البنك المركزي يكشف أسرار تراجع معدلات التضخم       الداخلية تعلن القبض على المتهم في واقعة العبارات المسيئة على شاشة فيصل       الحكومة تنفي عودة عمل الموظفين بنظام ( الأونلاين ) يوم واحد أسبوعيًا       أخبار سارة .. المركز القومي للبحوث ينجح في إنتاج مُخصب حيوي يزيد إنتاج المحاصيل الزراعية       وزير الإسكان : الدولة لن تسمح مرة أخرى بالبناء غير المخطط والعشوائي والمخالفات       التفاصيل الكاملة لزيارة وفد قيادات الأوقاف ل شيخ الأزهر       الحكومة: الخميس 25 يوليو إجازة رسمية بمناسبة ذكرى ثورة 23 يوليو       خطة حكومية لزيادة الاستفادة من العلماء والباحثين المصريين في الخارج       بالأرقام الرسمية .. 50 مليون زيارة من السيدات لتلقي خدمات الفحص والتوعية ضمن مبادرة دعم صحة المرأة       اللجنة الخاصة المشكلة بمجلس النواب لدراسة برنامج الحكومة الجديدة تختتم أعمالها اليوم       تفاصيل مشاركة الأهلى فى أعمال الجمعية العمومية لرابطة الأندية الأوروبية  
جريدة صوت الملايين
رئيس مجلس الإدارة
سيد سعيد
نائب رئيس مجلس الإدارة
د. محمد أحمد صالح
رئيس التحرير
محمد طرابية

سيد سعيد يكتب   2022-06-12T22:59:22+02:00

انتبهوا.. جهات رسمية تتستر على نشر الدجل فى الفضائيات

سيد سعيد
فى غياب الرقابة، كل شىء مباح.. وفى ظل الفوضى الإعلامية، كل شىء متاح، لا أحد هنا يحاسب أحدًا، فالكل أمن العقاب، ومن أمن العقاب فعل ما يريد وقتما يريد، لذا لا توجد غرابة على الاطلاق، عزيزى المواطن.. لو شاهدتنى أنا كاتب هذه السطور على شاشة أى قناة فضائية، أقوم بالترويج لعلاج الأمراض المستعصية، وإعطاء الوصفات الدوائية التى تقضى على كافة الأمراض المزمنة، وربما أحل ضيفًا بمقابل على مذيع طبيب استهواه الإعلام، واستأجر مساحة زمنية ممتدة، لا تندهش إذا قدمنى لمشاهديه، بأننى أفك السحر، ولدى براعة فى قراءة الطالع والنازل، والتنبؤ بالمستقبل عن طريق خطوط الكف، واكتشاف نوع المرض بمجرد النظر إلى عين المريض، أو قدمنى على أننى مكتشف أهم دواء فى العالم يقضى على كل الأمراض، التى فشل الطب الحديث فى إيجاد دواء لها، فالأمر يا عزيزى، لا يكلفنى سوى ثمن الإعلان، لن يسألنى أحد عن تراخيص مهنة الطب التى أزاولها على الهواء رغم أننى كاتب صحفى، ولن تسألنى أى جهة رقابية، رغم تعددهاـ عن مطابقة الأدوية التى أعرضها للمواصفات القياسية، وهل هى أدوية حقيقية ومعتمدة من جهات الاعتماد الدولية، أم أنها تركيبات عشبية تم تحضيرها تحت بير السلم، ولن يسأل أحد مقدمى البرامج أو القنوات الفضائية عن الاشتراطات القانونية، المتعلقة بالإعلان عن المنتجات التى تعالج آلاف الأمراض حسب زعمهم.. هذا هو الواقع، وهذه هى الحقيقة وإن حاول البعض تجاهلها، ولا يجرؤ على إنكارها.

 

قبل أسابيع قليلة استيقظ الرأى العام فى مصر على فضيحة مدوية، مفادها القبض على الدكتور أحمد أبو النصر، وتم حبسه فى حزمة من الاتهامات المتعلقة بالترويج عبر الفضائيات لمنتجات عشوائية، غير مرخصة مثل «الكوركومين»، وهو «المستحضر» الذى ذاع صيته بصورة مذهلة فى الأوساط المصرية بسبب الإعلانات المتكررة عنه فى مساحات زمنية لافتة للانتباه بعدد من الفضائيات، والتى ركزت على علاج مئات الأمراض، هكذا ببساطة «مئات الأمراض»، ورغم حالة الارتياح من تصرف أجهزة الدولة تجاه دكتور الكوركومين، خاصة من الذين أنفقوا عشرات الآلاف من الجنيهات فى شراء» كورس» العلاج، وأيقنوا أنهم تعرضوا لعملية نصب، بما يعنى أنهم اشتروا الوهم من صانع بوربجندا إعلامية، فى ظل غياب تام لأجهزة الدولة المعنية، ابتداء من وزارة الصحة المتورطة لـ«شوشتها»، وليس انتهاء بالمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، وجهاز حماية المستهلك، وبقية الجهات المسؤلة عن الرقابة.

 

 كنا نظن، وبالطبع ليس كل الظن إثم، أن القضية والمحاكمة، سيمنعان نزيف الفوضى الإعلانية، لكن خابت الظنون، ولم يحدث شيء على الاطلاق، استمرت البرامج المسجلة فى بث الدعاية الكاذبة عن الدواء الوهمى، وكأن الرسالة من وراء ذلك، نفى ما تردد عن محاكمة صاحب الكوركومين، وأن الأمر مجرد «زوبعة فى فنجان» ما ساهم فى استمرار الطلب على الدواء الخارق، وسقط فى براثن عملية بيع الوهم مئات الآلاف من المواطنين بتنوع شرائحهم المجتمعية، الغنى والفقير، المتعلم، والأمى البسيط، وصاحب المنصب والوجاهة الاجتماعية، والأرزقى الـ«شقيان»، جميعهم اقتطع من قوت أسرته سعياً للعلاج السريع الآمن والفعال، خاصة ذوى الأمراض المزمنة، الذين وجدوا ضالتهم فى أدوية لا يصفها الأطباء التقليديين فى عياداتهم، ولا يتم استخدامها فى المستشفيات.

 

يا سادة.. واقع الحال يؤكد أننا أمام مافيا، احترفت النصب والخداع، لذا فإن التصدى للعبث بصحة المصريين ومنع تعريض حياتهم للخطر، قضية وطنية تفوق فى أهميتها أى قضية اجتماعية أخرى، لأن تداعياتها لا تقف عند حدود إثراء النصابين، وتحقيق مئات الملايين من الجنيهات فحسب، انما الأهم والأخطر، اعتلال أجساد الناس بمركبات يزعمون أنها أدوية أجريت عليها أبحاث عالمية، وهى ليست أدوية على الاطلاق، كما أن كشف حقيقة العابثين بصحة المصريين، ممن احترفوا النصب بالإعلانات الزائفة، والإيهام بقدرتهم على علاج الأمراض المستعصية، أصبح من الأمور الملحة والعاجلة، وهذا هو دور النخبة فى مصر، عبر التحذير فى وسائل الإعلام من الانسياق وراء بائعى الوهم، وأيضًا فضح كل المتسترين على تلك المافيا، سواء بالتجاهل العمدى على طريقة» شيلنى وأشيلك» أو عدم تفعيل الأدوات الرقابية وعدم الاكتراث بالتداعيات الخطيرة، بداية من وزارة الصحة وإداراتها الرقابية العاجزة تمامًا عن التصدى، جراء الفساد المستشرى، وليس نهاية بالإعلام العشوائى، الذى أصبح التضليل من أهم سماته، وعندما أقول «التضليل، فهذا المصطلح فى تقديرى الشخصى، ورغم قسوته، إلا أنه لا يرقى بأى حال من الأحوال إلى مستوى الحقائق الصادمة على أرض الواقع، لذا فإن المسئولية عن هذا العبث وهذه الفوضى، تتجاوز البرامج والقنوات الفضائية المتورطة، وتذهب مباشرة إلى المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، فهو لم يقم بدوره فى الرقابة علر الإعلانات والبرامج الطبية، التى انتشرت بصورة مذهلة فى كل القنوات الفضائية الخاصة، ورغم الكشف عن العديد من الوقائع الصادمة، والكاشفة فى نفس الوقت عن المهازل التى يجتاح فيها الدجل حياة الناس، إلا أنه لم يتخذ أى خطوة من شأنها وقف نزيف الفوضى ومحاسبة تلك القنوات، وإرغامها على الالتزام بمعايير المجتمع ومدونة السلوك المهنى، الذى خلط بوضح بين البرامج الإعلامية والبرامج الاعلانية، فالتحرك لضبط آداء الفضائيات الخاصة، والزامها بتطبيق ميثاق الشرف الإعلامى، لا يحتاج بالضرورة تقديم شكاوى، حتى يتم التحقيق فيها، لأننا وببساطة شديدة جداً أمام خرق واضح للقانون، ولقيم المجتمع بالنصب على المواطنين، فكثير من أهالينا لا يعرفون الفروق بين القنوات الخاصة والرسمية، فجميع الشاشات بالنسبة لهم «تليفزيون»، بما يعنى أن ما يذاع لا يقترب منه الشك، وهذه هى قناعة البسطاء.  

 

 الفضائيات الخاصة أتاحت الفرصة الذهبية لظهور النصابين بمقابل معلوم، عبر تأجير مساحات زمنية تخرج إلى الجمهور فى شكل برامج طبية، وهؤلاء تمكنوا من خداع الناس باحترافية عبر عرضهم أفلام وسيديهات تحتوى على جراحات تمت خارج البلاد، يظهرون من خلالها مهاراتهم وإنجازاتهم العلمية والطبية، والمثير للاستغراب فى هذا كله أن غالبيتهم من غير المتخصصين فى المجالات التى يزعمون أنهم من أربابها، بما يؤكد أنهم بالفعل فهلوية ومنتحلى صفة، استباحوا أجساد الناس وصحتهم وأموالهم، لأنهم لم يجدوا من يتصدى لهم، وفى المقابل نرى أن المسئولين عن الرقابة لا يتحركون إلا بعد خراب مالطة، وهنا علينا التوقف.. على الرغم من التدخل الرسمى من الجهات الرقابية، وإحالة المتورطين فى بيع الوهم من أصحاب المراكز ومروجى التركيبات المدمرة للصحة، إلا أن الإعلانات مستمرة وهذا يعنى أن المجلس الأعلى لتنظيم الاعلام فى واد آخر، أو أنه لا يعلم بما يجرى.

 

القصة ببساطة، أن الحوادث التى حدثت وما زالت تحدث، وقطعا، ستظل تحدث ما لم يتم التصدى لها بقوة القانون، جميعها كاف، ليس فقط لتدمير صحة المصريين واستنزاف قدراتهم المالية، إنما ستكون لها تداعيات اجتماعية خطيرة، فالنصب سيتجاوز حدود الظاهرة، ويصبح ثقافة سائدة، يتصدر المشهد فيه الفهلوية وذوى العلاقات المتشعبة، والمجتمع هو الضحية.

 

اللافت أن الحملات الدعائية التى تداهمنا على مدار الساعة من خلال، ما يطلق عليها» البرامج الطبية»، يتم تقديم بعض صغار الأطباء» ميسورى الحال» على أنهم، جهابذة الطب فى ابتكار العلاجات العصرية، وأنهم رغم صغر سنهم البين  استشاريون فى مجالات الطب المتنوعة، والرائج منها على سبيل المثال جراحات وعلاج العمود الفقرى، وتصحيح الإبصار، وتوسيع الشرايين من دون جراحة، ولإضفاء نوع من المصداقية، يقوم الجهبذ بشرح خطوات العمليات بالصوت والصورة، والهدف الوحيد من وراء ذلك، تسويقه كمتخصص فى هذا المجال على غير الحقيقة، وبهذه الحيلة الإعلانية، مدفوعة الأجر لقنوات فضائية مفضوحة، ثبت أنها تبيع الخيبة لجمهور متلقف للعلاج الوهمى، فهذه القنوات تسعى فقط لتحصيل مقابل الإعلان، مهما كانت رسالة الإعلان وهدفه، ما دامت الرقابة فى عالم آخر، فهل وصل بنا الحال إلى هذا المستوى من العبث؟ ألم يكن من الأجدى أمام هذه الوقائع أن يتحرك المجلس الأعلى لتنظيم الاعلام، لمراجعة القنوات الفضائية، والتأكد من أنها تطلب التراخيص الرسمية، قبل بث المادة الاعلانية للمراكز الوهمية والأدوية الوهمية؟ لماذا لا تتحرك جهات رصد ومتابعة الأداء الاعلامى، لوقف مهزلة الترويج الزائف على القنوات الفضائية من دون مراجعة لتخصصاته؟ والاستدلال عن حقيقة نشاطهم من الجهات الرسمية، لكن يبدو أن الجهات الرسمية فى حاجة لمن يراجع تصرفات مسئوليها، ومنها جهات منح تراخيص تداول الأدوية وضبط كل ما هو مخالف، وجهات منح تراخيص المراكز.

 

إن الإجابة عن التساؤلات المطروحة بشأن الفوضى، لا تقبل التأويل أو البحث عن تبريرات تبدو غير منطقية، فالاجابة تطل برأسها دون خجل واضحة تماما مثل وضوح شمس الصيف، تفضح كل من تراخى فى أداء دوره تجاه المجتمع والدولة وحدود المسئولية الوطنية، والفضيحة فى هذه الحالة، لا بد وأن تكون على مستوى حجم الجريمة، التى يتم ارتكابها علنًا وفى وضح النهار، دون إدراك لتداعياتها على المجتمع كله سواء بالصمت أو الضعف، يقينًا ستأتى الجهات الرقابية فى المقدمة، والمقصود هنا، بالطبع، ليس الجهات الرقابية المنوط بها الدور الأمنى فقط، لكن هناك جهات رقابية أخرى، وإن كانت فى ثياب أجهزة إدارية، مثل الرقابة على الدواء، والإدارة المركزية لشئون الصيدلة، المسئولة عن منح التراخيص، وإقرار الدواء لتداوله، المجلس الأعلى للاعلام، المنوط به الرقابة على القنوات الفضائية وإعداد تقارير حول المادة الإعلانية التى تقدمها، ومتابعة مدى مطابقتها للاشتراطات القانونية من حيث التراخيص، وموافقة الجهات الرسمية المسئولة عن تحديد سلامة المنتجات التى تعرضها والفساد الذى استشرى فى العديد من الدوائر الحكومية، ونقابة الأطباء، التى لا تقوم بالتفتيش قبل الموافقة على منح التراخيص للخبراء المزيفين، أما فيما يتعلق بوزارة الصحة، فحدث ولا حرج، فالمسئولون يرفعون شعار، لا أرى، لا أسمع، وفى الخرس منافع، وكذلك جهاز حماية المستهلك، فالدواء الذى يتم الترويج له، أحد أهم السلع التى تحتاجها كل الأسر.

 

كل هذه الجهات بما فيها الاعلام الطفيلى الذى تخلى عن رسالته التوعوية، وراح يمارس أبشع أساليب التضليل لصالح فئة منحرفة سواء بالاتفاق معها على نسبة أو الحصول على مقابل معلوم، نظير المساحة الزمنية، الجميع، والمقصود هنا أصحاب القنوات ومقدمى برامج بيع الوهم تورطوا عمداً فى تضليل المواطن، وجميعهم عرفوا الطريق السهل للتربح بالاحتيال، حتى ولو كان الأمر يتعلق بالصحة، فالقنوات باعت مساحات زمنية للصالح والطالح، وراحوا يداعبون أحلام الناس بالشفاء العاجل، وطرح الأدوية والإعلان عنها بصورة لا تخلو من الدجل وبيع الوهم.

 

المثير للاستغراب فى هذا كله أن الجهات المسئولة، ترى كل هذه المهازل ولم يهتز لها جفن، لذا لن نكل ولن نمل من التأكيد الدائم على أن القائمين على تلك الجهات لم ينتبهوا، ولم تستوعبوا، ما ترمى إليه طموحات القيادة السياسية فى بناء مجتمع عصرى قائم على العلم والمعرفة، ويواكب التطور المذهل فى كافة مجالات اسعاد الناس، والصحة إن كنتم لا تعلمون، تأتى على رأس تلك الأولويات، ففى الوقت الذى يسابق فيه الرئيس عبدالفتاح السيسى الزمن، لمحاربة الجهل والفهلوة والتراخى، والقضاء على الأمراض، التى توطنت فى أجساد المصريين عبر عدة عقود، من خلال توفير العلاجات الحديثة، واعتماد مليارات الجنيهات، لمواجهة الأمراض الفيروسية المدمرة، وتوجيهاته بدعم علاج غير القادرين، نجد أن وزارة الصحة لا علاقة لها بالصحة، ولا تقوم بتفعيل أدنى درجات الرقابة على مراكز بيع الوهم أو الأدوية المغشوشة، بل تركت الحابل يختلط بالنابل ولا تتحرك، ويبدو أن المسئولين بها غارقون فى أمور أخرى، لا علاقة لها بالصحة، لذا غاب عنهم الخجل، فلو يعرفون أو يدركون معنى الخجل، لتواروا بعيدًا عن العيون، من حجم ما تحويه الشكاوى من» بلاوى».. ألم يكن الصمت عنوانا مشحونا بالاتهامات، وهى التى تلوكها الألسنة، ومفادها أن الصمت بمقابل معلوم.
مقالات مشتركة