الحكومة: الخميس 25 يوليو إجازة رسمية بمناسبة ذكرى ثورة 23 يوليو       خطة حكومية لزيادة الاستفادة من العلماء والباحثين المصريين في الخارج       بالأرقام الرسمية .. 50 مليون زيارة من السيدات لتلقي خدمات الفحص والتوعية ضمن مبادرة دعم صحة المرأة       اللجنة الخاصة المشكلة بمجلس النواب لدراسة برنامج الحكومة الجديدة تختتم أعمالها اليوم       تفاصيل مشاركة الأهلى فى أعمال الجمعية العمومية لرابطة الأندية الأوروبية       وزارة المالية : الدولة ليس من دورها إدارة الأصول العقارية       أخبار سارة للموظفين.. المالية تعلن تبكير صرف مرتبات شهر يوليو 2024       بالأرقام الرسمية .. إصدار 32.5 مليون قرار علاج على نفقة الدولة       وزارة العمل تُحذر المواطنين بعدم التعامل مع الشركات والصفحات وأرقام الهواتف الوهمية       إطلاق دورى رياضى لأبناء الأسر في قرى ( حياة كريمة ) تحت شعار ( أنت اقوى من المخدرات )       أخبار سارة : مصر تستهدف إنتاج 800 ألف أوقية ذهب عام 2030  
جريدة صوت الملايين
رئيس مجلس الإدارة
سيد سعيد
نائب رئيس مجلس الإدارة
د. محمد أحمد صالح
رئيس التحرير
محمد طرابية

سيد سعيد يكتب   2020-11-19T12:17:53+02:00

اعلاميون لا يعبرون عن استراتيجية الدولة

سيد سعيد

 

لا ينكر أحد أهمية الإعلام ودوره فى توجيه الرأى العام، ولم يعد خافياً على أحد، أن الحرب الحقيقية التى تدور رحاها فى كل أرجاء المعمورة، من أمريكا إلى روسيا ومن أوربا إلى الصين، هى حروب إعلامية فى المقام الأول، تحوى فى أحشائها كل أساليب بث المعلومات ونشر الشائعات وتلفيق الاتهامات، وتشويه صورة العديد من أنظمة الحكم، ومن يمتلك الإمساك بزمامها، يمتلك السيطرة على العقول. الإعلام لم يقتصر دوره على النظرة التقليدية المتعارف عليها فى الأدبيات الكلاسيكية، وهى المحصورة فى تشكيل وعى المتلقى أو صناعة الترفيه الهادف، بل أصبح يوظف لأغراض سياسية، وأيديولوجية واقتصادية وعسكرية، وهو الأمر الذى جعل كثيرًا من بلدان العالم، ومنها مصر، أن تضعه فى مقدمة مهامها، كجزء من مسئولياتها للحفاظ على الهوية وحماية المجتمع من العبث، الذى يحاصر الشعوب عبر الشوشيال ميديا، وبقية وسائل الإعلام الحديث.

 واقع الحال يؤكد بما لا يدع مجالاً لأى شكوك، أن الدولة المصرية لديها استراتيجية إعلامية وطنية، مضادة لمحاولات تشويه العقل المصرى، ولديها إرادة سياسية لاستيعاب تنوع الرؤى، ما نشاهده الآن على شاشات الفضائيات المتعددة أسمائها والمتنوعة برامجها، لا ينسجم بالمرة مع رؤية الدولة لصناعة إعلام مؤثر، يجذب ولا ينفر، بما يعنى أن الإعلاميين الذين يطلون علينا ليل نهار من الشاشات، لا يستوعبون استراتيجية الدولة، وهذا يمثل خطراً جسيماً على قضية الوعى بما تحويه من أبعاد متصلة بالهوية والأمن القومى على المدى القريب وليس البعيد، بما يعنى وجود رغبة حقيقية فى خلق مناخ يتسم بالحرية المنضبطة، تجلى ذلك فى وجود مؤسسات إعلامية لديها إمكانيات مادية وتقنية هائلة، مدعومة بأفق سياسى منفتح، ومحصنة بتشريعات مرنة لضمان حريتها، لكن، وهذه حقيقة لا يمكن إغفالها أو القفز عليها، تبدو الحاجة ملحة لوجود إعلاميين محترفين، لديهم القدرة على صياغة خطاب إعلامى توعوى، لمواجهة التضليل والأكاذيب، ولديهم ثقافة واسعة بمفهوم الأمن القومى، وفهم عميق للمسئولية الوطنية.

 كما يمثل خطراً على صناعة الإعلام ذاتها، ويجعلها خارج بؤرة اهتمامات الرأى العام، بما يؤدى للانصراف عنها بالتدريج، وعدم الالتفات لما تقدمه من مواد إعلامية، سواء كانت إيجابية أو سلبية، أما السبب فيعود إلى عدم قدرة الإعلاميين على الإبداع والابتكار لجذب المشاهدين، واللجوء إلى الاستسهال والسطحية فى تناول الموضوعات، بما يجعل الرسالة الإعلامية التى يقدمونها باهتة، ولا تحمل أى مضمون يمكن التركيز عليه، أو الالتفاف حوله، والأخطر من هذا وذاك، هو الاستغراق فى الرد على أكاذيب إعلام الدوحة وإسطنبول» الجزيرة، الشرق، مكملين «، لذا فإن المتابع يظن، منذ الوهلة الأولى، أن الشغل الشاغل للفضائيات المصرية على اختلاف مسمياتها، هو تتبع ما تبثه القنوات المشبوهة، للرد عليه وإثبات أنه إعلام كاذب.

 الغريب أن غالبية ما تبثه البرامج الفضائية، لا يتسق بحال من الأحوال مع مفهوم التوعية، ولا يندرج ضمن وظائف الإعلام القادر على النفاذ إلى العقول، عبر طرح قضايا المجتمع بموضوعية دون تهوين، وفتح مساحة للنقاش حولها بجدية، حتى لا نترك الفرصة أمام الإعلام المشبوه للتهويل والعزف على أوتار الفتنة، وإلقاء الضوء على ما تحقق من إنجازات موجودة بالفعل على أرض الواقع، وطرح تأثيراتها الإيجابية على التنمية وتحسين الأوضاع الاقتصادية والمجتمعية، لكن بعض الفهلوية المحسوبين زوراً على فئة الإعلاميين، تجاهلوا الوظائف الأساسية، وانصرفوا عن الإشكاليات المجتمعية، وأصبح دورهم، فقط، هو رد الفعل على» هرتلات» الجزيرة وفروعها، لتفنيد ادعاءاتهم ومراميهم التى تصب فى صالح أجندة الإخوان.

إن أكثر ما يثير الدهشة هو التركيز على  الأطروحات المندرجة تحت باب المكايدات، فالحقيقة التى لا يجب أن تغيب عن أذهان متصدرى المشهد الإعلامى، بل على الجميع، أن الإخوان كانوا مجرد جملة اعتراضية فى التاريخ، ولن يكون لهم وجود على الساحة المصرية، إلا من خلاتل ترديد الأحاديث عن جرائمهم فى وسائل الإعلام، فالمجتمع لفظهم ولن يسمح لهم بالتواجد بأى صورة على المستويين السياسى والمجتمعى، لذا فإن الإفراط دون إدراك بفرد مساحات زمنية واسعة للرد على الإعلام المشبوه، سيقود بالتبعية للانصراف صوب تلك الفضائيات لمعرفة ما تبثه.

من المؤكد أن المواطن العادى، لديه دراية كاملة بما يحاك من مؤامرات متقنة للنيل من استقرار الدولة المصرية، لذا فهو لا يجد صعوبة فى اكتشاف أساليب التضليل الإعلامى، التى تبثها الفضائيات المشبوهة، لتنفيذ أجندة أيديولوجية، تتفق مراميها مع استراتيجية العثمانلى» رجب طيب أردوغان «، وهى نفسها أجندة التنظيم الدولى للإخوان، لذا فإن توجيه الرسالة التوعوية المسئولة باتت ضرورة تفوق ما سواها.

على الرغم من دراية المواطن بخبايا السيرك الإعلامى المنصوب لحصاره من القوى المتربصة، إلا أن بعضًا من المصريين، انصرفوا عن مشاهدة البرامج العقيمة التى يقدمها إعلاميون لا يتمتعون بأى موهبة، وليست لديهم قدرات مهنية على استثمار الإمكانيات الضخمة، التى توفرها المؤسسات القائمة على تنفيذ استراتيجية الدولة، جراء الرتابة والتكرار، والافتاء بلا وعى أو روية، فضلاً عن عدم الدراية العميقة بالموضوعات المطروحة والتركيز على الردح والردح المضاد.

 التضليل الإعلامى الذى تنهجه الفضائيات المشبوهة، لم يكن نوعاً من البراعة أو المهنية الفريدة، إنما هو عملية نقل جيدة لاستراتيجية التضليل الأمريكية، حيث جرى تنفيذ تكتيكاتها عبر فضائية «الجزيرة «، كتطبيق عملى لحروب الجيل الرابع، بما يعنى أن القناة فى حد ذاتها منذ تأسيسها، مجرد أداة فى أيدى صانعيها» أجهزة الاستخبارات الغربية«، ويعنى أيضاً، أن حكام الدوحة وافقوا،

على اختزال الدولة فى قناة فضائية، تؤدى دوراً وظيفياً للمضى فى تنفيذ استراتيجية صناعة الفوضى من المحيط إلى الخليج وفى القلب منها مصر، وهذا يستدعى التركيز على تنمية الوعى لحماية الأمن القومى عبر رسائل إعلامية تتسم بالنضج والموضوعية، ومناقشة المشكلات الداخلية، باعتبارها معلومة للغالبية، لذا فإن أى محاولة لإنكارها، يفقد الثقة تماما فى الإعلام الداخلى، وهذه كارثة. ولأن الإعلام أحد أهم الركائز الأساسية فى استراتيجيات الدول الغنية والفقيرة، لا يمكن لأى أحد أن يتجاهل تأثيراته، أو إخضاعه للدراسة والبحوث لأجل تطوره، وتحقيق الفائدة المرجوة من الإنفاق عليه، وتقف استراتيجية الولايات المتحدة الأمريكية شاهداً على أساليب التضليل الإعلامى، ففى أعقاب 11 سبتمبر 2001 وتدمير برجى التجارة العالمى، قرر دونالد رامسفيلد وزير الدفاع الأمريكى فى فبراير 2002، إنشاء مكتب للمخططات الخاصة تابع لوزارة الدفاع «بنتاجون «، أطلق عليه مكتب «التأثير الاستراتيجى «، وكان الهدف الرسمى المعلن، هو استمالة الشعوب العربية للتفاعل الإيجابى مع السياسة الأمريكية، وشن حملات التضليل والتلاعب بالمعلومات، عن طريق التواصل مع صحفيين فى البلدان العربية.

 لخدمة أغراض المكتب، تم إنشاء وحدة أطلق عليها» مكتب الخطط الخاصة «، يديره» إبرام شولسكى «، ويشرف عليه» بول وولفو فيتز» نائب وزير الدفاع، بحيث تكون مهمته استخدام الصور والفيديوهات المفبركة، كوسيلة للتضليل، وتمريرها فى إطار مهام وحدة صناعة الأكاذيب، لكى يتم تداولها فى وسائل الإعلام كحقيقة، بهدف التأثير على العقول، وصولاً إلى تصديق ما يتم بثه.

 تم إغلاق المكتب فى مارس 2003، إثر افتضاح حقيقة مهامه، فقد كشفت صحيفة» نيويورك تايمز «، عن أساليبه فى التعامل مع الصحافة العالمية، حينها قامت الدنيا ولم تقعد فى الولايات المتحدة الأمريكية، انتفض الكونجرس، لمخاطر المعلومات الكاذبة على الشعب الأمريكى نفسه، وأمام الهجمة الشرسة على البيت الأبيض والبنتاجون، تراجع وزير الدفاع، وأعلن اغلاق المكتب، إلا أنه استمر يمارس مهامه من الناحية العملية.

تأثير التضليل الإعلامى على هز الثقة، ظهر جلياً أثناء الغزو الأمريكى للعراق، حيث تم استخدام الخداع الإعلامى، بتطبيق أساليب وتكتيكات مخططات مكتب التأثير الاستراتيجى،عبر فضائية «الجزيرة» القطرية، التى بثت صوراً خادعة وفيديوهات جرى إعدادها بتقنية متقدمة، جميعها جاءت مصحوبة بأخبار كاذبة، بهدف زعزعة صفوف الجيش العراقى، بما يؤدى لانهياره أمام سيل الفيديوهات المفبركة، التى تشير إلى سقوط العاصمة العراقية بغداد.

 تناولت الصور المفبركة فرار القادة والضباط من المعسكرات، وسيطرة الجيش الأمريكى على القصور الرئاسية، وعلى خلفية ما كانت تبثه الفضائية المشبوهة، جرى ما جرى، وهو نفس الأسلوب الذى تم استخدامه عام 2011 أثناء ما يطلق عليه ثورات الربيع العربى، حيث جرى تضخيم الحدث بصورة لا تعكس حقيقة الواقع على الأرض، لتحريض الغالبية على المشاركة فى الحدث الصاخب.

 أيضاً اتبعت الجزيرة وفروعها نفس الأسلوب فى إطار محاولاتها نشر الفوضى فى مصر، بفيديوهات مفبركة، ومظاهرات افتراضية، ليست موجودة، وإن وجدت فى مناطق نائية، فهى ضئيلة، خرجت للتعبيرعن الغضب العفوى من موظفين نفذوا التعليمات بصورة خاطئة، لكنها ليست بالشكل الذى «طنطنت» به الجزيرة وفروعها فى إسطنبول» الشرق، «مكملين «، والمدهش أن الإعلام الداخلى تورط بسطحية غير مسئولة فى إنكار ما حدث، وتفرغ للرد على تلك القنوات، فصار بعض الإعلاميين يشبهون مذيعى تلك القنوات المشبوهة، نفس الجهل ونفس القبح.

 التضليل الإعلامى وسيلة قديمة ظهرت بظهور الإعلام ذاته، كإحدى الوسائل التى يتم استخدامها فى الحروب النفسية لهدم الثقة فى الجانب الآخر، لكنه الآن أصبح منهجا وآليات، تقوم على تأصيلها مراكز أبحاث وأجهزة استخبارات، كما أنه يندرج ضمن المخططات الأساسية لاستراتيجية تدمير العقول، ومحو الهوية والانتماء على المدى البعيد.

 يا سادة.. أن الإعلام صناعة ثقيلة، تنفق عليها حكومات وأجهزة استخبارات مئات المليارات من الدولارات سنويًا، فهذه الصناعة تفوق فى تأثيرها قوة السلاح، لذا فإن المقولة الرائجة التى أفرزتها عقلية» جوزيف جوبلز» وزير الدعاية النازى، اعطنى إعلامًا بلا ضمير أعطيك شعبا بلا وعى، تلاءم تمامًا المشروع الأيديولوجى لفضائية »الجزيرة«، والتى سارت على نهج الإخوان فى خطابهم الإعلامى، وهو مشروع ينطلق من قاعدة راسخة فى أدبياتهم السياسية، عنوانها «اكذب ثم اكذب حتى يصدقك الآخرين «.

 التلاعب بالعقول لم يكن مصطلحا عابرا يتم ترديده فى منتدى ثقافى فكرى أو اطلاقه من باب التنظير بين سطور مقال فى صحيفة أو مجلة، لكنه جزء من منهج إعلامى، رسخ له وزير الدعاية النازى «جوبلز» لخداع الشعوب أثناء الحرب العالمية الثانية، بغرض تعبئتها وحشدها لتحقيق مخططات دول المحور.

فى النهاية يمكن التأكيد على أن التلاعب بالعقول، لا يتم بصورة ارتجالية،عشوائية، لكنه يتدرج بإحكام وحرفية فى الدعاية السوداء، حيث يتم الاستناد إلى معلومات دقيقة تمثل جزءا ضئيلا من الحقيقة، لاستمالة المشاهد حتى يشعر بمصداقية الخبر والصورة المنشورة والفيديو، ثم يتدرج إلى المبالغة بشكل احترافى، لكى ينال الثقة من المشاهد، لذا يجب التصدى لهذه الأساليب من خلال إعلاميين يثق المتلقى فى مصداقيتهم وأدائهم.


مقالات مشتركة