جريدة صوت الملايين
رئيس مجلس الإدارة
سيد سعيد
نائب رئيس مجلس الإدارة
د. محمد أحمد صالح
رئيس التحرير
محمد طرابية

سيد سعيد يكتب   2019-11-20T22:15:34+02:00

تساؤلات مشروعة حول أداء البرلمان

سيد سعيد

هل نجح البرلمان فى ترجمة الطموحات المرجوة منه؟

 

بات هذا السؤال أكثر أهمية الآن من أى وقت مضى، كما أن الإجابة عنه ستتم، فى الغالب، باللامبالاة من الكثيرين باعتبار أن مجموع الإجابات، مهما تنوعت، ستصب فى خانة عدم الرضا، كتعبير مهذب، جراء عدم التفاعل الشعبى مع ما يدور فى أروقة المجلس أو تحت قبته، أيضاً، تكمن الأهمية لدخول نوابه مرحلة التقييم الموضوعى للآداء بعد مرور أربعة أدوار انعقاد، هى عمر المجلس النيابى فى أعقاب تغيير مسماه من مجلس الشعب إلى مجلس النواب ودخوله دور الانعقاد الخامس والأخير.

أن الرأى العام ينظر إلى هذا المجلس بنظرة مغايرة للمجالس النيابية السابقة لأنه جاء بإرادة شعبية أى بأصوات الناخبين، ربما لأول مرة فى أول تجربة انتخابية معلومة للكافة، ولا يستطيع أحد التشكيك فى نزاهة الانتخابات التى خضعت لإشراف قضائى كامل أيضا الرأى العام نفسه لا يخف تشككه فى التركيبة البرلمانية الجديدة من حيث قدرتها على استخدام أدواتها فى محاسبة السلطة التنفيذية، خاصة أن غالبيتها من الوجوه الجديدة فى الحياة السياسية، وهذا التشكك لم يأت من فراغ، لكنه جاء بعد تحليل وتقييم موضوعى عبر المتابعة للممارسة خلال السنوات الأربع المنصرمة.

هناك حالة الرتابة تحيط بالأداء البرلمانى، لعدم قدرة غالبية النواب على التعاطى مع الرغبات الشعبية، ومتطلبات المرحلة الفارقة من التاريخ، وعدم القدرة على مسايرة طموحات الشعب والقيادة السياسية على حد سواء، وهذا لم يكن بعيدا عن نظر المراقبين والمتابعين للشأن العام، ولم يكن بعيدا عن نظر القيادة السياسية، حيث كان الجميع ينتظرون منه الكثير، ويترقبون ممارسة نيابية تتسق مع فكرة تصحيح المسار فى أعقاب ثورة 30 يونيو وإصلاح ما أفسده البرلمان السابق، فضلا عن ترميم الكوارث التى تسببت فيها هيمنة التيارات المتأسلمة على المؤسسة التشريعية «برلمان 2012» فى أعقاب اختطاف تنظيماتها للدولة، والسعى نحو تسخير مقدراتها ومؤسساتها الدستورية لصالح أجندات خارجية تهدف إسقاط الدولة المصرية.

كل ما ذكرناه لا ينفى جملة من الحقائق، يجب أن تكون حاضرة فى أذهاننا قبل أن يدلى كل منا بدلوه فيما يتعلق بأداء مجلس النواب وتقييمه، سواء بالسلب أو الإيجاب، منها أن هذا المجلس الذى جرى انتخابه فى لحظة تاريخية فارقة، ليس بالسيئ على الإطلاق، أو الأفضل على الإطلاق، فالأمور نسبية، وإن كنا جميعا ننشد الأفضل، فهذا المجلس جاء فى ظل محاولات تشويه الدولة، والتشكيك فى قدرتها على بناء مؤسساتها الدستورية، لكنه استطاع أن يتجاوزها، وهذه حقيقة، بل أثبت أنه ترجمة حقيقية للإرادة الشعبية، فى مواجهة كل القوى الإقليمية والدولية والمنظمات المشبوهة، التى حاولت النيل من الدولة.

لكن هذا لا يمنع وجود حالة من عدم الرضا الشعبى عن أداء مجلس النواب، وإن كانت مكبوتة فى النفوس، وهذه الحالة لم تكن بمعزل عن عدم الرضا الرسمى، فالقيادة السياسية ألقت حجرا فى بحيرة الصمت الراكدة، حين طالب باستخدام الأدوات النيابية لترسيخ مبدأ الشفافية وإلقاء الضوء على أوجه القصور وتفعيل المحاسبة والتحقيق، لكى يتم وأد الأكاذيب والشائعات التى تنال من الدولة قبل أن تجد طريقها للتأثير السلبى على الرأى العام، القصد هنا إبراز الإيجابيات التى تحققت على أرض الواقع وكشف القصور إن وجد، بما يعنى تحفيز البرلمان على أداء أكثر فعالية.

فالرئيس عبدالفتاح السيسى طالب فى العديد من المناسبات بأن تكون المؤسسات حاضرة دائما لمواجهة الأخطار باعتبارها معنية بالدفاع عن الدولة وليس النظام الحاكم، بالطبع من بين هذه المؤسسات إن لم يكن فى مقدمتها مجلس النواب، حيث قال صراحة فى كلمته التى ألقاها على هامش افتتاح مصنع الغازات الطبية والصناعية التابع لشركة النصر للكيماويات قبل أسبوعين : «أن نواب الشعب لهم مسئولية، إن كل أمر محل تشكك، تصدوا له، اعملوا لجان، فتشوا واعملوا تقارير واعلنوها للناس، ولو كان فيه قصور من الدولة أعلنوا ولو كان فيه غير كده اعلنوا».

وواصل: «مش هنزعل والمفروض منزعلش، الكلام ليا وللحكومة.. طالما فيه اتهام وإساءة يكون هناك تحقيق، قد يكون الاتهام صحيحًا أو غير صحيح، ومن يفصل فى ذلك البرلمان بلجانه المختلفة، ومن المهم مراجعة تلك الأمور، وهذا ليس توجيها لأحد».

كما قال الرئيس: «أقول هذا الكلام علشان مؤسسات الدولة لا تتألم من هذا الاستجواب بالبرلمان أن مسئولا يأخذها بحساسية، نحن نتعامل فى إطار الدولة، نخطئ ونصيب، وميجراش حاجة إننا نوضح بموضوعية وحقائق»

ما قاله الرئيس وسلط الضوء عليه بشكل واضح وصريح لا لبس فيه، يؤكد على تحفيزه جميع مؤسسات الدولة وليس البرلمان وحده على ترسيخ دولة المؤسسات، واعلان الحقيقة أمام الشعب بشفافية، بما يعنى أن كل جهة عليها القيام بدورها فيما يتعلق بالواجبات والمسئوليات الملقاة على عاتقها، وهذه سابقة لم تحدث من قبل أن يتحدث رئيس الدولة بتلك الصورة،التى تخفى غضبا من حالة الركود وعدم التصدى للمشكلات بجرأة، لدرايته وقناعته بأن تفعيل دور المؤسسات سيصب فى صالح الدولة.

ونحن بصدد الحديث عن البرلمان وأداء نوابه، نستطيع القول بأن البرلمان الحالى، رغم عدم رضا الكثيرين عنه، إلا أنه يتضمن جوانب إيجابية لا يمكن إنكارها، وإن كانت تلك الجوانب ظاهرية، أى أنها صورية بدون مضمون يذكر حتى الآن، لكنها، على الأقل، سترسخ لفكرة التعدد السياسى والتنوع الفكرى مستقبلا، منها أن تركيبة النخبة البرلمانية الحالية تحوى فى طياتها، تمثيلا للأحزاب السياسية، وهذا التعدد لم يكن موجودا بهذا الكم فى المجالس التشريعية السابقة، التى غابت عنها الأحزاب تارة بفعل هيمنة الحزب الواحد، وتارة أخرى بفعل «المغالبة» التى مكنت التيارات المتأسلمة من فرض أجندتها على الواقع المصرى، فالبرلمان الحالى يضم 246 عضوا يمثلون 20 حزبًا سياسيًا، بما يتجاوز نسبة 41% من جملة مقاعد مجلس النواب، وهذا العدد كاف على بث الروح الإيجابية ونشر الحيوية فى أروقة البرلمان،عبر تفعيل استخدام الأدوات الرقابية الممنوحة للنواب فى دستور 2014، والتدخل لمساءلة السلطة التفيذية ومحاسبتها ورقابة أدائها، غير أن ممثلى الأحزاب، وهذا معلوم لكل ذى عينين، لم يقدموا أى أداء ملحوظ يترجم فكرة التمايز السياسى أو المنافسة الحزبية، لكن غالبيتهم غرقوا فى الهوس الذى يجتاح السوشيال ميديا، عبر نشر الفيديوهات التى تتضمن تصريحات وآراء فى القضايا التى يهتم بها الرأى العام، ونشر الطلبات والموافقات التى يحصلون عليها من الوزراء، والترويج لجولاتهم المحدودة فى دوائرهم على صفحات مخصصة لهذا الغرض، ناهيك عن تنطيط بعضا منهم من فضائية الى أخرى للاستعراض أمام الكاميرات فى إطار أى مكلمة منصوبة، ومنهم من اختفى وتوارى بعيدا عن العيون، إما خجلا من الفشل، وإما خشية هجوم الناخبين عليهم فى دوائرهم جراء غيابهم عن تأدية مهامهم لصالح دوائرهم أو على المستوى العام. 

لكن من المؤكد أن هناك نوابا تقدموا بطلبات إحاطة أو استجوابات تنتقد الحكومة برمتها أو أداء بعض وزرائها، وهو أمر يمكن الثناء عليه، إذا كان له مردود إيجابى ومن دون غرض شخصى للنائب، أى أن يكون استخدام الصلاحيات الدستورية للصالح العام، لكن أين هى الاستجوابات والأسئلة وطلبات الإحاطة الساخنة؟ وماذا تضمنت من معلومات؟ واقع الحال يقول إنها لم تظهر وأن الشكوك تتنامى حول أساليب التلويح باستخدام الأدوات الرقابية، لأن الجميع يرون الأداء ويسمعون عن مطاردة النواب للوزراء بحثا عن توقيع من هذا الوزير أو ذاك، يحفظ لهم ماء الوجه أمام أبناء دوائرهم، فهل يستطيع أى نائب من تلك الفئة التى تجرى وراء المسئولين استجواب الوزير أو رئيس الحكومة؟ الإجابة التقليدية هى لا، باعتبار أن ما نسمعه ونراه يحدث فى الحقيقة، النائب يريد خدمة وهو نفسه الواسطة لدى الحكومة فى طلب استثناء لمصلحة فردية، بينما الأصل أن النائب يسعى بالأساس لترسيخ قواعد القانون والمساواة وتكافؤ الفرص فى الخدمات، لذا فإن الحديث عن عدم القدرة على تفعيل الأدوات البرلمانية، يعود للنواب أنفسهم ولا يعود على مؤسسة البرلمان، كمؤسسة، خاصة إذا علمنا أن معظم الطلبات التى يقدمها بعض النواب للوزراء لا تتعلق بخدمات عامة، بل أكثرها طلبات فردية ترسخ لنظام يفرق بين المواطنين، وتمنح الفرصة لمن يستطيع الوصول للنائب سواء قريب للنائب أو مقرب منه، وليس لصاحب الحق، وبالتالى يصعب تصديق أن هناك من يستجوب الوزير وهو يجرى وراء الوزراء يطلب توقيعا، وهذا القول ليس افتراءا على النواب، فالمتابع لأداء البرلمان، سيعرف الحقيقة التى عبر عنهارئيس مجلس النواب، الدكتور عبدالعال مرات كثيرة، حيث كرر انتقاده لغياب وتزويغ بعض النواب أثناء مناقشة مشروعات القوانين المهمة، وهو الدور الأهم للنائب الذى يمثل الشعب.

من الجوانب الإيجابية التى تضاف إلى التنوع فى تركيبة النخبة البرلمانية، هى «دسترة» الكوتة التى كان يتم الطعن عليها أمام المحكمة الدستورية العليا لإبطال القوانين المتعلقة بشأنها، وبالتالى إبطال العملية الانتخابية، وإحباط أى محاولة من شأنها تفعيل قاعدة التمييز الإيجابى لتعارضها مع مواد الدستور، ففى هذا السياق أتحدث عن جانب فى غاية الأهمية، وهو المتعلق بالتمييز الإيجابى، الذى يضمن تمثيل المرأة ويضمن تمثيل الفئات الأولى بالرعاية وكذا الشباب، وإن كان الجزء المتعلق بالشباب به قدر هائل من المغالاة والتزيد فى نسبة التمثيل البرلمانى بصورة غريبة ولأسباب غير منطقية.

على أى حال، علينا الإقرار بأن محاولات دعم وصول المرأة للبرلمان بنسبة مقبولة ومحاولات دعم لفئات الأولى بالرعاية إلى مقاعد التمثيل النيابى، من أبرز المشكلات التى كانت تواجه العملية الانتخابية، ما أدى لضرورة إعادة النظر فى النص الدستورى وصياغته بأسلوب واضح لا يقبل اجتهاد أو التفاف عليه، حيث جاء بما يسمح بتحقيق هذا التمييز الإيجابى المرجو، سواء عبر «انتقاء» نظام انتخابى يسمح بوصول تلك الفئات المجتمعية لعضوية البرلمان أو بالنص صراحة على تخصيص «نسبة» من المقاعد لصالحهم، وهو ما تحقق فى دستور 2014 الذى سعى لضمان تمثيل مناسب لصالح المرأة والحالات الأخرى ومنها الشباب.


مقالات مشتركة