البنك المركزي يكشف أسرار تراجع معدلات التضخم       الداخلية تعلن القبض على المتهم في واقعة العبارات المسيئة على شاشة فيصل       الحكومة تنفي عودة عمل الموظفين بنظام ( الأونلاين ) يوم واحد أسبوعيًا       أخبار سارة .. المركز القومي للبحوث ينجح في إنتاج مُخصب حيوي يزيد إنتاج المحاصيل الزراعية       وزير الإسكان : الدولة لن تسمح مرة أخرى بالبناء غير المخطط والعشوائي والمخالفات       التفاصيل الكاملة لزيارة وفد قيادات الأوقاف ل شيخ الأزهر       الحكومة: الخميس 25 يوليو إجازة رسمية بمناسبة ذكرى ثورة 23 يوليو       خطة حكومية لزيادة الاستفادة من العلماء والباحثين المصريين في الخارج       بالأرقام الرسمية .. 50 مليون زيارة من السيدات لتلقي خدمات الفحص والتوعية ضمن مبادرة دعم صحة المرأة       اللجنة الخاصة المشكلة بمجلس النواب لدراسة برنامج الحكومة الجديدة تختتم أعمالها اليوم       تفاصيل مشاركة الأهلى فى أعمال الجمعية العمومية لرابطة الأندية الأوروبية  
جريدة صوت الملايين
رئيس مجلس الإدارة
سيد سعيد
نائب رئيس مجلس الإدارة
د. محمد أحمد صالح
رئيس التحرير
محمد طرابية

سيد سعيد يكتب   2021-10-11T16:03:14+02:00

لماذا يلجأ المواطن إلى الرئيس؟

سيد سعيد

أتعجب وربما يشاركنى قطاع عريض من غالبية الشعب بتفاوت شرائحه الاجتماعية، نفس حالة التعجب من ترهل الجهاز الحكومى، وبلوغه مرحلة يمكن وصفها بـ«الغيبوبة»، خاصة الجهات المرتبطة بمصالح المواطنين، فلم يعد بمقدور القائمين على شئونها، التجرؤ على التفريط، أو تجاوز ميراث الإهمال واللامبالاة، والتخلى عن أساليب ابتكار العراقيل المكتسبة عبر عقود متعاقبة بفعل الفساد والمحسوبية، وإعلاء النفوذ على قيم القانون.

 فضلًا عن جوانب أخرى، تتعلق بقيادات من ذوى الأيادى المرتعشة، لا تقوى على اتخاذ القرار أو تحمل المسئولية، إما لخوف أو لأنهم تولوا مواقعهم بالترقى الوظيفى والمجاملات، هؤلاء تركوا الحابل يختلط بالنابل، فتوحش غول الاستهتار، والتفنن فى أساليب التنصل من المسئولية، ولم تعد إدارات الرقابة داخل الدواوين المتخمة بأعداد هائلة من الموظفين، قادرة على استيعاب وفهم استراتيجية الدولة وطموحات القيادة السياسية، أما الأغرب، فهو نوع جديد من المسئولين، لديهم براعة فى إثبات القدرة على اتخاذ القرار، لكنها قرارات كارثية.

 إن تصلب الشرايين، الذى أصاب العديد من القطاعات الحكومية الرسمية، المهمة والحيوية، لم يعد مقتصرًا على جهة بعينها، لكنه تسلل مثل الورم السرطانى إلى العديد من القطاعات، وهذا لم يعد سرًا خافيًا على أحد، فهو معلوم ويقف وراء تفشى ظاهرة الفوضى، التى تجتاح الكيانات الخاصة، لغياب الرقابة الرسمية عليها، فتلاشت ثقة المواطن فى تلك الجهات، ومن فرط التعقيدات والعراقيل، التى توضع أمامه، لأسباب باتت معلومة، ولا تحتاج منا إيحاءات أو تلميحات، فأصبح  يخاطب الرئيس عبدالفتاح السيسى بصورة مباشرة، يناشده التدخل، لإنهاء مشكلته، سواء كانت كبيرة أو صغيرة أو الحصول على حق له، وهذا يحمل فى طياته حزمة من الرسائل، لو تعلمون كارثية، وإن كان ظاهرها إيجابيًا، مفادها أن المواطن أصبح يصرخ علنًا، ويقر ضمنًا بفشل الجهاز الحكومى، وعدم قدرته على مسايرة الخطوات المتسارعة نحو الإصلاح، فضلاً عن أن مخاطبة رئيس الجمهورية دون سواه، له دلالات عدة، منها الثقة فى الحصول على الحق من دون عراقيل، يتفنن محترفو تعطيل المصالح فى ابتكارها بطرق مختلفة، لأهداف لم تعد خافية على أحد، لكن هل أصبح مطلوبًا تدخل الرئيس فى أمور تتعلق بمهام الجهاز الإدارى؟ وإذا كان هذا حلًا مثاليًا من وجهة نظر البعض، إذًا ما فائدة تلك الجهات؟ ولماذا تنفق عليها الدولة المليارات من الموازنة العامة؟ وما جدوى تطويرها؟

 ثمة تساؤلات أر ى أنها مشروعة يدور مجملها فى فلك، هل يعى القائمون على إدارات العديد من الجهات الحكومية، متطلبات الجمهورية الجديدة، وإذا كانوا يعلمون، فلماذا؟ الإصرار على تطبيق السياسات الموروثة، بانتظار التعليمات، أو البحث عن وساطة قبل التوجه صوب تلك الجهات، ولماذا لا تتحرك الإدارات الرقابية داخل الوزارات إلا بعد أن تصل كوارثهم إلى رئيس الدولة، ولماذا؟ يصر البعض على العيش فى كهوف الأزمنة السحيقة، حين كان القانون فى إجازة، والنفوذ هو السيد.

 المواطن وجد فى شخص الرئيس ملاذًا، لكبح جماح الاستهتار البغيض بمصالح الجمهور، خاصة بعد أن لمس الغالبية أن قضية التعامل مع الجهاز الإدارى، لا تتم وفق معايير راسخة، يمكن قبولها واحترامها، باعتبارها إجراءات مٌلزمة للكافة، لا استثناء فيها لأحد على حساب أحد، لكن هل نريد من الرئيس التدخل فى التفاصيل المرتبطة بعمل الجهاز الإدارى، لأن موظفًا أو مسئولًا يتستر على فساد هنا أو هناك، إذا كان تدخل الرئيس يلقى رضًا وقبولًا من الغالبية التى ترى فى القيادة سندًا، فهو من الناحية الأخرى بمثابة صفعة على وجه كل مسئول، يتقاعس عن دوره ولا يستطيع القيام بمهامه الوظيفية، ولا يتحرك إلا بتعليمات.

 المدهش أن الموظف الذى يضع العراقيل، هو ذاته الذى ينجز المهمة لنفس الشكوى أو الطلب المراد إنهاؤه بعد أن يتلقى الأمر من رئيسه الأعلى، وهذا بدوره يكشف لنا مدى العبث بمصالح الناس، باعتبار أن الأمر لا يرتبط بلوائح أو قوانين ملزمة، لكنه مرتبط بالأهواء من ناحية والفساد الإدارى من ناحية أخرى، وغياب الرقابة.

نحن بشر نصيب أحيانًا، ونخطئ فى أحيان أخرى، وليس مطلوبا أن نكون ملائكة، لأننا لن نكون أبدًا، لكن علينا أن نٌغلب يقظة الضمير على أى حسابات أو مصالح أخرى، وهذا يدفعنا لتوجيه سهام «القرف» إلى الذين نصبوا أنفسهم أوصياء على المجتمع، وأقصد فى هذا السياق، محاولات أشرار البشر فرض الوصاية على المجتمع، فهؤلاء لا يدركون حجم الكوارث الناتجة عن فجاجة الطريقة، التى يباركون بها كل ما تعلنه الحكومة من بيانات وتصدره من تصريحات، وكأنها الصح المطلق، الذى لا يقترب منه غبار، وفى أحيان كثيرة، إن لم يكن طوال الوقت، تصل الأمور إلى حدود بغيضة، كريهة، تتمثل فى بعض الحمقى من الإعلاميين، الذين لا يباركون فقط، لكنهم يحرضون الحكومة على اتخاذ المزيد من القرارات القاسية، والتى تفوق قدرة الغالبية على تحملها، لأنها بعيدة عن الموضوعية، ولا تتسق مع أى منطق، وهذا سيقودنا بالضرورة، شئنا أم أبينا، إلى حقائق لا يجب أن تغيب عن أذهاننا، مفادها أن من يزعمون بأنهم يشكلون وعى الرأى العام، هؤلاء لا يعانى أى منهم معاناة المواطن، فإذا كان الأمر يتعلق بفواتير الخدمات على سبيل التركيز، مثل الكهرباء والمياه والغاز.. الخ، يتحدثون وكأنهم يعيشون فى كوكب غير الذى نعيش فيه.

 وإذا كان الأمر يرتبط بقضية الدعم، يسارعون إلى التصفيق، والتهليل بلوغًا لحد المزايدة على الحكومة ذاتها، فى إطار التجويد، فالخدمات الضرورية، لا يجب إخضاعها بأى صورة من الصور لمعاييراقتصادية مجردة، يدور مجملها فى حسابات المكسب والخسارة، من دون النظر إليه من الناحيتين السياسية والاجتماعية، ومن دون النظر إلى دور الدولة ومسئوليتها الأخلاقية فى توفير الحماية الاجتماعية للفئات غير القادرة، وهى فئات تمثل غالبية المجتمع.

 نعم  نحن لا نطلب من الحكومة أن تسلك سلوك الملائكة، فهذا لم يحدث منا، وهى لن تكون، لكن ما نأمله أن تتسم قراراتها بقدر من الموضوعية،الملائمة للأوضاع المجتمعية والظروف الاقتصادية، وأن تكون القيادات الموجودة على قدر الموقع، بحيث أن تكون قادرة على اتخاذ القرار الصحيح فى الوقت المناسب، والتخلى عن العنترية، أى لا تكون قراراتها جائرة، مسايرة لركب القائلين بأنهم ليسوا من ذوى الأيادى المرتعشة، فسواء هذا أوذاك، لا يتسم بالموضوعية، ويسير فى الاتجاه المعاكس لرؤية القيادة السياسية، التى تعمل على تذليل العقبات، وتفعيل الأدوات الرقابية، للقضاء على الفساد.

أعلم ويعلم كل أهل مصر أن ملفات عدة، لم يكن لها أن تجد طريقًا للحل والإنجاز إلا بالتدخل الرئيس، وهنا سنقف أمام وقائع تخص كافة المصريين، منها القرارات التى أصدرها الدكتور طارق شوقى وزير التربية والتعليم، بخصوص امتحانات الثانوية العامة، وتطبيق نظام جديد لم نهيئ له المناخ شكلًا أو موضوعًا، بمعنى أن الدولة لم توفر البنية التحتية لتطبيق النظام الجديد، البراق على الورق فقط، وربما بسبب تلك القرارات، لا يلقى الوزير أى نوع من القبول أو الرضا عنه فى الأوساط الشعبية، فقراراته المتتابعة، تثير الغضب فى نفوس أولياء الأمور، لأنها لا تراعى الحدود الدنيا من المعقولية، لذا فإنه يتخبط كثيرًا فى قراراته، فى محاولة من جانبه لكسب رهاناته على التطوير، وكادت أن تحدث الكوارث على مدار عامين كاملين، لولا أن لجأ الغالبية، لمخاطبة الرئيس عبدالفتاح السيسى، الذى تدخل بنفسه لطمأنة الأسر المصرية بكل شرائحها المجتمعية، وذلك فى اللحظات الحرجة، أى فى الوقت القاتل، بحسب المفردات الشعبية، لإنقاذ مستقبل التلاميذ وتخفيف العبء على أولياء الأمور.

 الغريب أن تعنت المستويات العليا فى الحكومة والاستماتة فى الدفاع عن القرارات المرتبكة والمُربكة فى نفس الوقت، يدفع إلى تنامى مساحة الغضب فى النفوس، ولنا فى هذا الأمر ألف دليل، فمثلًا لولا تدخل الرئيس فى الأزمة التى صنعها وزير التربية والتعليم لتعقدت الأمور، فالوزير روج لقرار الامتحانات بالتبلت من دون دراية كافية بعدم قدرة شبكة الإنترنت على استيعاب دخول ملايين الطلاب فى وقت واحد، الأمر الذى دفع للصراخ، وكان من الطبيعى أن يصل صدى صرخات أولياء الأمور للرئيس، فعقد اجتماعًا ضم وزيرى التربية والتعليم والاتصالات، وبعد بحث ودراسة،أعطى تعليماته بإجراء الامتحانات فى موعدها واستخدام نماذج الإنترنت على الورق لعدم إضاعة الوقت.

 لم تكن حالة وزير التعليم وحدها النموذج المثير للاستغراب، بل والدافع لتدخل أكبر مسئول فى الدولة، إنما هناك أمور أخرى، يتدخل فيها الرئيس لارتباطها باستراتيجية الإصلاح والقضاء على الفساد، ليس اعتمادًا على تقارير الجهات الرسمية، إنما على أساس القراءة الدقيقة للرأى العام، خاصة أن كثيرا من الجهات لا تتسم تقاريرها بأى قدر من الموضوعية، يمكن الارتكاز عليها أو الانطلاق منها صوب أى قرار رسمى، كما لا توجد أدنى مبالغة، إذا وصفت هذه التقارير بأنها لا تتسق مع المنطق، ولا تتوافق بأى حال من الأحوال مع الواقع، والتعاطى مع المشكلات التى يواجهها المواطن مع جهات تقديم الخدمة، خاصة فيما يتعلق بالزيادة العشوائية فى الفواتير.

 فى هذا السياق يجب التأكيد على أن الشعب وحده هو الذى يدفع ثمن خطايا الحكومات المتعاقبة على مدار عدة عقود، فهى لم تكن صادقة بالمرة فى البيانات التى تقدمها لصانع القرار، أو للمؤسسة التشريعية التى تناقش الموازنة العامة للدولة، فهى دأبت على الفهلوة، وأسلوب كله تمام.

كلنا يعلم أن الرئيس عبدالفتاح السيسى، منذ توليه المسئولية يسعى لأن تكون الدولة بجميع مؤسساتها، حاضرة فى تفاصيل الحياة اليومية للمواطن، وأن يكون دورها فعالا وإيجابيا فى دعم الأسر البسيطة ومعدومى الدخل، وما أكثرها، من خلال رؤى قومية وأفكار تتسم بالأبعاد الإنسانية، مضمونها يدور فى فلك كرامة المواطن ومنها على سبيل المثال، أن كل برامج الرئاسة تدور حول كرامة المواطن، بتوفير حياة كريمة له، ومن المؤكد أن مضمون هذا كله يلقى رضًا تامًا من الرأى العام، لأن الأمر يتعلق بالبسطاء، ولا يمكن بحال من الأحوال تجريد تلك رغبة الرئيس من سياق توجهات الدولة والتى تدور فى فلك استراتيجية التنمية المسدامة، باعتبار أن المواطن هو النواة الأساسية لتقدم المجتمعات والنهوض بها على المستويات كافة.


مقالات مشتركة