جريدة صوت الملايين
رئيس مجلس الإدارة
سيد سعيد
نائب رئيس مجلس الإدارة
د. محمد أحمد صالح
رئيس التحرير
محمد طرابية

كتاب وآراء   2019-10-11T08:29:42+02:00

الفساد الفكرى ) أخطر أنواع الفســاد

د. محمد فياض

من يتناول موضوع الفساد غالباً ما يسارع إلى الحديث عن مظهره المادي، متناسياً أنه نتيجة لفساد أخطر هو الفساد الفكري والأخلاقي وبالتالي الثقافي عموماً .

ومازالت مجتمعاتنا العربية تعاني من الانحدار الفكري والتدهور الثقافي، فقد نسى أفراد المجتمع دورهم فى الإصلاح والتنمية وبناء أخلاقيات تقوم علي أسس معتدلة ، وأصبح كل منا مُشارك أساسي في الهدم بما يحمل من معلومات فكرية مُلوثة.

ولذا نحن بحاجة ماسة لمعرفة أساسيات «الصحة الفكرية» التى تقوم على طرح الأفكار وتحليلها واستنباط أوجه الاستفادة منها، فالمرض الفكري أمر فردى لكنه جماعي التأثير نظراً لوجود علاقة بين الفكر وتأثيره على الثقافة السائدة.

 

والضرورة تحتم علينا أن ندعم «مؤسسات الصحة الفكرية» التى بدورها تقوم بمحو الأفكار السلبية المتراكمة فى ذاكرة الفرد، والتى لم تكن نتاج يوم واحد بل هى نتاج نشأة خاطئة على أفكار مغلوطة من الممكن أن تدمر حضارة مجتمع كاملة.

 

*لكل مجتمع معاييره الأخلاقية والقيمية التي ينشأ أفراده عليها، وهي معايير إنسانية شاملة تم الاستدلال عليها بالحدس والخبرة والاتفاق. ثم جاءت الديانات المختلفة لترسخ بعضاً منها وتضيف إليها «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق». وانتهى التواضع البشري إلى قوننة هذه المعايير الثقافية الفكرية من خلال شرعة حقوق الإنسان وغيرها من القوانين. وبالتالي أي انحراف عن منظومة هذه القيم والمعايير التي يمكن التعبير عنها «بالصلاح» سيؤدي إلى عكسها أي إلى الفساد، فإذا كانت السرقة مذمومة فإنها تصبح «محمودة من» قبل منظومة الفساد وهكذا تنقلب المفاهيم رأساً على عقب، وإذا كان الإنسان هو موضوع الأخلاق مثلما هو موضوع الفساد والإفساد، فكيف له، والحال هذه، أن يسعى إلى تدمير ذاته ومعه من حوله؟

 

* ويزداد التهديد بالدمار مع تزايد عدد الفاسدين والمفسدين، عندئذ يدخل الموضوع في إطار «تهديد أمن الدولة» وينبغي التعامل معه على هذا الأساس، وكل تهديد لاستقرار الدولة يعني إضعافها أمام الأعداء، وبالتالي فهو تآمر، والتآمر تهديد لأمن الدولة. الفاسد لايتورع عن استخدام الطائفية والمذهبية والنفوذ والسلطة والتهديد بالقوة وكل ما يتناقض مع العناصر الضرورية لاستقرار الدولة، فسرقة غذاء الناس تهديد للأمن الغذائي، ونهب المؤسسات العامة يعني إفراغها من مقومات صمودها، ما يعني «إضعاف الروح المعنوية». صحيح أن الفاسدين قلّة لكن الأسلحة التي يستخدمونها فتاكّة ومدمرة. من هنا التركيز على أن الفساد تهديد لأمن الدولة لأنه تهديد لأمن مواطنيها المنوط بما توفره لهم من سبل العيش الكريم، فهل فكّر الفاسد والمفسد يوماً بخطورة الجريمة التي يرتكبها وبأبعادها المدمّرة؟ يبدو أن مقولة «مال الدولة حلال» التي كان لها ربما ما يبررها حينما كانت الدولة العثمانية تنهب أموال الناس وتصادرها لدعم جيوشها المحاربة وسد العجز في خزينتها، لكنها لم تعد اليوم مقبولة في دولة العمال والفلاحين وصغار الكسبة وكل الشرائح الاجتماعية الأخرى .

* لا تستطيع أن تسرق أموال الناس إلا إذا سرقت منهم الفكر والثقافة ومنظومة القيم المعروفة، وأقصر طريق إلى سرقة أفكار الناس هو «التضليل» بكل أنواعه، من حيث هو وسيلة تأثير مادي ونفسي على الآخر لسلب إرادته وقدرته على الحكم السليم وتوجيهه في اتجاهات تخدم مصلحة المضلل.

 

لذلك فإن العمل على تغيير الذهنية أو العقلية، هو المدخل الرئيس للقضاء على كل من يهدد أمن الوطن من خلال إفساد العقل .

** وجود الفساد الفكري يعتبر التربة الخصبة لنمو الإرهاب المسلح وتمدده وانتشاره، ويعمل بشكل دؤوب ومركز على إزاحة الفكر الثقافي المتنور الذي يحمل في طياته نهضة الأمم وتقدمها وفق المعايير الأخلاقية والقيمية الناظمة للقانون الوضعي، ليحل مكانه عتمة شريعة الغاب التي لا تحكمها أي ضوابط.

 

المتتبع لعملية الانتشار المرعب للإرهاب والتبني الكبير لنظامه الفكري من قبل آلاف المنضمين إليه، أو الساعين للانضمام إليه من كافة أنحاء العالم، لابد أن يعود إلى جذور الإرهاب وانطلاقه من عمليات التجهيل ونشر الفساد الديني والأخلاقي، والعمل على إبطال مفعول الرسائل السماوية وأساسها الأخلاق وتبديلها بعقيدة الفساد و إنكار جميع المفاهيم القيمية والأخلاقية.

 

إننا نعتقد، أن "الفساد الفكري"؛ حماقة كبرى؛ ما زالت تتوسع وتنخر بآمال وجهود التنمية المنشودة، وهذه الظاهرة وإن تعاظم انتشارها، وتفاقمت آثارها السلبية، إلا أننا نستطيع التأكيد بأن عامة الناس ليسوا بمنأى عنها.. وأن المتورطين فيها؛ بالرغم من اتِّساعها وانتشارها؛ ما هم إلا فئة قليلة من "أدعياء الفكر" و"فلاسفة التنظير" و"أقزام الثقافة"، الذين شوهوا معالم "الخريطة الفكرية".. لكن تأثيرهم يبقى أشد وأنكى.

 

ولكي تحمي الدولة إنجازاتها، وما حققته على خطى الأمن، والاستقرار، يجب أن تقوم بدورها تجاه أبنائها ومواطنيها، وكل فئات الشعب ومكوناته، لحماية المجتمع من الغلو والتطرف والتشدد في الأفكار وانحراف الأيديولوجيات، ولذلك نعتقد بأهمية وجود هيئة "علمية ثقافية" مستقلة، للحفاظ على "الأمن الفكري"، لتشكِّل خطَّ الدفاع الأول أمام هذه الظاهرة؛ والحدِّ من انتشارها.. لأننا لو تركنا المجال مفتوحًا ومتاحًا لأمثال هؤلاء الذين يخربون العقول ويسممون الأفكار، لن تكون النتائج في صالح الجميع.

 

«إذا أرهبك سلاح عدوك فأفسد فكره ينتحر به ومن ثم تستعبده»، ولقد تم الاستعباد الفكري في مراحل حياتنا، حتى صار كثير من الأمم والشعوب تسير منقادة وتابعة للأفكار التغريبية، بل وتفتخر بهذا وتظهره،وترمي كل من خالف طريق التغريبيين بالتخلف والبداوة والعداوة للتقدم والحضارة!!.

 

كما يجب الإطاحة الشاملة بكل الأفكار الفاسدة عن طريق كشف عور هذه الأفكار، وما يترتب عليها من آثار مدمرة، وإيجاد البديل الفكري المستنير الذي يحافظ على قيم وأخلاقيات المجتمعات الإسلامية العربية،مع تمحيص كل الأفكار الواردة علينا، والأخذ منها بما يتفق مع أصولنا وعقيدتنا وأخلاقنا وقيمنا، وطرح كل ما يخالف ذلك، وعدم الانبهار بالمصطلحات الخداعة التي يروج لها الغرب والمريدون بنا سوءاً.

 

وبمرور الوقت نجد أن حضارتنا أصبحت على وشك الضياع بسبب «التغيّب الفكرى» والإنعدام الأخلاقى، ولكن يظل الأمل موجوداً فى الشباب.. ولذا يجب علينا غرس حب الوطن فى الأجيال القادمة لإنبات نبتة صالحة تواجه الفساد بأشكاله وصوره.

وختاماً نأمل أن يكون هناك إعصاراً فكرياً جديداً يُطيح بمروجى «الفساد الفكرى»، ويجلب لأوطاننا المصداقية والامانة ويُزيل السلبية ويعلى قيم الإيجابية و يبث روح التفاؤل ليكون بمثابة المنقذ مما نحن فيه من غياب ثقافى وفكرى وأخلاقى، كما يجب علي أهل الإعلام والعلماء والأفراد إيقاظ الضمائر قبل العقول وتحدى المستحيل من أجل مصلحة الوطن.


مقالات مشتركة