الحكومة تنفي عودة عمل الموظفين بنظام ( الأونلاين ) يوم واحد أسبوعيًا       أخبار سارة .. المركز القومي للبحوث ينجح في إنتاج مُخصب حيوي يزيد إنتاج المحاصيل الزراعية       وزير الإسكان : الدولة لن تسمح مرة أخرى بالبناء غير المخطط والعشوائي والمخالفات       التفاصيل الكاملة لزيارة وفد قيادات الأوقاف ل شيخ الأزهر       الحكومة: الخميس 25 يوليو إجازة رسمية بمناسبة ذكرى ثورة 23 يوليو       خطة حكومية لزيادة الاستفادة من العلماء والباحثين المصريين في الخارج       بالأرقام الرسمية .. 50 مليون زيارة من السيدات لتلقي خدمات الفحص والتوعية ضمن مبادرة دعم صحة المرأة       اللجنة الخاصة المشكلة بمجلس النواب لدراسة برنامج الحكومة الجديدة تختتم أعمالها اليوم       تفاصيل مشاركة الأهلى فى أعمال الجمعية العمومية لرابطة الأندية الأوروبية       وزارة المالية : الدولة ليس من دورها إدارة الأصول العقارية       أخبار سارة للموظفين.. المالية تعلن تبكير صرف مرتبات شهر يوليو 2024  
جريدة صوت الملايين
رئيس مجلس الإدارة
سيد سعيد
نائب رئيس مجلس الإدارة
د. محمد أحمد صالح
رئيس التحرير
محمد طرابية

سيد سعيد يكتب   2020-02-25T14:01:21+02:00

يا عزيزى.. كلكم ( شواكيش )

سيد سعيد

 

قبل أيام انشغل رواد مواقع التواصل الاجتماعى ومقدمو برامج التوك شو بظاهرة مطربى المهرجانات، على خلفية حفل أقيم بستاد القاهرة دون أن يعرف أحد مناسبته أو من الذى ينظمه، وبعيدا عما جرى من أفعال مشينة وأغان هابطة وإسفاف وابتذال وكلمات تعبر عن معانى جنسية، أيقظ الحفل الغضب المكتوم فى النفوس، فتعالت الأصوات الرافضة للعبث بالوعى وتدمير قوة مصر الناعمة.

جاء رد فعل نقابة الموسيقيين حاسما، بمنع تلك الفئة من الغناء، وهو قرار إيجابى يتناغم مع رغبات غالبية الشرائح المجتمعية، التى عبرت عن استيائها من تنامى ظاهرة المطربين العشوائيين، لكن هل ينجح قرار المنع فى التصدى لتلك الظاهرة؟ أم هناك وسائل إعلامية أخرى لا تطالها قرارات المؤسسة النقابية، ستساهم فى استمرار هذه الفئة ورواجها.

ما بين رافض للظاهرة بصورة واضحة ولديه مبرراته الموضوعية، ومؤيد لها على استحياء حفاظا على مصالحه الشخصية، سقطت، عمدا، الأسئلة الكاشفة عن تحديد المتورطين فى هذا العبث الذى يجتاح حياتنا.. من المسئول عن تنامى تلك الظاهرة؟ لماذا لا تتدخل مؤسسات الدولة لوأد انتشارها حفاظا على قيم المجتمع وتاريخه وثقافته وحضارته؟ كيف تورط الإعلام فى صناعة نجومية البعض من هؤلاء؟ والأهم، هل وقعنا فريسة لحروب الجيل الرابع من دون أن ندرى؟ وهى الحروب التى تستهدف تفكيك المجتمعات من داخلها، بمحو هويتها وإغراقها فى دوامات الشائعات والمعارك الوهمية.

القضية، حسب ظنى، أكبر بكثير من اختزالها فى السجال الدائر على السوشيال ميديا، وتتجاوز حملات المقاطعة المنتشرة على صفحات مواقع التواصل الاجتماعى لفلان أو علان، لأنها تخص أحد أهم ركائز القوة الناعمة، وهو الفن، لذا فإن التعامل معها بالصورة السطحية التى جرت خلال الأيام الماضية، سيزيد من اتساع مساحة الفوضى، وبالتأكيد ستكون التداعيات كارثية على مستقبل هذا البلد، خاصة أن الدولة لم تدل بدلوها وتحسم الجدل، وتعلن أنها ستتصدى لهذه الظاهرة، لكنها تركت الأمر للمتنافسين على التريند بالهاشتاج، وكأنها فى انتظار النتائج لتعلن موقفها الرسمى، كما أنها لم تعلن دعمها لقرار نقابة الموسيقيين، وهى مؤسسة رسمية، معنية بالحفاظ على الذوق العام.

إن تفكيك المجتمعات ليس بالتناحر المجتمعى أو الاقتتال الداخلى فقط، إنما بمحو ثقافة الشعوب وتضليل العقول والتأثير السلبى على الوعى بالشائعات، وتدمير الهوية، وأظن وبالطبع ليس كل الظن حرام، أن كل هذه العناصر موجودة ومتوافرة الآن على أرض الواقع، وتلعب السوشيال ميديا الدور الأهم فى تناميها، باعتبارها أحد أهم أدوات تلك الحروب، والكارثة أن الفضائيات تدور فى نفس الفلك بصورة تنم عن جهل وعدم وعى.. السوشيال ميديا تصنع التريند، ولا نعرف إذا كان الترتيب صحيحا أم كاذبا، خاصة فى ظل وجود عناصر ومؤسسات تحكم وتتحكم فى مؤشر صعود وهبوط الـ«تريند»، بما يعنى أن التسويق يمكن شراؤه، أما البرامج الفضائية فتمارس الصياح وتصنع الضجيج، عن الأغانى الأعلى مشاهدة، والمطرب الأكثر جماهيرية، والنتيجة هى صعود نماذج لا علاقة لها بالفن على حساب رسالة الفن، مثل حسن شاكوش، وحمو بيكا وخرزة وكزبرة وبقية من يطلقون عليهم مطربى المهرجانات.

بالمناسبة، أنا لا أعرف حسن شاكوش، ولم أتقابل يوما ما مع حمو بيكا، وغيرهما من بقية الأسماء التى يطلقها الـ«صيع» على النواصى، لكن لا يمكن لى أو لغيرى إنكار أن هذه النوعية اخترقت حياتنا بطريقة بها من الفجاجة ما يثير الاشمئزاز، الاختراق تم علنا تحت سمع وبصر كل المعنيين بالحفاظ على القيم، وبمباركة وتشجيع من إعلام بليد وإعلاميين سطحيين ليس لديهم وعى أو رؤية، فقط يبحثون عن التسويق وجذب الإعلانات، عبر «هرتلات» يطلقون عليها أغانى، وهى بعيدة تماما عن الغناء والطرب، لما تحويه من كلمات ساقطة وإيحاءات جنسية وخلاعة فى الأداء.

يقينا هناك أزمة حقيقية وإن لم نعترف بوجودها، فإننا، بالضبط، كمن يدفن رأسه فى الرمال، الأزمة تتلخص فى أن الدولة تخلت عن دورها فى رعاية الإبداع وحماية المبدعين، وتركت الساحة مفتوحة أمام التجار، يرتكبون كل الموبقات تحت لافتة الفن، بدون رقابة حقيقية، فتراجع الفن الحقيقى وتوارى المبدعون بعيدا عن الأضواء، لذا لم يكن غريبا أن تجد البعض يدافع عنهم من باب أكل العيش، باعتبار أن الفن «سبوبة»، إن التراخى فى مواجهة تلك الفئة بمبررات إنسانية على طريقة «أكل عيش»، أو تسويقه فى استثمار الـ«تريند» وما شابه ذلك، هو بداية الانزلاق فى طريق التشجيع على تنامى الظاهرة والوصول إلى ما هو أبشع من الذى نراه، ولنا فى التأكيد على ذلك ألف دليل ودليل، عندما تم التغاضى عن انتشار ظاهرة البناء المخالف فى المدن الكبرى، وتبوير الأراضى الزراعية فى الريف، انتشرت العشوائيات مثل الورم السرطانى فكانت لها تأثيراتها السلبية من النواحى الأمنية والاجتماعية والاقتصادية، ناهيك عن المليارات التى تتكبدها الدولة للقضاء على تلك الأزمات التى صنعت على مرأى ومسمع من كل الجهات الرسمية، ولم تحرك ساكنا، أيضا ظاهرة التوك توك، تركناها تنتشر، وعندما تفاقمت المشكلات بسببها رحنا نبحث عن حلول، وقطعًا ستدفع الدولة تكلفة الحلول، فى حين أن الأمر هنا لا تجدى معه تكلفة، لأنه متعلق بالوعى والهوية فلو تركناه على هذه الحالة ستكون النتائج كارثية.

علينا الاعتراف بأن السنوات السابقة شهدت تسللا لمفاهيم دخيلة على مجتمعاتنا، فتسلل من خلالها الفهلوية إلى العديد من المجالات المرتبطة ارتباطا وثيقا بالوعى، الصحافة والإعلام والفن والثقافة والرياضة وللأسف تمكن المتسللون من النفاذ إلى عقول أصحاب القرار، فولوهم أمور نشر الثقافة والفكر والوعى، وهم فى حاجة إلى فهم تلك الأمور، لا أن يتولوها، لذا يمكن التأكيد على حقيقة، مفادها أن المدافعين عن حسن شاكوش، لا يقل أى منهم عنه فى الجهل بالقيم، ففى إطار العشوائية التى سادت سنوات طويلة أصبح هؤلاء بقدرة قادر، جهابذة ونقاد وعباقرة فى كل شيء من السياسة إلى الاقتصاد ومن الفنون إلى الرياضة، صاروا، يتصدرون المشهد بكل مفرداته، بدون أى موهبة تؤهلهم، سوى أنهم يجيدون وببراعة أكثر أنواع الفن رواجا وهو فن التملق والنفاق، وبيع الهواء فى زجاجات، فخرج حسن شاكوش لائقا بزمنهم.. من بين ما يروجه المتسللون لمجالات التنوير، فى إطار الدفاع عن الغناء الرخيص، إنها حرية إبداع، يروجون هذا من دون إدراك بأن مفهوم ومعنى الحرية لا يعنى الفوضى، ولا يعنى أن تفعل ما تريد، إنما هى التزام بالقيم التى استقر عليها المجتمع، وتمثل تقاليده وأعرافه السائدة، قبل أن توجد القوانين، كما أن الحرية لا تعنى الاستهتار بمصائر الآخرين أو هتك عرض المجتمع واعتباره فنا، والتكريس لأساليب البلطجة واستخدام الألفاظ المنبوذة فى الأغانى.

الفن بكل صنوفه «موسيقى، سينما، مسرح»، هو أحد أدوات القوة الناعمة التى تؤثر بصورة إيجابية فى نشر ثقافة المجتمعات والنفاذ من خلالها لعقول الشعوب الأخرى، هو تشريح للواقع بأساليب إبداعية ورؤية حالمة بمستقبل أفضل، هو وسيلة ندق بها ناقوس الخطر لمحاربة الظواهر السلبية، لكن ما نراه على مواقع التواصل الاجتماعى أو على شاشات السينما والفضائيات، لا يندرج تحت لافتة الفن لا من بعيد أو قريب، ولا يوجد له وصف على الاطلاق، لأننا ببساطة نرى ترسيخا للظواهر التى يجب التصدى لها، مثل البلطجة والفهلوة والعرى والأغانى الهابطة والكلمات المبتذلة التى تتضمن إيحاءات، بل ألفاظا جنسية، تتنافى مع قيم الشعب المصرى.

إن هذه القضية، ليست بالهينة، ولا يجب التعامل معها بقدر من اللامبالاة، فهى من فرط خطورتها، ستكون لها آثارها السلبية على الأجيال القادمة، خاصة أن شرائح عمرية مختلفة، غارقة فى الجهل والأمية لأسباب متنوعة، منها فشل منظومة التعليم، غياب دور الأسرة، تراجع الإعلام عن رسالته الإرشادية والتوعوية، غياب الفن الراقى الهادف وهو ما أدى فعلا لانجذاب شرائح واسعة نحو هذا الشاكوش وأمثاله.

 يا سادة إن النهضة التى نراها بأعيننا ونلمسها فى مجالات متنوعة داخل الدولة، لا يمكن أن تحقق نتائج إيجابية إلا إذا وجدت إرادة قوية للارتقاء بالمجالات الأخرى المهملة رغم أنها الأهم وأعنى هنا الفنون والآداب والارتقاء بالذوق العام، لتنشئة أجيال قادرة على التعاطى مع قضايا المجتمع بكل مفرداتها، وهذا لن يحدث إلا بإصلاح شامل ومتناغم على كافة المستويات، وأيضا لا بد أن تتدخل الدولة بكل ثقلها فى رعاية الفن الهادف القادر على تشكيل الوعى بالطبع لا يوجد من يسعى إلى قطع الأرزاق أو من يقف فى طريق أكل العيش وكل الكلام الإنسانى الرائع، الذى يسعى البعض لترويجه، لكننا ضد الابتذال وتدنى الذوق، ضد الأغانى الهابطة التى يرقص الجهلة على إيقاعها، ضد أن يسمعها أبناؤنا على السوشيال ميديا، وضد أن يسمعها الكبار وهم مجبرون فى التوك توك، فى الميكروباص، فى الفضائيات العشوائية أو تداهمنا على مواقع التواصل الاجتماعى، ففى المقابل يجب أن نترك تجار المخدرات يروجون بضاعتهم، ونترك تجار اللحم الرخيص يمارسون نشاطهم ويجب ألا تتحرك أجهزة الدولة لملاحقتهم، لأن ما يفعلونه يندرج تحت أكل العيش فى النهاية نستطيع القول بأن الجهل وعدم الدراية بقيمة الفن ودور الفنان داخل مجتمعه، وراء الغرور المصاحب لهوس الشهرة، فالدخول فى قائمة المليونيرات والسيارات الفارهة والفيللات أصابت بعضهم بهستيريا، فراحوا يتصرفون وكأنهم مجانين يتباهون بما امتلكوا، ولو توقفنا أمام ظاهرة محمد رمضان، سنجد أنه نموذج صارخ للغرور والاستهتار والجهل بمسئوليته كفنان، سنجده غارقا فى الابتذال، غير عابئ بحجم الانتقادات الموجهة له ولممارسته، فهو لم يدرك حجم المسئولية الثقافية والاجتماعية والإنسانية التى تقع على عاتق الفنان، الفنان الحقيقى، باعتباره قدوة لمجتمعه وجمهوره، ومسئول عن نشر الوعى، فهو المرآة التى تعكس هوية وحضارة بلده لكنه انحرف عن مهمة الفنان ودوره التنويرى، وانزلق فى دنيا الجنون.


مقالات مشتركة