الحكومة: الخميس 25 يوليو إجازة رسمية بمناسبة ذكرى ثورة 23 يوليو       خطة حكومية لزيادة الاستفادة من العلماء والباحثين المصريين في الخارج       بالأرقام الرسمية .. 50 مليون زيارة من السيدات لتلقي خدمات الفحص والتوعية ضمن مبادرة دعم صحة المرأة       اللجنة الخاصة المشكلة بمجلس النواب لدراسة برنامج الحكومة الجديدة تختتم أعمالها اليوم       تفاصيل مشاركة الأهلى فى أعمال الجمعية العمومية لرابطة الأندية الأوروبية       وزارة المالية : الدولة ليس من دورها إدارة الأصول العقارية       أخبار سارة للموظفين.. المالية تعلن تبكير صرف مرتبات شهر يوليو 2024       بالأرقام الرسمية .. إصدار 32.5 مليون قرار علاج على نفقة الدولة       وزارة العمل تُحذر المواطنين بعدم التعامل مع الشركات والصفحات وأرقام الهواتف الوهمية       إطلاق دورى رياضى لأبناء الأسر في قرى ( حياة كريمة ) تحت شعار ( أنت اقوى من المخدرات )       أخبار سارة : مصر تستهدف إنتاج 800 ألف أوقية ذهب عام 2030  
جريدة صوت الملايين
رئيس مجلس الإدارة
سيد سعيد
نائب رئيس مجلس الإدارة
د. محمد أحمد صالح
رئيس التحرير
محمد طرابية

رئيس التحرير يكتب   2019-10-04T23:57:52+02:00

التوريث فى مصر

محمد طرابيه

 

ارتبط مفهوم " التوريث " فى مصر بالسنوات الأخيرة من عهد الرئيس الأسبق حسنى مبارك ،حيث ترددت أنباء وشائعات حول رغبة مبارك فى توريث السلطة لنجله الأصغر جمال ، وكانت هناك مؤشرات دفعت الكثيرين لترديد هذا الكلان منها  إختيار جمال أمينا للجنة السياسات بالحزب الوطنى وقيامه بدور كبير فى تشكيل الحكومات وإختيار الوزراء وأصحاب المناصب العليا .

وأكد مقربون من السلطة فى ذلك الوقت أن توريث الحكم لجمال لم يكن رغبة مبارك الأب بل كان حلم سعت اليه وخططت له سوزان مبارك على أمل إختيار نجلها ليكون رئيساً  للجمهورية خلفاً لوالده .

المفاجأة أن الأيام أثبتت أن حسنى مبارك  يعد الوحيد – وفقاً لرأى الكثيرين – الذى فشل فى توريث منصبه لإبنه .

وعقب قيام ثورة 25 يناير 2011 التى أطاحت بمبارك ونظامه، إختفت إلى حد ما أية أحاديث عن التوريث فى المجال السياسى  ، إلا أن وصلت جماعة الإخوان الإرهابية إلى السلطة عقب اعلان فوز محمد مرسى بالرئاسة فى 2012 ، فعاد الكلام عن التوريث يتردد مرة آخرى . ولكن بشكل مختلف ، حيث لم يكن الأمر متعلقاً بتوريث الحكم لأحد أبناء مرسى ، بل اتخذ توجهاً جديداً فى التوريث عن طريق الإعتماد على ما يسمى ب " الأهل والعشيرة " ومحاولات تطبيق الخطة الشيطانية التى وضعها خيرت الشاطر نائب مرشد الجماعة والتى عرفت ب " خطة التمكين " وهى الخطة التى أحبطت ثورة 30 يونيو تنفيذها .

فى هذا السياق نشير إلى أنه يحسب للرئيس عبدالقتاح السيسى عدم اقحام أى شخص من أفراد أسرته فى العمل السياسى من قريب او بعيد ، وهو الأمر الذى منع الكلام حتى ولو تحت شعار الشائعات حول موضوع التوريث .

ويخطىء من يتصور أن قضية التوريث فى مصر تقتصر على منصب الرئيس فقط  ، حيث أن هذه الظاهرة الممتدة فى مصر منذ سنوات طويلة ما تزال موجودة حتى الآن فى الكثير من المجالات والقطاعات .

وقد استرعت هذه الظاهرة انتباهى وقررت البحث عن دراسات رسمية  تتعلق بهذه الظاهرة ، ووجدت ضالتى فى دراسة مهمة للغاية أصدرها مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية بعنوان " توريث الوظيفة العامة واختلال ميزان العدالة " والتى أعدتها الباحثة إنجى محمد عبدالحميد  المدرس المساعد بالمركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية .

 

الدراسة أكدت أن أول ما يتبادر إلى الذهن عند الحديث عن هذه القضية هو معايير التوظف والترقى فى الوظيفة العامة فى مصر، والتى - وعلى الرغم من عدم توافر بيانات أو معلومات دقيقة حول حجمها - تمثل عقبة رئيسية أمام إدخال أية إصلاحات حقيقة على الجهاز الإدارى للدولة. فالمتابع لتصريحات بعض الوزراء والقيادات العليا فى مؤسسات الدولة، يمكن أن يدرك أن المشكلة أعمق بكثير من مجرد توريث المنصب العام، وإنما ترتبط بالأساس بإعادة إنتاج علاقات النفوذ والسلطة داخل فئة بعينها وحرمان الآخرين من أية فرصة لصعود السلم الاجتماعى وهو ما يثير تساؤلا مشروعا حول مدى رفض المصريين لفكرة التوريث فى المطلق باعتبارها أحد الممارسات غير العادلة.

 

واذا حاولنا الإجابة على هذا السؤال من خلال الواقع الفعلى لوجدنا أن المصريين يرفضون التوريث اذا لم يكن الأمر متعلقاً بهم  أو بأقاربهم أصدقائهم ، أما اذا كان الأمر بعيد عنهم فإنهم يرفضونه شكلاً ومضموناً ،

أى أن هذا الأمر تحكمه العواظف والمصالح الخاصة ولا علاقة لها فى أغلب الأحيان بالمصلحة الشخصية .

وتحت عنوان "  واقع ظاهرة التوريث فى مصر وتفسيرها " كشفت الدراسة أن الأمر تجاوز فكرة المحسوبية المتعارف عليها Nepotism، وأصبح حقا وممارسة لا تتم سرا ولم تعد محل مساءلة. ويعلق البعض ساخرا على هذه الظاهرة التى لم تترك مجالا واحدا فى مصر إلا وأثرت فيه، بأن مبارك هو الشخص الوحيد فى مصر الذى لم ينجح فى توريث ابنه، بينما فعلها المصريون فى كل مجال حتى المجالات التى تتطلب موهبة فطرية، فابن الضابط ضابط وابن القاضى قاضى وابن الممثل ممثل، حتى الإنشاد الدينى والفن التشكيلى والشعر كلها مجالات لم تسلم هى الأخرى من هذه الظاهرة.

وكشفت أن جوهر القضية أن المصريين لا يرون فى محاباة العائلة أى مشكلة أو يعتبرونه سلوكا غير عادل، يحرم الآخرين من حقوقهم ويجسد حلقة مفرغة من غياب العدالة الاجتماعية، فعلى الرغم من أن أحد الأسباب الأساسية لقيام ثورة يناير كان مكافحة التوريث، إلا أن الواقع يؤكد أن المصريين يرفضون التوريث فقط لمن هم على رأس السلطة أما ما دون ذلك فهو حق مكتسب، فعلى سبيل المثال رفعت قضية فى مجلس الدولة عام ٢٠١٢ ضد محمد مرسى بصفته رئيسا للجمهورية آنذاك للمطالبة بوضع تشريعات قانونية وضوابط وقيود على توريث الوظيفة العامة، ومحاباة أبناء العاملين.

وفى العام نفسه قام وزير العدل فى حكومة الدكتور هشام قنديل بتخصيص كوتة بنسبة ٣٠٪ لتعيين أبناء العاملين بالوزارة، وحينما تعرض لهجوم من الصحف رد قائلا: «إن أبناء العاملين سوف يعولون آباءهم فى المستقبل، وهذا هو رد الجميل لمن أفنوا أكثر من ثلاثين عاما فى خدمة الوطن»، هذا الرد شديد الدلالة على ما تحمله الصورة الذهنية عند المصريين - من أكبر مسئول إلى أصغر عامل - لحقيقة شبكة العلاقات والتفاعلات التى تحكم المنظومة الاجتماعية.

ومن الأمثلة الأخرى حينما تحدث رئيس نادى القضاة فى اجتماع الجمعية العمومية لنادى القضاة سنة ٢٠١٤ عن استمرار تعيين أبناء أعضاء السلك القضائى فى النيابة العامة، وهى الظاهرة التى تمثل أحد أبرز الأمثلة الصارخة على مدى التأثير السلبى لظاهرة العائلية على الوظيفة العامة، وقال حينها رئيس النادى بشكل واضح «إن الزحف المقدس لن يتوقف» فى إشارة إلى استمرار هذه الممارسة التى أدت إلى استبعاد كثيرين ممن ليس لهم صلة قرابة بأحد أعضاء السلك القضائى من التعيين، بصرف النظر عن معيار الكفاءة .

و اشارت الدراسة إلى أنه على مستوى الجهاز الإدارى للدولة، جرى العرف على توظيف أبناء العاملين فى نفس الوزارة أو الهيئة الحكومية وذلك وفقا لقرار إدارى داخلى وليس بموجب قانون ، مشيرة إلى تقارير  خاصة كشفت  أنه فى حين ترفع أغلب الوزارات والهيئات الحكومية لافتة «باب التعيينات مغلق» هناك باب آخر مفتوح على مصراعيه لأبناء العاملين وأقاربهم. فعلى سبيل المثال - تمثل وزارتا الطيران المدنى والتربية والتعليم نموذجين صارخين على هذه الظاهرة، إذ يشير التقرير إلى أن وزارة الطيران المدنى يوجد بها ما يقرب من ٤٠ ألف موظف، ٣٠٪ منهم من أبناء العاملين، كما يوجد أيضا ٦٠٠ طيار من بين ٩٠٠ طيار معينين من أقارب العاملين بالشركة، أما وزارة التربية والتعليم والتى تعد من أكبر الوزارات فى الدولة المصرية من حيث عدد العاملين بها، فوصل بها الأمر إلى تشابك المشكلات الإدارية والوظيفية مع المشكلات العائلية، فالإدارة الواحدة يوجد بها أكثر من شقيقين، أو زوج وزوجة.

 

فى هذا السياق أكدت دراسة خاصة حول الشخصية القومية المصرية أجراها المركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية على عينة من ٩٠٠ مفردة - ممثلة لكل محافظات الجمهورية -   أنه  بسؤال المبحوثين عن درجة ثقتهم فى الآخرين أكد ٦١٫١٪ أن الأقارب هم الموثوق بهم يليهم الأصدقاء بنسبة ٢٧٫١٪ ويليهم أهل القرية.

وفى دراسة أخرى قام بإعدادها مركز دعم التنمية على عينة من ١٢٠٠ مبحوث، تم سؤالهم عما إذا كانوا يثقون فى الآخرين أم لا، أجاب ٧٠٪ منهم أنه لا يمكن الوثوق فى الآخرين وحينما طلب منهم ترتيب الآخرين جاء الترتيب كالتالي: (أفراد الأسرة - الأقارب - زملاء العمل - الأصدقاء - أبناء الديانة نفسها).

وهى النتيجة نفسها التى توصل إليها مسح أجراه مركز معلومات ودعم اتخاذ القرار على عينة من ٣٠٠٠ مفردة، أكد ٨٢٪ على ضرورة الحرص فى التعامل مع الآخرين. ولما طلب منهم تعريف الآخرين، أجاب ٥٥٪ منهم أن الآخرين هم من خارج دائرة الأسرة والأقارب.

وفى النهاية وبعد أن استعرضنا كل هذه الوقائع نطرح عدداً من التساؤلات  ونتمنى أن تكون هناك إجابات عليها :

متى تختفى ظاهرة توريث الوظائف فى مصر ؟ وهل القوانين الجديدة ومنها قانون الخدمة المدنية قادرة على تحجيمها والقضاء عليها ؟ وإذا كان قانون الخدمة المدنية قد نص صراحة على  أن التعيينات لا تتم إلا عن طريق مسابقات  فهل هناك ضوابط أو ضمانات لإجراء هذه المسابقات بشفافية كاملة وحياد تام والقضاء تماما على ظاهرة الواسطة والمحسوبيات ؟ ومتى يختفى مسمى " أبناء العاملين " فى الكثير من القطاعات والمجالات البارزة فى الدولة ؟

ونسأل أيضاً : هل هناك دراسات جادة تكشف على وجه الدقة حجم هذه الظاهرة فى مصر منذ سنوات وحتى الآن ؟ ومتى تكون لدينا تقارير دقيقة حول الكوارث التى تنجم عن استمرار هذه الظاهرة حاليا ومستقبلاً  وفى مقدمتها استمرار غياب العدالة وتكافؤ الفرص ؟ ولماذا لا يتم إعادة إختبار أبناء العاملين فى الكثير من المواقع التى وصلوا اليها بالتحايل والتزوير واستغلال النفوذ ، وتقييمهم مرة آخرى للتأكد من صلاحيتهم وجدوى استمرارهم فى هذه المناصب ؟  ومتى يجد النوابغ واصحاب المواهب الحقيقية فرصتهم الكاملة  للتفوق والإبداع بعيداً عن تدخلات أصحاب السطوه والمال والنفوذ ؟ وهل هناك عقوبات قانونية  لمن يقومون بالتحايل على القوانين واللوائح  ويستغلون ذلك لتعيين أبنائهم وأقاربهم ؟ .


مقالات مشتركة