الحكومة تنفي عودة عمل الموظفين بنظام ( الأونلاين ) يوم واحد أسبوعيًا       أخبار سارة .. المركز القومي للبحوث ينجح في إنتاج مُخصب حيوي يزيد إنتاج المحاصيل الزراعية       وزير الإسكان : الدولة لن تسمح مرة أخرى بالبناء غير المخطط والعشوائي والمخالفات       التفاصيل الكاملة لزيارة وفد قيادات الأوقاف ل شيخ الأزهر       الحكومة: الخميس 25 يوليو إجازة رسمية بمناسبة ذكرى ثورة 23 يوليو       خطة حكومية لزيادة الاستفادة من العلماء والباحثين المصريين في الخارج       بالأرقام الرسمية .. 50 مليون زيارة من السيدات لتلقي خدمات الفحص والتوعية ضمن مبادرة دعم صحة المرأة       اللجنة الخاصة المشكلة بمجلس النواب لدراسة برنامج الحكومة الجديدة تختتم أعمالها اليوم       تفاصيل مشاركة الأهلى فى أعمال الجمعية العمومية لرابطة الأندية الأوروبية       وزارة المالية : الدولة ليس من دورها إدارة الأصول العقارية       أخبار سارة للموظفين.. المالية تعلن تبكير صرف مرتبات شهر يوليو 2024  
جريدة صوت الملايين
رئيس مجلس الإدارة
سيد سعيد
نائب رئيس مجلس الإدارة
د. محمد أحمد صالح
رئيس التحرير
محمد طرابية

سيد سعيد يكتب   2019-11-20T21:59:12+02:00

هل ينتهى تنظيم داعش بمقتل البغدادى؟

سيد سعيد

تحدثنا فى مقالنا السابق عن الأسباب الحقيقية وراء جريمة أردوغان العسكرية فى سورية، ولماذا توغل الجيش التركى فى الشمال السورى بزعم محاربة الارهاب، وتناولنا لغز انسحاب القوات الأمريكية من الشمال السورى وتخليها عن حلفائها الأكراد بشكل مريب، ثم عودتها مرة أخرى، كما تحدثنا عن ضرورة ملء الفراغ الاستراتيجى والأمنى، للحد من جموح بعض القوى الإقليمية، مثل تركيا وإيران وإسرائيل، التى تعمل كل منهم على تفكيك بنية النظام الإقليمى العربى بوسائل متنوعة، حيث أظهرت تداعيات الأحداث صدق ما أوردناه من معلومات حول الأهداف الغامضة للاجتياح العسكرى، بمباركة أمريكية علنية وقد أكدنا، فى نفس المقال، على أن أردوغان لم يدخل الأراضى السورية لمحاربة الإرهابيين، أو تأديب الأكراد الانفصاليين، حسب زعمه، إنما لتهريب قيادات الدواعش من السجون التى يسيطر عليها الأكراد فى شمال سورية، وهو الهدف الأهم للأمريكان والأتراك على حد سواء، أما السبب فهو الحفاظ على مقاتلى التنظيم الإرهابى الذين تم تدريبهم وتأهيلهم فى معسكرات داخل الأراضى التركية، للدفع بهم مرة أخرى إلى بلدان أخرى مستهدفة، مثل مصر وليبيا، وقد فضح تلك الأهداف الغامضة، الإعلان الأمريكى الاستعراضى عن مقتل زعيم التنظيم، الإرهابى أبوبكر البغدادى.. وهنا لابد من التوقف، لماذا قتلوه ولم يقبضوا عليه؟ مهما تعددت الإجابات سيظل المضمون واحد لا يتغير، وهو إخفاء أسرار صناعة التنظيمات الإرهابية فى المنطقة العربية، من الذى صنع، ومن الذى مول بالمليارات، ومن الذى أمد بالسلاح، ومن الذى جلب العناصر، ومن ومن ومن... إلخ؟ فضلا عن منح الفرصة للإدارة الأمريكية كى تغسل يديها من الاتهامات التى تلاحقها بتأسيس التنظيمات الإرهابية لتحقيق مصالحها فى العديد من مناطق العالم.

 

لكن هل انتهى تنظيم داعش بمقتل البغدادى.. السوابق تقول، ربما ينتهى اسم داعش، والتخلص من البغدادى، سيمهد لصناعة جماعة إرهابية جديدة، بنفس الإرهابيين وقائد جديد، ربما يكون قد تم تجهيزه واختياره وتحديد اسمه فى الكواليس، بالضبط مثلما حدث مع تنظيم القاعدة ومقتل أسامة بن لادن، حيث تشكل داعش من مقاتلى القاعدة، وهذا السؤال يقودنا بدوره لتساؤلات أخرى، هل سينتهى الإرهاب من المنطقة بقتل البغدادى؟ أم أن الإرهاب يسير بالتوازى مع أساليب أخرى لتفكيك المنطقة؟ خاصة إذا علمنا أن الواقع على الأرض متنوع المشاهد ومتعدد الأحداث، فضلا عن أن رقعة الخراب راحت تتسع بصورة لافتة من بلد إلى آخر، ومن عاصمة عربية إلى أخرى، وهذا، فى تقديرى، يؤكد بما لا يدع مجالا لأى شك أن البلدان العربية، يقينا، ستدفع ثمن تفكك النسيج المجتمعى الذى صنع بأيدى أبنائها، كما أنها ستدفع ثمنا غاليا جراء الفوضى التى تتمدد بلا وعى، وما أعنيه لم يكن بعيدا عن الأبصار، فهو ممتد على اتساع الخريطة من سورية الى العراق، ومن ليبيا إلى اليمن حيث الحروب والمواجهات المسلحة، وهذا ما تتناقله وسائل الإعلام ليل نهار، أما المظاهرات، فتمتد من السودان إلى الجزائر، ثم العراق وانضمت لبنان إلى دائرة الصخب.. كل هذا يحدث بلا توقف والشعوب، للأسف، طرف أصيل وفاعل فى كل ما يحدث من دون دراية بالمآلات، ومن دون دراية بأن ما يصنعونه بأيديهم سيؤدى إلى التراجع الاقتصادى فى بلدانهم وإبطاء تطورها السياسى.

إن ما يجرى من صخب بدعوى الثورة لم يكن على إطلاقه مجرد أحلام وردية تداعب خيالات الشعوب، لكن شرائح من الشعوب وقعت فريسة لاستراتيجية صهيوأمريكية، شعارها الظاهرى، تشجيع الشعوب العربية على اقتناص حق حرية التعبير بالتظاهر، وكسر الإرادة السياسية المقيدة للحريات، إلا أن الأمر فى حقيقته يتجاوز النظرة الضيقة، المحدودة، ويمتد إلى تكتيكات التدمير المنهجى للبلدان العربية، لكن للأسف، تاهت العقول أمام وهج الخطب الإعلامية الرنانة، ذات الوقع الحماسى والثورى، إلى أن اكتسبت المصطلحات الرنانة بريقها، وأخذت بسحرها شرائح مجتمعية إلى عوالم الأساطير التاريخية، ما يشجع على الاقتداء برموز سياسيين ومناضلين ثاروا ضد الظلم والاستبداد، وقادوا الشعوب للتحرر من أغلال القهر والاستعمار والتبعية، لكن شتان بين التحرر من أغلال الاستعمار والاحتلال، ومساعى إسقاط البلدان على أيدى أبنائها، وبتنظير من نخبتها التى ورطتها فى دوامات الفوضى.

من صناعة الإرهاب إلى إرباك الدول بالحشود والتظاهرات المستمرة بلا توقف، يمكن التأكيد على أن المنطقة برمتها ستظل ملتهبة ومرتبكة، وقضاياها، ستظل نقطة هامشية، لا تمثل رقما مؤثرا فى تفاعلات السياسة الدولية، أما السبب فيعود للعرب أنفسهم، وليس لغيرهم، فهم سواء حكاما أومحكومين، يعرفون بصورة لا تقبل الشك، أن سياسة الولايات المتحدة الأمريكية واضحة، ولا تأخذ بمبدأ التقية السياسية، فالإدارات المتعاقبة على البيت الأبيض، لديها مخططات استراتيجية، تهدف إلى تفكيك المنطقة، فى إطار ما تطلق عليه مراكزها البحثية هيكلة النظام العالمى الجديد، بما يعنى تمكنها من إعادة ترتيب المناطق الأكثر رخاوة فى العالم، ومنها البلدان العربية ودشنت مصطلح «الحرب على الإرهاب»، لإضفاء الشرعية على الحروب العسكرية، حيث مثل العراق هدفا مثاليا لها، رغم أن العراق لم يكن يمثل خطرا على مصالحها، كالخطر النووى الإيرانى مثلا، لكن العراق كان هدفا لتفكيك بنيته العسكرية، وهو ما جرى بالفعل، لذا لم يكن غريبا أن تتلاقى المصالح الأمريكية فى المنطقة مع مصالح قوى إقليمية، مثل إيران وتركيا وقوى أخرى هامشية، تبحث عن دور يبرز مكانتها على الساحة الإقليمية، مثل قطر، التى صارت ورما خبيثا فى الجسد العربى، أما إيران فيتنامى وجودها بصورة لافتة للأنظار، عبر أذرعها فى العراق وسوريا ولبنان حزب الله والحوثيين فى اليمن، حيث أدى التمدد الإيرانى الى تهديد مباشر للمملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية.

على جانب آخر، هناك ضرورة لقراءة المشهد بقدر من الروية، بعيدا عن مزايدات الدوائر السياسية وبعيدا عن الهلاوس الاعلامية، وبعيدا عن هرتلة مدعى المعرفة «فصيلةالخبراء الجاهزون دوما للافتاء على الشاشات الفضائية»، أولا.. الدولة السورية بكل مقوماتها الحضارية والثقافية وثرواتها الطبيعية، هدفا يمثل أولوية استراتيجية مهمة لإسرائيل منذ نشأتها ككيان غاصب ومحتل للأراضى العربية، بالضبط مثل نفط العراق بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية إلى جانب نفط سورية الذى يقع تحت سيطرة الأكراد فى الشمال السورى، حيث تتم سرقته وتهريبه عبر شركات أمريكية، حسبما رصدت دوائر الاستخبارات الروسية

اليمن بالنسبة لإيران هدف أكثر مثالية، لتحقيق أهداف الإمبراطورية الفارسية، التى ترتدى رداء مذهبيا.

المشهد برمته يحرض على طرح تساؤل، أرى أنه موضوعى، ويلائم ما وصل إليه حال البلدان العربية.. هل تستطيع واشنطن السيطرة على المنطقة بما يتيح لها حرية التصرف فيها على النحو الذى تريده؟

واشنطن لا تخفى أنها تعمل على ترسيخ قواعد نفوذها فى المنطقة، لكنها تبتكر ادعاءات متنوعة، منها التصدى للإرهاب، ومواجهة المد الشيعى الفارسى، إلا أن الشق الغامض فى تواجدها هو تفتيت المنطقة وتميق نسيجها المجتمعى على أسس طائفية ومذهبية، أما دور النظام الحاكم فى قطر فهو الإنفاق على المشروع الاستراتيجى الأمريكى، قطر فى ذات الوقت تريد أن تحقق أحلاماً داعبت خيالات حكامها، بالحصول على نصيب من تقسيم شبه الجزيرة العربية ومملكة البحرين، خاصة مع وجود أزمات حول ترسيم الحدود بين البلدين «البحرين وقطر» ونزاعات على بعض الجزر فى الخليج العربى، وصلت الى حد تزوير قطر، الوثائق التاريخية وتقديمها للمحكمة الدولية، لإثبات ملكية تلك الجزر لها.

من هذه الزاوية تحديدا يمكن الحكم على السياسة القطرية القائمة على الازدواجية، بمعنى أنها لا ترتكز على ثوابت فى علاقاتها العربية والاقليمية والدولية، أى انها تأخذ بمبدأ التقية السياسية، وهو منهج إخوانى بحت، لا يعكس ظاهره حقيقة باطنه، ففى إطار محاولاتها الدؤوبة لتوسيع دوائر نفوذها السياسى، تنفق من خزائنها بسخاء لنشر الفوضى فى المنطقة، بما يتيح الفرصة لتحويل بعض البلدان العربية إلى دول فاشلة مفككة، هشة، غير قادرة على حماية حدودها أو تأمين شعوبها، فالسياسة القطرية وعبر عقدين من الزمن تعمل على تفتيت ثوابت النظام العربى، بالحشد ضد الحكام والتنفير من سياساتهم، وهذا يتماشى مع ما أطلقت عليه الدوائر الأمريكية وروج له الإعلام القطرى «الربيع العربى»، الذى جعل المنطقة على اتساعها مساحة رخوة، هشة، يمكن تشكيلها على النحو الذى تريده أمريكا وتركيا وإسرائيل وإيران، بما يعنى تفريغ المنطقة من مضمونها الثقافى والحضارى.

فتحت لافتة الثورات والمعارضة المسلحة جرى تدمير الجيوش واستنزاف قدراتها، فى حروب أهلية، أو فى مواجهات مسلحة مع تنظيمات إرهابية، تتمتع بغطاء سياسى، يلبسها رداء المعارضة، حيث تحول الصراع بين المعارضة وأنظمة الحكم فى البلدان العربية المحورية، من صراع سياسى إلى صراع مجتمعى قائم على أسس طائفية وعرقية ومذهبية، بدون حسابات للأمن القومى، كما بات مفهوم الأمن القومى عرضة للاجتهادات والتفسيرات القائمة على ترديد أطروحات ومصطلحات إعلامية، لا ترقى لعمق المعنى، كما أن الاجتهاد العشوائى خلق فجوة بين المواقف الشعبية والمواقف الرسمية فيما يتعلق بقضايا الأمة العربية.

وأخيرا.. علينا التأكيد على جانب مهم، مفاده أن السياسة الأمريكية متقلبة دائما، كما أنها لا تقوم على أية مرتكزات أو ثوابت يمكن الإمساك بها أو الانطلاق منها، فهى تتسم دائما بالتكتيك، غير المتوقع، أى حسبما تقتضى ظروف كل مرحلة زمنية، وحسب مراحل تطور الأحداث والصراعات فى المنطقة، فالإدارة الأمريكية نجحت فى خلق مناخ جعل الفرصة سانحة أمام التمدد الفارسى الشيعى فى «لبنان العراق، وسوريا، واليمن»، واستطاعت أن تنهك جيوش المنطقة فى حروب طويلة ومتعددة الجبهات، وأنعشت من خلالها خزائنها بمئات المليارات من الدولارات جراء بيع الأسلحة.

 

 


مقالات مشتركة