الحكومة: الخميس 25 يوليو إجازة رسمية بمناسبة ذكرى ثورة 23 يوليو       خطة حكومية لزيادة الاستفادة من العلماء والباحثين المصريين في الخارج       بالأرقام الرسمية .. 50 مليون زيارة من السيدات لتلقي خدمات الفحص والتوعية ضمن مبادرة دعم صحة المرأة       اللجنة الخاصة المشكلة بمجلس النواب لدراسة برنامج الحكومة الجديدة تختتم أعمالها اليوم       تفاصيل مشاركة الأهلى فى أعمال الجمعية العمومية لرابطة الأندية الأوروبية       وزارة المالية : الدولة ليس من دورها إدارة الأصول العقارية       أخبار سارة للموظفين.. المالية تعلن تبكير صرف مرتبات شهر يوليو 2024       بالأرقام الرسمية .. إصدار 32.5 مليون قرار علاج على نفقة الدولة       وزارة العمل تُحذر المواطنين بعدم التعامل مع الشركات والصفحات وأرقام الهواتف الوهمية       إطلاق دورى رياضى لأبناء الأسر في قرى ( حياة كريمة ) تحت شعار ( أنت اقوى من المخدرات )       أخبار سارة : مصر تستهدف إنتاج 800 ألف أوقية ذهب عام 2030  
جريدة صوت الملايين
رئيس مجلس الإدارة
سيد سعيد
نائب رئيس مجلس الإدارة
د. محمد أحمد صالح
رئيس التحرير
محمد طرابية

سيد سعيد يكتب   2021-12-13T12:15:53+02:00

كيف أصبح «هلافيت» المهرجانات فوق العقاب؟

سيد سعيد

مَن أمنَ العقاب أساء الأدب هذه قاعدة حياتية تمثل فى مضمونها الملاذ الآمن للعابثين، اذا كان العقاب لا يساوى حجم الفعل، لكن فما بالنا، إن لم يكن هناك عقاب بالمرة على أى فعل، قطعًا سيتحول سوء الأدب من حالات فردية إلى ظاهرة تجتاح حياتنا، ويدفع المجتمع أى مجتمع ثمن تناميها وتوحشها، حيث لا عقاب، وإذا وجد العقاب، فهو مجرد حبر على ورق، لذا فإن الصراخ لأجل انقاذنا من فوضى وعبث، ما يطلق عليهم مطربى المهرجانات، لم يعد مجديًا، فالصراخ أصبح بلا قيمة، بل سرعان ما يتحول تكراره إلى صدى صفير ريح فى صحراء خالية من البشر، لا يسمعه أحد، ولم تعد التصريحات الرسمية، الرامية لوقف تلك المهازل ذات جدوى، سواء صدرت من جهات معنية مثل نقابة المهن الموسيقية، أو من نخبة لا تملك من أمرها شيئا، لكنها تقول كلمتها وتنصرف إلى حال سبيلها، فكل شىء صار مباحًا، والانفلات فرض سطوته على الساحة الفنية، بحماية رعاة، نعم، بحماية رعاة يتحكمون فى مسار الفنون وتشكيلها، لصناعة نجومية للبهلوانات وفرضهم عنوة، أما الكارثة الحقيقية، فهى عدم وجود من يتصدى لإنقاذ الفن من الانهيار التام على أيدى جهلة يتراقصون مثل المخمورين، فهناك من يساند الفوضى ويدعمها، ويجعل الفوضويين يخرجون ألسنتهم لكل من ينتقدهم،حفاظًا على سمعة الفن وريادته، فما يحدث يعبر بجلاء عن عدم إدراك أو عدم وعى من جانب هؤلاء أو الرعاة على حد سواء، بأن الفنون تمثل أحد أهم أدوات قوة مصر الناعمة، التى كان لها تأثيرها الايجابى عبر عدة عقود، فى تشكيل وعى وثقافة الشعوب العربية من المحيط إلى الخليج.

ما جرى فى الآونة الأخيرة من تدنٍ وإسفاف باسم الطرب، يستحق أن نقف أمامه طويلاً، لتأمل ما سوف تقود إليه التداعيات الكارثية لفوضى مطربى المهرجانات، وتأثير تلك الفوضى على الوعى الجمعى والثقافة والقيم، والذوق العام، ومستقبل شباب وفتيات تأثروا بهذه النوعية بفعل سرطان السوشيال ميديا، فقد صعد هؤلاء على سطح المشهد بلا أى مواهب فنية حقيقية، حيث ركب الجهلة الموجة، فاتسع نطاقها وصار لها جمهور واسع، ما جعلها تصبح خطرًا حقيقيًا على جيل بأكمله، جيل تفاعل مع الظاهرة بكل سوءاتها، وتعاطى مع كلمات الأغانى المٌسفة» العبث «، وصاروا يرددونها فى الشارع والمنزل وتجمعات الشباب والأفراح وعلى النواصى، من دون أن يجد هذا الجيل أى نوع من التوعية، على الأقل فى وسائل الإعلام، التى تورطت فى صناعة نجومية تلك الفئة بقصد، عبر استضافتهم فى البرامج، ومتابعة أخبارهم وخناقاتهم، وقصص الحب والمشكلات التى تواجههم لركوب التريند، وذلك فى الوقت الذى يتم فيه تجاهل علماء فى المجالات المختلفة، وتهميش قامات فنية موهوبة، لديها وعى وثقافة وفهم عميق لرسالة الفن، أما الأدهى من ذلك كله، فهو انحياز بعض المواقع الإخبارية لهؤلاء الجهلة، بغرض صناعة معارك صحفية وإعلامية فنية، فيما يتعلق بقرارات إيقافهم ومنع التراخيص عنهم، أيضًا جريًا وراء التريند، الأمر الذى يجد دائمًا رواج على السوشيال ميديا.

إن غياب رعاية الفن الهادف ساهم فى ظهور أوكا وأورتيجا، وحسن شاكوش وحمو بيكا، ومجدى شطة، وأسماء وألقاب امتلأت بها الساحة، يتراشقون بالكلمات النابية، ويقولون عنها أغانى مهرجانات، وهى لا تمت بأى صلة للغناء أو الأداء، لكنها مجرد تنطيط وصراخ وكلمات تحمل معانى وإيحاءات لا أخلاقية، مثل عود البطل، وبنت الجيران، وغيرها من الكلمات التى تندرج ضمن إفيهات «الغرز»، فهذا الخطر الداهم يفوق فى تأثيره تعاطى المخدرات، كلاهما يدمر العقل.

لم يقف أحد لقراءة ما يحويه هذا التحول الحادث فى المجتمع بقدر من الروية، كيف صعد هؤلاء ومن يقف وراء تنامى الظاهرة المزعجة، والمغزى السياسى من وراءها، نعم المغزى السياسى، ومن يتصور أن ما يحدث ليس له علاقة بمجريات السياسة، فهو واهم، ولا غضاضة لدىَ إذا قلت أنه فى غيبوبة، وليس واهمًا فقط، فما يحدث هو جزء من مخططات وأجندات خارجية، جرى لها الترتيب قبل ما يزيد على عشرين عامًا، تمثل تلك المخططات حروب الجيل الرابع، حيث تقود السوشيال ميديا بكل تنوعها، الشعوب صوب الانخراط فى الفوضى بلا وعى، والفوضى فى هذا السياق، لا تختلف بحال من الأحوال عن الانفلات الإعلامى، والانفلات الأخلاقى، ودهس القيم بدعوى الحريات، ولم تنج الفنون من سياق الفوضى، فهى واحدة من وسائل ترسيخ القيم والانتماء، وتنمية المهارات، وتهذيب السلوك، لأنها تعكس صورة المجتمع من داخله، وتبرز الصورة الحقيقية لثقافة تلك المجتمعات، فكانت على رأس المستهدفات الرامية لمحو الهوية.

جانب آخر لا يمكن إغفاله أو القفز عليه مهما كانت الأسباب، وهو حسابات المصالح والمجاملات المدفوعة الأجر، والتى ينخرط فيها بعض الإعلاميين بصناعة نجومية لتلك الفئة، التى تنتشر أعمالها على السوشيال ميديا كما تسرى النار فى الهشيم، وربما لهذه الأسباب وجد هؤلاء الطريق مفروشًا أمامهم للرواج خارج حدود الدولة، وصار لهم جمهور عريض، يردد الكلمات الهابطة ويتفاعل معها، ويتغاضى عن قرارات نقابة المهن الموسيقية، التى تخوض حربًا فى مواجهة العبث، مرة بقرارات منع، ومرات لإيجاد صيغة تجعلهم تحت الرقابة الفنية، وإنشاء شعب تمنح تراخيص وأمور أخرى كثيرة، لكن لا عقاب ولا منع حدث.

أعلم أن تلك المساحة شائكة، وتختلط فيها حزمة من الحسابات الضيقة، التى تخص فئة بعينها، وأعلم أن دخولى فى تلك المساحة، سيجعلنى فى مرمى سهام تلك الفئة، الذين حصروا المعرفة والوطنية فى ذواتهم، وذوات من يؤيدهم، دون سواهم، وربما يتخذون منها وسيلة لانتقادى، بوصفى أسبح فى هذا المقال ضد تيار جارف وأمواج عاتية، لاتهامى بالإساءة لعلاقات مصر الإقليمية والدولية، رغم أن هذا الأمر لا يتصل من بعيد أو قريب، بالعلاقات الدولية على المستوى الرسمى أو الشعبى، لكنها تدور فى إطار رغبات شخصية لأناس نافذين، يتولون مواقع رسمية فى بلادهم، هؤلاء يريدون البدء من حيث وصل بنا الحال، حيث لا توجد معايير تحكم التوجهات الفنية، فهم يريدون شيئا واحدًا فقط، وهو تحقيق الجماهيرية، لكن للأسف من خلال نوعية لا تقدم سوى فن هابط، هم يرون أنه حقق فى بلدنا جماهيرية واسعة، لكن من دون دراية بأن هذه الجماهيرية الواسعة، تشكلت جراء تغاضى الأجهزة الرسمية عن هذا الإسفاف، وعدم التحرك الرسمى للمحاسبة القانونية، والأهم عدم القدرة على التحكم فى رواج هذه النوعية على السوشيال ميديا، التى جعلتهم يربحون من المشاهدات أرقاماً خيالية، تمثلت فى عوائد بعشرات الملايين من الجنيهات، فكان هذا دافعًا قويًا، لاتساع نطاق الظاهرة، حتى وصل العبث حد الاشمئزاز مما يحدث على الساحة الفنية، فهذا الاسفاف جعل هذه النوعية تستعرض بملايينها تعبيراً عن جهلها، فالتباهى بالملايين وتعدد السيارات والفيللات والطائرات الخاصة، ليس سوى ترجمة لانفلات أخلاقى لا يتسق مع رسالة الفن، فحين غنى مجهول للبطة بكلمات تافهة، تحولت تريند، وسعت القنوات الفضائية لركوب التريند وتحقيق نسبة مشاهدات عالية، فاستضاف برنامج لاعلامى كبير، صاحب «الهرى» الذى يطلق عليه مهرجان شيماء، أى عبث هذا الذى يجرى على الأرض، بدون ضابط أو رابط، ولماذا لاتطارد هؤلاء الجهات المسئولة عن حماية الآداب العامة، وتنفيذ قرارات النقابة بمنعهم.

سأتطرق فى هذا السياق لأمر، أرى أنه جزء لا يتجزأ من مكون الأزمة التى تواجهها نقابة المهن الموسيقية وهو أمر، لو شئنا وصفه بدقة، بالخطير، بل فى غاية الخطورة، وهو المتعلق بدعوة مطربى المهرجانات إلى المملكة العربية السعودية، للمشاركة فى المهرجانات الترفيهية، التى توليها المملكة فى الآونة الأخيرة اهتمامًا كبيرًا، لمواكبة الانفتاح، من دون أن تلفت الجهة الداعية، وهى هيئة الترفيه، إلى القرارات الرسمية الصادرة من النقابة المعنية بتحديد الغث من الثمين «نقابة المهن الموسيقية»، بمنع هذه النمازج التى تسئ للفن «مطربى المهرجانات»، ممن يهبطون بمستوى الذوق والموسيقى إلى الإسفاف والابتذال من الغناء، وللنقابة فى هذا الشأن مبرراتها الموضوعية والأخلاقية والمهنية، من حيث أسلوب الأداء ونوعية الكلمات التى لا تخضع لأى معايير، فضلاً عن رفضها السلوكيات الشاذة، مثل خلع الملابس، وعدم احترام القواعد المهنية، حيث يتم الغناء من دون وجود موسيقيين محترفين.

تزامن ظهور هذه النماذج وتكريمها فى بلدان الخليج العربية، بهدايا شملت السيارات الفارهة، والأغلى سعرًا فى العالم، وسيوف من الذهب الخالص، ومنحهم شهادات دكتوراه فخرية، مع حالة الرفض العام فى مصر» رسميًا وشعبيًا» لهذه الفئة، الأمر الذى جرى تفسيره بأنها مواقف رسمية من بلدان الخليج، نكاية فى كل من يتصدى لهذه الفئة، يقينًا تلك التفسيرات، لا يمكن الإقرار والتسليم بها أو رفضها على الإطلاق، لكن الغوص فى التفاصيل، ربما يقودنا إلى أمور ربما تقترب من الحقيقة، وهى تتعلق بمسئول الترفيه فى المملكة العربية السعودية، المسئول بصفة شخصية، وليس المملكة بشكل رسمى، مفاد ما أود قوله، هو تلك الأزمة الصاخبة التى أحاطت بالفنانة آمال ماهر، والتى انطفأ بريقها الفنى عنوة، ومكثت فى بيتها عنوة، أى بفعل فاعل، وتداولت القصص أن تركى آل شيخ هو الذى يقف وراء اختفائها الفنى لخلافات شخصية، فى المقابل أعلن الفنان هانى شاكر نقيب المهن الموسيقية عن دعمه ووقوف النقابة إلى جانب آمال ماهر، لكن الإعلام تغاضى عن تلك المواقف وعن الأزمة برمتها، ولم يستطع إبرازها على السطح، ما زاد من النميمة والقيل والقال، وما شابه ذلك من قصص، صارت الألسنة تلوكها تعاطفًا مع مطربة مصرية، فى طور الصعود إلى مكانة الكبار فى الطرب والغناء.

قصة آمال ماهر فتحت الشهية لحكايات لا حصر لها، عن تحد تركى آل شيخ لهانى شاكر، وعدم الاعتداد بقرارات النقابة، فيما يتعلق بحمو بيكا وعمر كمال، ومحمد رمضان وشحتة كاريكا، وغيرهم ممن لا يدركون بجهلهم مخاطر الابتزال والاسفاف، الذى يطلقون عليه أغانى المهرجانات، ناهيك عن تدخلات أخرى ممن يملكون القدرة المالية على ترويج هذا السفه، وتوفير الفرص لهذه الفئة، مثلما جرى من المهندس نجيب ساويرس رجل الأعمال الراعى الرسمى لمهرجان الجونة، والذى أعلن عن دعمه ووقوفه إلى جانب تلك الفئة فى مواجهة نقيب الموسيقيين، ألم يكن هذا نوعًا من نتائج حروب الجيل الرابع.. فى النهاية ، اتقوا الله فى هذا البلد.


مقالات مشتركة