البنك المركزي يكشف أسرار تراجع معدلات التضخم       الداخلية تعلن القبض على المتهم في واقعة العبارات المسيئة على شاشة فيصل       الحكومة تنفي عودة عمل الموظفين بنظام ( الأونلاين ) يوم واحد أسبوعيًا       أخبار سارة .. المركز القومي للبحوث ينجح في إنتاج مُخصب حيوي يزيد إنتاج المحاصيل الزراعية       وزير الإسكان : الدولة لن تسمح مرة أخرى بالبناء غير المخطط والعشوائي والمخالفات       التفاصيل الكاملة لزيارة وفد قيادات الأوقاف ل شيخ الأزهر       الحكومة: الخميس 25 يوليو إجازة رسمية بمناسبة ذكرى ثورة 23 يوليو       خطة حكومية لزيادة الاستفادة من العلماء والباحثين المصريين في الخارج       بالأرقام الرسمية .. 50 مليون زيارة من السيدات لتلقي خدمات الفحص والتوعية ضمن مبادرة دعم صحة المرأة       اللجنة الخاصة المشكلة بمجلس النواب لدراسة برنامج الحكومة الجديدة تختتم أعمالها اليوم       تفاصيل مشاركة الأهلى فى أعمال الجمعية العمومية لرابطة الأندية الأوروبية  
جريدة صوت الملايين
رئيس مجلس الإدارة
سيد سعيد
نائب رئيس مجلس الإدارة
د. محمد أحمد صالح
رئيس التحرير
محمد طرابية

سيد سعيد يكتب   2020-07-16T19:56:14+02:00

انهيار أوهام «أردوغان» فى ليبيا

سيد سعيد

تسارعت تطورات الأزمة الليبية بصورة جلية، تنبئ بحرب إقليمية واسعة، حال استمرار سلوك الرئيس التركى «رجب طيب أردوغان»الرامى لتهديد أمن واستقرار منطقة المتوسط وشمال افريقية، بإصراره على تحقيق أطماعه التوسعية، ففى الأيام القليلة الماضية تحولت مياه البحر الأبيض إلى مسرح صاخب بالمناورات العسكرية، فور إعلان أنقرة عن الاستعداد لتنفيذ مناورات ضخمة، عقب تدمير دفاعاتها الجوية بقاعدة «الوطية» على الأراضى الليبية.

 نفذت مصر المناورة «حسم 2020»، التى أبرزت المهارات القتالية جوا وبحرا وبرا، وأظهرت العمليات قدرة الجيش على ردع كل من يحاول المساس بالأمن القومى المصرى سواء على مستوى الجيوش النظامية أو القوات المسلحة غير النظامية، كما أعلنت كل من» فرنسا، إيطاليا، اليونان، قبرص» عن البدء بمناورات فى شرق المتوسط، كرد فعل سريع ضد حماقات استعراض القوة وتحدى المجتمع الدولى.

لا يستطيع أحد، مهما بلغت مجافاته للحقيقة، إنكار أن المناورات التى جرت بالفعل» حسم 2020» أو التى تستعد لها بلدان نافذة فى الاتحاد الأوربى، أربكت حسابات أنقرة ونزلت بمثابة صفعة مدوية على وجه «أردوغان» الذى دأب منذ توليه سلطة الحكم فى بلاده على استخدام البلطجة واتباعها وسيلة لاحتلال ليبيا والسطو على ثروات الشعوب، فضلا عن تطويق المنطقة العربية بالقواعد العسكرية من قطر إلى الصومال ومن ليبيا إلى سورية والعراق، إلى جانب تدريب الميليشيات والمرتزقة لنشر الفوضى مستغلا اتفاقيات مشبوهة، عقدها بليل مع حكومة انتهت شرعيتها بعد عامين فقط بعد توليها السلطة، بموجب اتفاق الصخيرات، الذى نص على التوافق بتشكيل حكومة لمدة عام واحد يترأسها فايز السراج، وإذا لم يتم الانتهاء من إعداد الوثيقة الدستورية، يجدد له سنة أخرى، وهذه السنة الأخرى انتهت منذ عام 2017، وفق الاتفاق الذى جاء بها.. استغل أردوغان موالاة السراج له ولأتباعه من الجماعات الإرهابية، وعقد اتفاق لترسيم الحدود البحرية بين تركيا وليبيا رغم عدم وجود أى حدود بينهما، لكن الهدف الرئيسى هو إيجاد مكان له على خريطة شرق المتوسط الغنية بالثروات بعد اكتشاف حقول الغاز، ناهيك عن أحلام السيطرة على شمال افريقية، وإرسال الميليشيات المسلحة من سورية لتمكينه من السيطرة التامة، على صناعة القرار الليبى ومساندة السراج على الاستمرار فى القتال ضد الجيش الوطنى والعمل على نشر الفوضى للإبقاء على ليبيا دولة فاشلة، وتهديد استقرار مصر التى تقف ضد أجندته التوسعية.. حماقات الرئيس التركى الراعى الرسمى للإرهاب الدولى، كانت دافعا لغضب بعض الدول الكبرى، حيث أكدت كل من فرنسا وألمانيا وإيطاليا فى بيان مشترك، على ضرورة وقف إطلاق النار فى ليبيا، والبدء الفورى فى التسوية السياسية، والاعلان عن التصدى لأساليب أنقرة فى خرق القرارات الدولية بحظر ارسال السلاح والميليشيات إلى طرابلس.

المواقف الدولية المسايرة مع وتيرة تسارع الأحداث، تناغمت مع إعلان القاهرة، الذى حظى بتأييد دولى واسع لحل الأزمة الليبية سياسيا وتفكيك الميليشيات المسلحة ونزع أسلحتها، إلا أن عدم استجابة أردوغان وميليشياته للإعلان ولمخرجات مؤتمر برلين، جعل الرئيس عبد الفتاح السيسى يطلق فى خطاب ألقاه بالمنطقة العسكرية الغربية، تحذيرا شديدا من الاقتراب نحو قاعدة الجفرة ومدينة سرت الساحلية، واعتبرهما خطا أحمر، يتعلق بالأمن القومى المصرى، مشيرا إلى أن تجاوز هذا الخط الذى أصبح تداوله جزءا من الأدبيات الإعلامية والسياسية، سيقابل بقوة عسكرية، بما يرمى إلى انهيار مشروع أردوغان حال عدم الانصياع للتحذير الحاسم.. فور التحذير أعلنت كل من المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية، عن دعمهما الكامل للموقف المصرى الحاد والرادع للبلطجة التركية، ثم توالت ردود الفعل الإيجابية من المجتمع الدولى لوأد المواجهات العسكرية المحتملة، حال إصرار أردوغان الإقدام على توسيع دوائر الفوضى.

توافق المواقف الدولية فى إدانة سلوك «أردوغان» يمثل هزيمة سياسية لمشروعه، ابتداء من السطو على النفط الليبى، والبحث عن موطئ قدم له فى شرق المتوسط، لإنقاذ اقتصاد تركيا الذى تتضاءل فرص نموه بصورة واضحة لندرة موارد الطاقة، وبحسب التقارير المنشورة بالدوريات الاقتصادية، تستورد أنقرة 95% من احتياجتها من الطاقة بما قيمته 50 مليار دولار سنوياً،و ليس انتهاء بأوهام توسيع دوائر نفوزه فى الشمال الأفريقى، لذا لم يعد بمقدوره الاستمرارفى الهروب إلى الأمام بتأجيج الاقتتال وجلب المرتزقة، خاصة بعد تحذيرات الدولة المصرية وقدرتها على مواجهة التمدد العثمانى فى المنطقة.. ليبيا بالنسبة لأردوغان تمثل فرصة مثالية، تدغدغ أوهامه التوإعية التى تدور فى فلك أحلام الخلافة لأسباب عدة منها،المصالح الدولية المعقدة، لذا لم يدخر جهدا أو وقتا فى توسيع دائرة الاقتتال الداخلى الا أن الهدف الأسمى له ولشركائه من قادة التنظيمات الإرهابية والمرتزقة، صناعة فراغ أمنى واستراتيجى وتهديد استقرار المنطقة العربية، عبر تحويل ليبيا إلى ساحة مواجهة مباشرة مع مصر كقوة إقليمية مناهضة لأجندته التوسعية من دون إدراك لمخاطر التداعيات.

 من الجوانب المهمة التى لا يمكن إغفالها أو القفز عليها فى الأزمة الليبية، أن العواصم الكبرى فى العالم لن تقبل باحتلال ليبيا والتواجد بها عسكرياً، واعتبارها كنقطة انطلاق رئيسية لمشروعه التوسعى فى شمال أفريقية، فلا العواصم العربية الحدودية «القاهرة والجزائر» سيجلسان فى مقاعد المتفرجين، ولا الأوروبيون سيغضوا الطرف، فرنسا ليست بعيدة عن المشهد بكل ما يحويه من تعقيدات المصالح الدولية، فهى طرف فاعل فى الترتيبات الأمنية لحماية مصالحها الاقتصادية، ويدفع لتنامى طغيان حضورها، تواجدها من خلال قواعدها العسكرية بدولتى النيجر وتشاد على الحدود الجنوبية للدولة الليبية، أما إيطاليا فترى أن ليبيا منطقة نفوز تاريخى لها، فضلا عن ضخامة استثماراتها فى مجال الطاقة، باعتبار أن شركة» اينى» الإيطالية تسيطر على أغلب حقول الإنتاج فى إقليمى «برقة وفزان»، إلى جانب العلاقات التجارية بينهما، حيث تستورد إيطاليا 48% من النفط الليبى و40% من الغاز الطبيعى التنافس بين إيطاليا وفرنسا، يدور فى محورين أساسيين» اقتصادى وأمنى «، الأول يتعلق بحقول النفط، خاصة مع تعاظم الدور الفرنسى فى ليبيا من خلال شركة «توتال» الفرنسية التى نجحت فى تعزيز وجودها على خلفية شراء مجموعة أسهم قدرت بنسبة 16.33% من شركة» مارثون أويل» الأميركية مقابل 450 مليون دولارأميركى، أما الثانى فيتعلق بالأمن، حيث تعد إيطاليا من أكثر البلدان الأوروبية تضررًا من الهجرة غير الشرعية القادمةاليها عبر البحر المتوسط «، وتبلغ أعدادهم قرابة الـ 700 ألف مهاجر منذ عام 2013 وحتى العام الجارى»،منهم 7000 وصلوا إليها من السواحل الليبية «وفق التقديرات المعلنة»، لذا فإن عدم استقرار الأوضاع الأمنية فى ليبيا يقفز لصدارة الاهتمام، فى المقابل تضع فرنسا ملف مواجهة خطر الإرهاب على رأس أولوياتها، بما يعنى أن سياستها تسير فى الاتجاه المضاد لمغامرات أنقرة، وهذا بدوره سيذيد من تحركات فرنسا وإيطاليا لحشد المجتمع الدولى ضد البلطجة التركية.. المثير للاستغراب أن الرئيس التركى لم يلتفت إلى القرارات الدولية بمنع دخول السلاح والمرتزقة الأجانب ليبيا والبدء فى التسوية السياسية، ملقيا خلف ظهره بكل التحذيرات الرافضة لمقامراته، واستمر فى السير بخطى متسارعة صوب استراتيجية نشر الفوضى، ولم يعد بمقدوره التنبؤ بمآلات حماقاته بتوسيع دائرة الحروب باستخدام القوة فى المناطق الحدودية مع سورية والعراق، إلى التحرش باليونان وقبرص فى البحر المتوسط، مروراً بمحاولاته احتلال ليبيا، للسطو على ثرواتها النفطية، لكن التحذير المصرى الصارم بعدم الاقتراب من الجفرة وسرت باعتبارهما خط أحمر، جعل العواصم الكبرى، تدرك مخاطر ما يقوم به أردوغان وجدية ما تعلنه مصر بأن تجاوز الخط الأحمر يمنحها شرعية التدخل العسكرى، عقب ذلك تواصلت واشنطن مع «مشهلاتى» ميليشيات أردوغان فى طرابلس» فائز السراج»، بعدم التقدم نحو مدينتى الجفرة وسرت، بما يعنى فشل أنقرة فى تضليل البيت الأبيض، ويعنى انكشاف حقيقة إيحاءاته لترامب بأن تدخله فى ليبيا يهدف الحد من تنامى نفوذ روسيا فى المنطقة.. أمام المتغيرات المتسارعة فى المشهد الليبى، لم يجد الرئيس التركى سوى اللجوء الى» المكابرة» المغلفة بهجوم إعلامى، طال الدولة المصرية من ناحية، واتهام فرنسا وألمانيا وإيطاليا واليونان، بتحريض المجتمع الدولى ضد بلاده من ناحية أخرى، لذا استمر فى تأجيج الاقتتال وجلب المذيد من المرتزقة.

 عملت تركيا على اتباع التقية السياسية فى التعامل مع الأزمة التى صنعتها داخل ليبيا، ففى الوقت الذى تخرج فيه التصريحات الرسمى على ألسنة مسئولين كبار، يشيرون خلالها بصورة علنية عن قبول المساعى الدولية للحل السياسى، تقوم بتحريض مندوبها فى ليبيا «فائز السراج» بعدم الانصياع للقرارات الأممية، وتدخلات العواصم الكبرى،حيث دأب على القول بأن قواته ستتوجه إلى مدينتى الجفرة وسرت» الهلال النفطى»، وهما غاية «أردوغان «، وللتأكيد على استمراره فى ذات النهج، كشفت تقارير إعلامية أن شركة» سادات» التركية، عقدت اتفاقاً مع حكومة الوفاق على تدريب مقاتلين من المرتزقة لصالح السراج، وبالبحث عن «سادات» هى شركة استخباراتية متخصصة فى التدريب على العمليات الإرهابية، تأسست عام 2016، ويديرها قيادى إخوانى يدعى» فوزى بو كتف» وثيق الصلة بالاستخبارات التركية، وهى ذات الشركة التى لا قامت بتدريب ما يطلق عليه الجيش الوطنى الحر، التابع للإخوان فى سوريا، التعاقد مع الشركة الاستخباراتية أذاح النقاب عن دور تنظيم «الإخوان» وجماعة بوكو حرام فى ليبيا، وأكد على أن الميليشيات تعمل لخدمة أوهام أردوغان.. فى إطار إدمان تركيا لخطاب المراوغة والهروب من إدانة المجتمع الدولى، جاء رد فعلها على التحذير الأمريكى المتوافق مع اعلان القاهرة، والمتعلق بنزع سلاح الميليشيات وتفكيها، مثيراً للسخرية، حيث أعلن وزير خارجيتها» مولود جاويش أوغلو»، أن الأمر يتعلق بروسيا وقوات المشير خليفة حفتر، نافيا تبعية الميليشيات والمرتزقة لتركيا.. فى النهاية.... يجب عدم إغفال نقاط مهمة متصلة جوهريا بالأزمة، مفادها أن المتغيرات المتسارعة على مدار الساعة فى المشهد الليبى، تؤكد أن «أردوغان» لا يدرك الحقائق على الأرض، ولا يدرك تداعيات إصراره على السير نحو ما يصبو إليه، سواء الأوهام الرامية إلى احتلال ليبيا، أو السطو على ثروات شرق المتوسط، لذا فإن كل تصرفاته ستجعل الباب مفتوحا لكل الخيارات أمام الدولة المصرية الفاعلة فى المشهد الإقليمى والمؤثرة فى علاقاتها الدولية لحماية أمنها القومى.


مقالات مشتركة