقبلية بشأن توريث الحكم إلى ابنه من بعده، وتقديري أن هذا كان أكبر الأخطاء التي وقع فيها مبارك رغم أنه رجل عسكري، وقادم من المؤسسة العسكرية.

 

تقديري أن الشعب المصري كان على استعداد أن يغفر لمبارك كل أخطائه وخطاياه السياسية والاقتصادية، إلا مسألة توريث الحكم، فكانت خطا أحمر لم يضعه في الاعتبار واستخف برد الفعل الشعبي ومن خلفه القوات المسلحة التي لا يمكن أن تقبل بهذا السيناريو الساذج.. بناء على ذلك لم أفاجأ بثورة 25 يناير، ولا بانحياز الجيش لمطالب الشباب المتعطش للتغيير والتحول من حكم الفرد إلى الحكم الرشيد، لكن ابتعادي عن مصر وعن الأحداث وتفاصيلها ترك لدى علامات استفهام كبيرة حول ماذا حدث في ليلة نقل السلطة من مبارك إلى المجلس العسكري؟ ومن غير المعروف هل ترك الأمر طواعية أم في إطار صفقة؟ وما تفاصيل تلك الصفقة؟ ربما يكشف التاريخ في يوم ما عن فحوى ما تم في تلك الفترة الخطيرة من تاريخ مصر، لكن الأمر المؤكد أن أسرارا ومعلومات وتفاصيل كثيرة عن تلك المرحلة سوف تظل خافية عن الرأي العام، لأنها تتضمن أمورًا غامضة وأدوارا لأطراف داخلية وخارجية لن يتم الكشف عنها إلا بعد سنوات.


مقالات مشتركة