البنك المركزي يكشف أسرار تراجع معدلات التضخم       الداخلية تعلن القبض على المتهم في واقعة العبارات المسيئة على شاشة فيصل       الحكومة تنفي عودة عمل الموظفين بنظام ( الأونلاين ) يوم واحد أسبوعيًا       أخبار سارة .. المركز القومي للبحوث ينجح في إنتاج مُخصب حيوي يزيد إنتاج المحاصيل الزراعية       وزير الإسكان : الدولة لن تسمح مرة أخرى بالبناء غير المخطط والعشوائي والمخالفات       التفاصيل الكاملة لزيارة وفد قيادات الأوقاف ل شيخ الأزهر       الحكومة: الخميس 25 يوليو إجازة رسمية بمناسبة ذكرى ثورة 23 يوليو       خطة حكومية لزيادة الاستفادة من العلماء والباحثين المصريين في الخارج       بالأرقام الرسمية .. 50 مليون زيارة من السيدات لتلقي خدمات الفحص والتوعية ضمن مبادرة دعم صحة المرأة       اللجنة الخاصة المشكلة بمجلس النواب لدراسة برنامج الحكومة الجديدة تختتم أعمالها اليوم       تفاصيل مشاركة الأهلى فى أعمال الجمعية العمومية لرابطة الأندية الأوروبية  
جريدة صوت الملايين
رئيس مجلس الإدارة
سيد سعيد
نائب رئيس مجلس الإدارة
د. محمد أحمد صالح
رئيس التحرير
محمد طرابية

سيد سعيد يكتب   2022-07-19T09:44:41+02:00

انتبهوا.. الحكومة تواصل «دهس الغلابة» بزيادة أسعار السلع والخدمات

سيد سعيد

فى كثير من الأحيان تعجز مفردات اللغة عن وصف ما نريد وصفه من الأشياء، أو التعبير عنه بصورة واضحة، لذا فإن الكلمات تظل كسيحة، لا تقوى على لملمة الحروف الهائمة، ففى هذا المقال أحاول قدر استطاعتى» مشاكسة» المعانى الشاردة، ليس ككاتب احترف مهنة القلق، إنما كصوفى حالم، فأنا أؤمن بأن الكتابة طقس روحانى يـُطهر ذواتنا من دنس الصخب والعشوائية، فالكتابة، على الأقل بالنسبة لى، ليست «نزوة» عابرة نرضى بها شهواتنا، وننصرف فى رتابة إلى حال سبيلنا، ثم نبدأ البحث من جديد عن مغريات أخرى نحلق حولها بمعسول الكلمات، أو نلهو بها إن شئنا ومتى شئنا، لكنها حالة مشحونة بالتأمل فيما هو كائن نعيشه ونتعايش معه، أو فيما هو آت ونرجوه.. قبل أيام قليلة سرح خيالى، ورحت أسبح بين أمواج عاتية يتلاحق فيها الأمل بالمخاوف، وبينما تتقاذفنى موجة تلو الأخرى، دارت فى ذهنى أسئلة شائكة حول واقعنا بكل مفرداته وإشكالياته.

وقبل أن أصل إلى الشاطئ لكى أستريح من عناء التفكير وإرهاقه، تدفقت الأجوبة كسيل منهمر، لا أنكر أن بعضها منحنى طاقة إيجابية، وبدد خوفًا ظل يطاردنى ليل نهار، والكثير منها كان كافياً لأن يجعلنى أصرخ بأعلى صوت فى وجه الاستفزاز الذى يحيط بنا من كل ناحية وعلى المستويات كافة، فالهم الوطنى، كان ومازال، وسيظل، يشغل تفكيرى، ويؤرقنى مثلما يؤرق كثيرين غيرى، فالعالم الذى نعيش فيه، لا يحتاج إلى شعارات براقة، أو التغنى بأمجاد الأجداد وما صنعوه فى سالف العصر والأوان، لكنه عالم متوحش، لا يؤمن بالنظر إلى الوراء، فالماضى تراث إنسانى يعبر عن المكنون الحضارى والثقافى الإنسانى، لكنه لا يجعل لك وزناً، ولا قدرًا فى حاضر مشحون بسباق لا يهدأ، ولا يتوقف، ولن يهدأ ولن يتوقف، عالم تتجدد أفكاره وتطلعاته على مدار الساعة، لكن الأجوبة التى تزاحمت فى رأسى، تحاكى المنطق البرجماتى سواء على مستوى الأشخاص، أو على مستوى الدول، ولا تتوقف أمام القصص الملهمة عن التاريخ وإنجازاته والتبارى بالأمجاد، والقدرة على تحمل الصدمات، والقدرة على الصبر والاحتمال، لكننى أريد أن أتوقف هنا عند بعض المفردات التى تطرح تساؤلًا أرى أنه مهم ومشروع، ماذا أخذنا من التغنى أو هكذا لسان حال الغالبية، والعالم يقفز بخطوات واثقة نحو المستقبل؟ كيف للمواطن أن يقوى على الصبر فى الوقت الذى يعانى فيه من الاستفزاز، عندما يتداعى إليه خبر الزيادة فى تعريفة المواصلات وهو لا يستطيع تحملها، بعد الزيادة التى قررتها الحكومة على المحروقات، وهو فى نفس الوقت لا تنقطع عن مسامعه قصة تذكرة حفلات الساحل الشمالى التى بلغت لـمائة ألف جنيه.

إن المتابع بدقة لما يحدث على أرض الواقع، ستتجلى أمامه بعض النقاط المهمة، وهى نقاط لا يمكن إغفالها بحال من الأحوال، ومفادها جميعًا يؤكد متناقضات ملموسة ومرئية، ولا يستطيع أحد إنكارها، تبدد الثقة فى سياسات الحكومة، وتشير أيضا إلى أن تلك السياسات تسير فى الاتجاه المعاكس لرؤية القيادة السياسية وتطلعاتها، فالرئيس عبدالفتاح السيسى يؤكد باستمرار، من خلال توجيهاته أو قراراته، على الاهتمام بالمواطن البسيط، بما يعنى أنه فى بؤرة اهتمامه وجوهر سياساته، وجميعنا لمس عن قرب كيف وجه باعتماد المخصصات المطلوبة للعلاج من الأمراض الفيروسية «فيروس سى»، وتكمن فى جوهر هذه الرغبة استراتيجية طموحة، تفوق فى مضمونها تفكير الحكومات المتعاقبة بما فيها حكومة الدكتور مصطفى مدبولى، والمقصود هنا الرؤية التى تركز على أنه لا يمكن بلوغ الطموحات إلا من خلال شعب سليم ومعافى، لأن الإبداع والابتكار، لا يحدث إلا من الأصحاء، وهذا هو جوهر فلسفة التخلص من الأمراض الفتاكة التى التهمت الأجساد.

إن فلسفة القيادة السياسية تدور فى اتجاه الاهتمام بالمواطن، لكن الحكومة لا تنظر إليه بالمرة، وتتمادى فى القسوة عليه عبر فرض المزيد من الأعباء، المتمثلة فى الفواتير المجحفة للخدمات الضرورية، والتى لا تتماشى مع العقل، ولا تتسق مع المنطق، فالحكومة تغرد فى واد آخر غير الذى نعيش فيه، فضلًا عن عدم وجود رقابة على الأسواق، فهى تركت الحابل يختلط بالنابل، ولم تعد هناك ضوابط تحكم الأسعار، فالإعلان عنها شىء والتطبيق على أرض الواقع شىء آخر.

وأمام حالة الفوضى التى تجتاح الأسواق، نجد أن التصريحات الحكومية أكثر عبثية من الفوضى ذاتها، فهى تعطى نصائح تبدو غير مقبولة شكلًا وموضوعًا، ومفادها مقاطعة السلع التى ترتفع أسعارها بصورة عشوائية، وعدم الشراء من التجار الجشعين، فهذه الدعوات غير فعالة بالمرة ولا تقود إلى نتائج ملموسة، فهناك سلع ضرورية، ولا أبالغ إذا أكدت مرارًا وتكرارًا على أنها أكثر من الضرورية، لا يمكن مقاطعتها ولا يمكن الاستغناء عنها، مثل الدواء الذى يتم تسعيره بمعرفة الحكومة ذاتها، بما يعنى أن الزيادة التى تطرأ عليه من وقت لآخر، تتم بمعرفة الحكومة وبمباركتها ورضاها التام، فهل يمكن الاستغناء عن تلك الضروريات؟ هل يمكن مقاطعة الفواتير المتعلقة بالخدمات وما تحويه من زيادات عشوائية، لا علاقة لها بالدعم وخلافه؟ هل من الممكن مقاطعة المواصلات، وجميعنا يعرف أن الزيادة فى التعريفة مرتبطة بالزيادة فى أسعار المحروقات؟ بالطبع لا.. هل يمكن مقاطعة الخبز؟ فالمواطن سيكون مجبرًا على الانصياع، حيث سيتم اتفاق بين منتجى الخبز وأصحاب المخابز على توحيد السعر والوزن، ويصبح الأمر اذعانًا للمواطنين.

يا سادة يا كرام.. أن حل المشكلات المزمنة لا يتم بالتصريحات الحكومية، لذا فإننى وفى هذا السياق لا بد من التأكيد على بعض الأمور التى تغيب عن الأذهان، وفشلت الحكومة فى التسويق لها، منها على سبيل المثال، أن استراتيجية الدولة تقوم على تقوية اقتصاديات الدولة كدولة، حتى ولو جاء التعظيم على حساب الشرائح المجتمعية، وبالنظر إلى هذا التوجه، سنجد أنه مطلوب بل مطلوب بشدة لكى تجد الدولة مكانتها التى تليق بها بين الأمم، لكن مطلوبا معه الموائمة، بحيث لا يتم الجور على الشرائح ذات الدخول المتدنية والفقراء وهذه مسئولية الدولة، بل من أهم مسئولياتها.

نعم، نحن نعيش عصر الحريات الاقتصادية لأننا جزء من منظومة التجارة الحرة، وأن السوق تتحكم فيها قواعد العرض والطلب، لكن أمام هذه الحقيقة هناك دور للدولة يفرض وجودها من خلال خلال القوانين، والسياسات الاقتصادية، فهى تستطيع ضبط الأمور بإحداث توازن بين العرض والطلب وفق الأوضاع الاجتماعية، وليس دورها فقط تحصيل الضرائب، وترك الحابل يختلط بالنابل، بما يتيح الفرصة للديناصورات المتوحشة أن تفترس الغلابة بدعاوى ذائفة، وإذا كان البعض يرى أن التدخل الحكومى سيزيد من تعقيدات الأزمة، فهذه الادعاءات واهية، بل ومردود عليها، خاصة إذا نظرنا إلى الإجراءات الحكومية التى تتخذها أعتى البلدان الرأسمالية أثناء الأزمات، فالدولة هى التى تحدد مسارات أمنها القومى بالرقابة الصارمة والتشريعات الملزمة، فهى تنظر إلى احتياجات مواطنيها باعتبارها من ضرورات الحياة، هى وحدها التى تحدد وليس الشركات، حتى ولو كانت عابرة للقارات، أما الأخذ بآليات الاقتصاد الحر دون النظر إلى الأبعاد الأخرى فهذا فهم خاطئ ورؤية انتهازية، حيث يمكن قبول تلك التصورات والرؤى فى الظروف العادية وإذا تزايدت رفاهية الشعوب، وليس فى الأزمات الاقتصادية التى تتعرض لها المجتمعات بفعل الجماعات النفعية، وتجاهل الدولة لدورها تجاه الفئات الأكثر احتياجًا، وإن كان هذا لا يجعلنا نغفل الأزمات الناتجة عن الظروف الدولية مثل جائحة كورونا وأخيرًا الحرب الروسية الأوكرانية.

إن هذا الواقع المعلوم لكل من يرى ويسمع، أصبح يشغل حيزًا كبيرًا من حكايات الناس فى العديد من المناطق الشعبية والريف، وهذا ليس نوعًا من تضخيم المشكلات المتعلقة بالأعباء الثقيلة، والتى ضاقوا بها بعد أن أثقلت كواهلهم وأنهكت قواهم، فالمواطن لا يعنيه الحديث عن الموازنة أو الخطط المستقبلية، ولا تعنيه الأرقام التى يتلوها الوزراء من وقت لآخر فى بيانات وتصريحات، هو فقط يريد أن يواصل مسيرة الحياة والعيش بأبسط المتطلبات، هو لا يرغب فى رفاهية بعيدة المنال، خاصة بعد أن أصبحت بعض متطلباته الضرورية نوعًا من الرفاهية، اللحمة رفاهية، والفراخ رفاهية، والبيض رفاهية، هل تعلم؟ الحكومة أن قرص الطعمية أصبح سعره جنيها، وطبق الفول بـ عشرة جنيهات، كل هذا يحدث والشماعة التى يعلق عليها الجميع بشاعته جاهزة وحاضرة، هى حرب أوكرانيا.

من المؤكد أن تداعيات الأزمة الأوكرانية أثرت بشكل واضح على الأوضاع الاقتصادية فى العالم، ولا أبالغ إذا قلت أنها ستكون وبالًا على العالم كله من شرقه إلى غربه، ومن المؤكد أن الذى سيدفع الثمن الأكبر لهذه الأزمة هى الدول التى تستورد معظم غذائها ووقودها ودوائها وسلاحها من الخارج، ومصر من بين هذه الدول، ومن المؤكد أيضًا أن الأوضاع ستكون أسوأ من الظروف الحالية رغم بشاعتها، إذا طالت هذه الأزمة وتوسعت الحرب وشملت بلدان حلف شمال الأطلسى «ناتو»، ورغم أن كل المؤشرات تذهب إلى أنها ستطول، بل أن الأزمة مرشحة للتفاقم أكثر، لذا فمن الضرورى، بل من الضرورى جداً تخفيف الأعباء على المواطنين، وإعادة النظر فى السياسات التى أوصلتنا إلى ما نحن فيه الآن، والتوجه على وجه السرعة نحو تنفيذ توجيهات القيادة السياسية، الرامية إلى تخفيف الأعباء عن كاهل البسطاء، ولا أذيع سرًا إذا أكدت أن هؤلاء البسطاء، أصبحوا الفئة الأكبر داخل المجتمع.

 على الحكومة أن تتعامل مع الأمور بواقعية، وإظهار أنيابها إن كانت على حق فيما تقوله، بأنها ليست طرفًا فى الزيادات الممنهجة لأسعار السلع، رغم أنها طرف بل صانع للزيادات المجحفة وغير المبررة فى فواتير الخدمات الضرورية،، عليها أن لا تستعطف التجار والمنتجين ولا تناشدهم، حيث لا يمكن أن يكون هناك رهانًا على أخلاق وضمائر التجار، وليس من المعقول أن تتنازل الحكومة عن مسئوليتها السياسية والقانونية، وتدعو من تراهم سببًا فى الأزمة، إلى مراعاة ظروف الناس الغلابة، لذا يجب عليها استخدام سلطتها القانونية والرقابية، خاصة فى الأزمات أو حينما تكون هناك ظروف غير طبيعية تمر بها البلاد، ففى هذه الحالة لابد وأن تتوارى الدعوات والمناشدات، فسيف القانون هو الذى يفرض قوته وهيبته، وهو وحده القادر على تهذيب أخلاق التجار، وسيف القانون وحده هو القادر على دحر مافيا التربح من قوت الغلابة لتحقيق الثروات مثل تجار الحروب والأزمات.


مقالات مشتركة