البنك المركزي يكشف أسرار تراجع معدلات التضخم       الداخلية تعلن القبض على المتهم في واقعة العبارات المسيئة على شاشة فيصل       الحكومة تنفي عودة عمل الموظفين بنظام ( الأونلاين ) يوم واحد أسبوعيًا       أخبار سارة .. المركز القومي للبحوث ينجح في إنتاج مُخصب حيوي يزيد إنتاج المحاصيل الزراعية       وزير الإسكان : الدولة لن تسمح مرة أخرى بالبناء غير المخطط والعشوائي والمخالفات       التفاصيل الكاملة لزيارة وفد قيادات الأوقاف ل شيخ الأزهر       الحكومة: الخميس 25 يوليو إجازة رسمية بمناسبة ذكرى ثورة 23 يوليو       خطة حكومية لزيادة الاستفادة من العلماء والباحثين المصريين في الخارج       بالأرقام الرسمية .. 50 مليون زيارة من السيدات لتلقي خدمات الفحص والتوعية ضمن مبادرة دعم صحة المرأة       اللجنة الخاصة المشكلة بمجلس النواب لدراسة برنامج الحكومة الجديدة تختتم أعمالها اليوم       تفاصيل مشاركة الأهلى فى أعمال الجمعية العمومية لرابطة الأندية الأوروبية  
جريدة صوت الملايين
رئيس مجلس الإدارة
سيد سعيد
نائب رئيس مجلس الإدارة
د. محمد أحمد صالح
رئيس التحرير
محمد طرابية

سيد سعيد يكتب   2021-09-12T23:09:34+02:00

أنا والنصابون.. ومراكز بيع الوهم

سيد سعيد

 ترددت كثيرًا قبل كتابة هذا المقال، لأن مضمون ما أريد طرحه، يتعلق بواقعة تخصنى على المستوى الشخصى، ولا أنكر أن الحيرة سيطرت على تفكيرى كله، وبدا لى الأمر من الوهلة الأولى، وكأننى أعيش حالة من الصراع الداخلى، أو شجارًا بين رغبة ذاتية وقواعد مهنية، وإلى أى منهما أنتصر.

 فأنا أعلم أن القارئ لا تهمه المشكلات الشخصية والذاتية، وأتفهم ذلك تمامًا، فهو ينتظر من الكاتب أن يتصدى لمشكلات الناس، ويواجه المسئول أيًا كان موقعه بأخطائه وخطاياه، ينتظر منا أن نفتش عن أسباب الفساد، ونعرى الفاسدين دون رحمة، وننتصر له من أجل حياة كريمة فى وطن آمن ينعم فيه بجميع الحقوق، وأن ننحاز له دون سواه، وهذا حقه علينا، وهو حق أصيل له، لا يستطيع أحد أن ينازعه فيه، كما أننى لا أستطيع تجاهل هذا الحق سهوًا، أو إغفاله عمدًا لأى سبب كان، مهما كانت قسوة المعاناة أو المشكلة الشخصية، فهى تخصنى وحدى دون سواى.

 لكننى أود أن أشير إلى نقطة جوهرية، تبدو لى فى غاية الأهمية، لا يمكن لى أن أقفز عليها بحال من الأحوال، مفادها، أن ماظننته صراعًا بين نقيضين، هو بالأساس مزيج بين الخاص والعام، ولا يمكن فصل أحدهما عن الآخر، فما يخصنى ليس شأنًا شخصيًا، لكنه يخص ملايين الناس، بل كافة المصريين بتنوع شرائحهم المجتمعية، الغنى والفقير، المتعلم، والرجل الأمى البسيط، وصاحب المنصب والوجاهة والأرزقى الـ«شقيان».

 لذا فإن مسئوليتى الوطنية ورسالتى ككاتب وصحفى، احترف التوتر والقلق لصالح المواطن، الذى لولاه ما كان لى أن أمسك بالقلم، أو أصرخ فى وجه أى مسئول، تحتم علىَ أن أكون متسقًا مع ذاتى.. فكيف لى؟ أن أدافع عن حقوق البسطاء من أهلنا وناسنا فى كل أرجاء المحروسة، وأنا لا أستطيع انتزاع حقى من براثن مافيا، احترفت النصب والخداع، وأنا لم أكن بمفردى وقعت ضحيتها، بل الملايين وأنا واحد منهم، كيف لى أن أجاهر بالحرب ضد الفاسدين فى العلن قولًا وكتابةً؟ وفى نفس الوقت، أتوارى عنهم حين يتعلق الأمر بشخصى، فهذا لا يتسق مع طبائع الأمور، لذا وجدت من الضرورى، بل من الضرورى جدًا، القفز على ترددى عن الكتابة، فالقضية شأن عام وليست شأنًا خاصا.

 لأننى أبغى التصدى للعبث بصحة المصريين وتعرضهم للمخاطر، نعم.. أؤكد أننى انتزعت حقى الشخصى بالقانون، وكنت وما زلت، وسأظل مستعدًا للذهاب إلى أبعد نقطة فى آخر حدود الكون، لكى أكشف حقيقة العابثين بصحة المصريين، ممن احترفوا النصب على المواطنين بالإعلانات الزائفة، والإيهام بقدرتهم على علاج الأمراض المستعصية، وأيضًا فضح كل المتسترين على تلك المافيا، بداية من وزارة «لامؤاخذة» الصحة وإداراتها الرقابية، وليس نهاية بالإعلام المضلل والعشوائى، الذى أتاح الفرصة، لظهور النصابين بمقابل معلوم، تمكنوا بظهورهم من خداع الناس، وغالبيتهم من غير المتخصصين فى المجالات التى يزعمون أنهم من أربابها، يعنى من الآخر، هم فهلوية ومنتحلى صفة، استباحوا أجساد الناس وصحتهم وأموالهم، ومن العجب العجاب أن المسئولين عن الرقابة، يعيشون فى واد آخر غير الذى نعيش فيه.

القصة ببساطة، رغم أن الواقعة تخصنى، إلا أنها حدثت مع آخرين وستحدث، ما لم يتم التحذير منها والتصدى لها بقوة، خاصة بعد أن أصبحت عملية النصب تمثل ظاهرة.. تعرضت لآلام العمود الفقرى، شأن آخرين كُثر فى بر مصر، ظللت أتردد على الأطباء للعلاج من الآلام المصاحبة للانزلاق الغضروفى، فوجدت على واحدة من القنوات الفضائية، برنامج يستضيف طبيبًا، صاحب مركز «قورة لجراحات العمود الفقرى»، أبهرنى بعرضه عن الجراحات المتطورة التى يجريها بمركزه بمنطقة الدقى، فتوجهت إلى هناك، استقبلنى طبيب اسمه أيمن مجدى، وتقابلت مع الطبيب محمد قورة، الذى يزعم أنه استشارى، وبعد اطلاعهم على التقارير والأشعات، وطلبا أشعة حديثة من أحد المراكز فى إطار تبادل المنافع بينهما، قررا إجراء جراحة، واتفقا معى على المبلغ 60 ألف جنيه، وحددا لى الموعد، قالا لى، إن الآلام ستختفى بعد 3 أيام فقط، لكن الآلام لم تبرح جسدى، فأخبرانى أن الأمر سيستمر عدة أسابيع، ترددت على المركز لعمل جلسات علاج طبيعى» يوجد بالمركز معمل تحاليل ووحدة علاج طبيعى»، استمر الألم 6 أشهر، ساورنى الشك، قمت بعمل أشعة حديثة تمت مطابقتها بالأشعات الأخرى، وكانت الكارثة، لم يحدث أن أجريت لى جراحة، فقط، تم فتح الظهر، ثم الحقن بأمبول» كيرتيزون» لتسكين الآلام، بدأت فى خطوات البحث عن صاحب المركز وزميله، فتبين لى أن «النصب» هو العنوان الرئيسى لنشاطهما، يقوما بإقناع المترددين على المكان بقدرتهما الفائقة، ومهارتهما غير المسبوقة، فى جراحات العمود الفقرى، لكن الحقيقة التى أصبحت دامغة، ولا يستطيع أحد التشكيك فيها، أن البراعة والمهارة فى النصب فقط، فالطبيبين اللذين ذكرتهما، لا علاقة لهما بجراحات العمود الفقرى من الأساس، تبين لى أن تخصصهما فى التخدير، وأثناء العملية يذهبا بالمريض إلى مستشفى آخر، لاستخدام أسماء أطباء آخرين على الورق، يعنى جريمة مكتملة الأركان، مغلفة بقدر هائل من النصب المُبتكر.

المثير فى الأمر أن الحملات الدعائية للمركز سواء فى برامج بيع الوهم على القنوات الفضائية، أو السوشيال ميديا، يتم تقديم محمد قورة على أنه، استشارى جراحات وعلاج العمود الفقرى، ويقوم بشرح خطوات العمليات بالصوت والصورة، لتسويقه كمتخصص فى هذا المجال على غير الحقيقة، وبهذه الحيلة الإعلانية، مدفوعة الأجر لوسائل إعلامية وقنوات فضائية مفضوحة، لا يهمها سوى تحصيل مقابل الإعلان، وقع الكثيرون ضحايا لأساليب النصب، عبر إيهام الناس بإجراء جراحات دقيقة، والحقيقة أن ما يحدث ليس سوى تسكين للألم بالحقن، فكم نصاب مثل محمد قورة، وكم مركز فى مصر يقوم بالترويج لغير المتخصصين مثله، وكيف؟ تركت وزارة» لامؤاخذة» الصحة، ومعها نقابة الأطباء، تلك المراكز المشبوهة من دون أى رقابة، وكيف سمحت لطبيب تخدير يمارس مهنة العلاج الطبيعى بدون تخصص أو خبرة فى هذا المجال ومن ترخيص من نقابة العلاج الطبيعى، وكيف؟ سمحت له بتأسيس معمل للتحاليل داخل المركز، يقينًا كل علامات الاستفهام لا تكفى، ويقينًا ستتوارى إجابات المسئولين، خجلًا من فضح المتسترين.

 فيما يتعلق بما سردته، أكرر، ولن أمل من التكرار، أننى انتزعت حقى، النيابة العامة فتحت التحقيق، ولجنة آداب المهنة بنقابة الأطباء، أعدت ملفًا يتضمن المخالفات التى تسئ لمهنة الطب، وإدارة العلاج الحر بالجيزة، انتهت، بعد مداهمة المكان، إلى إغلاق مركز قورة، فضلًا عن التواصل مع نواب بدأوا فعليًا فى تحضير ملف مراكز النصب لمناقشة القضية بكل أبعادها وإشكالياتها فى المجالس النيابية.

 لكن هل المشكلة فى هذا المركز المشبوه وحده، أم أن هناك مراكز أخرى للنصب والاحتيال وبيع الوهم لراغبى العلاج، ممن يثقون فى البرامج الفضائية، ويرون فى النصابين ملاذاً للخلاص من الأوجاع المزمنة، التى أنهكت أجسادهم وجيوبهم، قطعًا توجد عشرات، بل مئات المراكز المنتشرة فى العاصمة والمدن الكبرى، لعل آخر فضائحها، مركز العلاج الطبيعى بمدينة نصر، الذى يديره شخص لا يحمل أى مؤهلات علمية، ويمارس مهنة العلاج الطبيعى، والذى تم تشميعه وأحيل الدجال الذى يديره إلى النيابة العامة، وأصبح معروفًا فى وسائل الإعلام بـ«سمكرى البنى آدمين»، فهل وصلنا إلى هذا المستوى من العبث؟

ألم تكف هذه الوقائع الكاشفة والفاضحة لأن تتحرك الجهات الرقابية، لمراجعة تراخيص المراكز الوهمية؟ لماذا لا تتحرك جهات رصد ومتابعة الأداء الإعلامى، لوقف مهزلة الترويج الزائف على القنوات الفضائية من دون مراجعة لتخصصاتهم؟ والاستدلال عن حقيقة نشاطهم من الجهات الرسمية، لكن يبدو أن الجهات الرسمية فى حاجة لمن يراجع تصرفات مسؤوليها. ربما يتساءل البعض.. من المسئول عن هذه الجرائم؟

 الإجابة عن هذا التساؤل، لابد وأن تكون على مستوى حجم الجريمة التى يتم ارتكابها علنًا وفى وضح النهار، دون إدراك لتداعياتها على المجتمع كله، الجهات الرقابية تأتى فى المقدمة، والفساد الذى استشرى فى العديد من الدوائر الحكومية، ونقابة الأطباء التى لا تقوم بالتفتيش قبل الموافقة على منح التراخيص، أما فيما يتعلق بوزارة الصحة، حدث ولا حرج، فالمسئولين يرفعون شعار، لا أرى، لا أسمع، وفى الخرس منافع.

كل هذه الجهات بما فيها الإعلام الطفيلى الذى تخلى عن رسالته التوعوية والتنويرية، وراح يمارس أبشع أساليب التضليل لصالح فئة منحرفة، عرفت الطريق السهل للتربح عن طريق الاحتيال، حتى ولو كان الأمر يتعلق بالصحة، أجرت بعض القنوات مساحات زمنية للصالح والطالح، وراحوا يدغدغون أحلام الناس بالشفاء العاجل، وطرح الأدوية والإعلان عنها بصورة لا تخلو من الدجل وبيع الوهم. اللافت للنظر أن كل المتورطين فى تلك المهازل، لم ينتبه أى منهم إلى طموحات القيادة السياسية فى بناء مجتمع عصرى، مجتمع يواكب التطور المذهل فى كافة مجالات إسعاد الناس، ففى الوقت الذى يسابق فيه الرئيس عبدالفتاح السيسى الزمن، لمحاربة الجهل والفهلوة، والقضاء على الأمراض التى توطنت فى أجساد المصريين عبر عدة عقود، من خلال توفير العلاجات الحديثة، واعتماد مليارات الجنيهات، لمواجهة الأمراض الفيروسية، ودعم علاجات غير القادرين، نجد أن وزارة الصحة تجلس على مقاعد المتفرجين، ولا تقوم بأدنى درجات الرقابة، لكنها تركت العبث بصحة المواطنين يتم علنًا على مدار الساعة ولا تتحرك، ويبدو أن المسئولين بها لا يعرفون معنى الخجل، فلو يعرفونه، لانتفضوا من هول وبشاعة الشكاوى والمذكرات التى ترد إليهم على مدار الساعة، وتتضمن» بلاوى» مراكز بيع الوهم.

 ألم يكن هذا الصمت المريب مفتاحا لباب واسع  من الاتهامات التى تطال غالبيتهم، والمقصود بالاتهامات، هى تلك المتداولة على الألسنة ويعرفها الكافة، حول تطبيق شعار«شيلنى وأشيلك»، بما يعنى أن الصمت له مقابل معلوم؟

 ألم تكن معركتى ضد العبث والفساد، هى معركة للصالح العام، معركة لإنقاذ ما تبقى من سمعة لمهنة الطب، تلك المهنة التى كنا نباهى بها، من الذى سمح وتساهل فى حقها، لكى تتحول بعض المراكز إلى أوكار للنصابين، ومعدومى الضمير، من المحسوبين عليها زورًا، من ناحيتى فتحت الملف الخاص بالدجالين وباعة الوهم، ولن أهدأ حتى تتكاتف كل القوى الشعبية والرقابية، لوقف نزيف الفوضى، فالأمر يتعلق بصحة الناس وحياتهم، يتعلق بسمعة مهنة سامية، لها من التوقير، ما يجعل المنتمين إليها فى مصاف الصفوة، أما فيما يتعلق بفساد الجهات الإدارية، فهى معركة لم ولن نتوقف عنها، مسلحين بإرادة وطنية، مدعومة بإرادة سياسية، أرسى قاعدتها الرئيس عبدالفتاح السيسى، الذى أعلن مرارًا وتكرارًا أنه لن يتوانى عن محاربة الفساد.. يا ليت قومى يدركون حجم الكارثة.


مقالات مشتركة