جريدة صوت الملايين
رئيس مجلس الإدارة
سيد سعيد
نائب رئيس مجلس الإدارة
د. محمد أحمد صالح
رئيس التحرير
محمد طرابية

تحقيقات وملفات   01/06/2014

موسى: الدستور استعاد روح مصر.. وحدد صلاحيات رئيس الوزراء.. والسيسى يفهم حقيقة الوضع الداخلى والإقليمى والدولى.. وأدعو قطر وتركيا إلى فتح صفحة جديدة فى العلاقة معنا

أ ش أ

 

 أكد عمرو موسى، الأمين العام السابق لجامعة الدول العربية، ورئيس لجنة الخمسين لتعديل الدستور، أن الرئيس وحده لا يستطيع منفردا أن يحقق ما يريده هو أو ما يريده الشعب المصرى، وأن مهمته تقتضى منه أن يقود ويوجه، وأن يدير مؤسسات الدولة، طبقا لسلطاته الدستورية، مع التركيز على الإصلاح الشامل.

 

وأضاف"موسى" فى تصريحات لـ"الشرق الأوسط، اليوم الأحد، أنه بات معروفا أن الأجندة القادمة للرئيس تحتوى الكثير من المواضيع المتعلقة بتحقيق الأمن والإصلاح والبناء وتشتمل الأولوية على أكثر من ملف فى الوقت نفسه، لأن خللا كبيرا جدا وقع فى مصر. ومن ثم، فإن مهمة إعادة البناء مهمة شاملة وأولوياتها متعددة. أولويات سياسية، واقتصادية، وتنموية، وعدالة اجتماعية. وهناك أولويات داخلية وأخرى إقليمية أو خارجية.

 

واستكمل: "الحقيقة أنه سيكون لدى الرئيس الجديد جدول أعمال ثقيل جدا، وأثق أن المشير عبد الفتاح السيسى على وعى بهذا كله، ومن ثم أتصور أنه سيكون لديه شغل وانشغال كبيران والكثير يتوقف أيضا على الفريق الذى سوف يكلف تنفيذ كل هذا أو متابعته.

 

وإليكم نص الحوار..

 

* المشير تحدث عن الأولويات وجدول الأعمال والأميال التى يجب قطعها لزيارة دول كثيرة. لكن الفريق الذى سيعمل مع الرئيس سيلعب دورا كبيرا، وسيكون لقوته تأثير كبير أيضا؟

- الرئيس وحده لا يستطيع منفردا أن يحقق ما يريد أو ما نريد. لكن مهمته تقتضى منه أن يقود ويوجه، وأن يدير مؤسسات الدولة من مختلف الزوايا، طبقا لسلطاته الدستورية، مع التركيز على الإصلاح الشامل. وهذا مهم جدا، لأن مصر لا تستطيع أن تمضى بالشكل الذى كانت عليه. لقد تعرضت مصر لهزة قوية، لسبب رئيس هو سوء إدارة الحكم بشكل متراكم حكومة بعد حكومة. وهكذا ولفترة طويلة، وعهدا بعد عهد، لم نشهد إلا سوء إدارة الحكم، ومن ثم نتائج سلبية فى عمومها. وعليه، لابد من تحقيق جودة الحكم وكفاءة إدارته. مصر فى الواقع، تبدأ جمهوريتها الثالثة فى ظروف صعبة. وهذه ليست جمهورية محمد نجيب، أو جمال عبد الناصر، أو محمد أنور السادات، وقطعا ليست جمهورية مرسى، إنما هى الجمهورية الثالثة، وهى مختلفة جذريا فى دستورها، وفى المشكلات التى تواجهها، وفى الزمن الذى تعيش فيه، وأسلوب التعامل مع المشاكل.

 

* هل يعد الدستور خطوة كبيرة لمصر؟

- نعم، هو خطوة كبيرة جدا، ويجب أن نعمل على تطبيقه وتنفيذه وهذا ما ننتظره من البرلمان المقبل، أن يصدر القوانين المكملة والمنفذة لتوجيهات والتزامات الدستور. ثم إن الدستور لا يطبق فى ذاته، القضاة يطبقون القانون، والقانون هو الذى يتبع الدستور ويطبق مبادئه. هناك زخم كبير جدا الآن. الناس اختلفت، والشعوب استيقظت، ولن تقبل أن يخرج على إرادتها حاكم أو رئيس. ورغم التحديات الصعبة، فإننا نريد للجمهورية الثالثة أن تنجح. الناس منتظرة وهى تعرف طريقها، وتعرف، أيضا، ما تريد. الفشل الذى صاحب الحكومات السابقة أدى إلى زيادة الفقر، واضطراب الخدمات، وتراجع المؤشرات. وما نشهده حاليا، أمر مختلف.

 

 

واستكمل: فقد عبرت الجماهير عن حبها للمشير السيسى وثقتها به. ورأى المواطنون فيه أنه رجل منهم، ووقفته معهم ضد حكم الإخوان المسلمين كانت حاسمة. وهو يعتزم العمل بعزمه كاملا لإعادة البناء، لأن مصر وصلت إلى مرحلة سيئة جدا فى مختلف المجالات. وهنا، لا بد أن يتعرض الرئيس الجديد والحكم الجديد، لمواضيع الزراعة والصناعة والتجارة والسياحة والطاقة والتعليم والصحة، والاهتمام بالمواطن المصرى فى ذاته بصفته إنسانا. أى كل شىء تقريبا. ولست أعتقد أن فى ذلك استحالة أبدا. والأمر المطلوب هو حسن الإدارة، إذ لدينا متخصصون فى كل المجالات، وكذلك وجود خطة سليمة وعزيمة وإرادة قوية، وهى موجودة أيضا. وبذلك، يمكن تحقيق نتائج على أرض الواقع، وإلا فسيكون رد الفعل صعبا.

 

* ذكرت أن الدستور يؤكد استعادة روح مصر. كيف؟

- فعلا، الدستور يستعيد روح مصر. فمبادئ الشريعة الإسلامية أساس التشريع، وشرائع المسيحيين واليهود تنظم أحوالهم. كما يؤكد الدستور أن مصر جزء من الأمة العربية وجزء من القارة الأفريقية. والدستور يفصل فى حسم حقوق المواطنين وحرياتهم. ويحدد سلطات مؤسسات الدولة.

 

- الملف السورى حوله خلاف كبير ويعانى عجزا مشينا.

 

* بحكم طبيعة عملك كنت على صلة بالرئيس حافظ الأسد وسوريا. كيف ترى الأمور اليوم؟

- سوريا دينامو العروبة، وسقوطها أو تقسيمها أو دمارها، يؤثر سلبا فى حاضر العرب ومستقبل المنطقة. وهنا، أذكر أيضا الديمقراطية، التى من دونها، ستبقى المشاكل إلى ما لا نهاية. وأرى الطريق المتبع حاليا غير فاعل، وصيغة جنيف صيغة خادعة لا فائدة منها. وأعتقد أن الحل يجب أن يكون إقليميا فى أساسه وتوجهه، على تفصيل ليس هذا مكانه.

 

* هل تتوقع وضع قانون أو دستور نموذجى ضامن لاحتياجات الناس ومصالحهم، فى ظل تعقيدات الواقع الذى يفرض نفسه على صياغة الدستور والقانون؟

- ممكن. لكن، يجب أن نثق بالشعب الجديد الذى يغضب ويثور ويرفض. ورأينا نموذج «الإخوان» عندما ركزوا فى أساس أولوياتهم، على تمكينهم من الحكم على حساب مواضيع ذات أولوية لدى الناس، مثل منع الفقر ومحاربته. وعندما غضب الناس أسقطوا حكم «الإخوان» ودستورهم والناس لم يعودوا يطيقون سوء إدارة الحكم، وتجاهل مصالحهم واحتياجاتهم، وكذلك لا يحتملون الإهانة والاستهزاء بهم. من هنا، نأتى بقوة الدستور وضماناته وحمايته.

 

أما من يقول إننا سنعيد تجربة فلان أو علان، فهو يعبر عن عجز كبير، لأننا فى العصر الجديد، لا يمكن أن نعيش بمقاييس القرن العشرين، وضرورى أن نعيش ظروف هذا القرن بفكره وتداعياته. لن تكون هناك عودة لأى نظام سابق، فتلك نظم أثبتت فشلها، فكيف نعود إليها مرة أخرى؟

 

 

 

* ماذا عن دعم الاقتصاد المصرى وتجارب الآخرين، خاصة تجربة البرتغال التى أشار إليها المشير السيسى فى حوارى معه؟ وما حجم صلاحيات رئيس الحكومة؟

- الدستور حدد صلاحيات رئيس الوزراء، بأنه شريك فى رسم السياسة والمشرف على تنفيذها. وهنا، لا محل للاجتهاد. أما الرئيس، فله القيادة وسدة الحكم والتوجيه. أما الحكومة، فلها الإشراف على التنفيذ وقيادته. وإذا أردنا أن نختار مثالا، أو نموذجا لحركة إعادة البناء، فالمثال أو النموذج، فى رأيى، هو البرازيل. برازيل الرئيس لولا.

 

* ماذا عن موضوع الشباب فى الدستور، ومشاركتهم فى حركة التغيير بالمنطقة العربية؟

- الدستور، كما سبق أن أوضحت، يعطى نسبة للشباب فى الحكم المحلى والمحافظات، تصل إلى 25 فى المائة من المقاعد. وهذا يعنى نحو 14 ألف مقعد منتخب. وهذا أمر كبير، وقد دخلوا فى العملية السياسية والأحزاب. وفى قانون مجلس النواب، سيكون مدرجا فى كل قائمة، ثلاث نساء، وثلاثة مسيحيين، واثنان من الشباب، وواحد من المعاقين، وواحد من المصريين فى الخارج. أى أنه أصبحت للشباب مقاعد مضمونة فى العملية التشريعية. هذا بالإضافة إلى السياسة التدريبية فى إطار مناصب السلطة التنفيذية، وطبعا الأساس هو ضمان جودة التعليم وآفاق المعرفة مهم.

 

* كيف ترى موضوع «الكوته» هذه، هل تتوافق مع العملية الديمقراطية؟

- هذه الكوته جزئية، محصورة فى 120 كرسيا بمجلس النواب المقبل، والهدف منها، هو ضمان حد أدنى لوجود النساء والشباب فى المجلس، ولكن تبقى الحرية كاملة لانتخاب النساء على مستوى المجلس ككل، وممارسة الشباب والنساء داخل البرلمان سوف تساهم فى توفير الخبرة، ومن ثم مشاركتهم فى الأحزاب الجديدة، والتحالفات التى سوف تظهر. ومن ثم سوف تتضاعف أعداد النساء والشباب المنخرطين فى العمل السياسى والتنموى، ويتطور موضوع الكوته.

 

* كان «الإخوان» فى السابق يمررون مرشحيهم. هل يفعلونها هذه المرة؟

- هناك غضب كبير جدا من «الإخوان» داخل المجتمع المصرى، لسوء حكمهم وعنف سياستهم. ولو فكّر «الإخوان» فى الاستفادة من الوضع الدستورى الجديد، المختلف عن دستورهم، الذى عزلوا به مئات من الشخصيات السياسية من مسؤولى النظام السابق، وحرمانها من الحقوق السياسية لعشر سنوات- لفهموا أن دستور عام 2014 لم يعزل أو يمنع أحدا، وأن الباب مفتوح للجميع للمشاركة فى العملية السياسية. لكن، عليهم الاعتراف بهذا الدستور، والتوقف عن ممارسة العنف، وإعلان ذلك وأن يعلنوا هذا الكلام، ويقروا بالشرعية الجديدة.

 

* كيف سيتعاطى الإسلاميون فى مصر مع الوضع فى وجود أنظمة إسلامية بمناطق أخرى؟

- الإسلاميون وصلوا إلى الحكم فى مصر، وفشلوا فى ظرف سنة. لم يقصهم أحد، إنما هم الذين أوصلوا أنفسهم إلى ما حدث لهم. يجب أن يؤخذ هذا فى الاعتبار. إنهم حكام غير أكفاء وغير أذكياء. وإدارتهم كانت سيئة. لذلك، سقطوا. وقد أثر هذا السقوط فى موقفهم جذريا. والعودة إلى مثل هذه التجربة غير ممكن. وقد يستغرق الأمر سنوات، وربما عقودا حتى يعدلوا من فكرهم، ويفهموا أنه عندما يصل فريق إلى الحكم، يجب أن يعمل على تحقيق مصالح الناس واحترامهم، وتطبيق الديمقراطية، وهذا ينطبق على الجميع.

 

* كيف سيتعامل المشير السيسى مع الدول التى أخذت موقفا سلبيا مما جرى فى مصر؟

- هو يفهم تماما حقيقة الوضع الداخلى والإقليمى والدولى. وأن ثمة إمكانية لفتح صفحة جديدة وتحقيق متطلبات القرن الحادى والعشرين. إنها الجمهورية الثالثة، التى تتطلب فتح صفحات مختلفة عما سبق. وهذا ما قلته فى أميركا: مطلوب إطار جديد للعلاقة المصرية مع دول العالم الفاعلة، وعلى رأسها الولايات المتحدة. ولن يسمح الوضع الجديد بسياسة تحقيق مطالب للخارج بإملاءات عبر الهاتف. فيما يتعلق بمصر واحترامها لنفسها، لا أرى أن شخصية السيسى من النوع الذى سيقول «حاضر» لأحد. فهو يناقش، ويعود إلى مؤسسات الدولة. وقد يقول «نعم» إذا ارتأى أن الأمور مقبولة. وهنا، تطبق مصر أسس النظام الديمقراطى.

 

* ماذا عن العلاقة مع قطر وتركيا؟

- أدعو قطر وتركيا إلى فتح صفحة جديدة فى العلاقة مع مصر. هناك جمهورية جديدة فى مصر، وعملية بناء شاقة لكنها ضخمة، فلن يكون للصفحة القديمة مكان.

 

* ماذا عن تكوين رجال الدولة ونقل الخبرات إليهم، من قبل دبلوماسيين يتمتعون برؤية مميزة فى المنطقة؟

- حتى تصنع رجل دولة، فالأساس هو حسن التعليم وجودته، وكذلك تنمية القدرة على الاطلاع والمتابعة المستمرة للتطورات، ثم الممارسة قريبا من الحكومة ومن مراكز صناعة القرار، أو ما هو تابع لها. وأن يكون رجل الدولة واعيا بالعصر الذى يعيش فيه، مستوعبا لمتطلباته، ولا يكون مشدودا إلى عصر سابق مضى راغبا فى العودة إليه والعيش فيه، نظرا لأنه خيار سهل. التاريخ لا يعود، بل قد يعيد نفسه، أحيانا، ولكن بأشكال مختلفة، ورجل الدولة هو رجل العصر وليس رجل الماضى.


مقالات مشتركة