الحكومة تنفي عودة عمل الموظفين بنظام ( الأونلاين ) يوم واحد أسبوعيًا       أخبار سارة .. المركز القومي للبحوث ينجح في إنتاج مُخصب حيوي يزيد إنتاج المحاصيل الزراعية       وزير الإسكان : الدولة لن تسمح مرة أخرى بالبناء غير المخطط والعشوائي والمخالفات       التفاصيل الكاملة لزيارة وفد قيادات الأوقاف ل شيخ الأزهر       الحكومة: الخميس 25 يوليو إجازة رسمية بمناسبة ذكرى ثورة 23 يوليو       خطة حكومية لزيادة الاستفادة من العلماء والباحثين المصريين في الخارج       بالأرقام الرسمية .. 50 مليون زيارة من السيدات لتلقي خدمات الفحص والتوعية ضمن مبادرة دعم صحة المرأة       اللجنة الخاصة المشكلة بمجلس النواب لدراسة برنامج الحكومة الجديدة تختتم أعمالها اليوم       تفاصيل مشاركة الأهلى فى أعمال الجمعية العمومية لرابطة الأندية الأوروبية       وزارة المالية : الدولة ليس من دورها إدارة الأصول العقارية       أخبار سارة للموظفين.. المالية تعلن تبكير صرف مرتبات شهر يوليو 2024  
جريدة صوت الملايين
رئيس مجلس الإدارة
سيد سعيد
نائب رئيس مجلس الإدارة
د. محمد أحمد صالح
رئيس التحرير
محمد طرابية

سيد سعيد يكتب   2020-03-12T07:06:36+02:00

انتبهوا فيروس الشائعات أشد فتكاً من كورونا

سيد سعيد

 

لا يجرؤ أحد على إنكار حالة الهلع والرعب التى تجتاح شعوب وحكومات العالم من شماله إلى جنوبه ومن شرقه إلى غربه، جراء انتشار فيروس «كورونا» المسبب لمتلازمة الشرق الأوسط وفق المصطلح العلمى لمنظمة الصحة العالمية، إلا أن ما يحدث على المستوى الشعبى فى مصر لا علاقة له بأى مسئولية مجتمعية تتعلق بالهلع أو الرعب، بل هو شىء لا يمكن وصفه، لم يكن خوفا بالمعنى التقليدى المتعارف عليه، إنما هو إن شئنا الدقة، مرض عضال، تداعياته كارثية على المستويات الاقتصادية والسياسية والمجتمعية، كل من لديه حساب على أى من مواقع التواصل الاجتماعى «فيسبوك، تويتر، يوتيوب» صار خبيرا لا يشق له غبار فى كل المناح، السياسية والدينية والعسكرية والطبية، وما يستجد من علوم ومعارف، الغالبية أصبحوا «أبو العريف زمانه» يفتون فى كل شئ، يعرفون ما يجرى فوق السطح وما يدور تحت الأرض، يفسرون تصريحات الحكومة على عكس مراميها، بالضبط كمن يبحث عن آية فى القرآن توافق هواه لتكفير غيره.

حالة الاستهتار التى تجتاح مواقع التواصل الاجتماعى حول «كورونا»، تعبر بجلاء عن تفشى وباء أشد فتكا من الفيروس اللعين، وهى الشائعات والتكهنات البعيدة عن أى منطق، وجميعها تشتت العقل وتقود إلى انعدام الوعى، وتجعل الشرائح المجتمعية البسيطة فى خندق المشككين والمنحازين إلى المتربصين باستقرار البلاد، فمنذ اللحظة الأولى للإعلان عن تفشى الفيروس فى الصين، استغل المغرضون مبادرة الحكومة وتحركها السريع لحماية مواطنيها المتواجدين هناك، وجدوا فى إيجابية الدولة واحترامها لمسئولياتها، منطلقا للتشكيك وصناعة أزمة من العدم، دارت ماكينة صناعة الشائعات فى الإعلام المشبوه «فضائيات قطر واسطنبول»، ووجدت مناخا ملائما لها فى السوشيال ميديا، بنشر قصص وحكايات ليس لها وجود على أرض الواقع، فما أن تعلن دولة ما عن اكتشاف حالة أو حالات، حتى يسارع الفهلوية بنشر الأكاذيب، من عينة أن الحالات المشتبه فيها قادمة من مصر، وكأن مصر هى مصدر الوباء، وبالرغم من أن منظمة الصحة العالمية نفت مرارا وتكرارا تلك الأكاذيب، إلا أن «أبو العريف» يصر على ادعاءاته ويصر على أن نصف المصريين سيشملهم الموت من الفيروس وأن الحكومة تتستر على الحالات، بلوغا لما يفهم منه أن الحكومة هى من صنعت «كورونا» ونشرته فى العالم، ناهيك عن التعامل بسخف فى إطلاق النكات والسخرية، برغم أن الأمر جدى وخطير ليس على المصريين، إنما كل بلدان العالم، باعتباره الوباء القادر على تدمير البشرية، لا فرق بين العالم المتقدم أو النامى أو البلدان التى تعيش فى عصور الأزمنة السحيقة، المخاوف فى هذه الحالة عالمية، بمعنى أكثر دقة، لا تستطيع حكومة فى أى دولة على اتساع الكرة الأرضية، أن تتستر أو تقوم بالتعتيم على وجود ولو إصابة واحدة لأحد مواطنيها أو زائريها، خاصة إذا علمنا أن منظمة الصحة العالمية تراقب من خلال مكاتبها بكل العواصم حالة الاستنفار الرسمى لمحاصرة الوباء.

فى تقديرى أن التشكيك فى مصداقية الحكومة على شبكات التواصل الاجتماعى بهذه الطريقة غير المسئولة أشد فتكا من فيروس كورونا، لأنه يستهدف انهاك قدرات الدولة السياسية والاقتصادية، لذا يجب فى إطار التعامل المسئول مع الأمور التى تستدعى استنفارا شعبيا ورسميا، أن نقف جميعا فى خندق واحد، لأن الخطر يهدد الجميع، وهذا القول ليس من باب الدفاع عن الحكومة بقدر ما هو اتساق مع ضروريات الواقع، والتزاما بالمسئولية.

نعم، ربما يكون هناك عدم رضا على سياسات الحكومة، يستوجب معارضتها وانتقادها، لكن المعارضة الإيجابية تستوجب فى المقابل دعم الحكومة، حال انتصارها للمسئولية الملقاة على عاتقها، بما يعنى أنها اتخذت خطوات للصالح العام، ومن هذا المنطلق، لا أستطيع إغفال أن الدولة المصرية تعاملت بجدية تفوق تعامل أى دولة أخرى مع الفيروس المرعب، منذ لحظة الإعلان عن انتشاره فى مدينة ووهاى أكبر المدن الصناعية فى الصين، وهى القبلة التى يرتادها التجار والمستوردون، والوكلاء للمنتجات الصينية، الدولة لم تكتف بالمتابعة أو تكليف البعثة الدبلوماسية بالاطمئنان على المصريين الموجودين هناك، لكنها اتخذت خطوات متسارعة، وأرسلت بعثة طبية على متن طائرة لإنقاذ مواطنيها فى ظل الحظر الرسمى للأجواء الصينية، كما أنها أرسلت وزيرة الصحة على رأس وفد من خبراء مكافحة الفيروسات إلى الصين، لمعرفة آخر التطورات البحثية حول الفيروس فى المعامل البحثية الصينية، لكن قوبل هذا التصرف المسئول بتعامل غير مسئول على مواقع التواصل الاجتماعى.

مع بداية ظهور كورونا، تناثرت التقارير على المواقع الإلكترونية، جميعها يذهب لتأكيد أن الفيروس الذى يجتاح العالم على اتساع الكرة الأرضية، هو فيروس تخليقى، جرى ابتكاره فى معامل الأبحاث العسكرية، باعتباره أحد أدوات أو وسائل الحروب البيولوجية، لإنهاك الخصوم باستهداف الصحة وما يلى ذلك من إنفاق على الأمصال، بما يؤدى إلى الفقر والجهل.

التسريبات جرى تداولها على نطاق واسع فى إطار نظرية المؤامرة، وأنا هنا لا أنفى وجود المؤامرة باعتبارها أحد وسائل الحروب الخفية، خاصة أن بعض المواقع تداولت ما يطلق عليه تسريبات عن ظهور براءة اختراع أمريكية مسجلة منذ عام 2015، مفادها أن الاختراعات الأمريكية تضمنت لقاحات وأمصال ودراسات لمواجهة فيروس «كورونا»، وبالتالى فإن الولايات المتحدة الأمريكية تمتلك الوقاية منه والعلاج، وأنها نشرته فى الصين وإيران كوسيلة لجني الأرباح المقدرة بالمليارات لصالح شركات الدواء، وهى إن شئنا الدقة فى توصيفها، شركات عابرة للقارات ومؤثرة فى صناعة القرار الدولى، ساهم فى تنامى قصة براءة الاختراعات الأمريكية لأمصال أو ترياق لهذا الفيروس اللعين أسباب عدة، سنوردها، ومعظمها يرقى لمستوى المصداقية، هذا لو علمنا أن أكثر الدول تضررا من انتشار الفيروس حتى الآن هما الصين وإيران، ما بين حالات إصابة وأخرى وفيات ثم انتقل الوباء إلى الهند، وهذه البلدان فى صراع اقتصادى وسياسى مع واشنطن، الصين بلد يصعد اقتصاديا وعلميا بخطوات متسارعة، تهدد القوى الاقتصادية الأكبر فى العالم، وإيران فى صراع معلن وخفى مع أمريكا والهند كذلك، تتزامن هذه الحروب مع خروج دراسات وأبحاث دولية تؤكد أنه فى عام 2030 ستحتل الصين المركز الأول اقتصاديًا، تليها الهند، وتأتى أمريكا فى المركز الثالث، ويليها روسيا وإندونيسيا ومصر والتى ستحتل المركز السادس اقتصاديا ضمن النسور العشرة، وقد خرجت من البنك الدولى وثيقة بالتعاون مراكز إنجليزية كندية تؤكد نفس المعنى، وبالتالى ستكون دول أوروبا الأكثر تضررا، ودول الخليج الأقل ضررا، لذا لم يكن غريبا أن حرب الشائعات استهدفت مصر من تركيا وقطر، والتى ظهر فيهما الفيروس وسجلوا حالات تفوق المتوقع والمعلن، لم يهتموا بشأنهم، ومازالوا يروجون الشائعات حول ظهور الفيروس فى مصر.

الحديث عن تورط أمريكا فى نشر الفيروس، ارتبط بعدم اعلان اسرائيل تسجيلحالات، ما ساهم فى تنامى الحديث عن تورط الصهيونية العالمية فى كل ما يحدث لأنها تريد التحكم فى موازين القوى فى العالم، وفى هذا السياق لا يمكن استبعاد تلك الجزئية، بالنظر إلى حالة الهوس التى تجتاح مواقع التواصل الاجتماعى، باعتبار أن الصهيونية العالمية هم صناع حروب الجيل الرابع والخامس.

حتى لحظة كتابة هذا المقال، يمكن التأكيد على جملة من الحقائق، مفادها أنعدد مصابى كورونا فى العالم تجاوز 150ألف مصاب، مات منهم ما يقارب أربعة آلاف شخص، ونحو 40 ألفا تم شفاؤهم، وهذه الأعداد رغم ضخامتها قابلة للزيادة، هذا إن تبددت مصداقية المعلومات المتناثرة عن انحسار الفيروس مع بداية ارتفاع درجات الحرارة فى الشهور المقبلة.

الحقيقة التى يعرفها الصغير قبل الكبير فى كل قارات العالم أن الفيروس انطلق فى «الصين» ومنها لبقية دول العالم، الأمر الذى دفع منظمة الصحة العالمية إلى التدخل، باعتبار «كورونا» وباء عالميا، يتطلب مساهمة دولية للحد من انتشاره ومحاصرته بما يمهد القضاء عليه.

بالطبع القضية مقلقة، وتتلخص المخاوف من انتشاره وبلوغ الإصابات لأرقام مزعجة ومخيفة، هذا على مستوى حالة الاستنفار المرتبط بالصحة والبحوث العلمية والطبية والأساليب التوعوية، لكن على الجانب الآخر من تلك الكارثة العلمية، هناك تداعيات مترتبة عليها، وهى تداعيات سياسية واقتصادية، هناك دول كبرى، قطعا ستثتثمر الفرص الناتجة عن الأزمة الدولية، خصوصا أن الأزمة تنتشر فى الصين الدولة الأكثر صعودا وسيطرة دوليا فى المجال الاقتصادى.

بالنظر الى تداعيات تفشى الفيروس الغز، سنجد أن الصين استيقظت على كابوس مرعب، وأصبح عليها أن تحارب «كورونا» صحيا وسياسيا، كما أن المتابع لما يجرى وفق التقارير الصادرة عن كمنظمة الصحة العالمية، لا يستطيع إنكار هذه الحقيقة ولا ينكر أنها سخرت كافة إمكاناتها فى إطار سباقها مع الزمن لمواجهة التحديات، لأنها تدرك الحقيقة المرة وتعمل علة تلاشيها، وهى إذا بقى الفيروس منتشرا بهذه الطريقة حتى منتصف عام 2020م، فسوف تبدأ الصين بدفع الثمن الفعلى لانتشاره.

فى السياق ذاته أصبح من المؤكد أن الغرب الذى يتصارع تجاريا مع الصين وتحديدا أمريكا يراقب يوميا أرقام انتشار هذا الفيروس، كما أن جهوده فى البحث عن لقاح سريع وفعال لا تسير بسرعة طبيعية، بما يعنى أن أمريكا تدرك تأثيرات «كورونا» السياسية، وهو ما يتم انتظاره فعليا، باعتبار أن إطالة أمد الأزمة سوف يخلق بدائل اقتصادية وتجارية كبرى، خصوصا فى دولة مثل الهند، وربما يؤثر هذا المرض إن استمر طويلا فى تراجع النمو الاقتصادى فى الصين.

أوردت تلك التفاصيل التى دمجت فيها المعلومات بالتحليل، للتأكيد على أن الأزمة عالمية، حتى لا يتطوع أصحاب الفتاوى بقصرها على مصر، وحتى يتأكد للجميع أن الدولة المصرية تعاملت بمسئولية مع هذا الشأن، وهذه المسئولية تدحض كافة الهرتلات المتداولة هنا وهناك.

الصين تحارب الفيروس صحيا وسياسيا، وإذا نجحت وقضت عليه، سيكون هذا مؤشرا دوليا على أن التنين الصينى يرجع وبقوة ليتربع على منظومة الاقتصاد الدولى، وقد تكون نهاية هذا العقد منصة تتويج الصين قائدا اقتصاديا، ولكن ذلك مشروط باجتياز الاختبار المدعو «كورونا».

أما على المستوى السياسى، فإن أمريكا سوف تستغرق كثيرا من الوقت خلال هذا القرن فى السيطرة على العالم سياسيا، حيث إنها تريد أن تكسب اقتصاديا وسياسيا أمام الصين، لكن تجاوز الصين للأزمة إذا تم وبشكل سريع فسوف يغير كثيرا من المعادلات، وهذا ما يجعل العالم ينظر إلى كورونا الحقيقة السياسية أكثر من كورونا الحقيقة الصحية، ليبقى السؤال: هل الصين قادرة على إثبات تفوقها أم يتعثر تطورها فوق عتبات فيروس كورونا؟


مقالات مشتركة