البنك المركزي يكشف أسرار تراجع معدلات التضخم       الداخلية تعلن القبض على المتهم في واقعة العبارات المسيئة على شاشة فيصل       الحكومة تنفي عودة عمل الموظفين بنظام ( الأونلاين ) يوم واحد أسبوعيًا       أخبار سارة .. المركز القومي للبحوث ينجح في إنتاج مُخصب حيوي يزيد إنتاج المحاصيل الزراعية       وزير الإسكان : الدولة لن تسمح مرة أخرى بالبناء غير المخطط والعشوائي والمخالفات       التفاصيل الكاملة لزيارة وفد قيادات الأوقاف ل شيخ الأزهر       الحكومة: الخميس 25 يوليو إجازة رسمية بمناسبة ذكرى ثورة 23 يوليو       خطة حكومية لزيادة الاستفادة من العلماء والباحثين المصريين في الخارج       بالأرقام الرسمية .. 50 مليون زيارة من السيدات لتلقي خدمات الفحص والتوعية ضمن مبادرة دعم صحة المرأة       اللجنة الخاصة المشكلة بمجلس النواب لدراسة برنامج الحكومة الجديدة تختتم أعمالها اليوم       تفاصيل مشاركة الأهلى فى أعمال الجمعية العمومية لرابطة الأندية الأوروبية  
جريدة صوت الملايين
رئيس مجلس الإدارة
سيد سعيد
نائب رئيس مجلس الإدارة
د. محمد أحمد صالح
رئيس التحرير
محمد طرابية

سيد سعيد يكتب   2019-04-23T14:21:55+02:00

الجوانب المضيئة فى الاستفتاء على التعديلات الدستورية

سيد سعيد

الواقع على الأرض يؤكد أن الشعب المصرى بكل شرائحه ومستوياته الشعبية وتنوعه الثقافى والسياسى، يقف فى هذه اللحظة بجدية أمام مسئولياته الوطنية، كل حسب رؤيته لمستقبل بلده، عبر المشاركة الإيجابية فى الاستفتاء على التعديلات الدستورية، التى سبقتها حملات دعائية، باتت معلومة للكافة، حيث تنوعت تلك الحملات بين دعوات انطلقت على مواقع التواصل الاجتماعى، ومن خلال اللافتات والمناقشات فى أماكن العمل والمقاهى، منها ما كانت تدعو للموافقة على التعديلات الدستورية، وللتصويت بـ«نعم» وأخرى تدعو للرفض والتصويت بـ«لا»، وكثيرة جدا الدعوات التى تحث على المشاركة بالنزول والتصويت حسب القناعات، بما يعنى أننا أصبحنا أمام احتكام حقيقى للإرادة الشعبية، وعلينا إدراك الفارق الكبير بين الواقع على الأرض، والذى تجسد جليا فى أيام الاستفتاء والعالم الافتراضى، وما تبثه الفضائيات المشبوهة ففى الواقع خرجت الملايين بإرادتها الكاملة، لتبدى برأيها، لإيمانها بدورها تجاه الوطن، ولقناعتها التامة بالمخاطر التى تحيط بنا من كل جانب، فهؤلاء يخشون على البلد، وهذه مسئولية وطنية يجب الثناء عليها سواء المؤيدين أو المعارضين.

لى ملاحظة، أرى أن طرحها فى هذا السياق ضرورى.. إذا كان خروج المواطنين فى تلك الظروف التى تمر بها البلاد لإعلان رأيهم فى التعديلات التى استقر عليها البرلمان، فإن ذلك لم يحدث لصالح رئيس بعينه، أو بمعنى أكثر دقة، لم يكن الخروج للمشاركة فى الاستفتاء على التعديلات الدستورية، لصالح الرئيس عبدالفتاح السيسى، إنما لصالح الوطن ومؤسساته واستقراره، وأعنى بالظروف التى تمر بها البلاد، المخاطر التى تحيط بنا من حدودنا الغربية والجنوبية والشمالية الشرقية، وكذا حجم المؤامرات الدولية والإقليمية، ومحاولات توطين الإرهاب فى المنطقة بعد إجلاء الإرهابيين بمعرفة تركيا للزج بهم فى الدول الحدودية المجاورة لنا وتحديدا ليبيا والسودان.

فى مقابل الزخم، هناك فئة اتخذت من الفيسبوك ساحات ومنصات للتنظير والدعوة للمقاطعة، فضلا عن التشكيك فى كل شىء والاستهانة بأدوار الآخرين الداعين للنزول والمشاركة بدون توجيه.. الهدف الإيجابى هو التحفيز على المشاركة.. شاهدنا قيادات شعبية ورموزا سياسية وفنانين وأحزابا ونخبا واعية، يحفزون المواطنين على المشاركة، المشاركة فقط.. شاهدنا أيضا شيوخا وعجائز يذهبون مع أبنائهم وأحفادهم.. شاهدنا أسرا تصطحب الأطفال ويلتقطون الصور فى جو يشى بالسعادة.. شاهدنا أيضا الدعوات من نجوم المجتمع للمشاركة.. ما أود التأكيد عليه أن هذه الأجواء كانت تلبية حقيقية لنداء الوطن، فضلاً عن إلقاء الضوء على ملمح مهم يجب أن يكون حاضرا باستمرار فى الذهنية المصرية، مفاده توجيه رسالة واضحة إلى كل المتربصين فى الداخل والخارج، تؤكد أن المصريين جاهزون دوما لحماية بلدهم ودعم مؤسساتها.. أما الحديث عن مناضلى الفيسبوك، فهؤلاء لا يمكن إقصائهم عن الحراك الشعبى العام الذى أثبت حضوره، بمعنى أنهم يحبون بلدهم لكنهم تركوا بدون توعية، وهناك مسئولية تجاه الدولة لتوعيتهم، لذا فإن المساحة الشاسعة بين أفكار الكبار والصغار، الكبار يدركون المخاطر بوعى أما الشباب فتنقصهم الخبرة، الجميع يحب وطنه بطريقته، لكن الفارق هو مساحة الوعى وإدراك المسئولية، نستثنى من ذلك الحكم المطلق، المارقون طبعًا.

قطعًا، إن كل من ذهب إلى لجان الاستفتاء مؤيدًا وداعمًا، لم يكن خروجه عبثيًا، بل لأنه تأكد واقتنع تماما بأن هذه التعديلات باتت ضرورية، لترسيخ مفهوم ومعنى استقرار الدولة، فمن ناحية، ليس منطقيا أو مقبولا لأى سبب كان، أن نجرى انتخابات رئاسية كل 4 سنوات، فهذه الرفاهية لا تصلح إلا للدول المستقرة وغير المستهدفة، ومن ناحية أخرى فإن الذين خرجوا لرفض التعديلات والتصويت بـ«لا» فلديهم أسبابهم وقناعاتهم، ولا يمكن التشكيك فى وطنيتهم، لكن عليهم احترام النتائج، أيًا كانت بشكل إيجابى ومن دون اختزال الوطنية فى شخوصهم فقط، فقد جرت العادة أن المعارضين فى مجتمعاتنا الشرقية، يختزلون الوطنية فى كل من قال لا والتشكيك فى كل من يؤيد نظام الحكم مهما كانت الأسباب الموضوعية للتأييد.

نحن إذا أمام اعتراف جمعى واضح وصريح، مفاده وجود حالة عدالة سياسية، تبلورت ملامحها بوجود إصرار رسمى وشعبى على إتاحة الفرص المتكافئة لمشاركة كل الأطياف السياسية دون تفرقة، فلم يضبط مسئول أيا كان اسمه، وأيا كان منصبه أو موقعه فى هذا البلد دعا المواطنين للتصويت على التعديلات بـ«نعم» فقد كان الجميع حريصا على قضية واحدة هى الحث على المشاركة، الكل يدلى برأيه فى الصندوق دون رقابة من أحد أو وصاية من أحد.

يا سادة.. علينا الاعتراف بجرأة ومن دون تنظير، ومن دون البحث عن مصطلحات ظاهرها براق وجوهرها فارغ، حدث خلال عدة عقود عملية تجريف ممنهجة للكوادر السياسية الواعية، كما جرى تغييب العقول وإفراغها، فضلاً عن أن النخبة توجهت نحو تحقيق مكاسبها المادية ومصالحها الخاصة، وشهرتها الزائفة، ناهيك عن هشاشة الإعلام وسطحيته، كل ذلك ساهم بشكل أو بآخر فى غياب الوعى لدى المواطن، بل تم تركه، سواء بقصد أو دون قصد، وأغلب الظن بقصد، فريسة للزيف والتأثر بالإعلام الكاره الذى يسعى للهدم دون البناء.

من هذا المنطلق، أرى، ضرورة استثمار الزخم الشعبى المؤيد للتعديلات والمعارض لها لتوجيه الطاقات نحو البناء، وأعنى بناء الوعى والثقافة عبر الإعلام أو النخب السياسية المختلفة، بهدف إحياء فكرة المشاركة فى قضايا الشأن العام والتحفيز على ممارستها فى الانتخابات الرئاسية والبرلمانية والمجالس المحلية والاستفتاءات، وغيرها من أساليب وأشكال الممارسة الديمقراطية، باعتبار أن المشاركة هى حق أصيل ومشروع لكل مواطن يحمل الجنسية المصرية، فضلا عن ترسيخ القيم الوطنية، ولنا فى مشاهد الأيام الثلاثة التى شهدت حالة الزخم دليل، مفاده أن المصريين خرجوا بكثافة، رغم شكاوى الكثيرين من الغلاء وارتفاع الأسعار وما شابه ذلك، إلا أن الغالبية تدرك تماما وهذا الإدراك لمن لا يعلم هو إدراك فطرى، ناتج عن صدق الأحاسيس والمشاعر الوطنية، بأن البلد شهد فى السنوات القليلة الماضية تغييرا جذريا يجرى على الأرض وبات ملمموسًا، كما لا يستطيع أحد التشكيك فيه، هذا التغيير لم يكن ليحدث إلا من خلال منهج ورؤية لإدارة شئون الدولة، اعتمدت بالأساس على توجيه الموارد بصورة مثلى، وقراءة دقيقة لمجريات الواقع المحلى والإقليمى والظروف الدولية، فصدق المشاعر بلور قناعاتهم بالاستقرار والأمن والقضاء على الإرهاب والفوضى.

جانب آخر يجب لفت الانتباه إليه، وهذا الجانب تكمن أهميته فى أن دعوات التأييد والمعارضة والخروج إلى الاستفتاء، بقدر ما هى اختلافا على آراء سياسية، بما يعنى الاختلاف فى وجهات النظر، غير أنها، وهذا هو المهم فى تقديرى، يعنى الاتفاق بين الأطياف المختلفة على الخروج والمشاركة فى الاستفتاء، وهذا يعنى أيضا، الاتفاق على وجود دولة.. دولة قادرة على اتاحة الفرص أمام الجميع لممارسة الديمقراطية.. دولة قادرة على إدارة التنوع الثقافى والفكرى والسياسى، وهذا يعنى أن الاختلاف هنا لصالح الدولة وليس اختلافا على الدولة، وبالتالى سينتقل تلقائيا الخلاف فى الرأى من مرحلة الصراع بين النخب السياسية، إلى مرحلة المنافسة السياسية بحماية من الدستور.

فى سياق الزخم الشعبى الملموس والمرصود من وسائل الإعلام المحلية والعالمية، يقفز سؤال جوهرى ومهم مفاده وماذا بعد؟! الإجابة ليست افتراضية أو عابرة، أو خرجت جراء التفاعل العاطفى مع حجم المشاركة، لكنها إجابة بديهية، إذا كانت نتيجة الاستفتاء بالقبول، أى أن الغالبية قالت «نعم»، فإننا سنكون أمام حالة من الرضا الجمعى على العقد الاجتماعى الجديد، بمعنى أن الجميع عليه الالتزام ببنود العقد والالتزام بمقتضياته، أما إذا جاءت النتيجة بالرفض فإننا سنبقى على الدستور قبل التعديل، وفى كل الأحوال على الجميع، التوجه نحو المشاركة الحقيقية فى عملية البناء التى بدأت فعليا، فالاستفتاء عل التعديلات الدستورية، يجعلنى أؤكد على جانب آخر، فهى، على الأقل بالنسبة لى، ضرورة لننظر إلى كل ما يجرى حولنا من خراب نتيجة غياب الدولة الدستورية، ليبيا والسودان والجزائر، فالتعديلات دعوة لمذيد من الاستقرار، وأيضًا إعطاء الرئيس فرصة ملائمة لتنفيذ برنامجه واتمام ما بدأه من مشروعات تنموية مرئية وملموسة، فهذه الإنجازات التى تحققت فعليا على أرض الواقع، منها الذى اكتمل والآخر لم يكتمل، والتى لم تكتمل ومطلوب إنجازها والانتهاء منها، وعلينا معرفة أن هذه المشروعات جزء من برنامجه الذى انتخبه على أساسه الشعب، وطبعا هذا القول لا ينطبق على الرئيس عبدالفتاج السيسى فقط، لكنه ينسحب بالضرورة على أى رئيس منتخب ولديه برنامج لصالح الشعب.

وفى هذا السياق، حسب تقديرى، أن الرئيس السيسى سيسعده مشاركة كل الأطياف المؤيدين والمعارضين على حد سواء، وبالتالى لن يغضبه بأى حال من الأحوال أى معارض، ويقينى أن الرئيس سيقوم بتحية كل المشاركين، لأنه رئيس دولة مسئول عن معارضيه قبل مؤيديه، وتنفيذ برنامجه يخدم كل أطياف المجتمع والاستفتاء هو بمثابة دعوة لتثبيت ركائز الدولة والتوجه نحو دعم القيادة السياسية لتنفيذ طموحات الشعب فى التنمية والبناء، والقضاء على الإرهاب، خاصة أن القضاء عليه بات وشيكا.

إن المشاركة فى الاستفتاء، كانت ترجمة حقيقية لقدرة الدولة على إتاحة المناخ الملائم لحرية إبداء الرأى وهى فى تقديرى، دعوة لممارسة سياسية فى الإطار الديمقراطى والخروج من حالة الصخب والعشوائية التى اختلطت فيها المفاهيم، ولم تعد هناك فروق واضحة بين المصطلحات، بين الحرية والفوضى، الدولة الدستورية والحالة الثورية، وهذا بدوره أن نلتفت إليه بقدر من الموضوعية، سيقودنا إلى نتائح محفوفة بالمخاطر، لذا فإن الدروس المستفادة من هذه التعديلات، تكمن فى كونها تجربة عملية مهمة للخروج من حالة السيولة والتوجه نحو إثراء التجربة الديمقراطية، وخلق حراك سياسى حقيقى يتفاعل معه المجتمع، ويرسخ فى نفس الوقت لفلسفة الاحتكام لإرادة الشعب، بعيدا عن المزايدات والتشكيك والرفض العنترى لكل ما تنتجه الإرادة المجتمعية من تفاعلات، لخدمة المجتمع وقضاياه المعيشية والسياسية.

إن طغيان المشاركة فى الشأن العام، وأعنى بها كل القضايا، سيدفع أى مسئول للعمل الجاد بهدف تحقيق مصالح المواطن، وسيضع نفسه فى ميزان المساءلة، أما السلبية فهى نجاة للمسئول.


مقالات مشتركة