الحكومة تنفي عودة عمل الموظفين بنظام ( الأونلاين ) يوم واحد أسبوعيًا       أخبار سارة .. المركز القومي للبحوث ينجح في إنتاج مُخصب حيوي يزيد إنتاج المحاصيل الزراعية       وزير الإسكان : الدولة لن تسمح مرة أخرى بالبناء غير المخطط والعشوائي والمخالفات       التفاصيل الكاملة لزيارة وفد قيادات الأوقاف ل شيخ الأزهر       الحكومة: الخميس 25 يوليو إجازة رسمية بمناسبة ذكرى ثورة 23 يوليو       خطة حكومية لزيادة الاستفادة من العلماء والباحثين المصريين في الخارج       بالأرقام الرسمية .. 50 مليون زيارة من السيدات لتلقي خدمات الفحص والتوعية ضمن مبادرة دعم صحة المرأة       اللجنة الخاصة المشكلة بمجلس النواب لدراسة برنامج الحكومة الجديدة تختتم أعمالها اليوم       تفاصيل مشاركة الأهلى فى أعمال الجمعية العمومية لرابطة الأندية الأوروبية       وزارة المالية : الدولة ليس من دورها إدارة الأصول العقارية       أخبار سارة للموظفين.. المالية تعلن تبكير صرف مرتبات شهر يوليو 2024  
جريدة صوت الملايين
رئيس مجلس الإدارة
سيد سعيد
نائب رئيس مجلس الإدارة
د. محمد أحمد صالح
رئيس التحرير
محمد طرابية

سيد سعيد يكتب   2021-03-09T16:20:37+02:00

قوانين حكومة مدبولى تدهس المواطن وتحرض على الأعمال المُجَرمة

سيد سعيد

لا توجد حكومة فى أرجاء المعمورة، تسعى ليلا نهارا لابتكار وسائل جديدة ترهق بها مواطنيها، سوى حكومتنا، فقبل أن نفيق من إحدى مصائبها، وإن شئنا الدقة «إحدى بلاويها»، تلاحقنا بمصيبة أخرى أشد مرارة من سابقتها، وكأن وظيفتها دهس المواطنين بلا هوادة تحت عجلات توحشها، لا لخدمتهم والتيسير عليهم، شأن كل حكومات العالم.

 فهى دأبت على إعداد تشريعات، بدون أى نقاش مجتمعى مع المعنيين بأمرها، دون أى دراسة حول إمكانية تطبيقها، أو ملاءمتها للواقع من حيث التوقيت والحاجة إليها، الأمر الذى يثير الكثير من اللغط، ويحض على الغضب.

قبل أيام قليلة داهمتنا حكومة الدكتور مصطفى مدبولى بالإعلان عن تطبيق قانون الشهر العقارى، وهو القانون الذى أثار جدلاً واسعًا فى كافة الأوساط الشعبية بتنوع شرائحهم ومستوياتهم المجتمعية، فضلاً عن حالة الرفض التام له، كونه يتصل بفرض أعباء مالية غير منطقية، فضلاً عن تحصيل رسوم غير مبررة ومقترحة لنقابة المحامين والمكاتب الاستشارية، وأمور أخرى تمس الغالبية العظمى من المواطنين، حال البدء فى تنفيذ إجراءات التسجيل القسرى للعقارات وأماكن السكن.

 ورغم أن القانون تم إرجاء تنفيذه لأكثر من عامين، لحين دراسته وتنقيته، وإجراء التعديلات عليه، إلا أن مجرد تأجيل العمل به وليس الإلغاء التام، يعد سيفًا مسلطًا على الرقاب، مؤجلًا لبعض الوقت، الأمر الذى يتبعه فقدان ثقة المجتمع فى أى تشريع تتقدم به الحكومة إلى مجلس النواب، ويفتح فى ذات الوقت الباب واسعًا أمام توجيه الانتقادات للنواب.

 بالتزامن مع الجدل الذى صاحب قانون الشهر العقارى، أفادت وسائل إعلام أن الحكومة قدمت إلى مجلس النواب، مشروع قانون للأحوال الشخصية أثار لغطًا واسعًا، فالكشف عن بعض مواده كافية لاتساع مساحة الجدل حوله، تفاعل معها بقدر هائل قطاعات وشرائح مختلفة من المجتمع المصرى، حيث خرجت بعض الرؤى، تعبر عن رفضه، كما فتح الباب أمام السخرية من العقوبات المقررة فى نصوصه.

 الغريب أن مشروع القانون الذى يدور بشأنه الجدل، تم عرضه على مجلس النواب السابق، وشهد خلافات كبيرة كانت سببا فى عدم إصداره وكان لشيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب وجهة نظر فيه، مفادها رفض ما يتضمنه من مواد تخالف الشريعة الإسلامية، وانتهى الأمر بعدم إقراره، وفى ذات السياق لا يمكن الجزم بأن الحكومة ستعرض مشروع القانون على مجلس النواب الحالى بصيغته السابقة، كما لا يمكن الجزم أيضًا، بأنها أجرت تعديلات عليه، لكن يمكننا التأكيد على أن الإصرار على تقديمه، يفتح باب الشك فى النوايا، باعتبار أن أساليب التحايل تتجاوز قضية الجباية وابتكار أساليب «تقليب» المواطنين، خاصة أن الحكمة تقتضى عدم الإصرار على تقديمه مرة أخرى بعد أن رفضه الأزهر، فقناعة الرأى العام لن تحيد عن مباركتها لما يصدر عن المؤسسة الدينية الأهم والأكبر فى العالم الاسلامى، فعندما يتحدث الأزهر فى أمر يتعلق بالشريعة، على الجميع أن ينصت.

 ولأن القانون يخص الأسرة المصرية ويتعلق بالعلاقات المجتمعية، لم يكن غريباً أن تشهد مواقع التواصل الإجتماعى، جدلاً ممزوج بالسخرية منه والتهكم على الحكومة، التى لا تكل ولا تمل من البحث بصورة متواصلة عن طرق جديدة، لإرهاق المواطن بفرض أعباء مالية على كاهله.

 إذا كان كل ما سبق يندرج ضمن الغرائب، فإن جوهر ما تصبو إليه يتجاوز قدرة العقل على تصوره أو فهمه، فكيف لقانون يمس حياة الناس التى نظمها الدين، والقانون المستمد من التشريع السماوى، لا تتم مناقشته على نطاق واسع، عبر حوار مجتمعى، تدعو فيه الحكومة أطياف المجتمع لاستعراض جميع الإشكاليات التى تتعلق بالأسرة.

مشروع القانون يتناول قضية تعدد الزوجات على ذمة الزوج، وبحسب ما تم تداوله فى العديد من وسائل الإعلام، فهو يلزم الزوج فى مادته 58، بأن يقر فى وثيقة الزواج بحالته الاجتماعية، فاذا كان متزوجًا، عليه أن يبين فى الإقرار اسم الزوجة، أو الزوجات اللاتى فى عصمته، وكذا محال إقامتهن، ويلتزم الموثق» المأذون» بإخطارهن بالزواج الجديد بكتاب مسجل، مقرون بعلم الوصول، كما أنه حدد عقوبات حاسمة للزوج المخالف، تقضى بحبسه مدة لا تزيد على سنة وغرامة لاتقل عن 20 ألف جنيه ولا تزيد على 50 ألفًا، أو بإحدى هاتين العقوبتين، ويعاقب بذات العقوبة المأذون المختص حال عدم التزامه بما أوجبه النص القانونى.

الصيغة المعلن عنها حتى اللحظة، فتحت باب التكهن على مواقع التواصل الاجتماعى، بوجود تدخل من المجلس القومى للمرأة فى مشروع القانون، أثناء إعداده بصورته التى تم الكشف عنها، مقابل غياب تام أو تغييب، يبدو متعمدًا من الحكومة، لمشيخة الأزهر، هذه التكهنات وإن كانت الأقرب للتصديق، رغم عدم وجود شواهد أو قرائن تعززها، غير أنها فرضت نفسها على ساحة الجدل، لأن ما ورد فى مواد القانون يتنافى مع القيم الراسخة للمجتمع، ويخالف الشريعة الإسلامية، باعتبارها المصدر الرئيسى للتشريع، وفق المادة الثانية من الدستور الحالى.

 مشروع القانون بحالته التى تم الترويج له، يتضمن تشجيعًا مباشرًا لارتكاب الفواحش، ويحرض على السير فى الطرق التى اتفق المجتمع والدولة على محاربتها، وبعبارة أشد وضوحًا وأكثر دقة، المشروع يحمل تحريضًا بغير قصد على الرذائل المُحرمة والمجرمة، كونه يدفع إلى الزواج العرفى كباب خلفى للتحايل فى أحسن الأحوال أو الزنا فى أسوأ الأمور.

يكمن جوهر المشكلة بالنسبة لمشروع قانون الأحوال الشخصية، ليس لأنه أصبح ساحة للتراشق والجدل بين المجتمع والحكومة على مواقع التواصل الاجتماعى، إنما لكونه يمس الأسرة بصورة مباشرة، وما يتبع ذلك من أحكام بالسجن، أو فرض غرامات مالية أو كلاهما، وهو ما ساهم فى اتساع مساحة الغضب، لما يتضمنه من جور على الرجال وإذلالهم بصورة بغيضة فى مواجهة زوجاتهم.

الأعباء المالية المفروضة دفعت لسخرية الكثيرين من فرض الجباية التى لن تذهب للزوجة بحال من الأحوال، وفق مشروع القانون، لكنها تذهب للحكومة كغرامات، وهى رغبة أساسية لم تفصح عنها الحكومة، ولم يقترب منها الإعلام الذى يمتدح صنيعها بمناسبة ومن دون مناسبة.

 ولأن الموضوع فى غاية الأهمية والحساسية، لازال يثير الكثير من الخلاف حوله، جراء تأثيراته المتوقعة على العلاقات الاجتماعية، كونه يمس العلاقة بين الزوج وزوجته، مما سيشعل الفتن داخل العديد من البيوت والأسر حتى الهادئة منها، ناهيك عن فكرة وثيقة التأمين فى الزواج الحديث، وهى فكرة ستحد من الإقبال على الزواج، لأن القانون فرض أعباء تفوق قدرة الشباب الباحثين عن الاستقرار على الوفاء بها، حيث سيكون الشاب مكبلاً بالتزامات ضخمة مثل السكن والمهر والمفروشات والأجهزة الكهربائية، وما شابه ذلك من أمور مرتبطة بإعداد مسكن الزوجية، وستضاف إليها الوثيقة اللغز، وهذا سيبدل سنة الحياة، فبدلاً من أن يكون الزواج سكنًا ومودة ورحمة، تحول بقدرة قادر إلى علاقة مادية، مصحوبة بعقوبات وتربص وابتزاز.

أشياء أخرى يثيرها هذا الموضوع، منها ما تداوله المعنيون بالشأن القانونى من التناقض الواضح فى متن القانون الواحد، والتناقض مع قوانين أخرى سارية، من حيث عدم تناسق العقوبات وعدم ملائمتها للجرم أو الخطأ الذى يقع.. فعلى سبيل المثال، لا يوجد تناسق بين عقوبة الزنا على فراش الزوجية، وهى عقوبة مقررة فعلاً بالقانون، والعقوبة المقترحة لإخفاء الزواج الثانى فالأولى يتعامل معها القانون وكأنها أقل جرمًا من الزواج.

كل ما سبق من ملاحظات تجعل المرء يطالب بإعادة النظر فى التشريعات التى تقدمها الحكومة للبرلمان، لأنها محاولات لتحصيل الرسوم، بغض النظر عن تداعياتها الكارثية ومخالفتها للشريعة.

ما بين قانون الشهر العقارى ومشروع قانون الأحوال الشخصية، سقط بعض الإعلاميين فى هوة سحيقة من العجز والفشل، عبر محاولاتهم تبرير وتجميل كل ما يصدر عن الحكومة، ظنًا منهم أن لديهم براعة فى الإقناع والقدرة على تحويل الخبيث إلى طيب، والغث إلى ثمين، لكنهم لم يجدوا آذانًا تصغى لهم ففشلوا فى ترويج ما تصبو إليه الحكومة، فانعكس الغضب الشعبى من تبريراتهم غير المنطقية على الحكومة ذاتها، والغريب أن بعض الذين يرتدون الزى الأزهرى من المحسوبين على فئة دعاة الفضائيات، سقطوا معهم فى نفس الهوة، لأنهم يزايدون على الحكومة ذاتها فى وصلات نفاق بغيض، فى محاولة للقفز على رأى الأزهر، المرجعية الأهم لأمور الفقه والشريعة، لكنه النفاق الذى يقود إلى السقوط المدوى.

وأخيرًا، لمن لا يعرف.. توجد لجنة للإصلاح التشريعى سبق وأن تم تشكيلها بقرار صدر من رئيس الوزراء، ويحمل رقم 187 لسنة 1914، والتى تمت إعادة تشكيلها عدة مرات، لعل آخرها بتاريخ 19 أكتوبر 2020، تلك اللجنة لم نسمع عن أنها ساهمت منذ تشكيلها، فى إخراج مشروعات القوانين الأخيرة قبل أن يعتمدها مجلس الوزراء وقبل أن تصل إلى ساحة البرلمان، فهل تم عرض مشروعات القوانين عليها قبل إقرارها؟ لوحدث هذا، أى أنهم أدلوا بدلوهم فى تلك التشريعات، ففى هذه الحالة تصبح اللجنة المشكلة من خبراء فى القانون، مطالبة بالخروج أمام الرأى العام، لإيضاح وجهة نظرهم، أما إذا كان الأمر عكس ذلك، بما يعنى أنهم لا يعرفون شيئًا عن تلك القوانين، فهذا يدعو لتوجيه تساؤلات مشروعة، حول جدوى هذه اللجان، وفتح نقاش حول مرامى الحكومة من قوانين عنوانها الراسخ» تحصيل الرسوم من أى شىء.

اللجنة التى أتحدث عنها منوط بها أمور شتى، منها إعداد وبحث ودراسة مشروعات القوانين، اللازم إصدارها أو تعديلها تنفيذا لأحكام الدستور، أيضًا بحث ودراسة ومراجعة مشروعات القوانين التى تعدها الحكومة أو تطلب إعدادها الوزارات المختلفة، وكذلك تطويرها والتنسيق بينها وبين التشريعات المختلفة التى صدرت، لضمان عدم تعددها أو عدم تناقضها والعمل على ضبطها ومسايرتها لحاجات المجتمع.


مقالات مشتركة