البنك المركزي يكشف أسرار تراجع معدلات التضخم       الداخلية تعلن القبض على المتهم في واقعة العبارات المسيئة على شاشة فيصل       الحكومة تنفي عودة عمل الموظفين بنظام ( الأونلاين ) يوم واحد أسبوعيًا       أخبار سارة .. المركز القومي للبحوث ينجح في إنتاج مُخصب حيوي يزيد إنتاج المحاصيل الزراعية       وزير الإسكان : الدولة لن تسمح مرة أخرى بالبناء غير المخطط والعشوائي والمخالفات       التفاصيل الكاملة لزيارة وفد قيادات الأوقاف ل شيخ الأزهر       الحكومة: الخميس 25 يوليو إجازة رسمية بمناسبة ذكرى ثورة 23 يوليو       خطة حكومية لزيادة الاستفادة من العلماء والباحثين المصريين في الخارج       بالأرقام الرسمية .. 50 مليون زيارة من السيدات لتلقي خدمات الفحص والتوعية ضمن مبادرة دعم صحة المرأة       اللجنة الخاصة المشكلة بمجلس النواب لدراسة برنامج الحكومة الجديدة تختتم أعمالها اليوم       تفاصيل مشاركة الأهلى فى أعمال الجمعية العمومية لرابطة الأندية الأوروبية  
جريدة صوت الملايين
رئيس مجلس الإدارة
سيد سعيد
نائب رئيس مجلس الإدارة
د. محمد أحمد صالح
رئيس التحرير
محمد طرابية

سيد سعيد يكتب   2019-12-31T21:13:46+02:00

2020 عام التحديات الكبرى والأحلام المؤجلة

سيد سعيد

نحن نقف الآن على أعتاب عام جديد، عام نتطلع فيه إلى الأفضل، نتمناه عاماً سعيدًا، مليئاً بالإنجازات، عاما تتحقق فيه الأمنيات والأحلام المؤجلة، سواء على مستوى الأشخاص أو على مستوى الشأن العام المرتبط بكل قضايا الوطن وأمنه واستقراره ومعاركه فى الداخل والخارج، عاماً ينتظر فيه المصريون تحقيق الكثير والكثير، خصوصا فيما يتعلق باستعدادات الحكومة لتلبية الطموحات في المجالات المتنوعة، ابتداء من الاستثمار إلى النهوض الاقتصادى والتكنولوجى، ومن تحسين الأوضاع الاجتماعية والحياتية، وليس انتهاء بالحد من تنامى أعداد البطالة مروراً بتشجيع الصناعات الثقيلة والمتوسطة والصغيرة.

أتمنى أن نكون مستعدين له ونحن مسلحين بالمعرفة والعلم ومسايرة كل ما هو جديد في كل المجالات.. الآمال المرجوة تتطلب ـ لتحقيقها ـ جهودا مضاعفة وخطوات متسارعة، وبالتالي تصبح الضرورة ملحة لأن يكون أداء الحكومة متناسباً ومتناغماً مع تطلعات القيادة السياسية وطموحات الشعب، بما يعنى أن المسئوليات الملقاة على عاتق الحكومة ستتعاظم بصورة مغايرة للسائد، بداية من تعظيم قدرتها على مسايرة التقدم الهائل في المجال التكنولوجى والمعلوماتى، باعتبار أن هذه الإشكالية ستكون أهم التحديات التي تواجه الدولة المصرية في السنوات المقبلة، ولهذا السبب، إن القيادة السياسية وجهت بإعداد البنية الأساسية للتكنولوجيا الرقمية والذكية، ايذاناً بدخول مصر إلى هذا العالم بخطى واثقة قائمة على أسس علمية، قبل أن يدهسنا قطار التقدم المذهل تحت عجلاته.

 لذا فإن الأمر يتطلب من الآن، ومن دون انتظار، الاطلاع على كافة الدراسات العلمية الحديثة المعنية بهذا المجال، باعتباره سيكون الأكثر انتشارا فى العالم خلال العام الجديد 2020، إلى جانب أن تكون الحكومة على دراية الكافية بظروف المرحلة الحالية وكيفية التعاطى معها، للتغلب على المعوقات وتشجيع المواهب ودفع الطاقات القادرة على الابتكار والإبداع، بما يؤهلنا للانطلاق نحو المستقبل ممسكين بأدواته العلمية والتقنية، فالعالم شئنا أم أبينا دخل حروباً من نوع جديد، حروب مغلفة بمنافسة شرسة فى مجال التكنولوجيا الذكية، هذه الحروب صار لها أقطاب ومحاور وتحالفات بين حكومات مؤثرة وشركات عابرة للقارات تحميها دول كبرى، وأصبحت تجارة كونية تنفق عليها مئات المليارات، وتدر التريليونات من العملات المختلفة، فمن ناحية هي بيزنس واقتصاد له معاييره ومنها التعامل الرقمى، بمعنى أن الإمساك بالعملات النقدية سيكون نادراً، ومن ناحية أخرى هى عالم مشحون بالمعرفة وتنوع الثقافات والحروب العسكرية والحروب النفسية والسيطرة على العقول، وبالطبع لا ينكر أحد أن تلك الحروب أصبحت تطرق أبوابنا وتدق عقولنا، وإن لم ننتبه إليها، ونعمل على توسيع دوائر الابتكار والمعرفة، سنصبح خارج سباق الزمن وهو ما لا نتمناه.

على الحكومة أيضاً، أن تدرك أن مسايرة التقدم التكنولوجى والمعرفى تتطلب وقف نزيف الأساليب العشوائية الناتجة عن الأخطاء المتراكمة، فهى وحدها دون سواها التي تقف وراء تفشى الظواهر السلبية في المجتمع، المقصود هنا، ظواهر الرشوة والفساد والاستيلاء على المال العام من قبل أباطرة احترفوا النهب عبر العلاقات المشبوهة، وأسلوب «شيلنى وأشيلك» الذى ساد عدة عقود، غلت خلالها أيدى الأجهزة الرقابية عن ممارسة دورها بفعل فاعل، لذا فإن الحكومة أصبحت مسئولة عن اتخاذ المبادأة بتطهير الجهاز الإدارى، خصوصاً أن الإرادة السياسية توافرت بصورة جلية لا لبس فيها، بالحرب على الفساد كظاهرة وثقافة متفشية في أعماق الجهاز الإدارى، مما أعاق التوجه نحو أى تطور في كافة المناحى، كما أضاع حق الدولة سواء من الأراضى أو من الرسوم السيادية، والتي هى حقوق للمجتمع بكل فئاته، فالوصول الى تحقيق الآمال المرجوة يتطلب إعداد تشريعات مناسبة وملائمة لفكرة الانتقال النوعي في المجالات التي تحدثنا عنها، فضلاً عن أنها ستساهم في القضاء على المعوقات التي تقف في طريق التقدم  والنهوض، وستعيد الحقوق السيادية «المال العام «التى تمكن الدولة من الانفاق على البنية التحتية للانتقال إلى التكنولوجيا الحديثة، حيث لا يمكن مسايرة التقدم الهائل إلا بالانفاق وتوفير الموارد، بما سوف يعود على المجتمع بالنفع.

 نعم هناك رغبة من الحكومة لإعداد تشريعات جديدة، تهدف ترسيخ قاعدة الحقوق والواجبات في إطار متناغم ومحاط بالشفافية، لكن هناك ضرورة ملحة للحد من تراكم المنازعات أمام القضاء أو لجان فض المنازعات، خصوصا أن أرقام المنازعات بين الأفراد والجهات الحكومية أصبحت مزعجة، وتؤدى بالتبعية إلى تعطيل المصالح، فضلا عن أنها ستكون بابا خلفيا للفساد والرشاوى من ناحية ووسيلة لترويج المظلومية من ناحية أخرى.

لا ننكر أن الحكومة استطاعت في السنوات الخمس الماضية وضع آلية محايدة وشفافة، لتقنين الأوضاع المخالفة للقانون وفى نفس الوقت تتمكن من الحصول على مستحقات الدولة، تبلورت تلك الآلية في اللجنة العليا لاسترداد أراضى الدولة تحت اشراف رئاسة الجمهورية، الآلية ،نموذجًا ومثالًا حياً لفكرة التعاون والتراضى، ولولا حكمة القائمين على هذه اللجنة لما عاد فدان واحد من الأراضى المغتصبة إلى الدولة، وما عاد مليم واحد من المليارات التى عادت إلى الخزانة العامة كفروق أسعار.

 الجانب الإيجابى من تلك الآلية يتمثل في التراضى والتوافق والرغبة المشتركة بين الدولة كطرف قوى، وواضعى اليد كطرف يريد تقنين وضعه ليشعر بالآمان، جانب آخر لا يمكن إغفاله، مفاده أن المخالفين وجدوا من يستمع إليهم وينظر بجدية في شكاواهم، ويقدر المطلوب بعدالة، وفى النهاية تحصل الدولة على حق المجتمع بالتراضى والتوافق دون غضب أو الشعور بالمرارة أو ادعاء بالظلم.

رغم  تلك الإيجابيات، ورغم الآلية الشفافة، إلا أن الحاجة باتت ملحة لإصدار قوانين لاسترداد حقوق الدولة من مغتصبى أراضى الدولة أو من ممولى الضرائب، وهذه قصة تحتاج  لإلقاء الضوء عليها.

 من لجنة استرداد الأراضى إلى المجالات الأخرى، مرورا بكيفية الانفاق على المشروعات القومية ومنها الانتقال إلى مصاف الدول المتقدمة فى المجالات التكنولوجية، سنتوقف في مقالنا هذا أمام واحدة من القضايا الشائكة، وهى المتعلقة بحق الدولة في أرباح وعوائد الأنشطة الاقتصادية المتنوعة، الرسوم السيادية « الضرائب»، فأرقام المنازعات الضريبية مثيرة للتساؤلات، كيف بلغت هذا الحجم؟  هل لأن التقديرات عشوائية أدت لتضرر الممولين؟ أم أن الممولين احترفوا أساليب التهرب؟ أم أن هناك تسيبا من مأمورى الضرائب في التحصيل؟ ربما لوجود ثغرات في القانون تؤدى إلى عدم القدرة على التحصيل، أو مجاملات من بعض مأمورى الضرائب للمعارف والأصدقاء من الممولين، عبر  إرشادهم بأساليب التقاعس وثغرات التحايل؟  بلغت المنازعات الضريبية وفق البيانات الرسمية نحو 165 ألف ملف منظور أمام لجان فض المنازعات، تبلغ قيمتها 137مليار جنيه مستحقة للخزانة العامة حتى نهاية شهر نوفمبر الماضى ، تم تحصيل نحو 104 مليار ات، لكن هذه الأرقام سواء حجم المنازعات أو تقدير المبالغ المستحقة، كاشفة عن أساليب التلاعب المتقنة، وكاشفة أيضاً عن فداحة التقديرات العشوائية التي لا تخضع لمعايير قانونية، وهذا يفسر لنا أسباب اللجوء للجان فض المنازعات الضريبية بين الممولين ومصلحة الضرائب المصرية.

 لا يستطيع أحد إنكار جملة من الحقائق المعلومة للكافة، والتأكيد على أنها معلومة باعتبارها سلوك مجتمعى يمثل جزءا من ثقافة سائدة ، ألا وهى التقديرات العشوائية، الجزافية، المؤسسة على معلومات غير دقيقة، وهناك تقديرات أقل كثيرا من المطلوب إثباته يغض الطرف عنها مجاملة أو بدون قصد، وفى الحالتين هناك ثغرات تحتاج إلى من يقف عليها، ويملأ الثغرات ويحقق العدالة والتوازن بين حق الدولة في الضرائب، وحق الممول أن يدفع ما هو مستحق عليه بلا زيادة أو نقصان.

 المعلومات المتسربة من كواليس الحكومة ، تشير الى أن الدولة عقدت العزم فعلا على التخلص من كافة الأساليب العشوائية التى كانت سائدة منذ عدة عقود، وإصدار تشريعات ملزمة، على الأقل للحد من العبث وإهدار ثروات البلاد، لذا فإن ما خرج يبعث على الارتياح، خصوصا في الجانب المتعلق بإعداد مشروع قانون جديد لإنهاء المنازعات الضريبية لإحالته إلى مجلس الوزراء، لإقراره من مجلس النواب.

 بدون لف أو دوران، علينا الإقرار بوجود أخطاء متراكمة، وهذه الأخطاء لا يمكن إنكارها، باعتبارها معلومة للكافة، يدور مجملها أتاح الفرصة للتلاعب وابتكار أساليب التهرب من حق الدولة، سواء عن طريق عدم التسجيل أو التحايل المتقن من قبل المتخصصين في النشاط المحاسبى، وإذا كان الجميع يعرف ويعلم، من المؤكد أن الوزير يعلم ويلمس تلك الأساليب، لذا فإن الضرورة ملحة لأن تعكف الحكومة مع الخبراء على إنجاز تشريع يحد من هذا العبث ويحد من أساليب الفهلوة السائدة، وهى التى ساهمت بصورة أو بأخرى فى انتشار الفساد والرشاوى.

 مشروع القانون الذى نقصده حال إقراره من البرلمان والتصديق عليه من رئيس الجمهورية سيعالج كافة المعضلات المتعلقة بالمنازعات الضريبية، لأنه حدد، وفق المعلومات المتداولة في أروقة مجلس الوزراء، مدة 6 أشهر فقط تبحث خلالها اللجان المختصة التظلمات والنزاعات الضريبية، أمام المحاكم أو لجان الطعن الضريبى بمصلحة الضرائب المصرية، وبالتالي ستكون هناك سرعة فى تحصيل مستحقات الدولة، وسرعة فى إنهاء المشكلات المتعلقة بالممولين، بما يتسق مع توجيهات القيادة السياسية بإنهاء المنازعات الضريبية والحد من اللجوء للمحاكم.

 بالتأكيد مأمورو الضرائب يتعرضون لمعاناة شديدة في تدقيق دخول الممولين وإثبات المعلومات المحاسبية، فإذا ما توصلوا إلى البيانات وأثبتوا صحة تقديراتهم، سرعان ما يتظلم الممول ويعتبر أن تقديرات مأمورى المصلحة جائرة وغير دقيقة، وهذه هى الإشكالية التي تعيق تحصيل الرسوم السيادية، فضلاً عن أن هناك أساليب متنوعة لإخفاء الدخول الحقيقية في المنشآت، وبالتالي فإن الأخطاء مزدوجة ، لذا فإن الأمر يتطلب حلولاً عاجلة، تضمن حق الدولة ولا يكون بها تقديرات جزافية وفى نفس الوقت لا تضيع جهود العاملين بمصلحة الضرائب لإثبات الدخول، هناك ضرورة لإنهاء تلك الإشكالية لأننا نعيش في مجتمع لا يؤمن بحق الدولة في الدخل، لذا فإن التهرب الضريبى جريمة تسقط بالتقادم، لأن حصيلة الضرائب حق الشعب الذى يتطلع إلى الأفضل.


مقالات مشتركة