البنك المركزي يكشف أسرار تراجع معدلات التضخم       الداخلية تعلن القبض على المتهم في واقعة العبارات المسيئة على شاشة فيصل       الحكومة تنفي عودة عمل الموظفين بنظام ( الأونلاين ) يوم واحد أسبوعيًا       أخبار سارة .. المركز القومي للبحوث ينجح في إنتاج مُخصب حيوي يزيد إنتاج المحاصيل الزراعية       وزير الإسكان : الدولة لن تسمح مرة أخرى بالبناء غير المخطط والعشوائي والمخالفات       التفاصيل الكاملة لزيارة وفد قيادات الأوقاف ل شيخ الأزهر       الحكومة: الخميس 25 يوليو إجازة رسمية بمناسبة ذكرى ثورة 23 يوليو       خطة حكومية لزيادة الاستفادة من العلماء والباحثين المصريين في الخارج       بالأرقام الرسمية .. 50 مليون زيارة من السيدات لتلقي خدمات الفحص والتوعية ضمن مبادرة دعم صحة المرأة       اللجنة الخاصة المشكلة بمجلس النواب لدراسة برنامج الحكومة الجديدة تختتم أعمالها اليوم       تفاصيل مشاركة الأهلى فى أعمال الجمعية العمومية لرابطة الأندية الأوروبية  
جريدة صوت الملايين
رئيس مجلس الإدارة
سيد سعيد
نائب رئيس مجلس الإدارة
د. محمد أحمد صالح
رئيس التحرير
محمد طرابية

سيد سعيد يكتب   2020-03-24T21:38:38+02:00

( كورونا ) يكشف هشاشة النظام العالمى الجديد

سيد سعيد

 

لم يكن العنوان تعبيراً عن رؤية حالمة، أو أمنية شخصية دفينة، لكنه حقيقة لا يستطيع أحد إنكارها أو تجاوزها لهوىً فى نفسه، فالفيروس اللعين وضع العالم كله فى مأزق، وكشف هشاشته.. الحكومات تتخذ إجراءات صارمة للحد من تفشى الوباء وتقرر حظر تجوال نحو مليار إنسان، وعزلهم فى منازلهم.. الجيوش وقوات الشرطة تنتشر فى العواصم والمدن لتنفيذ قرارات الحجر الصحى العام.. المختبرات العلمية تسابق الزمن من أجل التوصل إلى أدوية وأمصال تكبح جماح القاتل المجهول الذى بات يهدد بقاء البشرية..البنوك والمصارف المركزية فى كل بلدان العالم تضخ عشرات التريليونات من الدولارات، لمواجهة الكارثة.

لا حديث، الآن، يتصدر وسائل الإعلام الدولية، إلا عن «كورونا» الذى يواصل انتشاره بشراسة، فى ظل عدم التوصل إلى علاج، وعدم دراية أى دولة بأى تفاصيل حول الوباء، وما يتم تناقله عن الاكتشافات هنا وهناك، جميعها مجرد اجتهادات علمية، لا ترقى لمستوى اليقين، خاصة أن منظمة الصحة العالمية، أكدت فى بيان رسمى لها، أن التوصل إلى علاج فعال لن يتم قبل عام، واعتبرت أن الأمر ليس مستحيلاً، لكن البيان ينفى الأساليب التسويقية للشركات عابرة القارات، ما يزيد الأمر ارتباكا. 

أعتى الإمبراطوريات العسكرية والاقتصادية تركع، الآن، بلدان القارة العجوز تتخبط، والولايات المتحدة الأمريكية بكل صلفها وطغيانها تعجز عن تلبية الاحتياجات الطبية الأولية، جراء تزايد أعداد المصابين، ليس لديها رغم تطورها العلمى والتقنى أى أجهزة أو معدات للكشف عن المرض، ولم تعد قادرة على استيعاب تزايد أعداد المصابين، سواء فى المستشفيات أو غرف الرعاية المركزة، أو أجهزة التنفس الصناعى أو الأمصال، فكلفت الجيش بإعداد مستشفيات ميدانية لمواجهة التزايد المستمر فى أعداد المرضى «29 ألفاً» حتى الآن، مع إجراءات العزل الصحى فى عدد من الولايات، كما أعلن «ترامب» أن ولاية نيويورك منطقة كوارث جراء الوباء العالمى، لتتحول المدينة الصاخبة بالحياة إلى مدينة أشباح، فتم حظر التجمعات وإغلاق المطاعم ودور السينما والعديد من الأنشطة.

 ليس هناك كبير يخشى الفيروس الاقتراب منه فهو لن يفرق بين حاكم أو محكوم لا ظالم ولا مظلوم، غنى أو فقير، دولة متقدمة أو نامية، الجميع دون استثناء فى مرماه، الجميع متساوون فى الرعب والعجز، فالموت يزأر بشراسة فى أرجاء المعمورة، يتسلل من أبواب القصور العتيقة، والشوارع الشهيرة، والعواصم التى يقصدها المترفون، البيوت الفقيرة والأزقة والحوارى الضيقة، الوباء يجتاح 163 دولة فى العالم، حيث بلغ عدد المصابين بالفيروس حتى لحظة كتابة هذا المقال، 300 ألف، وعدد الوفيات 12 ألفاً، والأنباء المتواترة تشير إلى أن الوتيرة تتصاعد بصورة مذهلة، فضلاً عن الخسائر الاقتصادية على مستوى العالم، والتى بلغت نحو 20 ترليون دولار، والرقم مرشح للتزايد بحسب ما تسفر عنه الأسابيع القليلة القادمة.

عندما تناولنا فى مقالنا السابق، أن الشائعات واختلاق الأكاذيب والاستهتار بالخطر، والاستهزاء على مواقع التواصل الاجتماعى بأداء الحكومة، أخطر بكثيرمن «كورونا»، لم يكن من قبيل ترف الكتابة فى موضوع بات يشغل اهتمام العالم من أقصاه إلى أقصاه، إنما للاشتباك بقضية جوهرية تتعلق بالتغير غير المألوف فى سلوكيات البعض أثناء الأزمات والحروب والكوارث، وهو تغير لو تعلمون سلبى ومنبوذ، ولا يليق بموروثنا الثقافى، وهذا كاف لأن نتوقف أمامه بالتحليل الموضوعى، فلم يكن يوما من شيم المصريين، أن تخرج من بينهم أصواتا نشاز، تهدف الاحباط والتشكيك فى قدرة الدولة على إدارة الأزمات فى وقت الأزمات، ولم يكن مألوفاً فى أدبيات الشعب المصرى الانسياق وراء الخطاب المعادى الهادف تشتيت الجبهة الداخلية وإبعادها عمدا عن التناغم مع مؤسسات الدولة وقت الأزمات.

حين تحدثنا عن ضرورة الاصطفاف، كنا نستشعر الخطر، لكن فريقاً من «المطبلاتية» كان يستهين بالأمر ويتعامل بمزاح مشيرا إلى أن مصر خارج دائرة الخطر، وللأسف هذا الفريق محسوب على النخبة المعنية بتوعية المجتمع، لكن لأنهم قصيرو النظر ولا يملكون أى رؤية، لم يفرق أى منهم بين صمت الحكومة أو رضاها، تعاملوا باستهتار، وعندما شعروا أن أجهزة الدولة ومؤسساتها، تدير الأزمة باحترافية ومن دون ضجيج، وأن الأمر برمته موضع اهتمام من القيادة السياسية والمؤسسات، سرعان ما انقلبوا على آرائهم ومارسوا أسلوبهم البغيض فى التطبيل، وعندما بادرت الحكومة وبقدر هائل من الشفافية بالإعلان عن توخى الحذر، بهدف الحرص لا التخويف، غيروا من موجة الاستهتار إلى موجة أخرى.

من لا يدرك أن الدولة المصرية فى حالة حرب متنوعة المقاصد ومتعددة الجبهات، فهو لا يعيش فى واقعنا، البلد تخوض حربا ضد الإرهاب، حربا ضد عدو غير مرئى، عدو جعل العالم يركع أمامه بلا هوادة، لذا فإن القضية الأساسية الآن هى التوعية وتكريس الثقة فى أداء مؤسسات الدولة، التى كانت وما زالت على مستوى الحدث، وعلى قدر المسئولية فى إدارة الأزمة، فهى لم تتوان لحظة واحدة فى إظهار الحقيقة أولا بأول عبر الجهات الرسمية ممثلة فى مجلس الوزراء ووزارة الصحة، ولم تتوان فى القيام بواجباتها ومسئولياتها تجاه المجتمع، ومن هذه الزاوية، يجب أن يشارك المجتمع بكل فئاته فى التصدى لهذا القاتل بالانصياع لقرارات الحكومة.

يا سادة.. إن القيادة السياسية لم تهون من الأمر، ولم تهول فى إطار حرصها على التوعية بدون تخويف لتجاوز الأزمة بإرادة منضبطة، وخطاب مسئول، عندما وجهت المؤسسات بالعمل على صحة المواطنين مهما كانت التكلفة الاقتصادية، فحياة المواطن وصحته فى المقام الأول، حدث ذلك من دون تخويف، بعكس الخطاب السياسى لمعظم رؤساء العالم فى الأزمة التى اخترقت أسوار العواصم الكبرى، راحوا يعبرون عن حجم الجائحة، ويعبرون عن النتائج الناجمة عنها، فكل دولة شكلت خلية أزمة، رئيس وزراء بريطانيا قال لشعبه «ودعوا أحبابكم» فى إشارة لا تحمل التأويل أو التفسير المغاير لمعنى الكلمة ودلالاتها الواضحة بأن الموت سيطال الجميع محذراً بأن الأسوأ لم يأت بعد وهكذا فعل رئيس وزراء إسبانيا، أما «أنجيلا ميركل» المستشارة الألمانية فقالت فى خطابها لشعبها من دون مواربة أو تجميل بأن 70% من الألمان سوف يتعرضون للإصابة بفيروس كورونا، أو خطاب» ترامب» الذى كشف فيه عن عدم قدرة الدولة الأكبر فى العالم على المواجهة إذا تزايد الخطر، وما بين اتهامه للصين واتهام الصين وإيران لأمريكا بنشر الفيروس التخليقى، يمكن القول بأن السباق فى الفضاء والتسلح، سباق من أجل الدمار وليس إسعاد البشرية.

تواكبت رؤيتنا عن ضرورة التصدى للشائعات مع الإجراءات العملية التى اتخذتها الحكومة، وستتخذها تباعاً ضد كل من ينشر الشائعات المضللة التى تهدف إرباك الدولة وترويع المجتمع، وبالفعل تم القبض على بعض مروجى الشائعات وافتعال الأكاذيب.

المدهش أن مروجى الشائعات فى السوشيال ميديا، لا يعرفون أنهم يقدمون خدمة جليلة لأعداء الوطن، سواء بنقل الشائعة عنهم أو تقديم الأكاذيب إليهم، فهؤلاء يتلقفون الأكذوبة الصغيرة، ثم ينفخون فيها كى تصبح جبلا من الوهم والخداع ونشر الرعب فى صفوف البسطاء، رأينا وتابعنا جميعا حجم التشكيك فى إدارة الدولة للأزمة، وراح البعض من دون رؤية يرددون تلك الشائعات التى أصابت قطاعا كبيرا داخل المجتمع بالرعب، واستطاعت فى نفس الوقت أن تجد لها أرضا خصبة لتنامى وتيرة التشكيك فى الحكومة واتهامها بالكذب تارة، وبالفشل تارة أخرى، لكن ما يدعو للعجب من هذا الصخب المأجور، أنهم يسعون لنشر الأكاذيب التى من شأنها التأثير السلبى على الأوضاع الاقتصادية، رغم أن الدولة تعاملت بكل مؤسساتها منذ اللحظة الأولى مع العدو المجهول بكل جدية، تمثلت فى الاستعدادات والتدابير الاحترازية، والمتابع بدقة لأسلوب الأجهزة المتنوعة فى إدارة الأزمة، سيجد أن الأداء يليق بحجم الكارثة واستقراء تداعياتها على الاقتصاد والصحة وهما من مفردات الأمن القومى لأى دولة.

الفيروس اللعين كشف هشاشة أعتى الدول وفى مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية والبلدان الصناعية الكبرى، التى تتحكم فى الاقتصاد العالمى والمؤثرة فى القرار السياسى، الأزمة أسقطت أوراق التوت عن الغرب والولايات المتحدة الأمريكية وكشفت عورات أنظمة الحكم، فهذه البلدان ظلت تلوح طيلة العقود الماضية بشعارات براقة عن حقوق الإنسان، بهدف الضغط على الحكومات لتحقيق مرامى سياسية واقتصادية، هى ذاتها التى دهست تلك الشعارات بإجراءات عملية وعلنية، ترامب حاول استغلال الأزمة العالمية بصورة فجة، وطلب من إحدى الشركات الألمانية، التى أجرت بحوثا على دواء «مصل» يحد انتشار الفيروس لاحتكاره حصريا لصالح الولايات المتحدة الأمريكية، لذا أصبح السؤال الجوهرى للسائرين فى ركب واشنطن من سماسرة حقوق الإنسان، الذين صدعوا رؤوسنا بالتقارير المشبوهة: هل هى حقوق الإنسان الأمريكى دون سواه؟ وهل الحقوق التى تتبناها هى نشر الفوضى فقط والتدخل فى سيادة الدول؟ أم أن الحقوق الإنسانية لا تتجزأ باعتبار أن الإنسان هو الإنسان فى أى أرض وفى كل زمان؟ ألم تكن المعركة الآن هى معركة الإنسانية، دون تمييز بين البشر، الأبيض أو الأسود، المسلم أو المسيحى أو اليهودى أو البوذى أو اللادينى؟

جانب آخر يجب التوقف أمامه، وهو أن العالم بعد «كورونا» لن يكون نفس العالم قبل الوباء، أو الجائحة بحسب تعبير منظمة الصحة العالمية وأعنى فى هذا المقام أن خريطة السياسة الدولية بتحالفاتها التقليدية، ومراكز ثقلها، ستتغير بصورة جزرية، وهذا ليس من باب ضرب الودع أو قراءة الطالع أو من باب التمنى، إنما بتحليل موضوعوى، يرتكز على جملة من المعلومات والشواهد، تجلت فى قرار الرئيس الأمريكى «ترامب» بإغلاق المجال الجوى مع كل دول القارة العجوز ما عدا بريطانيا، من دون الرجوع أو التشاور مع العواصم الأوروبية الكبرى، مثل «باريس» و«برلين» و«مدريد» وغيرهم، الأمر الذى كانت له تداعيات اقتصادية وخيمة على تلك البلدان، خلفت وراءها مواقف سياسية جرى إعلانها على استحياء، إلى جانب أن كل دولة من العالم المتقدم انكفأت على ذاتها بإجراءاتها الوقائية لصالح شعوبها، والبحث عن وسائل علمية وطبية تقيها شرور التزايد فى أعداد المصابين والوفيات التى بلغت أرقاماً مخيفة، من دون تنسيق مع جيرانها، الاستغاثات التى صدرت من الرئيس الصربى، ولم تجد صدى لدى الحكومات الأوروبية، فقد ظهر الرجل فى برلمان بلاده، مخاطبا شعبه بشفافية مشحونة بالمرارة موضحا، أن أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية تخلوا عن بلاده فى تلك الظروف العصيبة، طلب منهم العون فخزلوه، مشيرا إلى أنه لم يعد أمامه سوى اللجوء إلى الصين كملاذ أخير.

أى إنسانية تلك التى كانت تتاجر بها تلك البلدان عبر العقود الماضية، ألم تكن صربيا من أوائل الدول التى نشرت فيها واشنطن الفوضى تحت شعار التغيير من أجل الديمقراطية، ألم يكن الإنسان الصربى جديراً بالنسبة لواشنطن ولندن، بالحق فى الحياة قبل حقه فى الثورة ضد نظام الحكم فى بلاده، لماذا تركوه يتخبط فريسة لعدو لم يروه..


مقالات مشتركة