البنك المركزي يكشف أسرار تراجع معدلات التضخم       الداخلية تعلن القبض على المتهم في واقعة العبارات المسيئة على شاشة فيصل       الحكومة تنفي عودة عمل الموظفين بنظام ( الأونلاين ) يوم واحد أسبوعيًا       أخبار سارة .. المركز القومي للبحوث ينجح في إنتاج مُخصب حيوي يزيد إنتاج المحاصيل الزراعية       وزير الإسكان : الدولة لن تسمح مرة أخرى بالبناء غير المخطط والعشوائي والمخالفات       التفاصيل الكاملة لزيارة وفد قيادات الأوقاف ل شيخ الأزهر       الحكومة: الخميس 25 يوليو إجازة رسمية بمناسبة ذكرى ثورة 23 يوليو       خطة حكومية لزيادة الاستفادة من العلماء والباحثين المصريين في الخارج       بالأرقام الرسمية .. 50 مليون زيارة من السيدات لتلقي خدمات الفحص والتوعية ضمن مبادرة دعم صحة المرأة       اللجنة الخاصة المشكلة بمجلس النواب لدراسة برنامج الحكومة الجديدة تختتم أعمالها اليوم       تفاصيل مشاركة الأهلى فى أعمال الجمعية العمومية لرابطة الأندية الأوروبية  
جريدة صوت الملايين
رئيس مجلس الإدارة
سيد سعيد
نائب رئيس مجلس الإدارة
د. محمد أحمد صالح
رئيس التحرير
محمد طرابية

سيد سعيد يكتب   2020-02-10T21:55:18+02:00

سيد سعيد يكتب : انتبهوا.. التجديد ضرورة والعبث بثوابت الدين جريمة

صوت الملايين

بدون مقدمات.. القضية من فرط خطورتها لا تحتمل ترف «تزويق» العبارات، أو الوقوف فى المنطقة الرمادية بين الأبيض والأسود، لأنها تخص العقيدة الدينية والهوية الوطنية، بل كافة أمورنا الحياتية، ولندخل فى الموضوع مباشرة.. إن تطوير الخطاب الدينى ضرورة ملحة، لا يمكن لأى عاقل إغفالها أو التهوين من أهميتها، لكن العبث بثوابت الدين عبر محاولات تطويع الآيات القرآنية الصريحة، لركوب موجة بغيضة، أو بغرض تمرير أمور فى غير موضعها، أكبر من جريمة فى حق الدين وحق الأمة على حد سواء.

توقفت كثيراً أمام الجدل المحتدم على الساحة، والذى تجاوز فى شكله ومضمونه حد السجال الموضوعى الهادف والمبارزات الفكرية المعتادة بين المتخصصين فى كافة المجالات العلمية، وامتد إلى «السوشيال ميديا» بصورة بغيضة، حيث كان لافتا لى ولغيرى من المتابعين، اتساع مساحة تشويه العقول بدخول غير المتخصصين فى مجال الفقه والعلوم الدينية على خط القضية المثارة، كثيرون منهم راحوا يزايدون على مشيخة الأزهر ويخلطون الأمور ليبرروا هجومهم الضارى على المؤسسة الأهم فى العالم الإسلامى، بل بلغت البجاحة حدا يثير الاشمئزاز، راحوا يدلون بآرائهم فى تلك القضية الشائكة، ويقدمون الفتاوى دون دراية، تعاملوا مع الدعوات الرامية تطوير الخطاب الدينى، وكأنه قضية سياسية أو مباراة رياضية، والمؤسف أن غالبية من تصدوا لهذا الأمر، ينتمون لفئة وظيفتها الأساسية تشكيل وعى الرأى العام عبر الحفاظ على الهوية فى إطار الثوابت الدينية والوطنية، لكن السير فى «الزفة»، جعلهم يتصورون أن السجال الفكرى الذى دار  بين الإمام الأكبر  ورئيس جامعة القاهرة وكأنه معركة بين طرفين، وأن هذه المعركة تستوجب حشد كل الطاقات للانتصار لصالح طرف ضد آخر، دون دراية بأن الأمر برمته وجهات نظر بين علماء، قد يروق لنا التفاعل الإيجابى مع إحداها، وعدم قبول وجهة النظر الأخرى، دون أى اعتبار لحساسية القضية وخطورتها، باعتبارها واحدة من القضايا المهمة التى تحتاج إلى أن يناقشها المجتمع «علماء ونخب ثقافية من المتخصصين فى كافة المجالات الحياتية والفكرية» فى إطار تصوّر يسعى إلى التجديد الشامل لكل مناحى الحياة، فلا يمكن لأى مؤسسة أن تتطور بمعزل عن بقية المؤسسات المعنية بتطور المجتمع  والحفاظ على هويته الدينية والوطنية والحضارية.

شهد المؤتمر العالمى للأزهر حول «تجديد الفكر والعلوم الإسلامية» سجالا فكريا راقيا دار حول كيفية التعامل مع التراث وتجديد الخطاب الدعوى ودور المؤسسات الدينية، تسلح طرفا السجال، وهما الدكتور أحمد الطيب شيخ الازهر، والدكتور عثمان الخشت رئيس جامعة القاهرة، بمناهج البحث العلمى والأُسس العلمية فى النقد، بما يعنى أن الأمر اتسم بالأخذ والرد بينهما فى إطار علمى موضوعى وبحضور علماء المسلمين من 46 دولة، انتقد شيخ الأزهر ما صرح به رئيس جامعة القاهرة، فيما يتعلق بفكر الأشعرية والتراث، فيما أكد رئيس جامعة القاهرة، اعتزازه بالأزهر وبشيخه، مؤكدا أن الخلاف فى وجهات النظر أمر منطقى وطبيعى فى الأوساط العلمية، مشيرا إلى أن رؤيته لتأسيس خطاب دينى جديد جرى فهمها بطريقة غير متوقعة، إلا أن الدكتور الطيب أكد بعض الجوانب منها، أن توصيف التراث بأنه يورث الضعف والتراجع فهذا مزايدة على التراث، وأن مقولة التجديد هى بالأساس مقولة تراثية وليست حداثية، بما يعنى أن كتب التراث بها ما يدعو للتجديد، موضحاً أن الفتنة التى نعيشها الآن هى فتنة سياسية وليست تراثية، مشيرا إلى أن السياسة تخطف الدين اختطافا حينما يريد أهلها أن يحققوا هدفا مخالفا للدين كما حصل فى الحروب الصلبية وغيرها.

كما أكد  شيخ الأزهر، أن تجديد الخطاب الدينى قانون قرآنى خالص وضعه الله لتغيير حياة البشر إلى الأفضل وتوقَّف عنده طويلًا كبار أئمة التراث الإسلامى، خاصة فى تراثنا المعقول، واكتشفوا ضرورته لتطور السياسة والاجتماع، مضيفاً أن الله وضع التجديد الدينى شرطًا فى كل تغيير إلى الأفضل، مشيرا إلى أن وضع المسلمين، بدون التجدد الدينى، سيؤول إلى التدهور السريع والتغـير إلى الأسوأ فى ميادين الحيــاة، مؤكدا أن الإسلام ظل مع التجديد دينا قادرا على تحقيق مصالح الناس وإغرائهم بالنموذج الأمثل فى معاملاتهم وسلوكهم بغضِ النَّظر عن أجناسهم وأديانهم ومعتقداتهم، مشيرا إلى أنه مع الركود والتقليد والتعصُّب بقى الإسلام مجرد تاريخٍ يعرض فى متاحف الآثار والحضارات، ومؤكدا أن هذا المصير البائس لايزال يشكِل أملًا وحلما ورديا يداعب خيال المتربِصين فى الغرب والشرق، بالإسلام وحده دون سائر الأديان والمذاهب

وذكر أن أحكام الدِين الإسلامى تنقسم إلى ثوابت لا تتغير ولا تتجدد، وهى الأحكام القطعية الثبوت والدلالة، وسبب ثباتها فى وجه قانون التطور، الذى هو سنة الله فى خلقه هى أنها قابلة للتطبيق فى كل زمان ومكان، مضيفا أن هذه الأحكام معظمها ما يدخل فى باب العقائد والعبادات والأخلاق، وقليل منها يتعلق بنظام الأسرة ومجالات أخرى ضيقة.

فى تقديرى أن النقاش الذى دار بين شيخ الأزهر ورئيس الجامعة بالرغم من أنه أخذ طابعاً دينياً وأكاديمياً  إلا أنه أحدث جدلا واسعا داخل المجتمع، وحاولت القنوات الفضائية المعادية استثمار تلك الحالة الصاخبة لصناعة فتنة، والمثير للدهشة أن الإعلام المحلى، راح يغرد فى الاتجاه المضاد لصناع الفتنة، فوقع بعض الإعلاميين فى الفخ  دون دراية أو رؤية، وهذا يدفع للتحذير من الاستمرار فى هذا النهج الضار، بحيث لا يتحدث فى مثل تلك الأمور سوى المتخصصين، ولا يفتح المجال أمام كل من هب ودب ليفتى فى الأمور الدينية سواء الإعلاميين أو غيرهم ممن يريدون هدم العقيدة ليشار لهم بأنهم مثقفون وتنويريون وهم بعيدون عن الشأن الثقافى والدينى.

القضية لم تكن بعيدة بحال من الأحوال عن  اهتمام الرأى العام، والمقصود هنا النخب الشعبية، التى يرفض غالبيتها المساس بالمسلمات الواردة فى القرآن، خاصة بعد أن فتح السجال الباب أمام أسئلة كثيرة مسكوت عنها، لكن من المؤكد أن قضية تطوير الخطاب الإسلامى لا تخص النصوص الدينية القطعية، التى لا تقبل الاجتهاد من هذا أو ذاك، لكنها إن شئنا الدقة، هى مرتبطة تماما بالتفسيرات المنحرفة لصحيح الدين، وهذه اجتهادات وفتاوى لبشر، ربما يصيبون أو يخطئون، ولأنها تفسيرات منحرفة تضر بالدين والمجتمع يجب النظر إليها ووضعها فى إطار تنقية التراث، وهنا لا أستطيع أنا أو غيرى إنكار أن العلماء بمؤسسة الأزهر يقفون فى وجهها ودحضها على طول الخط.

يا سادة.. إن الدعوة لتطوير الخطاب الدينى وفق ما أكد عليه طرفا السجال الفكرى، ليست بدعة، إنما هى دعوة نبيلة وضرورية للنهوض بالمجتمع فى كافة مناحى الحياة، لكن التطوير أو التجديد الذى أعنيه فى هذا المقام، لا يتعلق بما يروجه البعض من «هرتلات» تمس ثوابت العقيدة بالتجرؤ على الأحكام الإلهية، لكنه من وجهة نظرى، تجديد فى اللغة والأسلوب ومجاراة العصر، وتجديد فى الفتوى، لأن الفتوى ليست ثابتة، لكنها  تتغير حسب الزمان والمكان، أى أنها تناسب معطيات كل عصر لأن الأحكام لا تتغير، لكن طريقة تطبيق الأحكام هى التى تتغير، بما يعنى أن التجديد الذى يتحدث عنه العلماء يتناول فهم المستحدثات التى تطرأ على المجتمعات نتيجة تطورها، سواء كانت مستجدات فكرية أو علمية أو فقهية، فالتجديد المأمول لا يتناول على الإطلاق القطعيات والمسلمات الشرعية، كما يريد المتنطعون على نواصى «السوشيال ميديا».

القصد أن قضية تجديد الفكر الإسلامى، وفق عنوان مؤتمر الأزهر، لا يجب أن تكون مجالا لصخب الفهلوية فى وسائل الإعلام، حتى لا يفتى فيها من يعرف ومن لا يعرف، والغالبية لا يعرفون، بل يجب أن تكون فى قاعات البحث العلمى والفقهى، لأن هؤلاء الفهلوية فى زهوة الظهور الإعلامى لا ثبات أنهم دعاة تنوير، راحوا ينصبون المحاكم لشيخ الأهر والعلماء، لكنهم تناسوا أن السطور التى قرأوها  بصورة عابرة عن الدين، لا تساوى نقطة فى بحر أو ذرة رمل فى صحراء، مما قرأ العلماء والمتخصصين وبحثوا فيها سنوات وسنوات، توازى أضعاف أعمار الصبية الذين راحوا يطعنون فى صميم العقيدة،

اللافت أن التنويريين الجدد، يعضدون وجهات نظرهم بمصطلحات مثيرة للاستغراب، مفادها أن أفكار التجديد  تأتى كأحد أساليب مواجهة الإرهاب، وهذا التصور يجافى الحقيقة شكلا وموضوعا، فالتفسيرات والمفاهيم المتطرفة، تطفو  على السطح لأسباب كثيرة، سياسية واجتماعية واقتصادية، فضلا عن المتغيرات فى العلاقات والمصالح الدولية، ولو توقفنا أمام هؤلاء الإرهابيين، بدون استثناء، سنجد أنهم جميعا لا يعرفون عن الاسلام شيئا، وأنهم يعملون وفق أجندات لا علاقة لها بالدين.. فأسباب التطرف والإرهاب كثيرة وليست فقط فى النصوص الدينية التى يفسرها البعض بصورة مغايرة لسماحة الإسلام، فالإرهاب لن يختفى مهما حاولت المؤسسات التبرؤ من تلك النصوص، بل ولو بلغ الأمر حرق كل الكتب التى تتضمن تلك الأفكار المفاهيم  المتطرفة، أما الحقيقة التى يتجاهلها الجميع عمدا، فهى أننا فشلنا فى ترويج الخطاب الوسطى الذى يعبر عن صحيح الإسلام بصورة عصرية تلائم مستجدات العصر وتناقش قضاياه بأسلوب وخطاب يليق بالدين، وهذه وظيفة المجتمع والإعلام والأئمة.

إن الفهم المتطرف لبعض الاجتهادات والفتاوى ليس بجديد، لكنه موجود منذ  عصر الخوارج، غير أن تلك المفاهيم كانت تختفى فى عصور، وتبرز على السطح وتصبح رائجة فى عصور أخرى، بحسب ظروف ومعطيات كل عصر، رغم أنها هى هى لم تتغير، بل ظلت نصوصها جزءا من التراث.

يقينا أصبحت الحاجة ملحة الآن لتطوير الخطاب الدينى، خاصة بعد أن ربط الإعلام الغربى بين الإرهاب والإسلام، لكن من هم المعنيون بهذا الأمر؟

هل هم «قبضايات» الفيسبوك؟ أو الذين يبحثون عن آيات يتم اقتطاعها من سياقها، للتدليل على وجهات نظرهم لإثبات أنهم مثقفون ودعاة تنوير، وهل لكى تكون مثقفا وتنويريا ومفكرا وغير ذلك من المسميات الأخرى، أن تعبث بالعقيدة الدينية؟ أم أن العلماء والمتخصصين فى الفقه والتفسير والحديث  وحدهم من يقومون بتنقية التراث وتطوير الخطاب وفق مستجدات العصر، المقصود هنا، لا يجوز أن نتعامل مع الدين بهذا السفه وبتلك الصورة التى تدهس الثوابت بمزاعم متنوعة، كما يجب على الذين تصدوا بدون وعى لتلك القضية الشائكة أن ينظروا التى التطور الهائل الذى طرأ على القضايا الفقهية والأحكام الشرعية فيما يتعلق بالعديد من الأمور الحياتية التى تخص المجتمع، مثل خروج المرأة للعمل، وتوليها الوظائف العامة والترشح فى الانتخابات، وغير ذلك، فضلا قيام الأزهر، لاحظ الأزهر وليس سواه بتدشين مركز التجديد والتراث بالأزهر، والذى يضم علماء ومتخصصين فى مجالات متنوعة لمناقشة كل ما يستجد من قضايا وأمور دينية وحياتية وإنزال النصوص الدينية عليها بما يخدم مقاصد الدين وينفع الناس


مقالات مشتركة