الحكومة: الخميس 25 يوليو إجازة رسمية بمناسبة ذكرى ثورة 23 يوليو       خطة حكومية لزيادة الاستفادة من العلماء والباحثين المصريين في الخارج       بالأرقام الرسمية .. 50 مليون زيارة من السيدات لتلقي خدمات الفحص والتوعية ضمن مبادرة دعم صحة المرأة       اللجنة الخاصة المشكلة بمجلس النواب لدراسة برنامج الحكومة الجديدة تختتم أعمالها اليوم       تفاصيل مشاركة الأهلى فى أعمال الجمعية العمومية لرابطة الأندية الأوروبية       وزارة المالية : الدولة ليس من دورها إدارة الأصول العقارية       أخبار سارة للموظفين.. المالية تعلن تبكير صرف مرتبات شهر يوليو 2024       بالأرقام الرسمية .. إصدار 32.5 مليون قرار علاج على نفقة الدولة       وزارة العمل تُحذر المواطنين بعدم التعامل مع الشركات والصفحات وأرقام الهواتف الوهمية       إطلاق دورى رياضى لأبناء الأسر في قرى ( حياة كريمة ) تحت شعار ( أنت اقوى من المخدرات )       أخبار سارة : مصر تستهدف إنتاج 800 ألف أوقية ذهب عام 2030  
جريدة صوت الملايين
رئيس مجلس الإدارة
سيد سعيد
نائب رئيس مجلس الإدارة
د. محمد أحمد صالح
رئيس التحرير
محمد طرابية

د.محمد صالح يكتب   2022-05-07T10:54:23+02:00

أداب الإختلاف فى الرؤى والأفكار

د.محمد أحمد صالح

اقتضت حكمة الله تعالى أن يكون خلق الناس بعقول ومدارك متباينة، إلى جانب اختلاف الألسنة والألوان والتصورات والأفكار، وكل تلك الأمور تفضي إلى تعدد الآراء والأحكام. إن إعمار الكون لا يتحقق لو أن البشر سواسية في كل شيء، ولو التزم الناس بأدب الاختلاف لكان له بعض الإيجابيات مثل:

 1- تطلُّب الاحتمالات التي يمكن أن يكون الدليل قد رمى إليها.

 2- فتح مجالات التفكير للوصول إلى سائر الافتراضات.

 3- تعدد الحلول أمام صاحب كل واقعة ليهتدي إلى الحل المناسب.

 

وتؤكد وقائع التاريخ الإسلامى أن  رسول الله صلى الله عليه وسلم كان مرجعَ الجميع، فلم يكن في عهده ما يؤدي إلى الاختلاف، أما البعيدون عن المدينة فكان يقع بينهم الاختلاف؛ لاختلافهم فيما يعرفونه من تفسير كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلم أصحابه رضوان الله عليهم أدباً هاماً من آداب الاختلاف في قراءة القرآن خاصة، فيقول: "اقرأوا القرآن ما ائتلفت عليه قلوبكم، فإذا اختلفتم فيه فقوموا". أخرجه الشيخان.. فيندبهم عليه الصلاة والسلام إلى القيام عن القرآن العظيم إذا اختلفوا في بعض أحرف القراءة أو في المعاني المرادة من الآيات الكريمة حتى تهدأ النفوس والقلوب وتنتفي دواعي الحدة في الجدال المؤدية إلى المنازعة والشقاق، أما إذا ائتلفت القلوب وسيطرت الرغبة المخلصة في الفهم فعليهم أن يواصلوا القراءة والتدبر والفهم.. وكان صلى الله عليه وسلم يقول: «لا تختلفوا فإن من كان قبلكم اختلفوا فهلكوا».. ونرى القرآن الكريم كذلك يتولى التنبيه على أدب الاختلاف؛ فعن عبد الله بن الزبير قال: "كاد الخيران أن يهلكا: أبو بكر وعمر رضي الله عنهما؛ رفعا أصواتَهما عند النبي صلى الله عليه وسلم حين قدم عليه ركبُ بني تميم، فأشار أحدهما بالأقرع بن حابس، وأشار الآخر بالقعقاع بن معبد بن زرارة، فقال أبو بكر لعمر: ما أردتَ إلا خلافي، قال عمر: ما أردتُ خلافَك، فارتفعت أصواتُهما في ذلك، فأنزل الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ} الآية [الحجرات: 2]، قال ابن الزبير: كان عمر لا يُسمِع رسولَ الله صلى الله عليه وسلم بعد هذه الآية حتى يستفهمه.

 

وفى هذا السياق يروى أن أحد طلاب اﻹمام الشافعي، اسمه يونس اختلف مع أستاذه اﻹمام " الشافعي" في مسألة ، فقام الطالب غاضبا وترك الدرس وذهب إلى بيته ...

فلما أقبل الليل سمع صوت طرق على باب منزله ..

قال: فلما فتحت الباب، فوجئت بالإمام الشافعي فقال :

_ يا يونس، تجمعنا مئات المسائل وتفرقنا مسألة .. !

_ يا يونس، لا تحاول الانتصار في كل الاختلافات .. فأحيانا "كسب القلوب" أولى من "كسب المواقف" !

_ يا يونس، لا تهدم الجسور التي بنيتها وعبرتها ،فربما تحتاجها للعودة يوما ما...

اكره "الخطأ" دائمًا... ولكن لا تكره "المُخطئ" !

وأبغض بكل قلبك "المعصية"... لكن سامح وارحم "العاصي"!

_ يا يونس، انتقد "القول"... لكن احترم "القائل"...

 

فإن مهمتنا هي أن نقضي على "المرض"لا على "المريض".

 

 

 

ويؤكد العلماء أن أدب الحوار يؤسس لاحترام الاختلاف، واحترام الرأي والرأي الآخر، فلا حوار من دون وجهات نظر، ولا خلاف يظهر من دون تحاور يجعل من احتكاك الآراء مدخلاً للتفكير، وبروز الخيوط واتجاهات الرأي .

 

 

نعم الاختلاف سنّة أرادها الله، وحين جعله الله كذلك، بيّن لنا أن هناك اختلافاً لا يُقره الإسلام أبداً لأنه يفرّق المسلمين ويمزّق صفوفهم، وأن هناك اختلافاً لا يمنعه الإسلام لأنه يحمل مع الرأي حجة وبينة، ولأنه لا يفرق المسلمين، بل يعين على جمع القلوب والنفوس والصفوف .

 

وإذا التزمت حدود الاختلاف، وتأدب الناس بآدابه كان له بعض الإيجابيات منها أنه يتيح - إذا صدقت النوايا - التعرف إلى جميع الاحتمالات التي يمكن أن يكون الدليل رمى إليها بوجه من وجوه الأدلة، وفي الاختلاف رياضة للأذهان، وتلاقح للآراء، وفتح مجالات التفكير للوصول إلى سائر الافتراضات التي تستطيع العقول المختلفة الوصول إليها . . كما أن تعدد الحلول يهدي صاحب كل واقعة إلى الحل المناسب للوضع الذي هو فيه بما يتناسب ويسر هذا الدين الذي يتعامل مع الناس من واقع حياتهم .

 

لقد قضت مشيئة الله تعالى خلق الناس بعقول ومدارك متباينة، إلى جانب اختلاف الألسنة والألوان والتصورات والأفكار، وكل تلك الأمور تفضي إلى تعدد الآراء والأحكام، وتختلف باختلاف قائليها، وإذا كان اختلاف ألسنتنا وألواننا ومظاهر خلقنا آية من آيات الله تعالى، فإن اختلاف مداركنا وعقولنا وما تثمره تلك المدارك والعقول آية من آيات الله تعالى كذلك، ودليل من أدلة قدرته البالغة، وإن إعمار الكون وازدهار الوجود، وقيام الحياة لا يتحقق أي منها لو أن البشر خلقوا سواسية في كل شيء، وكل ميسر لما خلق له (وَلوْ شاء ربك لجَعل الناسَ أمةً واحِدةً، ولا يزالون مُخْتلِفين إلاّ مَنْ رَحِم ربك ولذلِك خَلقهم ) هود: 118-119 .

وفى النهاية أقول إن الاختلاف هو سنة الله في عباده، لكن يجب أن نعلم أن الاختلاف شيء والتنافر شيء آخر، ولذلك لابد أن نعلم أولادنا كيف نختلف كما ينبغي أن نعلمهم منذ صغرهم أدب الاختلاف وإقناعهم بأننا لا يمكن أن نسوق العالم كله لأفكارنا من دون أن نعطي للطرف الآخر إبداء ما عنده من أفكار .


مقالات مشتركة