جريدة صوت الملايين
رئيس مجلس الإدارة
سيد سعيد
نائب رئيس مجلس الإدارة
د. محمد أحمد صالح
رئيس التحرير
محمد طرابية

سيد سعيد يكتب   2021-08-08T19:12:13+02:00

رغيف «العيش» المٌفترى عليه من الحكومة

سيد سعيد

فى موروث المصريين على مر العصور، يرتبط رغيف الخبز بمعنى العيش، فيقال» العيش» وليس الخبز، لأنه القوت اليومى، الذى يغنى البسطاء عن سؤال اللئيم، يعملون لأجل توفيره، فيطلقون على العمل «أكل العيش»، وإذا سألت أحدهم عن الشقاء والصبر على تحمل الصعاب، يسارع بالقول «أكل العيش مٌر» ، حتى فى علاقاتهم الإنسانية، يطلق المصريون على الشخص الوفى بأنه» صان العيش والملح» ويطلقون على الغادر بأنه «خان العيش والملح»، ولو أن صاحب عمل أو مدير مٌتجبر، قام بإنهاء خدمة عامل، أو موظف لسبب أو لآخر، يقولون على الفعل «قطع عيش»، فهو أحد أهم أركان الحياة، مثل الماء والهواء، من دونه لا يقوى الإنسان على العيش، كريمًا، وهذا ينطبق على الكل، الغنى والفقير، لذا فإن الحديث عنه يكون، دائمًا، مشحون بقدر هائل من الحساسية، باعتباره رمزًا للحياة، فما بالنا من المساس به. تابعت مثل غيرى من المهمومين بالشأن العام، ردود الفعل حول فكرة التوجه نحو رفع سعر رغيف الخبز المدعوم، ووجدت أن مجرد طرح الفكرة، كفكرة لا أكثر، كفيلة بأن تثير موجة من الغضب الشعبى داخل المجتمع المصرى، خاصة أن شريحة ليست بالهينة، تعيش على رغيف الخبز دون سواه، أى بدون مكملات أخرى، وهذه الشريحة، ليست بعيدة عن العيون، فهى معلومة ومرئية للكافة، سواء فى الريف أو الحضر، هؤلاء أنهكت قدراتهم الإجراءات الاقتصادية، ومنها الزيادة المتوحشة فى فواتير الخدمات الضرورية «كهرباء مياه غاز»، ولم يتبق لهم من حقوق مشروعة على الدولة، سوى دعم المواد الأساسية، وعلى رأسها رغيف الخبز لكى يعيشوا فى منأى عن السؤال.

 فى سياق التداعيات الناتجة عن التصريحات، لا أنكر تباين وجهات النظر النخبوية حول الفكرة، بين معارض لها شكلاً وموضوعاً، ومؤيد لها على استحياء، أو مؤيد لها بالتبرير البغيض، الذى لا يمت للمنطق بصلة، هذا التباين يمكن أن يكون مقبولًا فى أى شأن آخر، لكن حين يتعلق الأمر بالعيش، لا يصح أن تمارس النخبة» ضئيلة العدد وسطحية الفكر» أساليب الترويج غير المقبولة لكل ما تفعله الحكومة، وكأن ما تقدمه من بيانات، أصبح قرآنًا مٌنزلا من السماء، يجب التسليم به دون مناقشته أو انتقاده، أو حتى الاقتراب منه.

 يا سادة.. نحن جميعنا بشر، نصيب فى أمور، ونخطئ فى أمور أخرى، وليس عيبًا أن نخطئ، ونتدارك الخطأ، لذا يجب أن تختفى الوصاية الإعلامية من أشرار البشر، ممن لا يدركون تداعيات أسلوبهم الفج والقبيح، فى مباركة كل ما تعلنه الحكومة، وأحيانًا كثيرة تصل بجاحتهم إلى التحريض على اتخاذ المزيد من الإجراءات الاقتصادية القاسية، والتى تفوق القدرة على التحمل، دون أى اعتبار للتداعيات الكارثية على المجتمع، التى تزيد من خريطة الفقر، وما ينتج عنها من جرائم سرقة وقتل، وارتفاع فى نسبة الطلاق، وعلى القدرة على التعايش مع أى مستجدات، أقصد هنا التفريط فى الانتماء.

فالنظر إلى فكرة رفع الدعم فى حد ذاتها بقدر من الموضوعية، حتمًا سيقودنا هذا، شئنا أم أبينا، إلى حقائق، لا يجب أن تغيب عن أذهان البعض، خاصة ممن يزعمون، زورًا، بأنهم يشكلون وعى الرأى العام، هؤلاء عليهم أولا، معرفة أن رغيف العيش، لا يجب إخضاعه بأى صورة من الصور لمعايير اقتصادية مجردة، يدور مجملها فى فلك حسابات المكسب والخسارة والتكلفة السوقية وغير ذلك، من دون النظر إليه من الناحيتين السياسية والاجتماعية، فضلًا عن جانب آخر له أهمية قصوى، وهو المتعلق بدور الدولة ومسئوليتها الإنسانية والأخلاقية فى توفير الحماية الاجتماعية للفئات غير القادرة، وهى فئات تمثل ثلث المجتمع على الأقل.

 المثير للدهشة فى القصة برمتها، ليس، فقط، التفكير فى رفع الدعم جزئيًا أو كليًا، إنما فى أمور أخرى كثيرة تتعلق بتقارير الجهات الرسمية، المعاونة لمؤسسة الرئاسة، فتلك الجهات لا تتسم تقاريرها بأى قدر من الموضوعية أو المصداقية، فهذا ميراث متراكم منذ عشرات السنين، ومن هذه الزاوية لا يوجد فى بيانات الحكومة ما يمكن الارتكاز عليه أو الانطلاق منه صوب دراسة أى قرار رسمى حالى أو مستقبلى، كما لا توجد أدنى مبالغة، إذا جرى وصف هذه التقارير بأنها لا تتسق مع المنطق، ولا تتوافق بأى حال من الأحوال مع الواقع، خاصة فيما يتعلق بسعر الرغيف المدعوم، الذى يدور فى فلك منظومة فساد محترفة، تبدأ من تاجر الدقيق، وتنهى بصاحب المخبز، مرورًا بموظف التموين.

تعرض سعر رغيف العيش للارتفاع عدة مرات بطريقة غير مباشرة، والزيادة تمثلت فى، إنقاص وزنه مرتين إلى أن وصل أخيراً إلى 90 جرامًا فقط، بحسب التعليمات الصادرة من وزارة التموين إلى أصحاب المخابز، أما الواقع الفعلى بالنسبة للوزن، فحدث ولا حرج، أما الجودة، فهى تحتاج إلى مجلدات فى الوصف. التقارير تشير إلى أن تكلفة رغيف الخبز تساوى 65 قرشا، وهو يباع بـ 5 قروش فقط، بما يعنى أن الدولة تدفع من الموازنة العامة دعم 60 قرشا للرغيف الواحد، أى 12 جنيها لكل 20 رغيفًا، وهذا القول مجاف للحقيقة شكلا وموضوعا، فالواقع على الأرض يدحضه تمامًا، ولنا فى رغيف الخبز الحر، المعروف بالسياحى، خير مثال، فهو يباع فى المخابز بنصف جنيه شامل الربح، بما يعنى أن صاحب المخبز يشترى الدقيق بسعر السوق ويكسب، وتاجر الدقيق يبع بسعر الجملة ويكسب، كما أن وزنه 110 جرامات.

أن التقارير الرسمية المتعلقة بدعم الخبز، لا يجب التعامل معها على أنها حقيقية ومستوفاة من كافة جوانبها، حيث توجد ضرورة ملحة بإخضاعها للرقابة، والكشف عن حقيقة الإنفاق على الدعم، وعلى الجميع إدراك، أن القيادة السياسية لم تدخر جهدا أو وقتًا فى محاربة كل أوجه الفساد، والتعليمات الصادرة بهذا التوجه معلنة ومعلومة لكافة الأجهزة الرقابية، لأن الصمت عليها سيبجعل الشعب يدفع ثمن خطايا الحكومات المتعاقبة على مدار عدة عقود، فهذه الحكومات لم تكن صادقة بالمرة فى البيانات التى تقدمها لصانع القرار، أو للمؤسسة التشريعية التى تناقش الموازنة العامة للدولة، فهى دأبت على الفهلوة فى سرد البيانات، ليس إلا.

 من مظاهر الفهلوة الغائبة، دائما، عن الرصد من الجهات الرقابية، إدمان التضليل وإهدار المليارات، عبر تستيف الأوراق من الناحية الرسمية، فالتوجه نحو زيادة سعر الرغيف، جرى ربطه بالتوجه نحو توفير 8 مليارات جنيه، لدعم بند مهم وهو الخاص بالتغذية المدرسية، لكن أحدًا لم يسأل خلال عدة عقود مضت، هل توجد بالفعل تغذية للتلاميذ فى المدارس الحكومية؟ وإذا لم تكن موجودة فيصبح التساؤل الجوهرى، أين تذهب المليارات المخصصة لها فى موازنة التربية والتعليم؟ فهذه المليارات تتم تسوية أوجه انفاقها على الورق» تستيف»، فالواقع لا يقول فقط، بل يؤكد بما لايدع مجالا للشك، أن الأمر برمته يدار من خلال منظومة فساد محترفة، أضاعت على الدولة عشرات المليارات من الجنيهات خلال عدة عقود، ولم تجد من يتصدى لها، فهذا البند المهم، أؤكد للمرة المليون أن بند التغذية المدرسية مهم، بل مهم جدًا، حال الاستفادة منه، خاصة أن الدولة تنفق عليه قرابة الـ 8 مليارات جنيه سنويًا، ولعل آخر تلك المخصصات بلغت 7.7 مليار فى موازنة 2021 2022،، والواقع يؤكد، أيضا، عدم وصول التغذية المزعومة للتلاميذ، فقط يتم التدليس، حيث تصرف لمدة أسبوعين فى كل تيرم، وبقية العام الدراسى، لا توجد تغذية، ولا يحزنون، أين ذهبت؟ وكيف ذهبت؟، لا أحد يعلم. يقينًا.. الرئيس عبدالفتاح السيسى يريد أن تكون مساهمة الدولة فعالة فى دعم الأسر البسيطة، من خلال توفير وجبة غذائية صحية لأبنائهم فى المدارس الحكومية، لذا جاءت مبادرته، باستقطاع بند التغذية من دعم رغيف الخبز، وبالتأكيد جاءت الفكرة بناءا على بيانات وتقارير، مقدمة اليه من جهات حكومية، هذه الرغبة فى مضمونها سوف تلقى استحسانا وقبولا من الرأى العام، لأنها تخص أبناء البسطاء فى المدارس الحكومية، ولا يمكن بحال من الأحوال تجريد تلك الرغبة من سياق توجهات الدولة للنهوض بالعملية التعليمية، والتى تدور فى فلك استراتيجية التنمية المسدامة، باعتبار أن التعليم هو النواة الأساسية لتقدم المجتمعات والنهوض بها على المستويات كافة، لكن التقارير المقدمة حولها ألف علامة استفهام، وهو ما يدعونا للمطالبة بالتحقيق فيها، ومحاسبة الفهلوية الذين يقدمونها، من دون إدراك للعواقب ما يصنعون. جانب آخر يدحض دعاة الدفاع عن قرارات الحكومة، والذين يمارسون دورهم على طريقة» أنصر وزيرك ظالمًا أو مظلومًا»، فهؤلاء احترفوا الرقص بمناسبة وبدون مناسبة، فزادوا جراء صنيعهم مساحة الكراهية من أى شىء تفعله الحكومات السابقة والحالية، وأكاد أجزم والحكومات القادمة أيضا، طالما بقيت الوجوه الكريهة فى صدارة مشهد التبرير البغيض. يا سادة.. هناك أمور عدة، يجب التوقف أمامها كثيرا، باعتبارها محفزة على دحض ادعاءات محترفى استفزاز الناس، واحتكارهم حب البلد، لأن المخالف، من وجهة نظرهم، لا يحب البلد، وهذه جريمة أن كنتم لا تعلمون، فالقراءة الدقيقة لما يحيط بقضية الخبز، التى أشعلت الجدل، نعم أشعلت الجدل، وحرضت على الخوف من القرارات الصادمة، لفت نظرى حزمة من الأمور، يجب أن توضع فى الاعتبار، أولها، ضرورة مراجعة التقارير بجدية، والتعرف على حقيقة المعلومات، لأن الواقع يؤكد وجود تضليل عمدى، وللتأكيد على ذلك، هناك بعض الأمور التى يجب التوقف أمامها لأهميتها فى تناول الموضوع، الذى نحن بصدده، منها على سبيل المثال، طن القمح الفاخر 3244 جنيها، وهو الدقيق السياحى عالى الجودة، وبالمناسبة هذه البيانات رسمية، أى صادرة عن الحكومة، بما يعنى أن سعر الكيلو 425، بحسب آخر منشور لوزارة التموين قبل عام سعر جوال الدقيق الـ 100 كيلو بـ 265 جنيها، وطبقا لنفس المنشور، فان انتاج الجوال 1450 رغيفا، وبذلك تصبح تكلفة الرغيف 48 قرشا، طبقا لنفس القرار، وهذا ينفى صحة المعلومات المتداولة من أصحاب المخابز، وبعض المستفيدين من الفساد، المرتبط برغيف الخبز. فى سياق الاستفادة القصوى من أى توجهات،على حساب الغالبية العظمى من الشعب، سارعت الغرفة التجارية، وفوضت نفسها مسئولة عن المجتمع، وأعدت ما أطلقت عليه دراسة، حددت فيها سعر الرغيف ب، 20 قرشًا أى بزيادة 300 بالمئة، وأعلنوا عن مشاركتهم عبر السوشيال ميديا، فاذدادت مساحة الغضب، وتعامل الجمهور مع ما جرى تداوله باعتباره صادرا عن الحكومة، التى يبدو أن ذلك وافق هواها، ولم تخرج بأى تصريح تنتقد فيه الغرفة التجارية، فهؤلاء يمثلون أصحاب المخابز، وهم وحدهم دون سواهم، المستفيدين بالأساس من الفوضى التى تسببت فيها وزارة التموين.

 التوجه السليم يقول، لا بد من تنقية بطاقات التموين، وبقدر من المعقولية، وليس تنقية عشوائية، مثل الحادث الآن، فكيف يكون عدد المستفيدين من الدعم التموينى للخبز 66.7 مليون شخص، وعدد بطاقات التموين 63.6 مليون، هنا يكمن الفساد بعينه، فالبطاقات التموينية تصدر للأسر، وأقل أسرة بها فردين، زوج وزوجة، ولو حسبنا على هذا الأساس من دون أولاد، سنجد أن المستفيدين يفوق عددهم الـ 126 مليون، وهذا غير صحيح، ويتنافى مع إحصائيات الوزارة عن المستفيدين، وللجميع أقول كفاكم عبث، يرحمكم الله.


مقالات مشتركة