الحكومة تنفي عودة عمل الموظفين بنظام ( الأونلاين ) يوم واحد أسبوعيًا       أخبار سارة .. المركز القومي للبحوث ينجح في إنتاج مُخصب حيوي يزيد إنتاج المحاصيل الزراعية       وزير الإسكان : الدولة لن تسمح مرة أخرى بالبناء غير المخطط والعشوائي والمخالفات       التفاصيل الكاملة لزيارة وفد قيادات الأوقاف ل شيخ الأزهر       الحكومة: الخميس 25 يوليو إجازة رسمية بمناسبة ذكرى ثورة 23 يوليو       خطة حكومية لزيادة الاستفادة من العلماء والباحثين المصريين في الخارج       بالأرقام الرسمية .. 50 مليون زيارة من السيدات لتلقي خدمات الفحص والتوعية ضمن مبادرة دعم صحة المرأة       اللجنة الخاصة المشكلة بمجلس النواب لدراسة برنامج الحكومة الجديدة تختتم أعمالها اليوم       تفاصيل مشاركة الأهلى فى أعمال الجمعية العمومية لرابطة الأندية الأوروبية       وزارة المالية : الدولة ليس من دورها إدارة الأصول العقارية       أخبار سارة للموظفين.. المالية تعلن تبكير صرف مرتبات شهر يوليو 2024  
جريدة صوت الملايين
رئيس مجلس الإدارة
سيد سعيد
نائب رئيس مجلس الإدارة
د. محمد أحمد صالح
رئيس التحرير
محمد طرابية

تحقيقات وملفات   2019-03-11T07:21:29+02:00

في مئوية 1919.. قصة خيانة رئيس أمريكي سببت اندلاع الثورة في مصر

صوت الملايين

بالتزامن مع الاحتفال بمئوية قيام ثورة 1919 التي توافق 9 مارس، وبعنوان "وودرو ويلسون والخيانة الأسوأ" ذكرت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، أنه بعد الحرب العالمية الأولى، كان من المفترض أن تقود الولايات المتحدة الأمريكية الحرب ضد الاستعمار، لكن ما حدث كان مختلفا تماما.

 

وفي نوفمبر 1918، عندما وصلت أخبار الهدنة في أوروبا إلى القاهرة، توقع الكثيرون ومنهم صديق لمحمد حسين هيكل، الأديب والسياسي، أنه بعد مغادرة الإنجليز مصر، ستعطي الولايات المتحدة للمصريين حق تقرير المصير، باعتبارها الفائزة بالحرب بالإضافة إلى أنها ليست دولة إمبريالية.

 

وكانت نهاية الحرب العالمية الأولى بمثابة وقت للتوقعات العظيمة، واعتبر الكثيرون في العالم أن الرئيس الأمريكي، وودرو ويلسون، رمزا للانتصار وبمثابة علامة تبشر بعالم جديد تُمنح فيه جميع الشعوب الحق في تقرير مستقبلها. وامتدت هذه الفترة تقريبا من خطاب "ويلسون" الرابع عشر في يناير 1918 إلى إبرام معاهدة فيرساي للسلام في يونيو 1919.

 

وفي مصر، كانت اللحظة الويلسونية مؤثرة بشكل خاص، لأنه في الوقت الذي عانت فيه مصر من الاحتلال الإنجليزي، برزت الولايات المتحدة ورئيسها كبطل للأفكار الجديدة حول هذا النوع من النظام الدولي الذي قد يتبع انتصار الحلفاء. وكان خطاب "ويلسون" في وقت الحرب، خاصة تعزيزه القوي لمبدأ "تقرير المصير"، ناجحا في إقناع الكثيرين في مصر وأماكن أخرى بأن قواعد اللعبة على وشك التغيير.

 

وحتى قبل انضمام الولايات المتحدة إلى الحرب في أبريل 1917، أعلن "ويلسون" أن السلام يجب أن "يقبل مبدأ أن الحكومات تستمد كل سلطاتها العادلة من موافقة المحكومين". وبعد دخول الولايات المتحدة الحرب، كان "ويلسون" أكثر تأكيدًا. وقال في مايو 1917 إن الولايات المتحدة وحلفائها كانوا "يناضلون من أجل الحرية والحكم الذاتي والتطور لجميع الشعوب".

 

وفي 8 يناير 1918، خاطب "ويلسون" الكونجرس لتوضيح رؤية أمريكا لعالم ما بعد الحرب، وهو الخطاب الذي سرعان ما أصبح معروفًا في جميع أنحاء العالم باسم "النقاط الأربع عشرة". ورغم أن هذا الخطاب لم يتضمن صراحةً مصطلح "تقرير المصير"، فقد استخدم "ويلسون" هذا المصطلح في الشهر التالي، عندما وصفه بـ "مبدأ العمل الحتمي" وعبّر عن أنه "يجب جعل كل تسوية إقليمية متعلقة بهذه الحرب في مصلحة وفائدة السكان المعنيين".

 

وليس من المستغرب إذن، أنه عندما انتهت الحرب في نوفمبر 1918، توقع المصريون أن يعكس نظام ما بعد الحرب خطاب "ويلسون" أو أنهم سيتحركون بسرعة للمشاركة في النظام الجديد الناشئ. وفي 13 نوفمبر، أي بعد يومين فقط من إبرام الهدنة، دعت مجموعة من القادة المصريين المفوض السامي البريطاني، السير ريجينالد وينجيت، إلى إعلان رغبتهم في الاستقلال السياسي. كما طلبوا السماح بالسفر إلى باريس لعرض قضية مصر لتقرير المصير قبل تجمع مؤتمر السلام هناك.

 

وقاد سعد زغلول الفريق الذي كان يتواصل و"ينجيت"، الذي لعب على عنصر الوقت، وطلب من الفريق التحلي بالصبر، لأن حكومة المملكة البريطانية كانت مشغولة بأشياء أكثر إلحاحًا. وطالما اعتبر البريطانيون مصر، خاصة قناة السويس، شريان الحياة الاستراتيجي لإمبراطوريتهم. وعقدوا العزم على الاحتفاظ بالسلطة، وكان آخر ما أرادوه هو أن تصبح المطالب المصرية نقطة تفاوضية في مؤتمر فرساي للسلام. لذلك، بعد فترة وجيزة، رفضت لندن إعطاء الإذن لـ"أبو الأمة" ووفده بالسفر.

 

ورداً على ذلك، تحرك "زغلول" وحلفاؤه لتعبئة الدعم العام، وعقد الاجتماعات، وتعميم الالتماسات، وبدء حملة صحفية. وفي الوقت نفسه، ناشدوا "ويلسون" مباشرة. وفي برقية دراماتيكية، كتب "زغلول "أن المصريين "شعروا بقوة بالعاطفة السارة لولادة حقبة جديدة، وبفضل عملك المثمر، ستفرض الأمة المصرية نفسها قريباً على الكون". وأضاف "أنه يجب السماح للمصريين بعرض قضيتهم في باريس، لأن هذا ليس أكثر من حقهم الطبيعي والمقدس".

 

ومع انطلاق مؤتمر السلام في يناير 1919واحتشاد المصريين خلف "زغلول"، قررت السلطات البريطانية، التي شعرت بقلق متزايد، اعتقال زغلول وعدد من أنصاره ، وفي 9 مارس 1919، أُرسلوا إلى معتقل في جزيرة مالطا المتوسطية، ما تسبب في تفاقم الوضع وقيام ثورة 1919. وخلال أشهر قليلة، قُتل فيها حوالي 800 مصري وأصيب الكثيرين، بالإضافة إلى 60 جنديًا بريطانيًا ومدنيًا.

 

ووفقاً لكاتب سيرة زغلول، فإن أحد الأشياء التي عثر عليها معه عندما ألقي القبض عليه كانت قصاصة صحفية أدرجت الـ14 نقطة في خطاب "ويلسون".

 

ومع اندلاع ثورة 1919 في الشوارع، تدفق تيار من البرقيات والرسائل والالتماسات إلى القنصلية الأمريكية في القاهرة، في إيمان منهم بالرئيس "ويلسون" ودعوا الولايات المتحدة إلى دعم "قضية الحق والحرية" في مصر. واشتكت إحدى الرسائل، التي وقّعت عليها "سيدات مصر"، أن البريطانيين استخدموا "القوة الغاشمة حتى تجاه النساء". وعرض كتيب، يوثق الوحشية البريطانية، صوراً لرجال مصريين تظهر عليهم آثار التعذيب والجلد بالأسواط.

 

ومع ذلك، لم تبد وزارة الخارجية الأمريكية أي رد فعل. وأبدى ألن دالاس، وهو دبلوماسي شاب في شعبة شئون الشرق الأدنى ثم رئيس وكالة الاستخبارات المركزية، أن النداءات المصرية "لا ينبغي حتى الاعتراف بها"، واتفق معه آخرون.

 

وعقب ذلك كتب وزير الخارجية البريطاني، آرثر بلفور، في أبريل، أن "القوميين المتطرفين" في مصر، الذين وصفهم بـ"عملاء مأجورين من قبل الحزب الثوري في تركيا والبلاشفة"، كانوا يستخدمون كلمات "ويلسون" "لإثارة حرب مقدسة ضد الكفار"، وسرعان ما وافق "ويلسون" على الاعتراف بالسيطرة البريطانية على مصر.

 

واندلع خبر قرار "ويلسون" بالاعتراف بالوصاية في الوقت الذي كان فيه زغلول ووفده، بعد إطلاق سراحهم من مالطا، يعبرون البحر المتوسط ​​في طريقهم إلى باريس. وعلموا بالقرار عندما رست سفينتهم في مرسيليا، وصدم الأمر المصريين. وقد ذكر محمد هيكل لاحقا أن القرار "ضرب الشعب بالصاعقة". وأشار إلى أن "ويلسون" أنكر حق المصريين في تقرير المصير حتى قبل وصولهم إلى باريس، وكانت هذه، كما كتب ، "أقبح خيانة"، و"أعمق نبذ للمبادئ".

 

وظل "زغلول" في باريس لعدة أشهر في محاولة لتحقيق تقدم في قضيته، وإرسال سلسلة من الرسائل إلى "ويلسون تطلب منه مرارا وتكرارا الاجتماع به. ورداً على ذلك، كان كل ما حصل هو ملاحظات متقطعة من سكرتير "ويلسون"، أبلغه فيها باستلام رسائله، لكنه أشار إلى انشغال الرئيس بمسائل أخرى.

 

ومع ذلك، استمر تدفق الالتماسات المصرية لبضعة أشهر، وتميز الكثير منها بقناعة بأن "ويلسون" لم يخن قضية مصر عن طيب خاطر، بل تعرض لخداع من قبل البريطانيين. وسعت إحدى الرسائل، من مجموعة من الطلاب المصريين، إلى تصحيح سوء فهم الرئيس الأمريكي وأكدت له أن الحركة المصرية "ليست دينية، ولا تكره الأجانب"، و"أبعد ما تكون عن البلاشفة بأي شكل من الأشكال".

 

وبحلول صيف 1919، كان "زغلول"، الذب لم يستطع الحصول على جلسة استماع مع "ويلسون"، يأمل في الحصول على بعض الدعم في الكونجرس الأمريكي بدلاً من ذلك. وفي يونيو، أخبر الصحافة المصرية أن لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ وجدت أن مصر لم تكن تحت السلطة التركية والبريطانية، وإنما كانت "محكومة ذاتياً". وأثارت هذه النتيجة غضباً من النقاش في وسائل الإعلام المصرية، لكن لا شيء آخر.

 

وفي نوفمبر 1919، أرسل "زغلول"، الذي كان ما زال في أوروبا، إلى "ويلسون" برقية أخرى تطلب منه دعم المطالب المصرية. لكن الرسالة نفسها كشفت أيضاً عن خيبة أمله المتزايدة.

 

ورغم الفشل في الحصول على الدعم الأمريكي، فإنه بحلول نهاية العام، أصبح الزعماء الوطنيون، المدعومون من الرأي العام المصري، ملتزمين بشدة بمقاومة السيطرة البريطانية. ورفض "زغلول" رسالة لوزير الخارجية البريطاني "بلفور"، رداً على رفض جهود لندن للتفاوض على الوصاية البريطانية، بأن "روح العصر" الجديدة تتطلب "أن يكون لكل شعب الحق في تقرير المصير ، وكشف عن قناعة بأنه، رغم خيانة "ويلسون"، كان هناك تحول جذري في الشؤون العالمية، وأنهت المبررات القديمة للاستعمار..


مقالات مشتركة