البنك المركزي يكشف أسرار تراجع معدلات التضخم       الداخلية تعلن القبض على المتهم في واقعة العبارات المسيئة على شاشة فيصل       الحكومة تنفي عودة عمل الموظفين بنظام ( الأونلاين ) يوم واحد أسبوعيًا       أخبار سارة .. المركز القومي للبحوث ينجح في إنتاج مُخصب حيوي يزيد إنتاج المحاصيل الزراعية       وزير الإسكان : الدولة لن تسمح مرة أخرى بالبناء غير المخطط والعشوائي والمخالفات       التفاصيل الكاملة لزيارة وفد قيادات الأوقاف ل شيخ الأزهر       الحكومة: الخميس 25 يوليو إجازة رسمية بمناسبة ذكرى ثورة 23 يوليو       خطة حكومية لزيادة الاستفادة من العلماء والباحثين المصريين في الخارج       بالأرقام الرسمية .. 50 مليون زيارة من السيدات لتلقي خدمات الفحص والتوعية ضمن مبادرة دعم صحة المرأة       اللجنة الخاصة المشكلة بمجلس النواب لدراسة برنامج الحكومة الجديدة تختتم أعمالها اليوم       تفاصيل مشاركة الأهلى فى أعمال الجمعية العمومية لرابطة الأندية الأوروبية  
جريدة صوت الملايين
رئيس مجلس الإدارة
سيد سعيد
نائب رئيس مجلس الإدارة
د. محمد أحمد صالح
رئيس التحرير
محمد طرابية

سيد سعيد يكتب   2019-12-03T21:22:25+02:00

أردوغان والسراج.. اتفاقية بين قطاع الطريق

لم تتوقف محاولات الرئيس التركى »أردوغان» الرامية لنهب ثروات الغاز فى البحر المتوسط، باستخدامه لكافة أساليب البلطجة، عبر إهدار القانون الدولى والتعاون مع التنظيمات الإرهابية والميليشيات الإجرامية، كما لم تتوقف محاولاته الرامية لإرباك المشهد الإقليمى وإحداث التوتر فى المنطقة العربية برمتها من سورية إلى الخليج والشمال الإفريقى.

قبل أيام عقد «العثمانلى» اتفاقية مشبوهة للتعاون الأمنى وترسيم الحدود البحرية مع فايز السراج رئيس المجلس الرئاسي الليبي، الفاقد للشرعية والمدعوم فقط من الجماعات الإرهابية والحكومات المارقة.. الاتفاقية المشبوهة جرى توقيعها فى اسطنبول من دون أن يوافق عليها البرلمان الليبى المنتخب الذى اعتبرها خرقا للسيادة، لأن أردوغان وبحسب الاتفاقية، يستطيع استخدام الأجواء الليبية ويجعلها مرتعا له، كما أنه يستطيع الدخول للمياه الإقليمية دون أخذ إذن من السلطات، وكذلك إنشاء قواعد عسكرية، وهذا يمثل تنازلا من السراج على السيادة الليبية، وينطبق عليه القول الشائع فى الأدبيات الشعبية «من لا يملك منح من لا يستحق «.

على أثر الاتفاقية المشبوهة تلقى الدكتور غسان سلامة، المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى ليبيا، جملة من الرسائل، تحوى تحذير شعبيا ونخبويا من توريط ليبيا فى اتفاقيات مع تركيا، حيث طالبت الأصوات الوطنية بسحب الاعتراف الأممى من مجلس السراج وحكومته قبل أن يورط ليبيا والليبيين فى مزيد من الاتفاقيات والتفاهمات الباطلة مع تركيا وغيرها، لأسباب عديدة أهمها أنه غير منتخب، ولم تختاره مؤسسة منتخبة، ولا يعبر عن إرادة الشعب الليبى التى هى أساس الشرعية، كما أن السراج فشل مرتين فى نيل ثقة المجلس التشريعى المنتخب، والأهم من هذا وذاك أن حكومته ،لم تقسم اليمين الدستورية أمام البرلمان. الرسائل أذاحت النقاب عن جوانب لم تكن متداولة فى الأوساط الاعلامية، مفادها أن السراج لا يمثل الشعب الليبي وأنه فاقد للشرعية، أما السبب فيستند لأحكام قضائية، الأحكام تؤكد، بحسب الرسائل التى تلقاها المبعوث الأممى، أن السراج خسر كل القضايا التى رفعت ضده أمام المحاكم الليبية، والتى حكمت فى عدة قضايا بأن ليس له صفة وأن إجراءاته وتصرفاته كلها غير قانونية، وبذلك يعد ما ارتكبه من جرائم اقتصادية وسياسية، بل وعسكرية لا تسقط بالتقادم.. وسط تلك الأجواء الأجواء الملتهبة، تتزايد وتيرة التساؤلات المتعلقة باللحظة الراهنة، حول تصورات عن حرب تلوح فى الأفق، أطرافها متعددة بين القاهرة وأنقرة وطرابلس ليبيا ونيقوسيا وأثينا.. التصورات لم تأت بصورة عشوائية وإن كان مجملها يخضع لأساليب البحث والتحليل وفق المعطيات على الأرض، إلا أن هناك مؤشرات تفصح بجلاء عن حقيقة التوتر المصاحب لأوهام ومزاعم أردوغان، تعاظمت المؤشرات مؤخرا إثر توقيع الاتفاقية المشبوهة بين أردوغان وفايز السراج  والتى تضمنت تعاونا أمنيا وترسيما للحدود البحرية بين طرابلس وانقرة وبالطبع فإن اتفاقه هذا يهدف تشجيع الإرهابيين على ارتكاب جرائم على حدود مصر الغربية. القضية فى تقديرى لها أكثر من محور، فالأمر هنا لا يتعلق بالسراج وأردوغان وحدهما، أى طرابلس وأنقرة، الجميع يعلم تماما، وعندما نقول الجميع يعلم فإننا نعى ما نقول، إن الأمر يتعلق بالدولة المصرية، فأردوغان لم يدخر جهدا، منذ استرداد الدولة المخطوفة من الإخوان، فى التحريض على الإرهاب ودعم تنظيماته من تدريب وتسليح وكله على حساب الخانة القطرية، فالهدف تحجيم مصر وتقيمها كحد أدنى لطموحاته فى توسيع دائرة نفوذه الإقليمى، وفى هذا السياق يدعم التنظيمات الموالية للسراج، بما يعنى أن التعاون المريب بين أردوغان والسراج لم يكن وليد الاتفاقية المشبوهة التى عقدت بينهما قبل أيام قليلة، لكنه يعود إلى محاولاته ترسيخ نشر الفوضى فى المنطقة، فقبل أشهر قليلة تم رصد سفينة محملة بالأسلحة والمعدات الثقيلة، خرجت من السواحل التركية إلى السواحل الليبية، وأصبحت فى أيدى جماعة «فجر ليبيا» الموالية لـ«فايز السراج« مثل بقية التنظيمات الإرهابية، وهذا يقودنا لتساؤل حول تصرفاته كبلطجى وقاطع طريق يحمل صفة رئيس دولة، ما هى مصالحه فى ليبيا؟ الأمر برمته محاولة للتحرش بالدولة المصرية عن طريق وكلاء له من التنظيمات الإرهابية.

 في السياق ذاته، هناك تساؤلات أخرى.. إلى أى مدى ستصل أساليب البلطجة التركية؟ وهل ستحدث حرب بالفعل؟ أم أن الأمر يهدف السيطرة على النفط الليبى فى ظل الفوضى؟ الواقع يؤكد أن كل ما يهم تركيا في ليبيا تأمين مصدر للطاقة، لأنها دولة غير منتجة للطاقة وتستورد 95% من احتياجاتها منها ما يكلف ميزانيتها نحو 50 مليار دولار سنويا، وهى تريد وقف استنزاف قدراتها على الطاقة بأن يكون لها منابع نفط وغاز، ولم تجد ضالتها إلا فى ليبيا للتحرش بدول غاز المتوسط.

لكن  هل ستحدث  مواجهات  بين مصر وتركيا بسبب غاز المتوسط؟ التساؤلات أصبحت مطروحة بقوة، لتزامنها مع تصعيد حالة التوتر والصخب المصاحب لمزاعم أردوغان، الذى شطح بأوهامه فى أكثر من تصريح اعلامى، عبر تهديده بأنه لن يسمح باستخراج الغاز من شرق المتوسط، إذا تم استبعاد تركيا وحلفائها.

 القضية التى نتحدث عنها، لا تحتمل ترف إطلاق الأحكام الفضفاضة، ولا تحتمل التغاضى عن الحقائق بفرضيات الأوهام، كما لا يمكن لأى إنسان سواء كان عاقلا أو مجنونا، أن يقفز على معطيات الواقع، ففى ظل تغير موازين القوى على المستوى الإقليمى، يصبح الحديث عن أساليب البلطجة التى يقوم بها « أردوغان» على غاز شرق المتوسط، وهماً يدور فى خياله، لأن الصراع فى هذه الحالة غير متكافئ من الناحيتين النظرية والواقعية،  وبالتالي ستصبح  فرضيات المواجهة العسكرية المباشرة مستبعدة، وإن ظلت مادة أساسية للصياح بهدف خلق مناخ إقليمى ملتهب.

ومن الناحية السياسية أن «هرتلات» أردوغان ستؤدى لتحريض المجتمع الدولى ضده، خاصة الاتحاد الأوربى، لإهداره قواعد القانون الدولى، فضلا عن أنه لا يتعامل مع السياسة الدولية باعتباره رئيس دولة، إنما باعتباره زعيم عصابة، أو بمعنى أكثر دقة «قاطع طريق« يرفع شعار» فيها لأخفيها»، بالضبط مثلما فعل قبل ذلك عندما استغل الصراع الدائر فى العراق، ونهب وسرق بترول العراق، بهدف تمويل الأنشطة الإرهابية واستمرارها، برعاية حصرية منه لتحقيق أطماعه أو بمعنى أكثر دقة «أوهامه» الرئيس التركى وأبواقه من الغربان التى تنعق ليل نهار فى فضائيات اسطنبول، يعلمون أن اتفاقية غاز شرق المتوسط التى جرى توقيعها بين مصر وقبرص لم تتم فى الظلام بين ممثلى عصابات دولية، أو فى كهوف ومغارات الجبال بين قادة لتنظيمات إرهابية وحكومات مشبوهة، مثلما يفعل هو مع الإخوان وداعش والقاعدة، لكنها اتفاقية قانونية بين دولتين، تمثلهما أنظمة حكم شرعية، كما أن وثائق تلك الاتفاقية مودعة بالأمم المتحدة وتحت إشرافها، وبالتالى كان طبيعياً أن يواجه أردوغان عاصفة من التحذيرات الدبلوماسية، هذه التحذيرات أربكت حساباته وبددت مراميه، وهو الذى حدث بالفعل من بلدان الاتحاد الأوربى، الذى فشل أردوغان فى الانضمام إليه والحصول على عضويته، حدث هذا قبل شهور وحدث فى أعقاب الاتفاقية المشبوهة.

القراءة الدقيقة لهذا الملف الشائك، تجعلنا نلقى الضوء على جوانب مهمة، لا يمكن إغفالها أو القفز عليها، وهى جوانب يتصل بعضها ببعض، منها عدم قدرة تركيا أو غيرها، التجرؤ على اختراق المياه الاقتصادية المصرية، والجزم بهذه الحقيقة، لم يكن من قبيل العنتريات أو الشعارات الإعلامية الزائفة، فتركيا تعلم أن موازين القوى فى المنطقة تغيرت بصورة مذهلة، وأن مصر باتت طرفاً فاعلاً ومؤثراً فى معادلة النفوذ الإقليمى، بكل مفرداته، كما أنها تمتلك القوة العسكرية الرادعة، يعنى أن أردوغان لديه يقين راسخ، أن القوات البحرية تؤمن الأهداف الحيوية والاستراتيجية فى عمق المياه الاقتصادية المصرية لذا فإنه اختار ليبيا واستخدم السراج وميليشياته وكلاء لتحقيق أهدافه.

هذا يفسر لنا بجلاء سر حملات تحريض جماعة الإخوان ضد الدولة المصرية في كل ما يتعلق بالتسليح سواء «أنواعه أو تنوع مصادره»، ابتداء من حاملتى الطائرات «مسترال»، وليس انتهاءً بالغواصات وطائرات الرافال، فالتسليح يعنى أن مصر من الناحية العملية قادرة على حماية ثرواتها وحدودها، فى نفس الوقت الذى تواجه فيه الإرهاب المدعوم من تركيا، والممول من قطر وأجهزة الاستخبارات العالمية، كما أن الـ «طنطنة «الإخوانية وعزف إعلامها المشبوه على وتر الأوضاع الاقتصادية، لتوسيع دائرة الغضب الشعبى ضد الدولة، يؤكد حقيقة الارتباك التركى من تنامى قوة مصر العسكرية، والذى تجلى فى حلقات الزار التى يعقدونها على مدار الساعة، للتنفيس عن أحقادهم، لذا فإن أساليب دعم التنظيمات الإرهابية فى ليبيا بالسلاح كما حدث قبل شهور، ليس سوى محاولة يائسة وبائسة لإشغال مصر بالتركيز على الحدود الغربية، لكنه لم يدرك أن الدولة بمؤسساتها كانت لديها رؤية استراتيجية لتأمين الجدود الغربية فكانت قاعدة محمد نجيب، وكانت لديها رؤية للتفوق البحرى فكانت ميسترال، والرافال وغيرها.

اليونان من جانبها باعتبارها طرف رئيسي وشريك فى معادلة الدفاع عن غاز المتوسط، رفضت الاتفاق المشبوه ووصفته بأنه مناف للعقل من الناحية الجغرافية لأنه يتجاهل وجود جزيرة كريت اليونانية بين الساحلين التركي والليبي، على أثر ذلك استدعت الخارجية اليونانية السفير التركي لديها، وأبلغته رسميا أدانة اليونان لهذا الاتفاق مشيرة إلى أنه لا يمكن قبول انتهاك سيادة دولة ثالثة، وأن هذا الإجراء، أى الاتفاقية المشبوهة، تمثل انتهاكا واضحا لقانون البحار الدولى ولا يتماشى مع مبدأ حسن الجوار الذي يحكم العلاقات بين الدول ان محاولات التواجد العسكري التركي في ليبيا هى رغبة تركية قديمة لكى تضمن لنفسها فرصة في جهود إعادة الإعمار والتي قد تحقق جزءًا من التوازن للاقتصاد التركى المهزوز، فضلاً عن النفط الليبي في أراضي ليبيا، ويضاف لكل ذلك «دعم الإخوان والميليشيا الموالية لها بما يخدم مشروع أردوغان لإحياء الخلافة العثمانية الجديدة ودعم جماعات الإسلام السياسي بالمنطقة، والاقتراب من الحدود المصرية وإرباك وإزعاج القاهرة.

على خلفية طنطنة الجانب التركى بالتفاهمات والاتفاق مع السراج، أصدرت الخارجية المصرية بيانا قالت فيه إن «مثل هذه المذكرات معدومة الأثر القانونى، إذ لا يمكن الاعتراف بها على ضوء أن المادة الثامنة من اتفاق الصخيرات السياسي بشأن ليبيا، الذى ارتضاه الليبيون، والذى حدد الاختصاصات المخولة لمجلس رئاسة الوزراء، حيث تنص صراحة على أن مجلس رئاسة الوزراء ككل وليس رئيس المجلس منفردا يملك صلاحية عقد اتفاقات دولية وأضاف البيان: من المعروف أن مجلس رئاسة الوزراء منقوص العضوية بشكل بين، ويعانى حاليا خللا جسيما فى تمثيل المناطق الليبية، ومن ثم ينحصر دور رئيس مجلس الوزراء، محدود الصلاحية، في تسيير أعمال المجلس، وأن كل ما يتم من مساعٍ لبناء مراكز قانونية مع أي دولة أخرى يعد خرقا جسيما لاتفاق الصخيرات وتابع البيان المصرى «في كل الأحوال فإن توقيع مذكرتى تفاهم فى مجالى التعاون الأمنى والمناطق البحرية وفقا لما تم إعلانه هو غير شرعى، ومن ثم لا يلزم ولا يؤثر على مصالح وحقوق أى أطراف ثالثة، ولا يترتب عليه أى تأثير على حقوق الدول المشاطئة للبحر المتوسط، ولا أثر له على منظومة تعيين الحدود البحرية في منطقة شرق المتوسط وطالبت مصر المجتمع الدولى، بحسب البيان، بـ»الاضطلاع بمسئولياته لمواجهة هذا النهج السلبى الذي يأتي في توقيت دقيق للغاية تتواصل فيه الجهود الدولية بالتنسيق والتعاون مع الأشقاء الليبيين في إطار مسار برلين، للتوصل لاتفاق شامل وقابل للتنفيذ يقوم على معالجة كافة جوانب الأزمة الليبية، بما يحافظ على وحدة ليبيا وسلامتها الإقليمية، ويساعد على استعادة دور مؤسسات الدولة الوطنية بها، ويساهم في محاربة الإرهاب والتنظيمات المتطرفة واستعادة الأمن، وتعبر مصر عن مخاوفها من تأثر عملية برلين السياسية من جراء هذه التطورات السلبية وفى السياق ذاته أجرى وزير الخارجية المصري سامح شكرى، اتصالاً هاتفياً بكل من وزير خارجية اليونان نيكوس دندياس ووزير خارجية قبرص نيكوس خريستودوليدس، بشأن الاتفاق التركي مع حكومة السراج وتم التوافق بينهم على «عدم وجود أي أثر قانونى لهذا الإجراء الذى لن يتم الاعتداد به لكونه يتعدى صلاحيات رئيس مجلس الوزراء الليبى وفقاً لاتفاق الصخيرات، فضلاً عن أنه لن يؤثر على حقوق الدول المشاطئة للبحر المتوسط بأي حال من الأحوال»، بحسب بيان الخارجية المصرية، على أى حال، لا يستطيع أحد التنبؤ بما هو قادم فى ظل التوتر الذى تشعله تركيا والتنظيمات الإرهابية.


مقالات مشتركة