الحكومة: الخميس 25 يوليو إجازة رسمية بمناسبة ذكرى ثورة 23 يوليو       خطة حكومية لزيادة الاستفادة من العلماء والباحثين المصريين في الخارج       بالأرقام الرسمية .. 50 مليون زيارة من السيدات لتلقي خدمات الفحص والتوعية ضمن مبادرة دعم صحة المرأة       اللجنة الخاصة المشكلة بمجلس النواب لدراسة برنامج الحكومة الجديدة تختتم أعمالها اليوم       تفاصيل مشاركة الأهلى فى أعمال الجمعية العمومية لرابطة الأندية الأوروبية       وزارة المالية : الدولة ليس من دورها إدارة الأصول العقارية       أخبار سارة للموظفين.. المالية تعلن تبكير صرف مرتبات شهر يوليو 2024       بالأرقام الرسمية .. إصدار 32.5 مليون قرار علاج على نفقة الدولة       وزارة العمل تُحذر المواطنين بعدم التعامل مع الشركات والصفحات وأرقام الهواتف الوهمية       إطلاق دورى رياضى لأبناء الأسر في قرى ( حياة كريمة ) تحت شعار ( أنت اقوى من المخدرات )       أخبار سارة : مصر تستهدف إنتاج 800 ألف أوقية ذهب عام 2030  
جريدة صوت الملايين
رئيس مجلس الإدارة
سيد سعيد
نائب رئيس مجلس الإدارة
د. محمد أحمد صالح
رئيس التحرير
محمد طرابية

سيد سعيد يكتب   2020-01-22T21:24:22+02:00

حاكموا هؤلاء الفاسدين

سيد سعيد

 

لم أكن منجماً أو قارئا للطالع، ولا أزعم بأننى كنت على دراية بما يجرى فى كواليس الأجهزة الرقابية، أو دوائر صناعة القرار فى دواوين الحكومة من ترتيبات، عندما تناولت فى المقالين السابقين بعض الجوانب التى يجب التركيز عليها، باعتبارها أولويات ضرورية ونحن نستقبل العام الجديد، الذى وصفناه بأنه عام التحديات الكبرى، الذى نتطلع خلاله الى الأفضل، نواجه فيه الفساد بقوة ونسترد فيه المليارات المنهوبة من الفهلوية والمتربحين والمتهربين من الضرائب، عبر إصدار تشريعات قوية تضمن للدولة حقوقها، وتحد من غطرسة لجان التقديرات العشوائية فى فواتير الخدمات أو محاضر الغرامات، وتقضى على أساليب التفنن فى التهرب من الضرائب عبر بعض المكاتب المحاسبية، بعد أن وصل حجم المنازعات بين الممولين ومصلحة الضرائب لأرقام مخيفة « 165ألف ملف «قيمتها نحو 137 مليار جنيه.

لكن لأننى  أؤمن بأن للكاتب رسالة يجب أن يقولها وهو مستعد دائماً لأن يدفع ثمن قناعاته، يترجم من خلالها معاناة الناس، أحلامهم، طموحاتهم، ينحاز لهم ويتحدث عنهم، يقدم رؤيته لصالح الوطن بلا مواربة.... من تلك الزاوية وحدها، أدليت بدلوى فى تلك القضية الشائكة.

طالبت بضرورة مواجهة الفساد الناتج عن تسهيل الاستيلاء على أموال الضرائب،مستندا لوجود مؤشرات قوية، لا لبس فيها، بأن الإرادة السياسية توافرت، بالفعل لمواجهة الفساد الذى استشرى وصار ثقافة حياتية، تشكل مفاهيم المعاملات اليومية، فضلا عن قناعاتى بأن الفساد بلغ مبلغاً محرضاً على الغضب بعد أن صار كل شيء بمقابل خارج الاطار الرسمى، وكأننا فى غابة يحكمها قانون خاص.

تزامن ما أوردته فى المقالين السابقين مع الترتيبات التى كانت  تدور على قدم وساق فى أروقة جهاز الرقابة الإدارية، لتطهير المؤسسات الحكومية من العبث، وتفجير قضية خطيرة، تتعلق بما نشرته، وبالمناسبة مثل تلك الترتيبات لا تتوقف، بمعنى أنها لم تكن وليدة قضية بعينها، أو تتبع مسئولا بعينه،حيث تم القبض على رئيس مصلحة الضرائب المصرية، وهو بكل المقاييس،» ضربة معلم» وصيداً ثميناً، لأنه المسئول الأول عن تحصيل الرسوم السيادية، فى أعقاب رصده بالصوت والصورة، والتسجيلات القانونية، أثناء حصوله على رشاوى مادية وعينية من محاسبين قانونيين، مقابل الضغط على مرؤسيه لإعفاء بعض البنود وقبول التحايل فى بنود أخرى لصالح رجل أعمال مشهور «من كبار الممولين».

 ولم يكن غريباً أن تطال التحقيقات بمعرفة نيابة أمن الدولة العليا آخرين من كبار المسئولين السابقين داخل المصلحة، من بينهم مستشار وزير المالية للضرائب، وهو ما يدفعنا للمطالبة بمحاكمة هؤلاء المسئولين، قبل الإفلات بملايين الدولة، وقبل فوات الأوان.

نحن لم ندخل فى تفاصيل القضية، ولن نسرد أى تفاصيل عنها، باعتبار أن التحقيقات لم تتوقف، لكن هناك تساؤلات تبرز على السطح بدون استحياء، كم حجم الملايين أو المليارات التى ضاعت على الخزانة العامة؟ خاصة إذا علمنا أن رئيس مصلحة الضرائب الذى تم القبض عليه بمعرفة ضباط الرقابة الإدارية كان مسئولا عن مركز كبار الممولين قبل توليه منصبه، وأن عملية اصطياده  تمت بعد التجديد له بأسابيع قليلة، أيضا، كم بلغت ثروته جراء سلوكه المشين؟ وكم بلغت ثروات معاونيه من ذوى المواقع المهمة داخل المصلحة؟ ممن يحصلون على المكافآت والذى منه، مقابل تنفيذ التعليمات، وكم مسئول وضع تحت المجهر، وكم مرة تهرب فيها رجل الأعمال  الشهير الذى دأب مثل كثيرين غيره على الابتعاد من الصورة، تاركاً مكتب المحاسب القانونى الخاص به يتصرف بمعرفته، لدرايته بالطرق والدهاليز، وتقديم الإغراءات، لماذا لم يظهر رجل الأعمال فى المشهد؟ علامات الاستفهام فى قضية رشوة رئيس مصلحة الضرائب لا تتوقف.

إن القبض على أباطرة المصلحة، خاصة رئيسها، كشف عن حجم البجاحة، التى يمارسها المسئول الذى تثق فيه الدولة وتوليه مركزا مهما، ثم يظهر وجهه القبيح، حيث يتيح  التهرب من دفع المليارات لأجل الحصول على مبالغ مهما كان حجمها، هى ضئيلة بالنسبة لمستحقات المجتمع، هذا العبث أثقل كاهل الدولة جراء الفهلوة وغياب الآلية القانونية التى تحد من لعبة القط والفأر بين ممثلى الحكومة والممول، وهى لعبة تقود تداعياتها إلى خسارة  الخزانة العامة لمئات المليارات من الجنيهات، وهذه المبالغ الضخمة كفيلة بتلبية الطموحات فى المجالات المتنوعة، من الاستثمار إلى النهوض الاقتصادى والتقدم التكنولوجى، وتحسين الأوضاع الاجتماعية والحياتية، والحد من تنامى أعداد البطالة.

تركيزنا على تناول قضية التهرب من الرسوم السيادية، والمغالاة فى الفواتير، لم يكن من قبيل ترف الكتابة وتوجيه الانتقادات للحكومة وأدائها، إنما لأنها قضية جوهرية تتعلق بصميم اهتمامنا وهمومنا بالشأن العام، كما أنها تتعلق بجوهر التقدم لأى دولة من بلدان العالم، خاصة لو نظرنا بقدر من الغيرة إلى بلدان أوروبا والدول المتقدمة، قطعا لن نجد أساليب الفهلوة المتبعة من موظفى الحكومة والمواطنين على حد سواء، ففى تلك البلدان تصل جريمة التهرب من الضرائب حد الخيانة، واعتبارها جريمة مخلة بالشرف تستوجب عقاب مرتكبيها بالسجن المشدد، حيث يقاس تقدم الدول وتحضرها بترسيخ قاعدة الحقوق والواجبات، أى ما لك وما عليك، وهذه القاعدة  لن تتحقق إلا  بطريقة التعامل مع الضرائب، أسلوب تحصيلها وكيفية انفاقها، فالإهمال فى تحصيلها، سيؤدى إلى عدم وجود موارد للانفاق باعتبار أن  الرسوم الضريبية هى المصدر الرئيسى والأهم للموارد السيادية، التى تعتمد عليها الدولة، أى دولة، إلى جانب الموارد الأخرى اعتماداً كلياً، لتمويل مشروعاتها القومية وعلى رأسها الخدمات العامة من الصحة والتعليم الى محطات مياه الشرب والصرف الصحى والبنية الأساسية المتمثلة فى المرافق ورصف الطرق، ناهيك عن الانفاق على أجور موظفى الدولة  والدعم ومعاشات غير المؤمن عليهم «الضمان الاجتماعى».

إن قواعد الالتزام من المواطن والالزام من الدولة غائبة بسبب تراكم الأخطاء، وعدم قدرة التشريعات الحالية على الصمود فى مواجهة الأساليب الملتوية، وهى وحدها التى تجعل فئة من المجتمع تقفز على القانون، بل وتدهسه، بمعاونة الفاسدين من أصحاب المواقع الوظيفية، فى حين أن هناك آلية ثابتة يتم تفعيلها بالدفع الذاتى، ففى الوقت الذى يتهرب فيه بعض الأثرياء وأصحاب الأعمال،نجد أن الفئة الوحيدة داخل المجتمع التى تقوم بالتزاماتها تجاه الدولة هى فئة الموظفين البسطاء، كل منهم يدفع ضريبة الدخل بالتمام والكمال، هؤلاء يتم استقطاع الضريبة منهم عند بلوغ رواتبهم مبالغ معينة بصورة مباشرة، أى قبل أن يحصل الموظف على راتبه.

علينا التأكيد على جوانب مهمة لا يمكن إغفالها أو القفز عليها، باعتبارها أصل القضية، بل هى السبب المباشر فيما وصلنا إليه  من فقدان الثقة بين الحكومة،ممثلة فى مصلحة الضرائب، وشركات تحصيل الفواتير والمواطن باعتباره الممول والمستفيد فى نفس الوقت، سنجد أن الحكومة من جانبها تتعامل مع الممول، على أنه غير صادق ويتفنن فى ابتكار آليات التهرب، ولديها قناعة راسخة بأنه لن يعطيها الأرقام الحقيقية عن حجم أرباح أنشطته، لذا فإنها تغالى فى تقديراتها بصورة مجحفة، وفى المقابل يعتقد كثير من الممولين باختلاف فئاتهم» رجال أعمال، مهنيين، تجار، وغيرهم « بأن التحايل يمثل نوعاً من الشطارة والفهلوة، لأنهم وفق ما يتم ترديده،لا يعلمون مصير ما يدفعونه وإلى أين يذهب، ومن المستفيد.

ببساطة شديدة يمكن القول أن العلاقة بين الطرفين مأمورى الضرائب والممولين قائمة على الشك، لا توجد ثقة بينهما، فلا المصلحة لديها قناعة بالسجلات التى يقدمها الممول ولا الأخير لديه الرغبة فى سداد كافة المستحقات المطلوبة منه، من هنا نشأت اللعبة التى اعتادها كل طرف، فالتقديرات الجزافية تدفع الممول إلى التهرب والتزوير، كما أن محصل الضريبة يفترض أن الممول  مراوغ ومخادع ويصر على التقديرات العشوائية، وما بين هذا وذاك يظهر المسئول الفاسد الذى يقلل من التقديرات مقابل منافع خاصة، مثلما فعل رئيس مصلحة الضرائب.

كل هذه الأخطاء أتاحت الفرصة للتلاعب وابتكار الأساليب للتهرب من حق الدولة، سواء عن طريق عدم التسجيل أو التحايل المتقن من قبل المتخصصين فى النشاط المحاسبى، ما ساهم  بصورة أو بأخرى فى انتشار الفساد والرشاوى وأعاق تحصيل الرسوم السيادية، فضلاً عن أن هناك أساليب متنوعة لإخفاء الدخول الحقيقية فى المنشآت، وبالتالى فإن الأخطاء مزدوجة هناك  ضرورة لإنهاء تلك الإشكالية لأننا نعيش فى مجتمع تبلورت ثقافته فى التحايل، لذا فإن التوعية مطلوبة ويجب أن يكون العقاب والثواب منهج  لأن حصيلة الضرائب حق الشعب الذى يتطلع إلى الأفضل.

لم تكن قضية التهرب من الضرائب، هى وحدها التى شغلت اهتمامنا، وإن كانت هى الأكثر من حيث الحيز  والمساحة، باعتبار أن الحصيلة هى حق للمجتمع، وضرورية للانفاق على المشروعات القومية، كما أسلفنا، إلى جانب أن الموارد ستتيح للدولة الانفاق على المشروعات التكنولوجية والتجارة الإلكترونية التى وضعتها على أجندة اهتماماتها، وفق استراتيجية القيادة السياسية وتطلعاتها للمستقبل، لكن هناك قضية أخرى، لا أبالغ إن أكدت على أنها هى التى فتحت الباب  أمامى للحديث عن العشوائية الناتجة عن الفساد  فى العديد من القطاعات، وأعنى هنا، التقديرات العشوائية لشركات توزيع الكهرباء، سواء فى تحصيل الفواتير المستحقة على المواطنين بدون قراءة للعدادات، لادخالهم فى شرائح أعلى من استهلاكهم وأكبر من قدرتهم على الوفاء بها، أو المغالاة والتعسف فى غرامات الممارسات، المحددة بالأساس منهم وبمعرفتهم، فى هذا الصدد  كانت رسالتنا واضحة ليس بها أى موائمات أو محاذير من أى نوع، كما اعتاد غيرنا، لأنها تعبير صادق لأنين البسطاء، وصرخات أصحاب الأنشطة المتوقفة، جراء التعسف فى استعمال سلطة لجان التقدير، التى تحرر غرامات بمبالغ لا يستطيع ضحاياها الوفاء بها ولو باعوا أصول الورش والمصانع.

الرسالة وجدت صدى فى الدوائر الرسمية المسئولة، وأعنى هنا وزارة الكهرباء، التى  أزال  ويرها خطأ بعض مرؤسيه فى الشركات، ممن يصنعون التعليمات المجافية للحقيقة والبعيدة عن سياق المنطق، بما يعنى أن هذا النوع من الفساد اصطدم بإرادة وزير الكهرباء،الذى يترجم سياسة الرئيس عبد الفتاح السيسى، فى الحرب على الفساد، ففى أعقاب نشرنا المقال، أصدر الوزير الدكتور محمد شاكر، قراراً، رغم أنه أربك حسابات الأباطرة، إلا أنه أثلج صدور الضحايا الذين ظلوا على مدار السنوات السابقة يستقبلون بهلع حضور اللجان الى مواقع أنشطتهم بصورة مستمرة  لدرايتهم بأن تلك الزيارات تعنى الإضرار بهم، عبر  تحرير محاضر غرامات تعجيزية أو فرض اتاوات، أما القرار الذى أصدره وزير الكهرباء، فهو إلغاء نظام الممارسات والتقديرات العشوائية حسب هوى اللجان، سواء كان الهوى ناتجا عن المجاملات أو قانون «شيلنى وأشيلك»، على أن يتم العمل بالعدادات المدفوعة مقدما.

فى النهاية أجد نفسى فى حالة من الرضا والقناعة بأن هذه الدولة ستظل قوية فى مواجهة أعدائها، وقادرة على تجاوز الأزمات، مهما بلغ حجمها، لأنها تفكر فيما يفكر فيه غالبية المجتمع، فإذا كان الشارع يعرف ما يحدث على الأرض من أوجه فساد متنوعة، فإن الجهات الرقابية تعرف أكثر، وترى أكثر،  ولديها ما هو أكثر، وتتخذ من التدابير والإجراءات القانونية، ما يجعلها ضامنة للاستقرار، أيضا هناك مسئولون يستحقون الإشادة لتفاعلهم مع مصالح الناس مثل وزير الكهرباء، وبالرغم من حالة الرضا، فإن الضرورة أصبحت ملحة لمحاسبة كل الفاسدين، ممن تربحوا.


مقالات مشتركة