البنك المركزي يكشف أسرار تراجع معدلات التضخم       الداخلية تعلن القبض على المتهم في واقعة العبارات المسيئة على شاشة فيصل       الحكومة تنفي عودة عمل الموظفين بنظام ( الأونلاين ) يوم واحد أسبوعيًا       أخبار سارة .. المركز القومي للبحوث ينجح في إنتاج مُخصب حيوي يزيد إنتاج المحاصيل الزراعية       وزير الإسكان : الدولة لن تسمح مرة أخرى بالبناء غير المخطط والعشوائي والمخالفات       التفاصيل الكاملة لزيارة وفد قيادات الأوقاف ل شيخ الأزهر       الحكومة: الخميس 25 يوليو إجازة رسمية بمناسبة ذكرى ثورة 23 يوليو       خطة حكومية لزيادة الاستفادة من العلماء والباحثين المصريين في الخارج       بالأرقام الرسمية .. 50 مليون زيارة من السيدات لتلقي خدمات الفحص والتوعية ضمن مبادرة دعم صحة المرأة       اللجنة الخاصة المشكلة بمجلس النواب لدراسة برنامج الحكومة الجديدة تختتم أعمالها اليوم       تفاصيل مشاركة الأهلى فى أعمال الجمعية العمومية لرابطة الأندية الأوروبية  
جريدة صوت الملايين
رئيس مجلس الإدارة
سيد سعيد
نائب رئيس مجلس الإدارة
د. محمد أحمد صالح
رئيس التحرير
محمد طرابية

سيد سعيد يكتب   2022-03-21T23:14:58+02:00

الحكومة تواجه جشع التجار بالتصريحات !!

سيد سعيد

لا حديث الآن فى الأوساط المجتمعية على اتساع خريطة مصر الجغرافية إلا عن موجة غلاء السلع الغذائية، التى تضرب البلاد من شمالها إلى جنوبها، ولا شىء يشغل المصريون سوى الخوف من المجهول وعدم قدرتهم على الوفاء بالتزاماتهم الأسرية، فالتداعيات الاجتماعية لما يحدث كارثية، ولا يمكن لأى عاقل فى هذا البلد أن يعزل المشكلات الأسرية التى تحدث على مدار الساعة من جوهر الأزمات الاقتصادية، فهى تفاقمت بصورة مزعجة نتيجة الفقر وتنامى أعداد البطالة، فضلًا عن إرهاق الجيوب بفواتير عشوائية، لا تتسق مع مستويات الدخل.

 هذا كله يجعل حكومة الدكتور مصطفى مدبولى فى مرمى سهام الاتهامات بالفشل، وليس الانتقادات فقط، فهى لم تضع فى سياستها، هذا إن كان لها سياسة بالأساس، ما تنتجه قراراتها من حالة فوضوية وكوارث اجتماعية، ربما يكون الانفلات الجنونى فى أسعار الغذاء والدواء وفواتير الخدمات الضرورية من أبرز مفرداتها، إلى جاتب التخبط فى معالجة المشكلات الطارئة، والسعى نحو إيجاد شماعات تعلق عليها خطاياها، فهى لا تتحرك إلا بعد خراب مالطة، من دون وعى لسلوكيات أباطرة السوق، ومن دون إدراك للقاعدة الأزلية المتوارثة، ومفادها أن السلعة التى يرتفع سعرها، لا يعود ثمنها مرة أخرى مهما توافرت السلع أو انخفض سعرها فى العالم كله، لذا فإن حلولها بإقامة الشوادر قبيل شهر رمضان، هى مسكنات وقتية سرعان ما ستتبخر، بما يعنى أن» ريمة ستعود لعادتها القديمة»، فور الانتهاء من الشهر الكريم.

 إن فشل الحكومة أو عدم تفعيل الآليات الرقابية دفع الرئيس عبد الفتاح السيسى للتدخل بتوجيه الحكومة بتسعير الخبز غير المدعوم للمرة الأولى منذ توليه السلطة، وهذا بدوره يظهر حجم المشكلة، لأن الخبز الحر غير المدعم ارتفع بنسبة تتجاوز الـ 50% مع انخفاض وزنه، والمبرر الذى يتم تسويقه من قبل أصحاب المخابز أن الحكومة رفعت أسعار الدقيق الحر، وذلك فى الوقت الذى خرجت فيه التصريحات تتهم كبار التجار بالاحتكار، وراح الإعلام يطنطن على تلك النغمة، أما الحقيقة، فهى أن الحكومة تتخذ قرارات غير مدروسة، وليس لديها خطط لتفادى الأزمة، ولا تتحرك إلا بعد تدخل القيادة السياسية، وهذه كارثة كبرى.

المتابع للواقع على الأرض، وبعيداً عن الصخب الإعلامى الزائف الذى يضر أكثر مما ينفع، سيجد أن ارتفاع الأسعار كان سريعا ومفاجئا، ويفوق القدرة على الاحتمال، فما بين يوم وليلة تبدلت أحوال البلاد والعباد، وما كان يكفى بعض الأسر لشراء قائمة احتياجاتها من السلع الغذائية لمدة شهر، اليوم لم يعد المبلغ كافيا لشراء حتى نصف قائمة الاحتياجات الضرورية، بما يعنى أن الوضع أصبح منفلتا وجنونيا، ويتجاوز قدرة ملايين الأسر على الرضا به أو قبول التعايش معه. نعم لا يمكن إنكار أن تداعيات العملية العسكرية الروسية فى أوكرانيا، تسببت فى موجة ارتفاع فى أسعار الغذاء عالمياً، وذلك بحسب تقرير منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة، وبالطبع مصر ليست بعيدة عن هذا الغلاء بالمرة، لكن حكومتها بعيدة كل البعد عن كل ما يحدث فى بلدان العالم، حيث لا توجد لدينا مثل بقية دول العالم رقابة فاعلة لديها آليات قانونية وقضائية، قادرة على حماية المجتمع من أى ممارسات تقوض تطلعاته الاقتصادية، أو تدفع إلى تدنى الأوضاع الاجتماعية.

 أين الحكومة من هذا؟ هل اكتفت بتقديم الإرشادات للمواطنين بإبلاغ الجهات التى لا تتحرك وانصرفت إلى حال سبيلها؟ أن الوصول إلى الجهات الرقابية المعنية بضبط الأسواق يحتاج لصبر أيوب، كما أن الارتفاع الجنونى قلل من حجم الشراء للسلع ولا أبالغ إذا قلت ومن حجم شراء الاحتياجات الدوائية أيضًا.

وفى هذا السياق أعلن الجهاز المركزى للإحصاء ارتفاع معدل التضخم السنوى فى مصر ليبلغ 10 فى المئة لشهر فبراير، مسجلا النسبة الأعلى منذ منتصف عام 2019، مرجعا الزيادة إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية والمشروبات بنسبة 20,1 فى المئة، وعلى رأسها الخضروات والفاكهة والخبز والحبوب، وهنا يقفز السؤال.. هل تتجاهل الحكومة تلك التقارير؟ وإذا كانت تلك التقارير بلا قيمة لديها، فمن أى مصادر تستقى بياناتها لتفادى الأزمات؟ ونظرة سريعة لحال السوق سنجد أن سعر كيلوجرام الدجاج على سبيل المثال ارتفع إلى 35 جنيها بينما كان يتراوح سعره بين 20 و 24 جنيها أول الشهر الجارى، أما الخبز والأرز، فهما من أكثر السلع استهلاكا بين جميع فئات المصريين، فزاد سعرهما أيضا ليبلغ الرغيف جنيها وربع بدلا من جنيه، بينما سجّل الأرز سعر 11 أو 12 جنيها للكيلوجرام بدلا من ثمانية جنيهات، وزجاجة الزيت من 11 إلى 19 جنيها، وهى سلع أساسية ضرورية لا غنى عنها لأى أسرة، وبينما تتزين الأسواق بالشوادر لاستقبال الزبائن فى شهر رمضان الكريم، فى ظل موجة الغلاء التى تضرب منتجات البلد، سارعت الحكومة بتوجيه رئاسى، لاحظ» بتوجيه رئاسى» إلى امتصاص جزء من حالة الغضب التى سيطرت على ملايين الأسر فى بر مصر، وأعنى هنا أصحاب الدخول المتدنية، فما بالنا بمعدومى الدخل» الأرزقية «، وهؤلاء يزداد أنينهم يوماً بعد يوم، ناهيك عن ارتفاع معدلات الطلاق بصورة مخيفة فى تلك الفئات، جراء عدم القدرة على الانفاق، وانكسار الآباء أمام أبنائهم.

إن هذا الواقع الأليم الذى أسرده مغلفاً معلوم لكل من يريد أن يرى ويسمع، فهذا الواقع يشغل مساحات هائلة من حكايات الناس فى العديد من المناطق الشعبية والريف، وهذا ليس نوعاً من تضخيم التداعيات، يحتم على الحكومة النظر إلى تلك التداعيات، وتغض النظر ولو لفترة وجيزة عن تكبيل المواطنين بأعباء، ضاقوا بها بعد أن أثقلت كواهلهم، فالمواطن لا يعنيه الحديث عن الموازنة أو الخطط المستقبلية عن أن موازنة بند القمح ستزيد حسب قول وزير المالية إلى 15مليار جنيه بسبب الأزمة الأوكرانية، أو أنها تقوم بدعم الخبز بـ87 مليار جنيه، هو لا يعرف تلك الأرقام، لكنه فقط يريد أن تنظر إليه الحكومة وتضعه فى أولوياتها، فمثل هذه النظرة يا سادة يا كرام ستحافظ على تماسك ملايين الأسر وتقيها من الانهيار بسبب الأوضاع الاجتماعية، هو يريد أن يعيش بأبسط المتطلبات، ولا يرغب فى رفاهية بعد أصبحت اللحمة رفاهية، والفراخ رفاهية، والبيض رفاهية، هل تعلم؟ الحكومة أن قرص الطعمية أصبح سعره جنيه بسبب أوكرانيا التى أصبحت شماعة.

 هناك سؤال جوهرى، الحكومة أعلنت أمام الرئيس أن الاحتياطى من الدقيق والسلع الضرورية زيت وسكر وشاى وأرز وخلافه يكفى لمدة 4 أشهر، بما يعنى أن السلع موجودة، والمستورد الذى زاد سعره بسبب الزيادة فى تكاليف الشحن وارتفاع الأسعار عالمياً لم يأت بعد، فلماذا الارتفاع الجنونى وغير المسبوق، فضلًا عن أن الزيادة فى أسعار الخضروات ارتفعت قبل أن تنشب الحرب الروسية الأوكرانية، ألم يمثل لغزًا؟ ألم يكن الزيادة فى أسعار المواد البترولية والخدمات الضرورية، يمثل جزءاً أصيلًا من الزيادة فى الأسعار؟ ماذا سيحدث إذا تحقق ما ورد فى تقرير بنك الاستثمار الدولى جى بى مورجان» إحدى مؤسسات التمويل المالى الكبرى فى العالم، حيث توقع أن تحصل جولة جديدة من تعويم العملة المحلية فى مصر، حيث شهدت مصر تعويمًا للعملة المحلية فى عام 2016 ليفقد الجنيه نحو نصف قيمته أمام الدولار الأمريكى، كجزء من برنامج إصلاح اقتصادى بدأته الحكومة وحصلت بموجبه على قرض من صندوق النقد الدولى قيمته 12 مليار دولار.

 من المؤكد أن تداعيات الأزمة الأوكرانية ستكون وبالًا على العالم كله، ومن المؤكد أن الذى سيدفع الثمن الأكبر لهذه الأزمة هى الدول التى تستورد معظم غذائها ووقودها ودوائها وسلاحها من الخارج، مثل مصر، ومن المؤكد أيضًا أن الأوضاع ستكون أسوأ من الظروف الحالية رغم بشاعتها، إذا طالت هذه الأزمة وتوسعت الحرب وشملت بلدان حلف شمال الأطلسى «ناتو»، ورغم أن كل المؤشرات تذهب إلى أنها ستطول، والأزمة مرشحة للتفاقم أكثر، لذا فمن الضرورى، بل من الضرورى جداً تخفيف الأعباء على المواطنين، وإعادة النظر فى السياسات التى أوصلتنا إلى ما نحن فيه الآن.

ليس سرًا أن الحكومة طمأنت المواطنين فى تصريحات متتالية، وأكد كما أسلفنا، على أن لديها مخزونا كافيا من السلع الاستراتيجية المختلفة، خصوصا القمح حتى نهاية هذا العام، ووزارة التموين أكدت جاهزيتها لمواجهة أى أزمات، لكن ماذا فعلت لضبط الأسواق، نعم.. السلع متوافرة وبكثرة، ولا يوجد نقص فى الأسواق، لكن الأمر يتعلق بانفلات الأسعار، والحكومة أرادت أن تختبئ خلف دعوات متكررة للتجار بعدم رفع أسعار السلع، وعدم إخفائها، على الحكومة أن تتعامل مع الأمور بواقعية، ففى هذا السياق يجب عليها إظهار أنيابها إن كانت على حق فيما تقوله، لا أن تستعطف، حيث لا يمكن بأى حال من الأحوال أن يكون هناك رهانًا على أخلاق وضمائر التجار، وليس من المعقول أن تتنازل الحكومة عن مسئوليتها السياسية والقانونية، وتدعو من تراهم سببًا فى الأزمة، إلى مراعاة ظروف الناس الغلابة، لذا يجب عليها استخدام سلطتها، خاصة فى الأزمات أو حينما تكون هناك ظروف غير طبيعية تمر بها البلاد، ففى هذه الحالة لابد وأن تتوارى الدعوات، فسيف القانون هو الذى يفرض قوته وهيبته، وهو وحده القادر على تهذيب أخلاق التجار ومعاقبة مافيا التربح من قوت الغلابة لتحقيق الثروات مثل تجار الحروب والأزمات.

جانب آخر تعالت وتيرته بصورة تبدو غير مقبولة شكلاً وموضوعاً، وهو المتعلق بظهور أصوات داعية للمقاطعة وعدم الشراء من التجار الجشعين، فهذا التوجه غير فعال ولا يفرز نتائج ملموسة، فهناك سلع لا يمكن مقاطعتها مثل الدواء الذى يتم تسعيره بمعرفة الحكومة ذاتها، والخبز، فهل يمكن الاستغناء عنهما؟ بالطبع لا.. حيث سيتم اتفاق بين منتجى الخبز، ويصبح الأمر اذعانا للمواطنين.

كما تزايدت أيضاً نغمة أخرى، راح البعض «يطنطن» عليها بصورة بغيضة، مفادها، أننا نعيش عصر الحريات الاقتصادية، وأن السوق تتحكم فيها قواعد العرض والطلب، لكن فات الجميع أن دور الدولة من خلال القوانين، والسياسات الاقتصادية، هو ضبط الأمور بإحداث توازن بين العرض والطلب وفق الأوضاع الاجتماعية، وليس دورها فقط تحصيل الضرائب، وترك الحابل يختلط بالنابل، بما يتيح الفرصة للنماذج المتوحشة أن تفترس الغلابة بدعاوى ذائفة، وإذا كان البعض يرى أن التدخل الحكومى سيزيد من تعقيدات الأزمة، فهذا مردود عليه، بالنظر إلى الإجراءات الحكومية التى تتخذها أعتى البلدان الرأسمالية أثناء الأزمات، فالدولة هى التى تحدد مسارات أمنها القومى واحتياجات مواطنيها من ضرورات الحياة، وليس الشركات حتى ولو كانت عابرة للقارات، أما الأخذ بآليات الاقتصاد الحر دون النظر إلى الأبعاد الأخرى فهذا فهم خاطئ ورؤية انتهازية، حيث يمكن قبول تلك التصورات والرؤى فى الظروف الطبيعية، وليس فى الأزمات الاقتصادية التى تتعرض لها المجتمعات تارة بفعل الجماعات النفعية، وتارة أخرى بتجاهل الدولة لدورها تجاه الفئات المطحونة، وأحيانا بسبب الظروف الدولية مثل جائحة كورونا وأخيرا الأزمة الأوكرانية، حيث تستورد مصر من روسيا وأوكرانيا وهما الدولتين المتحاربتين ما يوازى 30 بالمئة من القمح، باعتبار أن مصر أكبر مستورد للقمح فى العالم.. ليت الحكومة تعى الأزمة وتعمل على التقليل من تداعياتها، وتتخذ الخطوات التى من شأنها تحقيق الاكتفاء الذاتى من الغذاء! .


مقالات مشتركة