البنك المركزي يكشف أسرار تراجع معدلات التضخم       الداخلية تعلن القبض على المتهم في واقعة العبارات المسيئة على شاشة فيصل       الحكومة تنفي عودة عمل الموظفين بنظام ( الأونلاين ) يوم واحد أسبوعيًا       أخبار سارة .. المركز القومي للبحوث ينجح في إنتاج مُخصب حيوي يزيد إنتاج المحاصيل الزراعية       وزير الإسكان : الدولة لن تسمح مرة أخرى بالبناء غير المخطط والعشوائي والمخالفات       التفاصيل الكاملة لزيارة وفد قيادات الأوقاف ل شيخ الأزهر       الحكومة: الخميس 25 يوليو إجازة رسمية بمناسبة ذكرى ثورة 23 يوليو       خطة حكومية لزيادة الاستفادة من العلماء والباحثين المصريين في الخارج       بالأرقام الرسمية .. 50 مليون زيارة من السيدات لتلقي خدمات الفحص والتوعية ضمن مبادرة دعم صحة المرأة       اللجنة الخاصة المشكلة بمجلس النواب لدراسة برنامج الحكومة الجديدة تختتم أعمالها اليوم       تفاصيل مشاركة الأهلى فى أعمال الجمعية العمومية لرابطة الأندية الأوروبية  
جريدة صوت الملايين
رئيس مجلس الإدارة
سيد سعيد
نائب رئيس مجلس الإدارة
د. محمد أحمد صالح
رئيس التحرير
محمد طرابية

تحقيقات وملفات   2019-06-26T02:15:30+02:00

أسرار عزوف الشباب عن المشاركة في الحياة السياسية بعد 30 يونيو

ايمان بدر

حينما سئل المشير عبد الفتاح السيسى إبان ترشحه لرئاسة الجمهورية في الدورة الأولى عن شباب مصر، قال إنه شباب عظيم وراقى، وأنه سيبذل كل ما بوسعه لاحتواء هذه الطاقة الشبابية، حيث اعتاد الرئيس أن يؤكد على أن مصر شابة، وأن نسبة من هم دون سن الأربعين بين مواطنيها تزيد عن الستين بالمائة، وبالفعل كان "السيسى" هو أول رئيس مصرى يهتم بأن يرعى ويشارك بنفسه في المؤتمرات والمنتديات الشبابية المحلية والعالمية، كما تم إطلاق البرنامج الرئاسى لإعداد الكوادر الشابة، وصولاً إلى إنشاء أكاديمية تدريب الشباب، التى قال الرئيس عنها أنه سيتخرج من دفعاتها قيادات وأركان العمل السياسي في مصر خلال السنوات القادمة على غرار ما حدث في فرنسا.

ولكن يبقى السؤال هل هذه التجارب نجحت في تحقيق مشاركة شبابية فعلية في العمل السياسي، أم أن كلمة احتواء فى حد ذاتها تشير إلى عملية تقييد حرية ممارسة العمل السياسى خاصةً فيما يتعلق بالمعارضة للنظام الحاكم، كما ينطوي هذا الاحتواء على رغبة من النظام  للتعامل مع الطموح السياسي للشباب وفقاً لأساليب الترويض والوضع تحت السيطرة، أو ربما تحويل مسار الممارسة السياسية إلى أنشطة أخرى، تتصل بشكل أكبر بالعمل الخدمى والمجتمعى.

ومن ثم تبرز علامات استفهام حول مدى تراجع دور الشباب على المسرح السياسي المصرى، وإلى أى مدى يمكن اعتبار مشاركتهم في العمل السياسي والفاعليات الرئاسية مجرد واجهة ديكورية انتقائية، لا تعبر عن تمثيل حقيقى منتخب لجموع الشباب المصريين، وهل مازال المجال العام حالياً قادر على إفراز كوادر شبابية قيادية، تلك التساؤلات نطرحها ونناقش إجاباتها في سياق السطور التالية.

 

 

 

 

 

 

 

من 6 إبريل و " كلنا خالد سعيد " إلى "تمرد" مرورًا بأحزاب حمدين وخالد على

 

تفاصيل دور الشباب منذ ما قبل 25 يناير 2011 إلى مابعد 30 يونيو 2013

 

 

 

شهدت السنوات السابقة على قيام ثورة يناير 2011، تطور أشكال غير تقليدية للمشاركة الشبابية في العمل السياسي، حيث لعب التطور التكنولوجي دورا رئيساً فى توسيع انتشارها بين الشباب، من خلال حركة التدوين الواسعة التى كانت مسارا جديداً للتفاعل مع المجال العام، من خلال شبكة الإنترنت التى وفرت مجالا جديداً للتعبير والتواصل لم يكن متاحاً للأجيال الأكبر سنا، ثم أعقبها تطور وسائل التواصل الاجتماعي التى أتاحت الفرصة لتفاعل قطاعات أوسع.

وفى هذا السياق انطلقت دعوة إضراب المحلة الكبرى في 6 أبريل 2008، حيث كانت سرعة انتشار تلك الدعوة من خلال وسائل التواصل الاجتماعي بمثابة لحظة فارقة في اعتماد الإنترنت كأحد الأدوات الرئيسية لمشاركة الشباب في المجال العام والحراك السياسى.

 وحول تلك الفكرة صدرت عن مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية ورقة بحثية بعنوان "الشباب والعمل السياسي بعد 30 يونيو"، أعدها أحمد خير الباحث في علم الاجتماع السياسي والحركات الاجتماعية، تناول خلالها تطور حركة المشاركة السياسية للشباب المصرى منذ ما قبل يناير 2011، وصولاً إلى ما بعد 30 يونيو 2013، وحتى كتابة هذه السطور، واستعرض الباحث بعض مراحل هذا التطور بدءاً من إضراب 6 أبريل 2008، مروراً بصفحة كلنا خالد سعيد التى أطلقها وائل غنيم في صيف 2010، وكانت الشرارة الأولى لاندلاع ثورة يناير.

وأوضحت الدراسة أن شبكة الإنترنت استطاعت خلق مساحات جديدة أوسع من مساحات التعبئة السياسية المباشرة، حيث أصبح الفضاء الإعلامى للمرة الأولى في مصر لا يقتصر على مؤسسات إعلامية يمكن للدولة التحكم فيما تقدمه كما تستطيع غلقها وإيقاف بثها، كما يتكلف إنشائها واستمرارها موارد ضخمة، ومن ثم أصبحت حرية التعبير متاحة لكل من يستطيع الجلوس أمام جهاز الكمبيوتر، بل ولأول مرة منذ تأميم موجات البث الإذاعي فى عام 1934 أصبح من الممكن إطلاق محطات إذاعية على شبكة الإنترنت بأقل الإمكانيات، وصار الشباب مهيمن على استخدام هذه الأدوات كمنتجين ومتلقين للمحتوى.

 

وانتقلت الورقة البحثية إلى الدور الذى لعبته الحركات الشبابية في قيام ثورة 30 يونيو نفسها من خلال حركة "تمرد"، التى كانت مبادرة لم يكتب لها النجاح إلا بفضل انضمام كل التجمعات الشبابية لها في جمع التوقعات، لافتًة إلى أن تلك التجمعات الشبابية لم تقتصر على الحركات الثورية، ولكن خرجت من رحم ثورة 25 يناير عدة أحزاب شبابية، منها ما تأسس وماهو تحت التأسيس، تلك الأحزاب استطاعت جذب الشباب لعضويتها كما حصدت أصواتهم الانتخابية معتمدة على مؤسسين أكبر سنًا، عرفوا بمطالبتهم بالتغيير والديمقراطية قبل سقوط نظام حسنى مبارك، ومن بين هؤلاء القيادات كان حمدين صباحى مؤسس حزب الكرامة وخالد على مؤسس حزب العيش والحرية -تحت التأسيس-، كما ظهرت أحزاب وتحالفات بقيادة الدكتور محمد أبو الغار وفريد زهران وعبد الغفار شكر وغيرهم، كان غالبية أعضاءها وأنصارها من الشباب المتطلع للعمل الثورى.

 

 

 

حجب المواقع وحظر الكيانات وتقييد حرية التظاهر وفرض رقابة على الجمعيات

 

مؤتمرات الشباب محاولة لإحتواء طاقاتهم بعيدًا عن السياسة

 

 

 

يخطأ من يتصور أن الشباب الثورجية كانوا عقبة في طريق وصول نظام الرئيس عبد الفتاح السيسى لسدة الحكم، فلولا إسقاط هؤلاء الشباب لنظام حسنى مبارك، لوقع التوريث لجمال مبارك، ولولاهم لما نجحت حركة تمرد فى إسقاط حكم محمد مرسى وجماعة الإخوان، وبالتالي لولا هذه الجهود الشابة لما وصل السيسى للحكم.

 

وبالرغم من ذلك ظلت قطاعات من الشباب خاصةً المثقفين متوجسين وقلقين من حجم مساحة الحريات العامة والسياسية إبان حكم السيسى، وتبلورت هذه المخاوف من خلال التحديات التي تواجه المشاركات السياسية للشباب فى عهد نظام 30 يونيو، تلك التحديات لخصتها الدراسة في تقييد الأدوات التي كانت تستخدم للمشاركة المستقلة فى أوساط الشباب، وهو ما أدى إلى استبعاد القطاعات الشابة التي شاركت في ثورة 25 يناير على اختلاف توجهاتهم والأطر المنضمين إليها، سواء كانت أحزاب رسمية أو حركات شعبية أو جمعيات أهلية.

 

وأشار الباحث أحمد خير فى سياق دراسته إلى أن ثمة تحولات في البنية التشريعية، انعكست على تجريم الأطر التى عملت من خلالها تلك الحركات، حيث صدر حكم قضائي بحل حركة 6 أبريل، ومن ثم إختفت باقى الحركات وتوارت عن الساحة باقى الكيانات الشبابية الأخرى أو إنحلت من تلقاء نفسها حتى لا تواجه نفس المصير.

 

كما تم إقرار قانون التظاهر وقانون الجمعيات الأهلية وقانون الرقابة على الإنترنت ووضع الصفحات التي يزيد عدد متابعوها عن خمسة آلاف تحت رقابة الدولة، ناهيك عن إمكانية إغلاق وحجب المواقع الإليكترونية وحظر الصفحات على مواقع التواصل الاجتماعي.

 

وتطرق "خير" إلى تحدى آخر واجه حرية العمل السياسي للشباب تمثل فى محاولات احتواء طاقاتهم خارج المجال السياسى، من خلال إعلان عام 2016 عام الشباب، وقرب نهايته بدأت مؤتمرات الشباب الدورية كفاعلية يلتقى فيها الشباب برئيس الجمهورية، ويتم خلالها مناقشة موضوعات مختلفة ليست من بينها المشاركة السياسية.

 

 

 

إلغاء إتحاد طلاب مصر وإختفاء حلم إستقلال الجامعات

 

-                     إنتخابات 2013 كانت الضربة القاضية لأسطورة الإخوان ومهدت لإسقاطهم

 

-                     إنتخابات 2017 شهدت إقبالًا ضعيفًا وغابت عنها التنافسية وحسمت نتائجها بالتزكية

 

 

 

من الممكن قياس حدود التغيير في حجم المشاركة السياسية للشباب من خلال قياس نسب الانخراط في الاستحقاقات التصويتية، مثل إنتخابات إتحاد الطلاب وكذلك إنتخابات مجلس النواب، حيث تعطى تلك النسب مؤشرات واضحة على مدى انخراطهم في المجال العام.

 

وتناولت الدراسة الفترة من 25 يناير 2011 إلى 30 يونيو 2013، لترصد مدى نجاح الحركة الطلابية في تحقيق بعض المطالب الرئيسية التى سعت إليها أجيال متتالية من الطلاب منذ أكثر من ثلاثة عقود، ومنها إعادة إتحاد طلاب مصر، الذى كان قد تم إلغاؤه منذ إقرار اللائحة الطلابية لعام 1979، كما نجحت الحركة الطلابية في تحقيق أهداف أخرى تتعلق بضمان استقلالية اتحادات الطلاب، وتسمح بأن تكون هذه الاتحادات جزءاً فاعلاً في السياسات التعليمية، والمشاركة في إدارة الحياة الجامعية.

 

وعندما أجريت الانتخابات الطلابية في هذه الأجواء كانت مفعمة بالحيوية وشهدت نسب تصويت مرتفعة، وانعكس ذلك على النتائج التى أظهرت هزيمة ساحقة للتيار الإخوانى لأول مرة في تاريخ الاستحقاقات الانتخابية، وهو ما كان بمثابة الضربة القاضية لأسطورة تفوق الإخوان الانتخابي، كما كانت خطوة واثقة نحو إسقاط حكم جماعة الإخوان لمصر بشكل عام، حيث أجريت الانتخابات الطلابية مطلع 2013، واندلعت الثورة التى أطاحت بنظام الرئيس الإخوانى محمد مرسى فى منتصف العام ذاته.

 

ليأتي نظام 30 يونيو حاملاً تعديلات جديدة على اللائحة الطلابية التى تم إقرارها مطلع 2013، وبسبب تلك التعديلات لم تجرى الانتخابات الطلابية في العامين التاليين على 2013، وحتى حينما أجريت فى 2016، وسط احتجاجات واسعة على التعديلات وعلى تأجيل الانتخابات، شهدت انخفاض معدلات التصويت بشكل واضح، واستمرت النسب في تراجعها للعام التالى على التوالي، بل ورفضت وزارة التعليم العالي اعتماد النتائج، واصفة اتحاد طلاب مصر بأنه كيان غير منصوص عليه فى لائحة 2007، علماً بأن تلك اللائحة ملغاة بلائحة 2013.

 

وتصل الدراسة بتطورات الأمور إلى لائحة عام 2017 الجديدة، التى ألغت إتحاد طلاب مصر ونصت على العديد من المواد التى قيدت الاستقلالية الطلابية، ومن ثم أجريت الانتخابات بموجب هذه اللائحة لتشهد إقبالاً ضعيفاً ليس على مستوى التصويت فقط، ولكن غابت عنها التنافسية وحسمت غالبية نتائجها بالتزكية.

 

 

 

النظام الانتخابي وراء تراجع مشاركة الشباب في إنتخابات البرلمان

 

-                     نسبة المشاركة كانت 42% فى إنتخابات 2011 وتراجعت إلى أقل من 20% فى 2015

 

-                     عدد دوائر القوائم إنخفض من 46 دائرة إلى 4 فقط

 

 

 

وانتقلت الدراسة من داخل أسوار الجامعة إلى تحت قبة البرلمان، موضحة أن تركيبة النظام الانتخابي أثرت على معدلات مشاركة الشباب بين إنتخابات برلمان 2011، وانتخابات برلمان 2015، حيث أجريت الأولى بناء على تقسيم للمقاعد يخصص ثلثى المقاعد للقوائم والثلث الباقى للمقاعد الفردية، بينما أجريت الثانية على أساس تخصيص خمس المقاعد للقوائم وأربع أخماس للمقاعد الفردية، ومن المعروف أن القوائم تعزز تمثيل أفضل لفئات معينة، لأنها تحتاج إلى جهد جماعى مشترك بين المرشحين وأحزابهم أو التيارات التى ينتمون إليها، مما يخفف من أعباء تكاليف الدعاية والمصروفات، وبالتالي يعد نظام القوائم هو الأنسب للشباب، لأنه يخفف عنهم أعباء التكلفة، كما يحقق تمثيل أفضل للأحزاب الوليدة والفقيرة تمويليا.

 

وقارنت الدراسة بين إنتخابات برلمان 2011 وانتخابات 2015، لتؤكد على أن خفض عدد دوائر القوائم من 46 دائرة إلى 4 دوائر فقط، أدى إلى غياب ملحوظ للشباب سواء كمرشحين أو كناخبين، مشيرة إلى أن تلك الدوائر الأربعة تغطى نطاقات يصعب على الأحزاب الشابة والمرشحين الشباب تغطيتها، ومن ثم غاب الناخبين الشباب الذين لم يجدوا مرشحا يعبر عنهم فاثروا الابتعاد عن صناديق الاقتراع.

 

وكشفت الدراسة عن أن معدلات التصويت الكلية قد انخفضت إلى النصف مابين عامى 2011 و 2015، وبتحليل الأرقام نجد أن المحافظات الحضرية التى شهدت نشاط للحركات والأحزاب الشبابية ونجح فيها مرشحو الشباب عام 2011، قد تراجعت نسب التصويت فيها بشكل كبير يفوق النصف، وبالتحديد محافظة مثل القاهرة تراجعت فيها النسبة من 42 بالمئة عام 2011، إلى أقل من 20 بالمئة في إنتخابات برلمان 2015.

 

وشدد الباحث في علم الاجتماع السياسي على أن تمثيل الشباب أو مشاركتهم السياسية لا تتأتى فقط من خلال المحاصصة أو تخصيص مقاعد لهم أو تعيين ممثلين عنهم، وإنما تتحقق من خلال وجود ممثلين منتخبين قادرين على التعبير عن طموحات الشباب بغض النظر عن أعمارهم، وهؤلاء الممثلون للشباب لن تتوافر فرصة وجودهم دون تهيئة المجال العام، لأن يسمح للشباب بتشكيل تجمعاتهم عبر مختلف الأطر التى تعبر عنهم وتكون مدخلاً لمشاركتهم في الحياة السياسية.

 

وعلى الجانب الإيجابى استخلصت الورقة البحثية حقيقة أنه بالرغم من كل التحديات والتحولات التى شهدها المجال السياسي، إلا أنه مازال هناك شباب مصريون منخرطون في الساحة السياسية، وإن كانت النسبة أدنى كثيراً مما كانت عليه قبل 30 يونيو، ولكنها على أية حال أفضل مما كانت عليه قبل يناير 2011.


مقالات مشتركة