البنك المركزي يكشف أسرار تراجع معدلات التضخم       الداخلية تعلن القبض على المتهم في واقعة العبارات المسيئة على شاشة فيصل       الحكومة تنفي عودة عمل الموظفين بنظام ( الأونلاين ) يوم واحد أسبوعيًا       أخبار سارة .. المركز القومي للبحوث ينجح في إنتاج مُخصب حيوي يزيد إنتاج المحاصيل الزراعية       وزير الإسكان : الدولة لن تسمح مرة أخرى بالبناء غير المخطط والعشوائي والمخالفات       التفاصيل الكاملة لزيارة وفد قيادات الأوقاف ل شيخ الأزهر       الحكومة: الخميس 25 يوليو إجازة رسمية بمناسبة ذكرى ثورة 23 يوليو       خطة حكومية لزيادة الاستفادة من العلماء والباحثين المصريين في الخارج       بالأرقام الرسمية .. 50 مليون زيارة من السيدات لتلقي خدمات الفحص والتوعية ضمن مبادرة دعم صحة المرأة       اللجنة الخاصة المشكلة بمجلس النواب لدراسة برنامج الحكومة الجديدة تختتم أعمالها اليوم       تفاصيل مشاركة الأهلى فى أعمال الجمعية العمومية لرابطة الأندية الأوروبية  
جريدة صوت الملايين
رئيس مجلس الإدارة
سيد سعيد
نائب رئيس مجلس الإدارة
د. محمد أحمد صالح
رئيس التحرير
محمد طرابية

الملفات التفاعلية   2021-10-25T21:50:59+02:00

بدائل قناة السويس .. هل ستغير من نصيب القناة في التجارة الدولية ؟

عند إغلاق قناة السويس بين حربي ١٩٦٧ و١٩٧٣، لم يفكر أحد في طرح بديل عالمي للقناة لسببين، الأول متعلق بأمن أي بديل في المنطقة، والثاني إحجام مصدري ومستوردي الطاقة عن استخدام هذا الممر البديل. إلا أن حادثة جنوح السفينة “إيفر-جيفن” في مجرى القناة في الفترة ٢٣-٢٩ مارس الماضـي، بعد ٤٦ عامًا من إعادة افتتاح القناة للملاحة الدولية، أعادت الحديث مرة أخرى عن البدائل المحتملة للقناة، وما إذا كانت تمثل مسارًا أكثر كفاءة منها لنقل التجارة الدولية التـي يمر ١٢٪ منها عبر القناة، خاصة تلك العابرة بين الصين وجنوب آسيا والخليج العربي وأوروبا.

ومع شروع الحكومة المصرية في إعادة تعويم السفينة، والحؤول دون حدوث أزمة في حركة الملاحة الدولية في المحيط الهندي والبحر الأحمر، سارعت بعض الدول مثل روسيا للترويج لمشروعات مثل استخدام مسار البحر الشمالي للتجارة بين شرق آسيا وأوروبا، وتفعيل ممر الشمال الجنوب، فضلاً عن الحديث المستمر عن محاولات إسرائيل لمنافسة القناة بخلق ممرات تجارة بديلة بين البحرين الأحمر والمتوسط.

 

هذه الحقائق تناولتها دراسة مهمة للغاية اصدرها مؤخراً  مركز الانذار المبكر بعنوان ( بدائل قناة السويس .. هل ستغير فعلاً من نصيب القناة في التجارة الدولية ؟ ) ، والتى أعدها الباحث محمد العربي .

الدراسة أكدت أنه عند التعرض لمستقبل الملاحة التجارية الدولية، وموقع قناة السويس فيها، يصعب تجاهل هذه البدائل وما تحمله من تداعيات اقتصادية وجيوسياسية على السواء بالنسبة للأمن الاقتصادي القومي لمصر. إلا إنه من الواجب تقييم هذه البدائل وفقًا لقدرتها على منافسة قناة السويس؛ من حيث الجدوى الاقتصادية، وأمن الممرات التجارية وسرعة النقل وغيرها من عوامل.

 

 

 

 

 

 

 

مسار البحر الشمالي الروسـي

 

يمتد هذا المسار الطبيعي من مدينة مورمانسك بالقرب من الحدود الروسية النرويجية غربًا إلى مضيق بيرهنج بين آسيا وأمريكا الشمالية شرقًا ويوازي بحر كارا وكامل إقليم سيبيريا، أي أنه يقع بالكامل داخل نطاق المنطقة الاقتصادية الحصرية الخاصة بروسيا. ويطلق على المسار نفسه الممر الشمالي الشرقي ويوازي الممر الشمالي الغربي الذي يخضع للسيادة الكندية.

 

يربط هذا المسار التجارة بين المحيطين الهادي والأطلسـي، وآسيا وأوروبا، ويعبر عن الصراع الجيوسياسـي المتصاعد حول القطب الشمالي بسبب تداعيات التغير المناخي؛ حيث أدى الاحترار وذوبان ثلوج المنطقة القطبية لفترة أطول في العام إلى انتعاش طرق الملاحة، وتصاعد التنافس العسكري على المنطقة خاصة من القوى الغربية التـي تخشـى من الهيمنة الروسية عليها.

 

 

 

 

 

 

 

مسار البحر الشمالي من يوكوهاما اليابانية إلى روتردام بهولندا

 

يمتلك هذا المسار ميزة وهي الوقت، فالمسافة بين موانئ شرق آسيا وشمال أوروبا عبر هذا المسار أقصر من المسار العابر للمحيط الهندي وقناة السويس؛ ٧.٣ أميال بحرية في مقابل ١٢.٥ ميل بحري، إلا أن تكلفة العبور أكبر من عامل الوقت. حتـى الآن، تحتاج معظم الناقلات التـي ستختار مسار البحر الشمالي لسفن إضافية لكسح الثلوج في معظم العام، وهو ما يعنـي عمالة وموارد إضافية قد لا تحتاج إليها للعبور من خلال مسار قناة السويس والذي يكاد أن يخلو من العوائق الطبيعية أو الاصطناعية التـي تحتاج لجهود ملاحة إضافية. وبالتالي، فالتكلفة التـي ستتوفر نتيجة قصر الوقت عبر المرور من خلال مسار البحر الشمالي، سيتم إنفاقه على طواقم السفن الإضافية.

 

من ناحية أخرى، تبدو الخلافات الجيو-استراتيجية الموسعة بين الغرب وروسيا عائقًا آخر أمام تشجع الشركات الغربية لاستخدام هذا المسار لنقل البضائع من شمال وغرب أوروبا إلى الصين وشرقي آسيا. حتى الآن، لم يستخدم المسار بشكل موسع، من خلال رحلات تجريبية قامت بها بعض الشركات لدراسة جدوى المرور، في الوقت الذي تقتصر فيه حالات المرور على الرحلات التجارية، خاصة نقل الطاقة، من روسيا إلى الصين.

 

تعتبر روسيا هذا المسار جزءًا من استراتيجية عالمية أوسع تتعلق بتوسيع موارد مناورتها كقوة عظمى في مواجهة الغرب؛ خاصة مع قصور قوتها الاقتصادية. لذا، وعلى الرغم من محدودية الحركة في مسار البحر الشمالي، فمن المتوقع أن يزيد التنافس الدولي على القطب الشمالي من أهمية هذا المسار، خاصة مع اعتزام الصين إنشاء “طرق حرير قطبـي” من خلال الاستثمار في إنشاء موانئ وخطوط نقل بحري عبر القطبين الشمالي والجنوبي في الفترة ما بين ٢٠٢١ و٢٠٢٥، بغرض توسيع مصالحها التجارية والاستثمار في الثروات المعدنية الغزيرة في المنطقتين.

 

وبقدر ما يزيد هذا التنافس الجيوستراتيجي بين الصين وروسيا والغرب من أهمية مسار البحر الشمالي، بقدر ما يصب في صالح قناة السويس نظرًا لابتعادها النسبـي عن تداعيات هذا الصراع المرتقب.

 

 

 

ممر الجنوب- الشمال للنقل الدولي

 

 

بدأ الحديث عن هذا الممر مع بداية الألفية، وذلك من خلال اتفاقية بين روسيا والهند وإيران لإنشاء خطوط نقل تجاري تربط جنوب آسيا بشمال أوروبا. وبمرور الوقت، ضمت الاتفاقية ثلاث عشرة دولاً أخرى مثل تركيا وأذربيجان وجمهوريات وسط آسيا فضلاً عن الإمارات وسلطنة عمان. يتشكل هذا الممر من مشروعات نقل تجاري بحري وبري عبر خطوط نقل السكة الحديد، تمتد على مسافة 7200 كيلومترًا من الهند وصولاً إلى ميناء سان بطرسبرج على بحر البلطيق.

 

ويشمل هذا الخط الدولي ثلاثة مسارات؛ المسار الغربي بين الخليج العربي والقوقاز، والمسار الأوسط بين بحر قزوين وإيران والخليج العربي، والمسار الشرقي بين وسط آسيا والخليج العربي. وبشكل عام، يستهدف الممر بناء شبكة تجارية تمتد بين مومباي وبندر عباس وباكو واستراخان وموسكو.

 

بالإضافة إلى هذه المسارات التجارية، تسعى دول الممر إلى إنشاء منطقة تجارة حرة وبناء معايير للتعريفات والمعاملات الجمركية بين دول المنطقة. سبق مشروع الممر مبادرة الحزام والطريق الصينية، ويتقاطع معها في نقاط عديدة عبر وسط آسيا وإيران والخليج. كذلك، يتقاطع مشروع الممر مع اتفاقية “عشق آباد” الموقعة عام ٢٠١١ بين إيران وأوزبكستان وتركمانستان وكازاخستان والهند وعمان وقطر، بغرض تسهيل التبادل التجارة بين وسط آسيا والخليج العربي.

 

 

 

ممر الشمال-الجنوب للنقل مقارنة بمسار قناة السويس نحو أوروبا

 

 

 

على الرغم من القدم النسبـي لمبادرة الممر، إلا أن تطوير بنيته التحتية ما زال في مرحلة أولية نسبيًّا؛ حيث ما زالت بعض المقترحات تقدم حول شكله النهائي، ومن بينها مقترح إيران إنشاء قناة بحرية للربط بين الخليج العربي وبحر قزوين. وحتـى الآن لم يثبت الممر جدواه الاقتصادية، على النقيض مثلاً من مبادرة الحزام والطريق الصينية.

 

ربما يعود هذا لضعف الوضع الاقتصادي النسبـي للدول الرائدة في المشروع وهي روسيا وإيران مقارنة بالصين. ويبدو أن إعادة طرح المشروع له جذور جيوسياسية مرتبطة بمحاولة روسيا وإيران وقوى أخرى، بناء قوة اقتصادية وسياسية في النواة الأوروآسيوية في مقابل الهيمنة الغربية، والتنافس الاقتصادي المتصاعد بين الصين والغرب.

 

لذا لا يبدو هذا المشروع قادرًا على منافسة قناة السويس على الرغم من حقيقة أن مساره هو الأقصر بين جنوب آسيا وشمال أوروبا. فضلاً عن ضعف بنيته التحتية، فالممر يمتد عبر بيئة جغرافية معقدة ومركبة تتراوح بين مسارات بحرية وصحاري وتضاريس جبلية معقدة. لذا، تزداد مخاطر نقل حاويات من خلال موانئ المشروع، ثم نقلها برًا عبر طرق برية وسكك حديدية لمسافات طويلة قد تستغرق أطول مما تتستغرقه الرحلة البحرية، ثم إعادة شحنها مرة أخرى عبر موانئ الشمال. كذلك، يفتقر الممر إلى وجود خدمات لوجيستية وصعوبة تأمين مساراته المعقدة، على العكس من قناة السويس المأمنة بالكامل من خلال القوات المسلحة المصرية.

 

 

 

البدائل الإسرائيلية

 

يعود الحديث عن بدائل إسرائيلية لقناة السويس إلى فترة مبكرة. ففي العام 1963، اقترحت لجنة الطاقة النووية بواشنطن والتـي تبحث في الاستخدامات السلمية للطاقة النووية ، حفر قناة بطول 160 كيلومترًا بين ميناء إيلات والبحر المتوسط باستخدام متفجرات نووية كي تكون بديلاً آمنًا لقناة السويس التـي تقع تحت السيطرة العربية.

 

اعتبر تقرير اللجنة الذي أميط عنه اللثام في العام 1996 أن استخدام المتفجرات النووية سيكون أقل تكلفة من استخدام وسائل الحفر الاعتيادية. إلا أن عدم جدوى المقترح، والخطورة البيئية والأمنية والسياسية التـي انطوت عليه لم تجعل منه قيد التنفيذ. وتدريجيًّا، أدركت إسرائيل، استحالة شق قناة بين خليج العقبة والبحر المتوسط، بسبب العوائق المرتبطة بمناسيب المياه بين البحرين في تلك المنطقة، وتلك المتعلقة بالحسابات السياسية والبيئية والتي لم تكن موجودة عند حفر قناة السويس في منتصف القرن التاسع عشر.

 

مع بداية الانسحاب الإسرائيلي من سيناء، وعودة القناة إلى العمل مرة أخرى بعد مشروعات التطهير التـي قادتها الحكومة المصرية في أعقاب حرب أكتوبر، بدأت إسرائيل في طرح بدائل للقناة كان أهمها إنشاء معبر بري عبر صحراء النقب لنقل الحاويات من إيلات إلى البحر المتوسط، إلا أن المشروع لم يتحقق. في المقابل، تعرض خط التبلاين للبترول (خط إيلات-عسقلان) المملوك مناصفة لإسرائيل وإيران للتوقف مع الإطاحة بحكم شاه إيران 1979.

 

في العام 2012، ناقشت الحكومة الإسرائيلية إنشاء خط نقل بالسكك الحديدية بين إيلات وعسقلان، إلا أن الدراسات اللاحقة على المشروع أوضحت عدم جدواه الاقتصادية، مع ارتفاع التكلفة. أشارت هذه الدراسات إلى حقيقة أن ميناء إيلات لم يتمدد بما يكفي كي يغطي تكلفة إنشاء خط السكك الحديدية. كما أن توسع هذا الميناء مقيد بوضعها الجغرافي؛ حيث هناك حدود على توسع الميناء بسبب محاذاتها لميناء العقبة الأردني بمسافة تصل إلى 13 كيلومترًا فقط.

 

حتـى في حالة توسيع الميناء، سيكون من الصعب على السكة الحديدية استيعاب الكم الهائل من الحاويات المتكدسة أمام الميناء ونقلها بسرعة ثم إعادة تحميلها مرة أخرى على ناقلات عملاقة تصطف للانتظار في مينائي عسقلان أو حيفا. في أفضل الأحوال، ستتمكن الرحلة الواحدة عبر الخط الحديدي أن تنقل بضع مئات من الحاويات، في مقابل 20 ألف حاوية ستظل في الانتظار. من ناحية أخرى، يرفع تقطيع الرحلة من المخاطر التـي من الممكن أن تتعرض إليها رحلات النقل.

 

وبالتالي، لا تبدو هذه البدائل الإسرائيلية الأرخص، قادرة على المنافسة مع قناة السويس. مع ذلك، تحاول تل أبيب أن تروج للتوسع في استخدام خط أنابيب إيلات-عسقلان لنقل بترول الخليج العربي عبرها، وقد توصلت مع حكومة الإمارات للبدء في هذا الصدد، ويبدو هذا المشروع منافسًا لخط أنابيب “سوميد” الممتد من السويس إلى ميناء سيدي كرير، والذي تتقاسم ملكيته الحكومة المصرية بنسبة 50% إلى جانب حكومات السعودية والإمارات والكويت وقطر بنسب متفاوتة. إلا أن هذا التحول في خريطة نقل البترول العربي لن يخصم من نصيب مصر أو قناة السويس بشكل كبير؛ فما زالت هناك مخاطر أمنية وبيئية ماثلة أمام المخططات الإسرائيلية.

 

يتضح من هذا أن البدائل المطروحة لقناة السويس سواء من خلال إسرائيل أو من خلال روسيا وغيرها من القوى ما زالت تواجه عقبات كبيرة كي تختصم فعليًا من حصة القناة من عمليات نقل التجارة الدولية، والمتوقع زيادتها في العقود المقبلة (٢٨٪ بحلول ٢٠٥٠)، بافتراض استمرار النمو الاقتصادي العالمي وتمكن النظام الدولي من التخلص من مراحل الانكماش الممتدة منذ الاقتصادية الدولية في ٢٠٠٨، والموجات المتعاقبة لوباء الكورونا. وحتـى تحول أحد هذه البدائل، أو غيرها إلى مسارات ذات جدوى اقتصادية، ستظل قناة السويس شريان التجارة بين الشرق والغرب الأسرع والأرخص والأكثر أمنًا.

 

إلا أن أهم ما كشفت عنه حادثة جنوح “إيفر-جيفن” هو ضرورة الأخذ في الاعتبار “الأحداث غير المتوقعة” ذات التأثير البعيد، أو ما يعرف اصطلاحًا بالبجاع السوداء، في عمليات التخطيط لتطوير القناة باعتباره من أهم الممرات الملاحية في العالم. فمنذ إعادة فتح القناة للملاحة الدولية، لم يشهد ممرها الملاحي مخاطر متعلقة بالصراعات المسلحة، كذلك، نجحت الجهود الدولية والإقليمية في القضاء على مخاطر القرصنة في المحيط الهندي، وتحييد تداعيات حرب اليمن على الملاحة الدولية. كانت مثل هذه المخاطر متوقعة، إلا أن المستبعد هو ما حدث لأسباب متعلقة بالطقس والعامل البشري. ومن ثم، فإن تأمين القناة يستدعي النظر إلى مثل هذه العوامل باعتبارها لا تقل خطورة عن الأسباب المعتادة لتعطل أو توقف الملاحة.

 

من ناحية أخرى، تؤكد الحادثة على ضرورة الاستمرار في تطوير القناة خاصة مخططات توسيع المجرى الملاحي، فضلاً عن التوسع في الخدمات المقدمة لحركة الملاحة. إلا أن العامل الأهم في مشروعات التطوير هو عمليات التدريب ورفع مستوى كفاءة العامل البشري، الذي أثبت قدرته على الحؤول دون تحول الحادثة إلى أزمة ملاحية. لذا، فمزيد من الاستثمار في هذا العامل البشري سيعزز من فرص استمرار القناة في مقابل البدائل المنافسة مستقبلاً.


مقالات مشتركة