جريدة صوت الملايين
رئيس مجلس الإدارة
سيد سعيد
نائب رئيس مجلس الإدارة
د. محمد أحمد صالح
رئيس التحرير
محمد طرابية

تحقيقات وملفات   2019-01-21T16:56:17+02:00

فشل التجربة الإماراتية يكشف أكذوبة تطوير التعليم فى مصر

ايمان بدر

حينما أرادت نيكول سابا تعميم التجربة الدنماركية فى مصر من خلال نشر ثقافة التحرر الأخلاقي، اصطدمت بمعطيات الواقع المصرى، وبالتالي فشلت التجربة فشلًا ذريعًا، وعلى نفس المنوال سار الدكتور طارق شوقى وزير التربية والتعليم والتعليم الفنى فى مصر، حيث قرر أن ينقل تجربة الامتحانات الإليكترونية ونظام الثانوية العامة الرقمى التراكمى، وهى تجربة وإن كانت قد نجحت في دول أوروبية غربية ولكنها باءت بالفشل فى دولة عربية شقيقة، هى دولة الإمارات التى يتشابه نظامها التعليمى إلى حد كبير مع مصر، وإن كان الفارق شاسع فى الإمكانيات الاقتصادية والتكنولوجية، حيث تحتل الإمارات المركز الأول عربياً والـ 45 عالمياً من حيث جودة التعليم، بينما تقبع مصر فى المرتبة المئة، ومع ذلك فشلت تجربة الامتحانات الإلكترونية في الإمارات خلال العام الدراسى الماضى، واضطرت للعودة إلى النظام الورقى المعتاد.

 

أما عن أوجه التشابه بين مصر والإمارات فتتمثل فى أن الدولة النفطية لديها مدارس تعرف بإسم النخبة تتشابه مع مدارس المتفوقين في مصر، ولديها مدارس متخصصة أقرب للتعليم الفنى فى مصر، وبالنسبة للمرحلة الثانوية هناك نظام متقدم على غرار الشعبة العلمية ونظام عام أقرب لفكرة الشعبة الأدبى في مصر، أما نظام الثانوية العامة هناك – وفقًا للمنظومة الرقمية الجديدة- فقد بات يعتمد على التقييم التراكمى من خلال 12 امتحان يتقدم لها الطالب على مدار السنوات الدراسية الثلاثة.

وهى نفس الفكرة التي قرر وزير التعليم المصرى الدكتور طارق شوقى تطبيقها في مصر وبدأت من العام الدراسي الجارى، حيث تطبق لأول مرة على طلاب الصف الأول الثانوي، وعلى الرغم من مرور أكثر من 90 يوماً على بدأ الدراسة، حيث انتهى الفصل الأول تقريباً وأصبحت امتحانات منتصف العام على الأبواب، ومن المقرر أن تجرى يوم 13 يناير الجارى، ومع ذلك لم يتسلم الطلاب أجهزة الحاسب الآلى اللوحى "التابلت" حتى الآن، بل ولم تصل الشحنات المتعاقد عليها من شركة "سامسونج"، والأدهى أن وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات المصرية لم تقم حتى كتابة هذه السطور بتوصيل شبكات الإنترنت بكابلات الفايبر الهوائية إلى المدارس، لضمان جودة الخدمة وقوة الشبكة وعدم إنقطاعها أثناء وقت الامتحانات، وهو ما يعنى عدم جاهزية البنية التحتية للمدارس المصرية لإجراء الامتحانات بالتابلت، ناهيك عن تكرار إنقطاع التيار الكهربائى من آن لآخر عن أحياء ومناطق وقرى بأكملها فى غالبية محافظات مصر.

وعلى الرغم من كل ماسبق، ولكن على ما يبدو جاء الدكتور طارق شوقى من دولة أخرى، كأنه لا يعلم شيئًا عن الظروف التى تعانى منها بلاده، ولما لا وقد ظل طوال سنوت عمره أستاذًا بكليات الجامعة الأمريكية وعميدًا لإحداها، وشتان بين إمكانانيات التعليم فى تلك الجامعة وبينها فى مدارس وجامعات مصر، ومن هنا مضى الدكتور طارق قُدمًا فى بناء منظومته الجديدة، وأنشأ بنك المعلومات المصرى وأهدر عليه مليار جنيه، ليتم من خلاله بث المناهج بشكل إليكترونى رقمى، وإخترع برنامج "المعلم أولًا" لربط المعلمين بالبنك المعلوماتى، والأدهى أنه ظل حتى وقت قريب يؤكد ويصر على أن الامتحانات ستجري بالتابلت، ثم عاد ونفى ثم تراجع في اللحظات الأخيرة، كما فعل نظيره الإماراتى فى العام الماضي، ليبقى السؤال هل مدارس مصر جاهزة للعودة السريعة إلى النظام الورقى، كما فعلت الإمارات بكل ثراءها،  أم أننا سنواجه مشكلات أخرى تتعلق بعدم الاستعداد لطباعة الامتحانات وتوفير أوراق الإجابة فى ظل أزمة الورق، ناهيك عن مشكلة تأمين نقل الأسئلة لضمان عدم تسريبها من المطابع، كما يحدث في امتحانات الثانوية العامة كل عام.

 

وعلى خلفية هذه الربكة الحكومية والتصريحات الوزارية الأكثر ارتباكًا، يعيش طلاب الصف الأول الثانوي وأسرهم حالة من الحيرة والغضب والخوف، وينتابهم شعور بأنه مقدر لهم أن يدفعوا ثمن فشل التجربة، ويتزايد هذا الشعور كلما قرأ أحدهم عن العقبات التي واجهت نفس الفكرة حينما طبقت العام الماضي في الإمارات العربية المتحدة.

 

 

 

 

 

 

 

 

بسبب انقطاع الكهرباء وحدوث خلل فنى للشبكة وأعطال لوحة المفاتيح

 

أسرار فشل التجربة فى الإمارات

 

  • مفاجأة: وزير التعليم هناك مهندس زميل لطارق شوقى كلاهما جاء لفك المنظومة التعليمية ثم لم يستطيع تركيبها على الطريقة الحديثة فعاد بها إلى القديمة

 

 

 

من مفارقات القدر أن وزير التعليم فى دولة الإمارات هو المهندس حسين بن إبراهيم الحمادي، أى أنه زميل لنظيره المصرى الدكتور طارق شوقي، مهندس الميكانيكا الذى تم تعيينه وزيرا للتربية والتعليم في مصر، على أمل أن يقوم بفك المنظومة وإعادة تركيبها على الطريقة الحديثة المتطورة.

 

ووفقاً للتحليل النفسى والمهني لشخصية المهندس، نجد أن كلا الوزيرين حينما فشل في تركيبها على النظام المتطور، آثر السلامة وقرر أن يعود بها إلى ما كانت عليه، وفقًا للمثل القائل "عادت ريمة إلى منظومتها القديمة".

 

وحول تلك الفكرة صدرت مؤخرًا دراسة بعنوان " الإمتحانات الإليكترونية وإنعكاساتها على طلاب الصف الأول الثانوى"، أعدها الباحث محمود الرامى، الذى روى من خلال ورقته البحثية تفاصيل القصة التى بدأت حينما أعلن وزير التعليم الإماراتى المهندس حسين بن إبراهيم الحمادى أن امتحانات العام الدراسى 2017 – 2018 فى بلاده، سوف تجرى من خلال أجهزة "التابلت"، التى تم بالفعل توزيعها على الطلاب والمعلمين ومديرى المدارس، وتم توصيل الشبكات كما ينبغى، وبالفعل أجريت الاختبارات التجريبية وفقاً لهذا الأسلوب، وأعلن الدكتور حمد اليحيائى وكيل وزارة التربية والتعليم الإماراتى أن طلاب الصف الأول الثانوي قد أجروا الامتحانات التجريبية وتم تصحيحها إلكترونيًا، بدون تدخل العنصر البشري، وهو ما يعنى نجاح التجربة بشكل جزئى تجريبي.

 

ولكن حينما تم تطبيقها في الامتحانات النهائية، تصاعدت شكاوى الطلاب وأولياء الأمور ونُظار المدارس، وأجمع غالبية هؤلاء على وجود عقبات تعوق  نجاح المنظومة فى تحقيق أهدافها.

 

وتناول الباحث فى سياق دراسته تلك العقبات، حسبما أودتها الصحف الإماراتية ومواقع التواصل الاجتماعى هناك، موضحًا أن أبرز العوائق تمثلت فى انقطاع التيار الكهربائي في بعض المدارس، وحدوث خلل فنى لشبكة الإنترنت فى مدارس أخرى، كما فوجئ بعض الطلبة بتعطل الأجهزة اللوحية الخاصة بهم، وحدوث مشاكل تقنية فى الاتصال بالشبكة أو فى تشغيل لوحة المفاتيح نفسها، وصولاً إلى أن بعض الطلاب نسوا إحضار التابلت من منازلهم، على إعتبار أنهم إعتادوا فى كل الإمتحانات التى خاضوها من قبل، على أن يتركوا أجهزة الموبايل والتابلت الخاصة بهم فى المنازل، و من ثم اضطرت بعض المدارس إلى منحهم وقت إضافى للانتهاء من إجابة الامتحان، وهو ما أحدث ربكة فى غالبية المدارس.

 

وتطرق "الرامى" إلى إنعكاسات هذه الوقائع على النظام التعليمى ككل، موضحًا أنه مع تصاعد حدة اعتراضات الطلاب وأولياء الأمور ومديرى المدارسى التي نشرتها الصحف الإماراتية وتداولتها صفحات وتغريدات مواقع التواصل الاجتماعي، اضطرت الوزارة إلى التراجع والعودة إلى النظام الورقى المعتاد.

 

وإنتقلت الدراسة من الإمارات إلى مصر، حيث سارت الأمور على نفس الدرب في وزارة الدكتور طارق شوقى، الذى كان قد أعلن فى ديسمبر 2017، أن امتحانات الصف الأول الثانوي ستجرى في العام الدراسي الجديد ( 2018-  2019 ) من خلال التابلت، حيث سيرسل جهاز الامتحانات لكل طالب امتحانه على حدة ليستقبله على التابلت الخاص به، وبعد انتهاء الإجابات يرسلها الطالب إلى الجهاز، ليتم تصحيحها إليكترونيًا، مؤكداً أن المناهج نفسها ستدرس من خلال الكمبيوتر، بدون كتب ولا أوراق وأقلام، وملأ الوزير الدنيا بتصريحات حول قدرة هذا النظام على تنمية مهارات التفكير العلمي والتحليلى و مواهب الاستنتاج والإبداع لدى الطالب، بدلاً من الحفظ والصم، كما أنه يتفادى مشاكل الغش وتسريب الامتحانات ويتلافى أخطاء التصحيح، لعدم تدخل العنصر البشري.

 

ورغم وجاهة الكلمات نظريًا، ولكنها على أرض التطبيق اصطدمت بواقع عدم جاهزية البنية التحتية للمدارس وعدم كفاية الوقت لتدريب المعلمين والطلاب على هذه التكنولوجيا، ناهيك عن عدم تعديل المناهج الدراسية التى بقيت بما فيها من حشو، يحتاج فقط إلى الحفظ والتكرار والصم، ولا علاقة له بمهارات الخلق والإبداع في التفكير، وعملًا بنظرية "من فات قديمه تاه" تراجع الوزير عن قراره، وأعلن أن الامتحانات ستجري بالورقة والقلم، بعد أن كان قد أكد على أن الأجهزة اللوحية ستسلم إلى 3 محافظات هى دمياط والسويس وبورسعيد، لتجرى الامتحانات هناك رقميًا على سبيل التجريب، وهى فكرة تتعارض مع مبدأ المساواة وتكافؤ الفرص الذى أقره الدستور المصري وتكفله جميع القوانين.

 

 

 

إفتكاسات الوزير من الإليكتروني إلى " البوكليت " مروراً

بالكتاب المفتوح على طريقة مرجان أحمد مرجان

 

  • هل نحن مستعدون للعودة إلى النظام الورقى أم سنواجه مشاكل نقص الأوراق وتسرب الأسئلة ؟!!!

 

 

 

إذا كان علينا أن نتعلم من أخطاء الغير، فمن الأهمية أن نشير إلى أن تجربة دولة الإمارات العربية المتحدة الشقيقة رغم فشلها، لكن لم تخلو من الإيجابيات، حيث استطاعت بكل مرونة أن تتراجع عن النظام الإلكتروني لأنه لم يحقق الأهداف التي كانت ترجوها منه وبسبب العقبات التي واجهت تطبيقه.

 

وحينما قررت الوزارة الإماراتية التراجع استطاعت أن تعود بشكل سريع ومنظم إلى النظام الورقى، وهو أمر يعد غير مضمون ومثير للقلق في مصر، خاصةً ونحن نواجه أزمة نقص الورق بسبب الدولار ومشاكل الاستيراد والطباعة، كما أنه حتى وقت قريب ظل وزير التعليم يصر على أنه لا عودة للورقي، والآن وبعد أن أجبرته الظروف على التراجع، هل استعدت الوزارة ووفرت كميات كافية من الأوراق لطباعة أوراق الأسئلة والإجابات، وماذا عن نظام "البوكليت" الذى يدمج بين ورقتى الأسئلة والإجابة لتوفير الوقت فى الإجابة والتصحيح، هل الوزارة جاهزة لتطبيقه بشكل ناجح، أم ستفاجئ فى أول أيام الإمتحانات بمشاكل جديدة، وأيضاً ما هى حقيقة امتحانات "الأوبن بوك" أو الكتاب المفتوح – على طريقة فيلم مرجان أحمد مرجان لعادل إمام- التى كان الوزير قد أعلن عن تطبيقها ثم عاد وتراجع.

 

أما الأهم من افتكاسات السيد الوزير التى حيرت الطلاب، فهى الجزئية المتعلقة بتأمين نقل أوراق الامتحان، لضمان عدم تسريبها، وهى معضلة ترهق أجهزة الدولة بأكملها كل عام، وقد ظننا أنها انتهت فى ظل النظام الإلكتروني، ولكن هل الوقت الآن كافى لإجراء ما يلزم من إستعدادات واتخاذ التدابير اللازمة للنقل والتأمين.

 

 

 

       تبدأ بأن يسكت الوزير و يكف عن إطلاق التصريحات

 

خطة عملية لتطبيق النظام الإلكتروني بدون عقبات

 

  • الخطة تشمل توصيل كابلات الفايبر وتأهيل الطلاب والمعلمين وتعديل المناهج وتأمين الشبكات ضد الاختراق

 

 

 

"اسكت يا معالى الوزير"، بهذه العبارة لابد أن يبدأ القائمون على تطوير المنظومة التعليمية فى مصر خطة عملهم، بشرط أن يكون هناك خبراء يعملون على هذا التطوير بخلاف السيد الوزير، الذى عليه أن يكف عن إطلاق التصريحات حتى يكتمل استعداد وزارته لإطلاق المنظومة التعليمية التى نحلم بها جميعاً.

 

وخلال فترة صمت الوزير، سيعمل هؤلاء الخبراء بالتنسيق مع أساتذة المناهج وطرق التدريس على تطوير المناهج والمحتويات الدراسية نفسها، لتتلاءم مع الفكر الرقمى، ثم يتم تجهيز المدارس ببنية تحتية تتحمل الدراسة وإجراء الامتحانات إليكترونيًا من خلال توفير بدائل آمنة في حالة انقطاع التيار الكهربائي، وكذلك التنسيق مع وزارتى الكهرباء والاتصالات لتزويد المدارس بشبكات إنترنت قوية تعتمد على كابلات "الفايبر" الهوائية.

 

كما يجب وضع مواصفات مثالية لأجهزة التابلت المتعاقد عليها، لضمان جودتها وعدم تعرضها للأعطال، بالإضافة إلى منح التلاميذ والمعلمين وقت كافى للتأهيل وتعلم كيفية التعامل مع تلك الأجهزة وتشغيلها.

 

وعلى جانب آخر لابد من تزويد كل مدرسة بفريق فنى مكون من خبراء صيانة الأجهزة والشبكات للتعامل السريع مع أى خلل يمكن أن يحدث خلال فترة الامتحانات، والاستعانة بفريق آخر من خبراء الأمن الإليكتروني لتأمين الشبكة وحمايتها من الاختراق وجرائم القرصنة الإلكترونية.

 

 


مقالات مشتركة