البنك المركزي يكشف أسرار تراجع معدلات التضخم       الداخلية تعلن القبض على المتهم في واقعة العبارات المسيئة على شاشة فيصل       الحكومة تنفي عودة عمل الموظفين بنظام ( الأونلاين ) يوم واحد أسبوعيًا       أخبار سارة .. المركز القومي للبحوث ينجح في إنتاج مُخصب حيوي يزيد إنتاج المحاصيل الزراعية       وزير الإسكان : الدولة لن تسمح مرة أخرى بالبناء غير المخطط والعشوائي والمخالفات       التفاصيل الكاملة لزيارة وفد قيادات الأوقاف ل شيخ الأزهر       الحكومة: الخميس 25 يوليو إجازة رسمية بمناسبة ذكرى ثورة 23 يوليو       خطة حكومية لزيادة الاستفادة من العلماء والباحثين المصريين في الخارج       بالأرقام الرسمية .. 50 مليون زيارة من السيدات لتلقي خدمات الفحص والتوعية ضمن مبادرة دعم صحة المرأة       اللجنة الخاصة المشكلة بمجلس النواب لدراسة برنامج الحكومة الجديدة تختتم أعمالها اليوم       تفاصيل مشاركة الأهلى فى أعمال الجمعية العمومية لرابطة الأندية الأوروبية  
جريدة صوت الملايين
رئيس مجلس الإدارة
سيد سعيد
نائب رئيس مجلس الإدارة
د. محمد أحمد صالح
رئيس التحرير
محمد طرابية

تحقيقات وملفات   2021-07-31T08:50:46+02:00

العالم السرى لمافيا صناعة وتجارة الدواء فى مصر

ايمان بدر

فى فيلم "حياة أو موت" قبل حوالى نصف قرن ترددت عبارة الدواء فيه سم قاتل، ومؤخرًا تحولت هذه العبارة إلى حالة قاتلة من نوع جديد، تجسدها جملة " الدواء ناقص ولا يوجد بديل"، وتحولت هذه الحالة إلى كابوس قاتل بالفعل بدأت مع تعويم الجنيه وتقليل كميات الأدوية المستوردة الفعالة، وتفاقمت الأزمة مع ظهور وتفشى فيروس كورونا الوبائى، الذى أغلق المطارات وأوقف حركة التبادل التجارى وأصاب الاستيراد بالشلل، بالإضافة إلى انشغال القائمين على المنظومة الصحية فى غالبية دول العالم بمواجهة الفيروس وتحوراته وموجاته وتداعياته، تاركين مرضى الفشل الكلوى على سبيل المثال يموتون بسبب إختفاء الأدوية التى يتعاطونها قبيل جلسات الغسيل وبعدها، علمًا بأن غالبية علاجات الأمراض المستعصية مثل الفشل الكلوى والسرطانات والأورام هى أدوية مستوردة، وإن وجد لها بديل محلى فهو ليس بفاعلية المستورد.

وفى ظل هذه الأجواء اصبح الطبيب المعالج يكتب الروشتة ويقول للمريض نصًا "لو لم تجد الدواء هات البديل وإحمد ربنا لولقيته"، وبرزت هنا لعبة ليست بريئة بين بعض الصيادلة وشركات الأدوية حيث يتعمدون إخفاء الأنواع الرخيصة لصالح الأغلىن مقابل هدايا وإمتيازات من بعض الشركات على حساب الأخرى، وهو نفس ما يحدث مع بعض الأطباء الذى يكتب الدواء الغالى للمريض ويتجاهل البديل الرخيص، لأن شركة الدواء المدلل شركة عالمية تدعوه إلى رحلاتها ومؤتمراتها، بينما يكون البديل الفقير عادة من إنتاج شركة حكومية أكثر فقرًا تئن تحت وطأة الفساد والخسائر وإهدار المال العام.

وعلى ذكر دور الدولة فى هذا المجال، بعد أن تلاشت شركات الدواء الوطنية وإختفت منتجاتها من على أرفف الصيدليات، من المعروف أن الرئيس عبدالفتاح السيسى إفتتح مطلع شهر إبريل الماضى اول مدينة مصرية للدواء بمنطقة الخانكة، والتى تعد من أكبر المدن من نوعها على مستوى الشرق الأوسط، وتقع على مساحة 180 ألف متر مربع، ويومها أشار الرئيس إلى أنه برغم التكلفة المالية الكبيرة للمدينة المزودة بأحدث التقنيات والنظم العالمية فى مجال الصناعات الدوائية واللقاحات، ولكن الهدف بحسب السيسى ليس البيع أو الاستتثمار، إنما أن تمتلك مصر قدرة إنتاجية حقيقية على أعلى مستوى لا يقل عن مثيله فى أرقى دول العالم.

تصريحات الرئيس فتحت الباب أمام تساؤلات حول مدى إمكانية تحقيق ذلك على أرض الواقعن خاصًة أن الأمر لا يتطلب إنشاء مصانع فقط، ولكن من المقرر أن يتم جذب كبريات الشركات لإقامة فروع لها فى هذه المدينة، فهل سيختلف الأمر حينما يصبح الدواء الذى كنا نستورده مصنع محليًا لكن بخبرات وإمكانيات شركة الشركة الأم، أم أن الأمر يتطلب التعامل مع منظومة قطاع الصحة بأكمله من مستشفيات وعيادات وأطباء وصيادلة وصولًا إلى مراكز البحث العلمى التى هى عماد هذه الصناعة.

 

 

            مفاجأة: مصر تنتج 88 % من استهلاكها ومازالت أزمة نواقص الدواء مستمرة

 

-           تفاصيل خطة الحكومة لدعم قطاع الادوية كشف حساب الهيئة من 2019 وحتى الآن

-           حقيقة الأضرار التى لحقت بالصناعة بسبب سياسة الانفتاح الاقتصادى وغزو الشركات الاجنبية للسوق المصرى

 

رغم إستمرار أزمة نواقص الأدوية، التى لا تكاد تختفى فى نوع معين إلا وتظهر فى نوع آخر، ولكن الأرقام الرسمية تؤكد أن الإنتاج المحلي من الأدوية في مصر يغطى حوالى 88% من استهلاكها.

 وبالرغم من أن عام 2019 يعد الأسوأ فيما يتعلق بكثرة الأنواع الناقصة والمختفية من الأسواق، والتى لم يظهر بعضها حتى الآن، ولكن في عام 2019 ذاته، أعلنت الحكومة المصرية عن صياغة خطة وطنية لدعم قطاع الأدوية، بداية من إنشاء هيئة الدواء المصرية، والإعلان عن إقامة مدينة متكاملة للدواء، بالإضافة إلى التوسع في منظومة التأمين الصحي الشامل.

وحول تلك الفكرة صدرت مؤخرًا دراسة بعنوان "قطاع الدواء في مصر بين الفرص والتحديات"، أعدتها الباحثة

سالي عاشور، التى لم تتطرق فقط إلى الخطوات التى اتخذتها الحكومة الحالية عام 2019، بل عادت بورقتها البحثية إلى تاريخ صناعة الدواء فى مصر موضحًة أن تلك الصناعة تطورت في مصر منذ بداية القرن العشرين، وقد مرت الصناعة بخمس مراحل رئيسية، المرحلة الأولى امتدت خلال الفترة (1930-1961) لتشهد بداية الصناعة في مصر من خلال إنشاء عدد من شركات القطاع الخاص ثم دخول شركات الدواء التابعة لبنك مصر، ثم بعد قيام ثورة يوليو 1952 وبدء سياسة الإحلال محل الواردات والتوسع في إنشاء الشركات المملوكة للدولة.

وانتقلت الباحثة فى سياق دراستها إلى المرحلة الثانية خلال الفترة (1961-1973) والتي تعد أهم مراحل صناعة الدواء، حيث شهدت إنشاء الهيئة العامة للصناعات الدوائية والتي تولت تنظيم الصناعة، كما توسعت شركات القطاع العام في إنتاج الأدوية لتنجح في عام 1970 في تغطية نحو 90% من استهلاك السوق المحلي.

وأشارت "عاشور" إلى إنه مع بدء سياسة الانفتاح الاقتصادي بدأت صناعة الدواء في مصر مرحلة ثالثة جديدة تمتد خلال الفترة (1973-1983) مع دخول الاستثمارات الأجنبية للقطاع وبدأت في إنشاء مصانع خالصة الملكية أو مشروعات مشتركة مع القطاع العام.

كل تلك التحولات دفعت الدولة إلى ضبط الأطر المؤسسية والتنظيمية من خلال إنشاء الهيئة العامة للصناعات الدوائية بدلًا من المجلس الأعلى للدواء لتضع بداية للمرحلة الرابعة من مراحل تطور القطاع والتي امتدت خلال الفترة (1983-1990)، ثم جاءت المرحلة الخامسة والأخيرة التي شهدت عددًا من الإجراءات التنظيمية أيضًا، منها إنشاء الشركة القابضة للأدوية بدلًا من الهيئة العامة للصناعات الدوائية.

 

-           خريطة قطاع الدواء

 

-           لدينا 152 مصنع و700 خط إنتاج و 6300 مستحضر دوائى

 

-           القيمة السوقية لقطاع الأدوية 38.3 مليار جنيه ويتوسع  ليصل إلى 48.6 مليار جنيه

 

رصدت الدراسة أهم معالم خريطة الصناعات الدوائية الحالية، حيث يضم قطاع الأدوية المصري حاليًا 152 مصنعًا، و700 خط إنتاج، و6300 مستحضر متداول، وتنتج مصر 88% من احتياجاتها على وجه الدقة.

وفى سياق متصل يعد سوق الدواء المصري أكبر سوق في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا من حيث حجم استهلاك الأدوية، وثاني أكبر سوق بعد السوق السعودي من حيث القيمة، حيث تبلغ القيمة السوقية لقطاع الأدوية 38.3 مليار جنيه مصري (2.1 مليار دولار أمريكي).

وتناولت الدراسة بالبحث والتحليل تقرير تقرير مؤسسة فيتش سليوشنز، الذى أشار إلى أن السوق يتوسع بمعدل نمو سنوي مركب يبلغ (7.9%) بالعملة المحلية و9.1٪ بالدولار الأمريكي، ليصل إلى 48.6 مليار جنيه مصري.

 

فى مقدمتها شركة نوفارتس وعائلة باسيلى

 

            حقيقة إحتكار 10 شركات خاصة لسوق الدواء

 

لسنوات بل ولعقود طويلة ظلت عائلة "باسيلى" هى المسيطرة على مجال انتاج وتجارة الأدوية والمستحضرات الطبية فى مصر، والتى تضم عميد العائلة الدكتور ثروت باسيلى وشقيقيه جورج وحبيب باسيلى، ولأن الاقتصاد والسياة وجهان لعملة واحدة عرف عن الدكتور ثروت قربه من السلطة إبان عهد الرئيس الأسبق الراحل حسنى مبارك، حيث كان " باسيلى" عضوًا معينا بمجلس الشورى، وعضو بلجنة سياسات الحزب الوطنى الحاكم آنذاك.

وحتى بعد دخول كيانات أخرى هذا المجال الذى لم يعد قاصرًا على عايلة بعينها، ولكن مازالت شركات القطاع الخاص تستحوذ على نصيب كبير من إجمالي إنتاج الأدوية في مصر، حيث تمثل حوالي 85% من إجمالي الإنتاج،

 بينما استحوذ القطاع العام على %15 من إجمالي الإنتاج.

وبالأسماء أشارت الدراسة إلى وجود حوالي 10 شركات تستحوذ على النصيب الأكبر من إجمالي حجم مبيعات الأدوية في مصر، موضحًة أن شركة نوفارتس القائمة مستحوذة على أكثر من 7% من الحصة السوقية.

 

            قيمة الصادرات 272 مليون دولار فقط مقابل 2.6 مليار دولار للواردات

 

 

انتقلت الدراسة من السوق المحلى إلى الصعيد الخارجى، حيث بلغت قيمة الصادرات المصرية من الأدوية حوالي 271.8 مليون دولار مقابل 2.6 مليار دولار للواردات، وفى هذا السياق تشير تقديرات مؤسسة "فيتش" إلى نمو الصادرات المصرية بمعدل 6.7% خلال السنوات الخمس الأخيرة.

 

                      أسرار ارتفاع أسعار الأدوية بعد تعويم الجنيه

 

تتكرر دائمًا شكاوى المرضى بشأن ارتفاع أسعار الادوية، خاصًة أدوية الأمراض المزمنة التى يعانى منها غالبية المصريين، وقد يبدو الأمر منطقيًا فى ظل قفزات أسعار الدولار على خلفية تحرير سعر الصرف، بالنسبة للادوية المستوردة، خاصًة بعد توقف الكثير من المصانع وإغلاق حركة الاستيراد إبان إغلاق الدول بسبب إنتشار فيروس كورونا الوبائى، ولكن وفقًا لقانون العرض والطلب حينما يرتفع سعر الدواء المستورد او يتوقف استيراده، يتزايد الإقبال على البديل المحلى فيرتفع سعره هو الآخر، مما يزيد الأعباء على كاهل المريض الفقير، فى ظل عجز غالبية السمتشفيات الحكومية عن توفير الأدوية اللازمة.

وحول مشكلة أسعار الأدوية وآليه تسعيرها، عادت الورقة البحثية إلى بدايات القصة، حيث تم تنفيذ مخططات التسعير في مصر منذ الستينيات من خلال لجنة التسعير التابعة للهيئة الدوائية للرقابة والبحوث الدوائية التي تحدد أسعار الأدوية المنتجة محليًا والمستوردة بناءً على تقديرها الخاص وقدرة شركات الأدوية على التفاوض.

 ثم شهد إطار عمل التسعير تطورًا بحلول التسعينيات بإنشاء آلية جديدة للتسعير بناء على التكلفة الاقتصادية، ثم مع ضغط شركات الأدوية الأجنبية لرفع أسعار الدواء محليًا، تبنت الدولة نموذج التسعير المرجعي الخارجي الذي وضعته منظمة الصحة العالمية لتوجيه البلدان مع ترك اختيار البلد المرجعية في تحديد الأسعار إلى تقدير لجنة التسعير.

وفي عام 2017، أصدرت وزارة الصحة قرارًا برفع أسعار أكثر من 3 آلاف دواء بنسبة 30 % – 50 % بموجب صيغة تسعير جديدة، وذلك تواكبًا مع تحرير سعر الدولار وتعويم الجنيه المصري فى نوفمبر عام 2016.

 

أبرزها الفساد واحتكار الشركات متعددة الجنسيات ونقص التقنيات

 

روشتة علمية لعلاج الأمراض المستعصية فى قطاع الأدوية

 

بعد أن أصبحت مصر مركزًا للإستشفاء من بعض الأمراض وفى مقدمته فيروس الالتهاب الكبدى الوبائى سى، وأصبحت تتطلع إلى ان تستقبل الاجانب للعلاج فى مصر، كما تتجه بقوة نحو تصنيع الامصال واللقاحات وابزرها لقاحات فيروس كورونا، الذى أصدر رئيس الجمهورية توجيهاته بأن يتم تصنيعه محليًا، من المؤكد أن قطاع صناعة الدواء المصري أصبح حاليًا من أهم القطاعات الواعدة في ظل تزايد الطلب العالمي والمحلي واهتمام الدولة بالقطاع، إلى حد الاتجاه نحو إنشاء مدينة متكاملة للدواء وتطبيق لمنظومة التأمين الصحي الشامل.

 وبالرغم من ذلك مازال القطاع  يعاني من بعض أوجه القصور والتي يمكن العمل على معالجتها، أوردت الدراسة بعضها ويأتي في مقدمتها: سياسات تسعير الدواء، فقد أظهرت الدراسات تحديات بداية من تحديد البلدان المرجعية. وتطرقت الدراسة إلى ذكر بعض التفاصيل، لافتًة إلى أن  استخدام بلد منخفض الدخل للبلدان ذات الدخل المرتفع كمرجع وحيد قد يؤدى إلى تضخم الأسعار، ونقص المعلومات حول الأسعار والتكاليف والأرباح في البلدان الأخرى، بالإضافة إلى تحديات تسعير أخرى تتمثل في الفساد والممارسات الاحتكارية غير التنافسية للشركات متعددة الجنسيات، وهى أمور يجب التعامل معها بالقوانين الدولية والمحلية واتفاقيات التجارة الحرة العالمية التى تحمى المنافسة، وتحفظ حقوق الدول فى تعدد مصادر الحصول على الدواء أو اللقاح.

 ولأن مجال تصنيع وإنتاج الدواء مرتبط إرتباط مباشر بالبحث العلمى والتعليم المتطور، أشارت الدراسة إلى مشكلة تقنيات صناعة الدواء، ونقص القدرة على البحث والتطوير حيث بلغ متوسط إنفاق مصر السنوي على البحث والتطوير كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي خلال الفترة (2010 – 2019) حوالي 0.6%، هذا بالإضافة إلى العقبات المتعلقة بتسجيل وحماية الملكية الفكرية لبراءات الاختراع.

وشددت الباحثة فى ختام دراستها على ضرورة إنشاء هيئة مسئولة عن معالجة عوائق وسياسات الملكية الفكرية، وفقًا لنص المادة 69 في الفصل الثالث من دستور 2014، بالإضافة إلى العمل على حماية وتطوير صناعة الدواء المحلي وتطوير منظومة البحث العلمى وتوفير الميزانية الكافية.


مقالات مشتركة