الحكومة: الخميس 25 يوليو إجازة رسمية بمناسبة ذكرى ثورة 23 يوليو       خطة حكومية لزيادة الاستفادة من العلماء والباحثين المصريين في الخارج       بالأرقام الرسمية .. 50 مليون زيارة من السيدات لتلقي خدمات الفحص والتوعية ضمن مبادرة دعم صحة المرأة       اللجنة الخاصة المشكلة بمجلس النواب لدراسة برنامج الحكومة الجديدة تختتم أعمالها اليوم       تفاصيل مشاركة الأهلى فى أعمال الجمعية العمومية لرابطة الأندية الأوروبية       وزارة المالية : الدولة ليس من دورها إدارة الأصول العقارية       أخبار سارة للموظفين.. المالية تعلن تبكير صرف مرتبات شهر يوليو 2024       بالأرقام الرسمية .. إصدار 32.5 مليون قرار علاج على نفقة الدولة       وزارة العمل تُحذر المواطنين بعدم التعامل مع الشركات والصفحات وأرقام الهواتف الوهمية       إطلاق دورى رياضى لأبناء الأسر في قرى ( حياة كريمة ) تحت شعار ( أنت اقوى من المخدرات )       أخبار سارة : مصر تستهدف إنتاج 800 ألف أوقية ذهب عام 2030  
جريدة صوت الملايين
رئيس مجلس الإدارة
سيد سعيد
نائب رئيس مجلس الإدارة
د. محمد أحمد صالح
رئيس التحرير
محمد طرابية

فن وثقافة   2020-09-18T20:45:30+02:00

عم مصري.....( حدوتة قصيرة )

البيومى السمنودى

جلس الاستاذ مصري في مقعده بالميكروباص سعيدا راضيا عن نفسه فهو عائد لتوه من المشاركة في انتخابات مجلس الشيوخ الأخيره .. رغم عدم معرفته للمرشحين فلم تكن هناك الدعاية الإنتخابيه التي تسبق اية إنتخابات بها مرشحون يتنافسون لنيل أصوات الناخبين.. ولاتنبع سعادته من كون الإدلاء بصوته كان سهلا وميسورا وفي اسرع وقت.. فقد أدلي بصوته فور وصوله مقر لجنته الإنتخابيه دون أي إنتظار نتيجة قلة المتواجدين للتصويت  ولم يسأل  نفسه عن سبب قلة المنتخبين في زمن فيه اغلب الشعب مع رئيس الدولة قلبا وقالبا ومع حماسه الشديد والصادق في إعادة كل جميل لمصر بل وإضافة لجمالها جمالا تستحقه فهو يعلم ان هذا المجلس الوليد لم تستطع الحكومة ان تقدم له. او ربما لم تدرك أهمية التقديم له... او ربما لم تر اية ضرورة لإطلاع بسطاء الناس وعامة الشعب على أهمية دور هذا المجلس في حياة مصر والمصريين   فالمواطن سيقبل كل ما تقرره وتفعله  الحكومة وبسرعة البرق لأنه يحب الرئيس وفوضه في تسيير أمور الدوله عن طيب خاطر بل وبحب وتقدير كبيرين.... 

كما كان حرصه على المشاركة ليس خوفا من غرامة الخمسمائة جنيه المقررة  كغرامة  التخلف عن التصويت... بل كانت مشاركة في بناء مصر الحديثة  رغم عدم رضاه عن أداء هواة الظهور الإعلامي المحاولين لعب أدوار رؤساء أحزاب وصالونات أية حاجة..... ثقافيه، سياسية، تعليمية ... ألخ

شارك عم مصري بكل ما أوتي من عزم وحماس إذ يتصور نفسه دوما بجانب الرئيس وهو يردد مصر أم الدنيا  وهتبقى " أد الدنيا "  ومع سيادته دوما  وهو يختتم أي حديث بأمنيته الصادقة " تحيا مصر.. تحيا مصر.. تحيا مصر...." .

 وربما هناك عامل نفسي خفي يحث عم مصري على المشاركة السياسية الفعالة في اي أحداث وطنية تستوجب اية مشاركة شعبية فالمشاركة تثير  ذكريات شبابه ومشاركاته السياسيه والثقافية مع اليسار المصري وقتها بحزب العمل الإشتراكي  والزعيم الوطني المخلص إبراهيم شكري رحمة الله عليه... الذي كان يجوب قري ومدن مصر كلها أثناء فترات الدعاية الإنتخابيه  يلتقي فيها الناس عبر  مؤتمرات سياسية شعبية حاشدة....تلك المؤتمرات كانت ديدن كل الأحزاب والمرشحين فكان الناس يعرفون الأحزاب وبرامجها وتوجهاتها وتجري المناقشات والمداخلات فيتعرفون على المرشحين ويعرفون من ولماذا ينتخبون...ليس هذا وحسب فقد كانت فترة الدعاية الإنتخابية  مليئة بالمساجلات والمناوشات مابين أحزاب المعارضة  والحزب الحاكم وكذلك المضايقات الحكوميه وقتها في التضييق على مؤتمر سياسي للمعارضة هنا أو هناك  او مشاكسات ليلة التصويت كاحتجاز بعض الناشطين من  المعارضة ليلة التصويت  الإنتخابي  لإرباك عمليات التصويت في الدوائر المؤيده لها او بعض العبث الحكومي الشقي في نتائج الإنتخابات...كانت اشياء مريرة وقتها ولكنها الان ذكريات لذيذة ومدعاة للفرح والسرور والفخر احيانا لأنها كلها دليل محاوله الشراكة الوطنية المخلصة لوجه الله والوطن الذي ليس مثله وطن... مصر... ام الدنيا...

... ثم يمر شريطه الشخصي بالمناصب التي تولاها وادي أمانة مسئولياتها بكل شرف وتجرد ونزاهه وابتسامة فخر واعتزاز...وكيف أجبرته حاجته لإمتلاك شقه سكنية للسفر للعمل بالخارج فاضطر لترك منصب مدير عام بكبري الشركات القابضة في مصر  عددا من السنين كان كافيا أن يخرج للمعاش بمسمى وظيفي اقل من مسمى منصبه قبل خمس عشرة سنة ... وان يتقرر معاشه بمستوى   لايكاد يكفي مصاريف معيشته اليوميه  هو وبناته اللاتي مازلن بالمرحلة الجامعيه وزوجته رفيقة عمره وكفاحه والان عجزه وشيخوخته..

لم يشعر بأية مرارة او حنق برغم الدموع التي تفرزها  مشاعره وتجففها كرامته..

تمتم الأرزاق بيد الرازق الوهاب..المهم ان يقينا الله شر اي مكروه يتطلب مصاريفا خارج إطار مصاريف المعيشه اليومية ...وناجي ربه اللهم نجني وأهلي من اي مرض او مكروه او اية فجاءة لا أقدر على مصروفها يارب اللهم لا  " تحوجني إلا لك وأحسن ختامي بالستر ورضاك يارب العالمين" ... ثم تذكر  شقته التي اشتراها بالدور التاسع في البرج الشاهق  ودعي الله أن تدوم سترا له وأسرته ولايمسها هي الأخرى اي مكروه او سوء يتطلب مصروفا فوق مصاريفها الإعتيادية.

 وصل الميكروباص لمحطته الاخيره وسار عم مصري صوب شارعه إلى شقته ليجد في انتظاره  محضرا يتلو عليه  مرسوما حكوميا يخطره ان شقته مخالفة بنائيا وعليه غرامة ستون الف جنيه و إما الدفع  اوقطع مرافق الدوله عنه....

 سأل المحضر بذهول وشتات

 - ماذا تقصد ؟

- ماسمعت؟

- لكنني لست صاحب البرج؟

- انت صاحب شقه فيه؟

- لابد أن هناك خطأ... أنا إشتريت شقه في برج... كانت الدعاية لبيعة تملأ القنوات التلفزيونية والصحف  الحكومية وغير الحكوميه..... وإستغرق بناؤه سنين... والبلد فيها حكومه وبرلمان وشرطه... و... و... و

لم يقل لنا احد ان هذا البناء مخالف لاتشتروا فيه شققا

- ياحاج هذا كلام لايفيد... انت شقتك مخالفه.... وعليك دفع ٦٠ الف جنيه...

- كم؟. ( صارخا باندهاش شديد)

-  ٦٠ الف جنيه

- ولا  معايا ٦ آلاف جنيه حتى. انا يادوبك معاشي مكفيني مصاريف المعيشه...

- مش شغلي  دا قانون وصدر....

-  قا. إيه؟... قانون وصدر.... ؟... وكان فين القانون لما كانوا أصحاب العمارات بيبنوا.... وبيسوقوا... ويعلنوا... ويبيعوا... ويسجلوا عقود بيع بالشهر العقاري... كان فين القانون وأصحاب القانون وهم سايبين الغلابه يشتروا شقق مخالفه... يعني سبتوا الحيتان يبنوا بالمخالفه وجايين تدفعوا الغلابه؟

- ياحاج كل الكلام ده معروف. ولا فايده منه

- ولو مش قادر ادفع؟

- الدولة هتقطع المرافق والخدمات عن الشقة.

- تقطع إيه؟

- زي َاسمعت... المرافق كلها يعني الميه والكهربا والغاز...

- عايز تقطع عني الحياة؟

- مش انا ياعم الحاج... الدولة.

- الدولة مين؟ ... مصر؟

-  أيوه  مصر... هتكون  مين يعني؟ "

- مصر تقطع عني الحياة؟

عني انا.... ؟ مصري؟؟؟

كان يتساءل مصري بصوت خفت كثيرا وكأنه يحدث نفسه  في ذهول وشتات وكأن إصابته لوثة جنون ولا وعي..

وتطايرت به أمواج كأنها أمواج الراديو لتحلق به في كل ارجاء السموات  الوطنية التي طير  حياته كلها  بها وفيها ولها ...

وقال للمحضر وكأنه غير واع بوجوده " اكيد إنت تبع الحكومه. مش تبع الريس!!"

وطافت عليه طيوف ونادته صرخات وهيستريا واوشك على الشتم والسباب  لكن غالب كل هذا  صوت الشاعر المصري الكبير نجيب سرور  وهو يوصي ابنه شهدي... "ومهما عذبوك  ياشهدي  اوعي عمرك يابني في يوم تشتم  مصر " ....

وصار يتمتم بصوت متحشرج وانفاس مجهدة متقطعة تتلاشى... " تحيا مصر.. تحيا مصر... تحيا مصر" .... طارت بها الروح لأعلى عليين بينما الجسد تهاوي على الأرض جثة هامدة...

-------—------------------------------------

البيومي السمنودي

القاهرة 7 سبتمبر  2020

 


مقالات مشتركة