جريدة صوت الملايين
رئيس مجلس الإدارة
سيد سعيد
نائب رئيس مجلس الإدارة
د. محمد أحمد صالح
رئيس التحرير
محمد طرابية

تحقيقات وملفات   02/05/2017

وكيل الأزهر في ماليزيا: ليس للحاكم أن يحاسب صاحب رأي.. يحق للمحكومين تقييم رئيسهم .. وتعبير الرعية عن رأيهم حق مشروع

كتب..ابمان محمد

 

 شارك الدكتور عباس شومان وكيل الأزهر، في المؤتمر الدولي للوسطية والذي يعقد بماليزيا تحت عنوان: فقه الولاء والطاعة ودوره في ترسيخ رخاء الوطن، وقد ألقى الكلمة الافتتاحية للمؤتمر.

 

وقال شومان " لقدِ ابتُلِيَتِ المجتمَعاتُ المسلِمةُ في الواقعِ المشهودِ بدَعَواتٍ تَظهَرُ بين الفَيْنةِ والأخرى تُنادِي بالخُروجِ على الحاكِمِ، وتُزيِّنُ للعامَّةِ استباحةَ نَزْعِ اليدِ مِن طاعةِ وليِّ الأمرِ. وقد شغلَتْ هذه الدَّعَواتُ حيِّزًا مِن تفكيرِ كثيرٍ مِنَ الناشِئةِ والشبابِ في مجتمعاتِنا المعاصرةِ، وحاوَلَ بعضُهم أن يَفهَمَ هذه المسألةَ وغيرَها منَ المسائلِ العِظامِ بمَنْأًى عنِ التأصيلِ العِلْميِّ الصحيحِ الذي أرساهُ الأئمةُ الفقهاءُ الثِّقاتُ رَحِمَهُمُ اللهُ تعالى. وإزاءَ الفوضَى العِلميةِ التي تَشهَدُها حياتُنا الفكريةُ والأدبيةُ والاجتماعيةُ؛ كان مِنَ المحتَّمِ أن يكونَ هناك تصوُّرٌ فقهيٌّ واضحٌ وصحيحٌ عن القضيةِ، ومعرفةٌ كاملةٌ لأبعادِها".

 

وأضاف شومان: " لمَّا كانتْ هذهِ القضيةُ قد بلغَتْ في وقتِنا هذا ما بلغَتْه مِنَ الأهميةِ، ونَظَرًا لظُهُورِ معارَضةٍ مسلَّحةٍ في بعضِ الدول تَعمَلُ على نَزْعِ مَقالِيدِ الحُكمِ مِنَ الحُكَّامِ بقُوةِ السلاحِ مِمَّا أدَّى إلى حُدوثِ تَخريبٍ وتدميرٍ للمُمتَلَكاتِ العامَّةِ والخاصَّةِ، بَلْ وسَفكٍ لدماءِ الأبرياءِ وتَرويعٍ للآمِنينَ؛ فقدْ باتَ مِنَ الضروريِّ توضيحُ العَلاقةِ بينَ الحاكِمِ والمحكومِ، وبيانُ حُكمِ الخروجِ على الحاكِمِ في الشريعةِ الإسلاميةِ الغرَّاءِ. وفي هذا السياقِ يَجِبُ أنْ أؤكِّدَ على عِدةِ أمورٍ:

 

أولًا: إقامةُ أنظِمَةِ الحُكمِ وتَنصيبُ الحُكامِ ضَرورةٌ تَقتضيها حِراسةُ الدينِ وسياسةُ أمورِ الدنيا، ويَتَطَلَّبُها استِقرارُ المُجتمَعاتِ واستِتبابُ الأمنِ فيها.

 

ثانيًا: شريعةُ الإسلامِ تَستوعِبُ أنظمةَ الحُكمِ المعاصِرةِ على اختلافِ أسمائِها، بما فيها مِن أنظِمةٍ رئاسيةٍ ومَلكيةٍ وسُلطانيةٍ وأميريةٍ، أو غيرِ ذلك مما تعارَفَ عليهِ الناسُ وقَبِلوهُ نظامًا يَسوسُ أمورَهُم ويَدينونَ له بالولاءِ. ولا يَتعيَّنُ نظامٌ خاصٌّ كما يَزعُمُ بعضُ مَن قلَّ في الدينِ فَهمُهُم مِمنْ حَصروا نظامَ الحُكمِ في نَسَقِ الخلافةِ التي كانَ عليها مَدارُ الحُكمِ بعدَ وفاةِ رسولِنا الكريم – صلى الله عليه وسلم - إلى أنْ أُسقِطَتْ في عِشرينِيَّاتِ القَرنِ الماضي؛ وذلكَ لأنَّ مَسألةَ تعيينِ نظامِ الحكمِ وطُرُقِ اختيارِ الحاكِمِ ليستْ مِن أُصولِ الدِّينِ التي لا تَقبَلُ الاجتِهادَ، بلْ هي مِنَ الفُروعِ التي تَقبَلُ الاجتِهادَ وتَعدُّدَ الآراءِ، وقَدْ نَصَّ على ذلكَ كَثيرٌ مِن علماءِ الأمةِ الثِّقاتِ.

 

وقال وكيل الأزهر: إنَّ أيَّ نظامٍ يَرتضيهِ الناسُ هو عَقدٌ بينهم وبينَ حاكِمِهِم يُلزِمُ طَرفَيْهِ بآثارِهِ التي توجِبُ على الحاكِمِ رعايةَ مصالحِ المحكومينَ، وتحقيقَ العدالةِ والمساواةِ بينَ الرعيةِ، وإنصافَ المظلومِ والأخذَ على يَدِ الظالمِ، كلُّ ذلك وغَيرُهُ وَفْقًا للبنودِ المحدِّدَةِ لاختِصاصاتِ المؤسساتِ المختلِفةِ والتِزاماتِها، وهو ما يُعرَفُ في زمانِنا بالدساتيرِ والقوانينِ التي تُحدِّدُ صلاحياتِ الحاكِمِ وسُلطاتِهِ وعَلاقَتَهُ ببقيةِ مؤسساتِ الدولةِ، ولِذا رأينا اختِلافًا كبيرًا بينَ سُلطاتِ الحكَّامِ على مدارِ تاريخِنا الإسلاميِّ، فبَعدَ أنْ كانتْ جميعُ السُّلطاتِ في يَدِ الرسولِ – صلى الله عليه وسلم - باعتِبارِهِ رأسَ الدولةِ التي أسَّسَها وأقامَ أركانَها في المدينةِ، تَقَلَّصَتِ اختِصاصاتُ رأسِ الدولةِ شيئًا فشيئًا معَ تطوِّرِ الأنظِمةِ وإنشاءِ الدواوينِ؛ حيثُ انتقلتْ سُلطاتُ القضاءِ والإفتاءِ وغيرِهِما إلى مؤسساتٍ مستقلةٍ تُحدِّدُ الدساتيرُ والقوانينُ العَلاقةَ بينَ كُلٍّ منها.

 

ثالثًا: الإسلامُ لا يَعرِفُ للحاكمِ مَركزًا خاصًّا يَحميهِ مِنَ النصحِ والتوجيهِ، ويَعفيهِ مِن بعضِ ما يكونُ على أبناءِ الأمةِ مِن واجباتٍ؛ فهو شخصٌ تولَّى الحكمَ ليقومَ على أمورِ الناسِ ويَتولى تَدبيرَ شئونِهِم، فكانَ مِنَ الطبيعيِّ أنْ يُوجَّهَ له النصحُ، وأنْ يُسألَ عن أفعالِهِ، بلْ ويُحاسَبَ عليها كذلكَ وَفْقَ ما هو معمولٌ به في هذا الشأنِ، باعتِبارِهِ فردًا مسئولًا عن أفعالِهِ وتصرفاتِهِ.

 

رابعًا: على قَدرِ اتساعِ سُلطةِ الإنسانِ وامتدادِ قُدرتِهِ تكونُ مسئوليتُهُ، وكذلك على قَدرِ ضَعفِهِ وعَجزِهِ يكونُ إعفاؤهُ مِنَ الواجبِ، فالمسئوليةُ بالنسبةِ للحاكمِ أكبرُ مِن مسئوليةِ المحكومِ؛ لأنَّ التكليفَ المنوطَ به أضخمُ، ومُطالَبَتُهُ بالعملِ على ما يحقِّقُ للناسِ مصالِحَهُم أكبرُ، ومِن ذلك إعدادُ الخُططِ التنمويةِ، وإقامةُ المشروعاتِ الاستثماريةِ، والاجتهادُ في توفيرِ سُبُلِ الحياةِ الكريمةِ لكلِّ فردٍ من أفرادِ المجتمعِ الذي ولَّاهُ اللهُ عليهِ.

 

خامسًا: للحاكمِ على المحكومينَ حَقُّ الطاعةِ، وعدمُ خروجِهِم على مقتضَى البنودِ التي تُنظِّمُ العَلاقةَ بينَ الحاكمِ والمحكومِ، ما لم يَثبُتْ إنكارُهُ شَيئًا مَعلومًا مِنَ الدينِ بالضرورةِ، أو يأمُرْ بمعصيةِ اللهِ عَزَّ وجَلَّ، ولا سِيَّما إذا أدَّى الخروجُ على الحاكمِ - بأيِّ شَكلٍ كانَ هذا الخروجُ - إلى مَفاسِدَ.

 

سادسًا: على الحاكمِ أنْ يُشاوِرَ أهلَ الرأيِ والخِبرةِ مِنَ المحكومينَ فيما يحتاجُ إلى مَشورةٍ، وأنْ تكونَ المشاوَرَةُ بقَصدِ الاهتداءِ إلى القرارِ المحقِّقِ للمصلحةِ والدافِعِ للمَفسَدَةِ، ويكونُ إصدارُ القرارِ الذي يَدخُلُ في اختصاصاتِ الحاكمِ مِن سُلطاتِهِ التي لا يُنازَعُ فيها، وإنْ لم يكنِ القرارُ على وَفقِ المشورةِ؛ فالحاكمُ هو المتحمِّلُ لنتيجةِ قرارِهِ سواءٌ وافَقَ رأيَ الذين استشارَهُم أو خالَفَهُ.

 

ومِنْ ثَمَّ، فإنَّ للمحكومينَ الحقَّ في إبداءِ الرأيِ ولو كان في تقييمِ أداءِ الحاكمِ نفسِهِ، شَريطةَ أن يكونَ ذلك في حدودِ التعبيرِ عن الرأيِ بالطُّرُقِ والوسائلِ المشروعةِ، ومِن خِلالِ الآلياتِ المنظِّمةِ لذلك، دونَ خروجٍ أو تطاولٍ ينالُ مِن مكانةِ الحاكمِ أو شَخصِهِ، فإذا كان النَّيْلُ مِنَ الغَيرِ - وإن كانَ مِن عامَّةِ الناسِ - مِنَ الجرائمِ المعاقَبِ عليها في شريعتِنا؛ فإنَّ هَيبةَ الحاكمِ ورمزيَّتَهُ تَزيدُ مِن قُبحِ التطاوُلِ وجُرمِ المتطاوِلِ.

 

وتابع قائلا: "لقدْ جاءتْ نصوصُ شريعتِنا صريحةً في وجوبِ طاعةِ وليِّ الأمرِ في أيِّ نظامِ حُكمٍ توافَقَ عليه الناسُ؛ ففي كتابِ اللهِ عَزَّ وجَلَّ وفي كُتبِ الصِّحاحِ مِنَ النصوصِ الآمِرَةِ بطاعةِ الحاكمِ ما يَضيقُ المقامُ عن ذِكْرِ قليلٍ مِن كثيرِهِ، وحَسبُنا مِن ذلك قَولُ رسولِنا الكريمِ - صلى الله عليه وسلم: «خِيارُ أئمتِكِمُ الذين تحبُّونَهم ويحبُّونَكم، وتُصلُّونَ عليهِم - أيْ تَدعونَ لهم –".

 

وأضاف: " هذه الطاعةُ التي أوجَبَها الشرعُ الحكيمُ للحكَّامِ ليستْ لكونِهم أحرارًا يفعلونَ ما شاءوا متى ما شاءوا، ولا لكَونِهم لا يُسألونَ عمَّا يفعلونَ، بلْ لأنَّ في ذلك حِكمةً عظيمةً ومَصلحةً كبيرةً؛ وذلك لِئَلَّا يَتقاتَلَ المحكومونَ فيما بينهم عَصبيَّةً للحاكمِ أو ضِدَّهُ، ولذا مَنَعَ الشارِعُ الحكيمُ الخروجَ على الحاكمِ ولو كان في المحكومينَ مَنْ هو أَصلَحُ مِنهُ، بلْ إنَّ جُمهورَ الفقهاءِ على عدمِ الخروجِ على الحاكمِ ولو كانَ فاسِقًا؛ وذلك لأنَّ غالِبَ الظنِّ أنَّ الخروجَ على الحاكمِ يُفضي إلى تعريضِ الدماءِ والأعراضِ والأموالِ للخطرِ العظيمِ.

وفي كلِّ الأحوالِ، فإنَّ طاعةَ المحكومينَ لحاكِمِهِم مُتوقِّفةٌ على ألَّا يأمُرَهُم بمعصيةٍ أو يُقِرَّ أَمْرًا فيه مخالَفَةٌ صريحةٌ لشريعةِ اللهِ عَزَّ وجَلَّ، فإنْ أَمَرَهُم بشَيءٍ مِن ذلك فلا طاعةَ لمخلوقٍ في معصيةِ الخالِقِ".

 

وقال " ليس للحاكِمِ أنْ يُحاسِبَ صاحِبَ رأيٍ على رأيِهِ ما لم يَتعرَّضْ له بما يُعَدُّ إهانةً تُوجِبُ عِقابَهُ، ولْيَتَأَسَّ الحاكمُ المسلمُ بسَيِّدِ الخلقِ وأَشرَفِهِم - صلى الله عليه وسلم - فَقدْ عُورِضَ وأُوذِيَ مِن بعضِ الناسِ قَولًا وفِعلًا بما أغضبَ الصحابةَ غضبًا شديدًا. وأُؤكِّدُ أيضًا أنَّ تعبيرَ الرعيَّةِ عن رأيهِم في سياسةِ الراعي وإدارتِهِ لشئونِهِم حَقٌّ مَشروعٌ، ومُقابَلَةُ هذا الحَقِّ بالعُنفِ اعتِداءٌ، وثَمَّةَ خَيْطٌ فاصِلٌ بينَ التعبِيرِ عنِ الرأيِ والخُروجِ على أنظِمَةِ الحُكمِ القائِمَةِ، فإذا توافَرَتْ شُروطُ البَغيِ والخُروجِ على الحاكِمِ، ومنها إعلانُ جَماعةٍ مِنَ الناسِ الخروجَ عن طاعةِ الحاكِمِ ابتداءً، وامتِلاكُهُم تأويلًا سائِغًا، وتَحيُّزُهُم واستِعدادُهُم لقِتالِ الحاكِمِ ومَنْ مَعهُ؛ كانَ للحاكِمِ الحَقُّ في رَدْعِهِم بالقُوَّةِ المناسِبَةِ لدَفْعِ شَرِّهِم".


مقالات مشتركة