البنك المركزي يكشف أسرار تراجع معدلات التضخم       الداخلية تعلن القبض على المتهم في واقعة العبارات المسيئة على شاشة فيصل       الحكومة تنفي عودة عمل الموظفين بنظام ( الأونلاين ) يوم واحد أسبوعيًا       أخبار سارة .. المركز القومي للبحوث ينجح في إنتاج مُخصب حيوي يزيد إنتاج المحاصيل الزراعية       وزير الإسكان : الدولة لن تسمح مرة أخرى بالبناء غير المخطط والعشوائي والمخالفات       التفاصيل الكاملة لزيارة وفد قيادات الأوقاف ل شيخ الأزهر       الحكومة: الخميس 25 يوليو إجازة رسمية بمناسبة ذكرى ثورة 23 يوليو       خطة حكومية لزيادة الاستفادة من العلماء والباحثين المصريين في الخارج       بالأرقام الرسمية .. 50 مليون زيارة من السيدات لتلقي خدمات الفحص والتوعية ضمن مبادرة دعم صحة المرأة       اللجنة الخاصة المشكلة بمجلس النواب لدراسة برنامج الحكومة الجديدة تختتم أعمالها اليوم       تفاصيل مشاركة الأهلى فى أعمال الجمعية العمومية لرابطة الأندية الأوروبية  
جريدة صوت الملايين
رئيس مجلس الإدارة
سيد سعيد
نائب رئيس مجلس الإدارة
د. محمد أحمد صالح
رئيس التحرير
محمد طرابية

سيد سعيد يكتب   2020-12-14T15:27:50+02:00

انتبهوا.. الدواء المستورد فيه سم قاتل

سيد سعيد

 الحديث عن الغش وعدم فعالية الأدوية، لم يكن نوعًا من ترف الكتابة، أو محاولة من جانبنا لإيقاظ قضية مدفونة فى مجاهل العقول، لكنه حديث حى، يقظ، يحتل مرتبة متقدمة من اهتمامات الغالبية أنا منهم وتتزايد وتيرة الاهتمام بهذا الملف الشائك بصورة لافتة فى ظل الظروف العالمية الحالية، حيث ترتفع التحذيرات من مخاطر وتداعيات فيروس» كورونا»، وحيث تتسابق كبريات شركات تصنيع الدواء العالمية لإنتاج اللقاحات، وما بين هذا وذاك تتزايد الشكوك فى مصداقية التقارير الصادرة عن الدول المنتجة للقاحات، وبالطبع لا يمكن بحال من الأحوال إبعاد السياسة عن جدل الميديا، أو بمعنى أكثر دقة، منافستها لإبراز الارتياح لمنتج والخوف من منتج آخر بحسب المصالح الدولية، وهى المصالح التى تحدد بوصلة اتجاه الإعلام.

 على الرغم من أن بوادر الأمل بدأت تلوح فى الأفق، بما يريح البشرية من توحش تلك الجائحة، خاصة بعد التقارير المرتبطة بالمنتج الصينى الذى جرى تجريبه والتأكد من فعاليته، إلا أن صراع الشركات الضخمة سيفتح الباب أمام التشكيك فى إطار المنافسة الشرسة لجنى المليارات، وأخشى أن تطال عمليات الغش اللقاحات التى تنتظرها شعوب العالم، لا فرق بين بلدان غنية وأخرى فقيرة، فالغش والتلاعب فى الأدوية صار وسيلة رائجة للتربح على حساب الكثيرين فى كل أرجاء العالم، وبالطبع منهم المصريون، ممن يعانون من الأمراض المزمنة والمتوطنة، والأمراض الطارئة التى تحتاج لعلاجات عاجلة كالجلطات وأمراض القلب، وأمراض الكبد والسرطان وغيرها.

 التخوف من الغش لم يكن من قبيل التعبير عن الشك، بقدر ما هو جزء من حقيقة باتت معلومة للمواطن العادى، كما هى معلومة لدى الجهات المعنية بالأمر، خاصة إذا علمنا أن الجهات الرقابية ضبطت، مؤخرًا، العديد من مصانع بير السلم، جميعها يقوم بإنتاج عبوات دوائية لمنتجات مصرية وأخرى مستوردة، بدون ضوابط علمية ورقابية، بما يعنى أنها غير مطابقة للمواصفات القياسية، التى حددتها منظمة الصحة العالمية والمراكز الدولية لاعتماد الدواء.

وكنا قد أكدنا فى مقالنا السابق على أن الدواء قضية أمن قومى، لأنها تخص صحة 100 مليون مصرى، يتعرضون لأبشع أنواع العبث بحياتهم وتهديد مصائر أسرهم من فئة منحرفة، تقوم تلك الفئة باستغلال حاجة الناس الملحة للشفاء السريع من الأمراض التى أنهكت أجسادهم، حيث يتم خداعهم وبيع السموم لهم على أنه دواء لتحقيق أرباح خيالية من تجارة غير مشروعة، وكانت هيئة الدواء المصرية قد حذرت قبل 3 أشهر من خلال عدة نشرات أصدرتها، من أدوية مغشوشة موجودة بالأسواق، وطالبت التفتيش الصيدلى بضبط الأدوية غير المطابقة للمواصفات وتحريزها وإعدامها، وبالفعل تم ضبط كميات هائلة من الأدوية المعبئة، جرى تصنيعها فى المناطق النائية البعيدة عن عيون الجهات الرقابية، مثل محافظة كفر الشيخ وأخرى مستوردة، تم ضبطها بكميات هائلة فى جنوب سيناء. 

يا سادة.. علينا أن نعى الحقيقة التى لا يمكن لأى أحد أن يتجاهلها، ومفادها أن الدواء سلعة وصناعة استراتيجية تتعلق بصحة المواطنين، والصحة كما يعرف القاصى والدانى، هى جزء لا يتجزأ من الأمن القومى للبلاد، فمن دون الأصحاء لا تقوى المجتمعات على الإنتاج أو الإبداع، ولا أبالغ إذا قلت أن العبث بالصحة يهدد بقاء الأمم ويهدد قدرتها على النماء.

اللافت للنظر فى قضية التلاعب بمكونات الدواء» الغش فى المادة الفعالة»، أنها ظاهرة عالمية وليست مقصورة على مصر أو بلدان العالم الثالث وحدها، وإن كانت تمثل فى أفريقية وشرق آسيا نسبة كبيرة عن بقية الدول المتقدمة، التى توجد لديها إمكانيات، تستطيع من خلالها الكشف السريع عن عمليات الغش، بل والحد من انتشاره.

هذا النشاط المجرم عالميا تديره مافيا دولية، تحقق منه عوائد بالمليارات وهذا ما أشرنا إليه فى مقاتلنا السابق، مؤكدين أن هؤلاء فقدوا ضمائرهم، ولا يتورع أى منهم عن ارتكاب أى جرم من أجل الكسب الحرام، فهؤلاء وجدوا ضالتهم فى غياب الرقابة الحقيقية، أو تستر الجهات المسئولة عن مراجعة مقادير صناعة الدواء، بحسب المعمول به فى كل شركات الإنتاج العالمية، وراحوا يعبثون بمقادير المواد الفعالة فى الدواء أو تعبئة الدواء بدون مادة فعالة، مما أفقدها جدواها، بما يعنى أنها تصبح هى والعدم سواء، وهذه جريمة فى حق المجتمع.  

الأدوية المستوردة لم تكن بعيدة عن النشاط غير المشروع، فهذه الأدوية رغم ارتفاع أسعارها، ورغم أنها تكبد الدولة أموالا طائلة، إلا أنها لم تكن فى مأمن من عمليات الغش، فبحسب تقارير جمعية مكافحة غش الدواء بباريس، إنه ما بين 700 ألف و800 ألف شخص يموتون سنويًا بسبب الغش فى الدواء وتهريبه من مكان لآخر، وأن الأمر لا يقتصر فقط على الفقراء فى البلدان النامية، لكنه يمتد بصورة كبيرة إلى أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية، ومن المعروف فى هذا الشأن الذى نحن بصدده، فإن ملك البوب مايكل جاكسون، مات بسبب جرعة دواء خاطئة، كما أن عدد ضحايا الغش فى الدواء داخل الولايات المتحدة الأمريكية تحديدًا نسبتهم أعلى من الذين لقوا مصرعهم فى حوادث الطرق.

الباب الخلفى لرواج الدواء المستورد أو الذى يحمل علامة تجارية لشركة أجنبية هم أصحاب الصيدليات، الذين اتجهوا نحو الاتجار فيها لجنى الكثير من الأرباح، والتهرب من الضرائب، وتضم قائمة الأصناف المستوردة أدوية للأمراض الخطيرة والمزمنة والمكملات الغذائية التى تباع على أنها أدوية، حيث يتم تهريبها عن طريق الحدود، وتتعامل العديد من الصيدليات مع الدواء المهرب، لأنه غير مدرج فى قوائم الأدوية المصرح بتداولها بعد اعتمادها رسميًا.

 ليس ما سردناه عن الدواء المستورد، هو كل ما يتعلق بهذا الأمر، فهناك جوانب ينبغى أن تكون حاضرة فى تلك القضية، التى أصر على أنها فى غاية الأهمية، فهذه الأدوية تحيط بها الشكوك من كل جانب، تارة حول سلامتها من حيث الفعالية، وتارة أخرى التشكيك بالأساس فى كونها دواء، كما أن طريقة تداولها مريبة.

أما الأدوية المصنعة فى الداخل من خلال الشركات ذات السمعة الطيبة والخبرات الواسعة، فهى لا تجد نوعًا من التقدير الشعبى، والسبب هو لجوء الأطباء لكتابة الدواء المستورد فى الروشتة، وهذا الأمر يحتاج إلى تفسير، حتى لا تفقد واحدة من أهم الصناعات الاستراتيجية سمعتها أمام حالة العبث التى تجتاح سوق الدواء المصرى، كما يجب، وهذه ضرورة ملحة، إخضاع العبوات الدوائية للفحص فى معامل علمية متخصصة، لضمان تطبيق المعايير الخاصة بالمادة الفعالة. 

جوانب أخرى يجب أن تكون محل اعتبار من وزارة الصحة وأجهزة الدولة الأمنية والرقابية بتنوع مسمياتها، منها الجانب المتعلق بالأدوية منتهية الصلاحية» اكسبير»، أو التى قاربت صلاحيتها على الانتهاء، فبدلا من إرجاعها للشركات المنتجة لإعدامها والتخلص منها، صار لها سوق رائجة، حيث يتم الإعلان عن بيعها على صفحات الفيسبوك، أو الإعلان عنها على الحوائط، والأخطر هو بيعها» أشرطة» ويتم وضعها داخل عبوات وأغلفة تحمل اسم الدواء، بتاريخ صلاحية سارٍ، أما الجريمة الأكبر فهى وصول تلك الأدوية إلى مصانع بير السلم» غير المرخصة» لإعادة تعبئتها، ثم طرحها فى الصيدليات للبيع من جديد فى المناطق النائية والأرياف، حيث تقوم بعض الصيدليات بشرائها بأسعار ضئيلة، وبيعها بما يحقق أرباحًا طائلة لا تتناسب مع النسبة المقررة للمكسب من بيع الدواء.

 الغش من أجل تحقيق مكاسب على حساب صحة المواطن، لا يمثل فى تقديرى مجرد جريمة غش عادية، لكنها تمثل خيانة عظمى، فالجريمة تهدد صحة المواطنين، بما يعنى أنها جريمة بحق الإنسانية، باعتبار أن الدواء ليس منتجًا تجاريًا فحسب وبدلا من أن يكون الصانع والبائع محل ثقة وآمان، تحول إلى محور شك، وهنا مكمن الخطورة، وقد حذرت تقارير عدة صادرة من المركز المصرى للحق فى الدواء من عمليات تداول الأدوية المنتهية الصلاحية، حيث أرجعت تلك التقارير الأسباب الرئيسية وراء انتعاش سوق الدواء منتهى الصلاحية إلى رفض شركات الدواء استرجاع الدواء الذى قاربت صلاحيته على الانتهاء.

العبث بالمادة الفعالة امتد إلى ما هو أبعد من الدواء المنتهى الصلاحية، بما يعنى أن العبوات التى تباع تحت مسمى دواء، ليست سوى سم قاتل، خاصة إذا علمنا أن المضبوطات التى حرزت فى مصنع تحت بير السلم فى مدينة بلطيم بمعرفة الجهات الرقابية، وجدت لجان التفتيش والضبط كميات هائلة من البودرة المجهولة ولبن الأطفال، يتم تعبئتها فى كبسولات على أنها مادة فعالة، تمهيدًا لطرحها فى الأسواق، والأمر لا يكلف سوى مطبوعات لكتابة اسم الدواء وسعره وصلاحيته كنوع من الخداع، وربما ليس خداعًا، فالصيدلى بالتأكيد لديه دراية بالأدوية وشكلها ولون المادة الكيميائية، مهما كانت عملية الغش متقنة، ففى النهاية الأمر يتعلق بالضمير، فإذا فقد بائع الصحة ضميره، صار قاتلًا.


مقالات مشتركة