الحكومة تنفي عودة عمل الموظفين بنظام ( الأونلاين ) يوم واحد أسبوعيًا       أخبار سارة .. المركز القومي للبحوث ينجح في إنتاج مُخصب حيوي يزيد إنتاج المحاصيل الزراعية       وزير الإسكان : الدولة لن تسمح مرة أخرى بالبناء غير المخطط والعشوائي والمخالفات       التفاصيل الكاملة لزيارة وفد قيادات الأوقاف ل شيخ الأزهر       الحكومة: الخميس 25 يوليو إجازة رسمية بمناسبة ذكرى ثورة 23 يوليو       خطة حكومية لزيادة الاستفادة من العلماء والباحثين المصريين في الخارج       بالأرقام الرسمية .. 50 مليون زيارة من السيدات لتلقي خدمات الفحص والتوعية ضمن مبادرة دعم صحة المرأة       اللجنة الخاصة المشكلة بمجلس النواب لدراسة برنامج الحكومة الجديدة تختتم أعمالها اليوم       تفاصيل مشاركة الأهلى فى أعمال الجمعية العمومية لرابطة الأندية الأوروبية       وزارة المالية : الدولة ليس من دورها إدارة الأصول العقارية       أخبار سارة للموظفين.. المالية تعلن تبكير صرف مرتبات شهر يوليو 2024  
جريدة صوت الملايين
رئيس مجلس الإدارة
سيد سعيد
نائب رئيس مجلس الإدارة
د. محمد أحمد صالح
رئيس التحرير
محمد طرابية

سيد سعيد يكتب   2022-01-11T04:26:57+02:00

رسالة إلى الحكومة.. لا تدهسوا الفقراء فى برنامج رفع الدعم

سيد سعيد

يمكن لى ولغيرى أن نتفهم الحاجة الملحة للإصلاح الاقتصادى بما يحويه من أبعاد طموحة ومتطلبات باتت ضرورية، لكن هذا بكل إيجابياته المتوقعة، يتطلب فى ذات الوقت النظر إلى ضرورات أخرى أكثر أهمية.. ضرورات لا يمكن إغفالها أو تجاهلها بأى صورة من الصور، وهى المتعلقة بالوعى الجمعى، ومدى قدرة المواطن على استيعاب الخطوات التى تقوم بها الدولة، فالواقع يؤكد بما لا يدع مجالاً لأى شك، أن أى عملية انتقال أو تحول تحتاج إلى حشد معنوى يهيئ المجتمع للتعاطى معها بإيجابية، وهو لم يحدث منذ البدء فى عملية الإصلاح، فقط يتم الترويج لمصطلحات معلبة وجاهزة، يطلقها إعلاميون، يتعاملون مع الأحداث بسطحية مطلقة، وعبارات فارغة ليس لها مضمون، تزيد من الفجوة بين الشارع، الذى يرى فى الحكومة ملاذًا للخروج من أزماته الذاتية، وفق ما ترسخ لديه من ثقافة سائدة عبر عشرات السنين، ولا يستطيع فى ذات الوقت أن يؤيد مسارات أى إصلاح، لا يعود عليه بمردود مباشر، إنما تضيف إليه مزيدًا من الأعباء، خاصة الفقراء ومحدودى الدخل، ممن أنهكت قواهم قرارات الزيادة فى أسعار السلع الحياتية والخدمات الضرورية عبر السنوات السابقة.

 وربما يتساءل البعض وهذا حق مشروع لهم، ما علاقة المصطلحات الإعلامية بالفجوة الحادثة بين قطاعات متنوعة فى المجتمع المصرى، منهم من يؤيد القرارات الاقتصادية ويباركها، ومنهم من يشعر بالضيق.. الإجابة فى هذه الحالة لا تحتاج إلى بذل الجهد، أو استنفار الطاقات أو العصف الذهنى، فهى حاضرة وتطل برأسها مع أى قرار يصدر عن دوائر السلطة، خاصة القرارات الرامية إلى زيادة أسعار السلع والخدمات الضرورية، فعلى الفور نجد الإعلام يدور فى فلك أجوف، وفراغ لا يبعث إلا على الاستفزاز، مفاد ما يردده الإعلام، أن القرارات تصب فى مصلحة محدودى الدخل، من دون إيضاح لكيفية حدوث ذلك، الأمر الذى يتبعه غضب مشروع، مصحوب بأسئلة مشروعة أيضًا، كيف؟ وما الطريقة؟ ومتى تصب فى مصلحة المواطن؟ بلوغًا لحد اليقين بأن المُنظرين وجهابذة الإعلام يستهزئون بالفئات الفقيرة داخل المجتمع، وهذا يتبعه إقرار بأنهم ليسوا فى حسابات الدولة.

 من المؤكد أن كل هذه التصورات ليست صحيحة بالمرة، إذا تأملنا حجم الاهتمام الذى توليه القيادة السياسية بالبسطاء وسعيه الدؤوب للارتقاء بهم صحيًا ومعيشيًا وعلى المستويات كافة، عبر نقلهم من العشوائيات إلى مساكن حضارية ومتطورة وآدمية، ناهيك عن الحملات القومية الضخمة فى مجالات العلاج من فيروس سى، و100 مليون صحة، والتطعيمات ضد كوفيد 19، وصرف إعانة بطالة، المشروع القومى «حياة كريمة» بما يعنى أن رأس الدولة، لا يدخر وقتًا أو جهدًا لصالح المواطنين، والفئات المحدودة على وجه الخصوص، لكن ترجمة رؤى الرئيس فى وسائل الإعلام يحيط بها قدر هائل من التجويد الأجوف الذى يفسد مضمونها من قبل إعلاميون يعزفون على نغمة نشاز من دون دراية، فلا هم استطاعوا التعبير عن خطوات الحكومة للتفاعل مع قراراتها، ولا هم لديهم القدرة على حشد رأى عام مؤيد لخطوات الحكومة نحو الإصلاح المنشود، بما يعنى أنهم فشلوا فى هذا وذاك، فهؤلاء مثل الذين يسيرون فى موكب ولا يعرفون هل هو زفة فرح أم تشييع ميت.

يا سادة.. القرارات الاقتصادية لم تكن وليدة ظروف طارئة أو أحداث فرضت التعجيل بها، لكن تم العمل بها منذ 7 سنوات، وتطبيقها يتم على مراحل زمنية باقتطاع نسب كل فترة من شريحة الدعم للمرافق» الكهرباء والمياه والمواد البترولية» وبعض الخدمات الأخرى، والمجتمع المصرى من شماله إلى جنوبه يعرف التوجهات والقرارات، من خلال التطبيق الفعلى، فالحديث عن رفع الدعم تدريجيًا ليس جديدًا، ولا ننكر على الاطلاق أن تلك التوجهات من شأنها تعظيم الموازنة العامة، وتقليل نسب العجز فيها، إلا أن تنفيذها جميعًا فى فترة زمنية محدودة، ضاعفت من حجم الأعباء على المواطن، خاصة ذوى الدخول المحدودة وأصحاب المعاشات، وأهل الريف من البسطاء والفلاحين وأصحاب الأراضى الزراعية المحدودة، حيث أثرت الزيادة المطردة فى ارتفاع الأسعار الناتج عن رفع الدعم تأثيرًا سلبيًا، انعكس على أوضاعهم المالية، وتبع ذلك عدم القدرة على الوفاء بالكثير من الالتزامات الحياتية الضرورية، فالواقع يؤكد أن ميزانية الأسرة المصرية تعرضت خلال السنوات الـ 7 الماضية للكثير من الهزات، خاصة فيما يتعلق بالزيادات المتتالية فى أسعار الوقود، ما أدى إلى ارتفاعات كبيرة فى أسعار المواصلات، وأسعار الخضراوات واللحوم، والأهم من هذا وذاك الزيادة العشوائية فى الدواء، وترتب على تلك الزيادة ارتفاع فى السلع بشكل عام من دون أى رقابة تذكر، وهذا هو مكمن أو لُب المشكلة.

بالطبع، لا ينكر أحد أن فاتورة الدعم تمثل عبئًا كبيرًا على الموازنة العامة للدولة، والتى تعانى بالفعل من عجز كبير فى ظل نمو سكانى، لكن هذا يتطلب حلولا ابتكارية تحفظ التوازن المجتمعى، بتنقية وتحديث قاعدة بيانات البطاقات التموينية للوقوف على حقيقة المستحقين وغير المستحقين للدعم، حتى لا يتعرض المال العام للعبث والإهدار الناتج عن سوء الإدارة، من قبل مسئولين وموظفين فى المكاتب التموينية، وغيرهم من الذين يمثلون أطراف المعادلة فى هذا الشأن من بعض أصحاب المخابز، فلا يمكن إعفاء الجهة الإدارية الممثلة فى وزارة التموين من فساد بعض موظفيها، وتعاطيهم مع المسئولية باستهتار، ما ينتج عنه إهدار لحقوق المستحقين والمال العام فى ذات الوقت، وللتأكيد على هذا، لا يفوتنا ذكر بعض الحقائق، التى لا تستطيع وزارة التموين إنكارها، ففى أثناء عمليات التنقية التى شاركت فيها الرقابة الإدارية، والتى بدأت عام 2019، تم اكتشاف» بلاوى» سنسرد بعضها مثل، وجود بطاقات لأفراد غير متزوجين والبطاقة مثبت عليها واقعة زواج لم تحدث بالأساس، ويقوم أصحابها بصرف المستحقات الخاصة بالبطاقة، سواء هم بأنفسهم أو أنها بطاقات» فالصو» يحررها، بعلاقاتهم، أصحاب محال السلع التموينية، كما تم اكتشاف وجود مسيحيين مثبتين على بطاقات لمسلمين والعكس، هل هذا له علاقة بالزيادة السكانية؟ أم أنه فساد منظومة؟ أضف إلى هذا العبث إذا اتفقنا على أنه عبث، أمور أخرى لا تقل عبثية، مثل إضافة زوجتين بالمخالفة للقانون، أو أن شخص واحد لديه 144 بطاقة تموينية وهذا كشفت عنه المراجعات والجهات الرقابية، فضلاً عن 5000 بطاقة مزدوجة، ووجود متوفين، التنقية التى حدثت قبل ذلك كشفت عن وجود نحو 15 ألفًا من ذوى الدخول المرتفعة ومالكى السيارات الفارهة، يحصلون دعم التموين وبطاقات الخبز والسلع، كيف حدث ذلك؟ وكيف تمكن هؤلاء من الحصول على هذا الدعم؟ بالطبع فساد المنظومة الإدارية المشرفة على التسجيل، وليس المواطن البسيط، والذى سيدفع وحده فاتورة هذا العبث الذى يضر به وبالموازنة العامة للدولة على حد سواء.

 وهذا الأسبوع تجدد الحديث عن الدعم التموينى ورغيف الخبز مرة أخرى، حينما أعلن الرئيس عبد الفتاح السيسى توجه الدولة لوقف إصدار بطاقات التموين للمقبلين على الزواج، أو المتزوجين حديثًا، موضحًا رأيه بأن الذين يرغبون فى الحصول على الدعم التموينى كان عليهم عدم الإقدام على الزواج فى المقام الأول لكونهم غير قادرين على تحمل المسئوليات المالية للزواج، وذلك خلال افتتاح مجمع إنتاج البنزين بشركة أسيوط لتكرير البترول حيث قال: «لا يمكن أدى تانى بطاقة تموين لحد بيتجوز، لأنك لو بتتجوز ومستنى الدولة تديك بطاقة تموين أنت مش قادر تصرف إزاى يعنى.. لأ ده كلام «مش مظبوط»، مضيفًا: «كمان لما أخلف حد يأكلى عيالى! لن نضع بطاقة تموين لأكثر من فردين فى اللى فات، وفى الجديد مفيش».

القراءة الدقيقة والمتأنية لما قاله الرئيس عبدالفتاح السيسى بشأن البطاقات التموينية، تصب فى المقام الأول صوب التحذير من تداعيات الزيادة السكانية على الأوضاع الاقتصادية وخطط التنمية المستدامة، حيث تنفق الدولة مبالغ ضخمة على بطاقات التموين، بحصول كل فرد على 50 جنيهًا لاختيار أصناف من 27 سلعة تموينية متاحة لدى منافذ مخصصة لذلك، وهى مبالغ بالفعل يجب إعادة النظر فيها وتقليلها بأى صورة أيا كانت، لكن فى ذات الوقت يجب عدم المساس بمستحقات الفئات الفقيرة والمحدودة، لأنهم الأولى بالرعاية، خاصة إذا علمنا أن الإحصائيات الرسمية الصادرة من مؤسسات الدولة، المعنية بدراسة وبتشريح فئات المجتمع من حيث أوضاعهم الاقتصادية، نجد أن الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء المصرى، بتاريخ 17 أكتوبر من العام المنصرم 2021، وبمناسبة اليوم العالمى للقضاء على الفقر، أصدر إحصاء جاء فيه، أن معدلات الفقر فى مصر بلغت نسبة 29.7 فى المئة خلال عام 2019 – 2020، أى أن نحو ثلث الشعب المصرى يعانى من الفقر الاقتصادى. وفى السياق ذاته لا نرى حرجًا من التأكيد على بعض الأمور، حتى ولو تعارضت مع توجهات الحكومة، فقد كان يتعين على الحكومة البحث عن مصادر أخرى، لتعويض وإصلاح الخلل فى عجز الموازنة، دون الضغط على الفقراء ومحدودى الدخل بمزيد من الأعباء، والأخذ فى الاعتبار أن هذه التوجهات التى تسارع الحكومة فى تنفيذها، تجافى مبدأ العدالة الاجتماعية المنصوص عليه فى الدستور، ويتعارض مع أهم مواده. فالواقع يؤكد أن الدعم ضرورة والتزام حكومى، وطالما أن هناك فقرًا لابد من حل مشكلة الفقر أولًا، وبعدها يمكن الاستغناء عن الدعم تمامًا، لكن الإصرار على خفض مخصصات الدعم بهذا الحجم غير المسبوق، يقينًا سيترتب عليه زيادة مطردة فى معدلات الفقر، ومعدلات سوء التغذية، ما سيترك أثره على طبيعة التركيبة السكانية وقدرتها على التعاطى مع متطلبات الحياة، فالفقر له تداعيات كارثية، لا يمكن بأى حال من الأحوال تجاهلها، وعلى رأسها الجرائم المجتمعية وانتشار السرقة والفاحشة وانتشار المرض، واللجوء إلى كل ما هو خارج عن القانون، خاصة مع غياب الوعى، لذا بات من المهم معالجة الفقر وأسبابه كأولوية طارئة، وإرساء قواعد أساسية مشفوعة بمعايير تحدد من يستحق الدعم والإبقاء على وضعه، ومن لا يستحق يتم حذفه من الدعم، حيث لا يمكن قبول أن يتساوى أصحاب الدخول المرتفعة التى تزيد على 10 آلاف جنيه، بأصحاب الدخل المتدنى الذى يقل عن 2000 جنيه، وهذا الإجراء، فى تقديرى، كفيل بأن يقلل من حجم الفجوة والعجز فى الموازنة العامة للدولة، أقول هنا يقلل ولا يزيل بالطبع، لأننى أدرك فى هذا السياق حجم الأعباء والمتطلبات، كما أننى أعى حجم ما تتحمله الموازنة للوفاء بتمويل نحو 23 مليون بطاقة تموينية، يستفيد منها قرابة 64 مليون مواطن من مجموع عدد سكان مصر البالغ نحو 103 ملايين نسمة، وتبلغ فاتورة دعم السلع الغذائية 87.2 مليار جنيه، طبقًا لموازنة العام المالى الحالى 2022/2021، منها 50 مليار جنيه لدعم الخبز وحده ويستفيد منها 72 مليون مواطن، و37 مليار جنيه لدعم السلع التموينية، ولا يفوتنى بالتأكيد، ارتفاع فاتورة الدعم الغذائى فى الموازنة الحالية بنحو 3 مليارات جنيه مصرى عن فاتورة الدعم فى الموازنة فى العام السابق، كل هذه الأمور تحتاج إلى مراجعات بدون فهلوة من بعض النافذين فى الجهاز الحكومى، مع ضرورة التأكيد على الأخذ فى الاعتبار الأبعاد المجتمعية ورعاية الفئات الأكثر احتياجًا.


مقالات مشتركة