البنك المركزي يكشف أسرار تراجع معدلات التضخم       الداخلية تعلن القبض على المتهم في واقعة العبارات المسيئة على شاشة فيصل       الحكومة تنفي عودة عمل الموظفين بنظام ( الأونلاين ) يوم واحد أسبوعيًا       أخبار سارة .. المركز القومي للبحوث ينجح في إنتاج مُخصب حيوي يزيد إنتاج المحاصيل الزراعية       وزير الإسكان : الدولة لن تسمح مرة أخرى بالبناء غير المخطط والعشوائي والمخالفات       التفاصيل الكاملة لزيارة وفد قيادات الأوقاف ل شيخ الأزهر       الحكومة: الخميس 25 يوليو إجازة رسمية بمناسبة ذكرى ثورة 23 يوليو       خطة حكومية لزيادة الاستفادة من العلماء والباحثين المصريين في الخارج       بالأرقام الرسمية .. 50 مليون زيارة من السيدات لتلقي خدمات الفحص والتوعية ضمن مبادرة دعم صحة المرأة       اللجنة الخاصة المشكلة بمجلس النواب لدراسة برنامج الحكومة الجديدة تختتم أعمالها اليوم       تفاصيل مشاركة الأهلى فى أعمال الجمعية العمومية لرابطة الأندية الأوروبية  
جريدة صوت الملايين
رئيس مجلس الإدارة
سيد سعيد
نائب رئيس مجلس الإدارة
د. محمد أحمد صالح
رئيس التحرير
محمد طرابية

سيد سعيد يكتب   2022-08-22T12:25:04+02:00

كوارث طارق عامر .. من تعويم الجنيه إلى إغراق البلد فى دوامات القروض

سيد سعيد

في مصر فقط.. اعتدنا ألا نعرف على وجه الدقة.. كيف جاء المسئول الحكومى لمنصبه؟ ولا نعرف.. لماذا خرج؟ ولا توجد أدنى مبالغة حال التأكيد على أن المسئول نفسه، لا يعرف معايير اختياره أو أسباب  خروجه، بما يعنى أنه لا يعرف لماذا اختاروه؟ ولماذا أبعدوه؟  فالأمر بالنسبة لنا وله، مجرد أخبار عابرة نطالعها فى الصحف والنشرات وعلى صفحات السوشيال ميديا، ولا أخفى سرًا إذا قلت إننا اعتدنا على هذه الأمور منذ عقود طويلة، تأتى حكومة وترحل، ثم تأتى غيرها، وهكذا من دون أن نعرف شيئا، حتى بات الحديث عن تعديل، أوتغيير فى صفوف الوزراء وكبار المسئولين من الأمور التى لا تكتسب أي طابع من الأهمية.. لكن هذه المرة اختلف الأمر كثيراً، وبشكل مغاير إلى حد ما عن الفترات السابقة، حيث ظهرت تكهنات شعبية تواترت هنا وهناك، أعقبها بروز دلالات قوية على خروج بعض الوزراء وكبار المسئولين من مناصبهم، وإن لم يتم الإفصاح عن التوجه بصورة جلية، لكن الدلالات كانت تصيح بالنوايا، الناتجة، بالطبع، عن تقارير الأجهزة الرقابية، وكذا تقارير استطلاعات الرأى، الكاشفة عن الغضب المتراكم في النفوس، من سياسات الفشل في العديد من الملفات الحيوية، ولم يعد خافياً على أحد، أن أكثر هذه  الملفات أهمية، إن لم يكن أهمها على الإطلاق، ما يتعلق بالسياسات الاقتصادية والنقدية، لتأثيرهما المباشر على الأوضاع الاجتماعية، خاصة مع تراجع العملة المحلية أمام العملات الأجنبية.

في أعقاب التعديل الوزاري الأخير وقبل 14 شهرًا من انتهاء فترة رئاسته الثانية التى تنتهى في نوفمبر 2023، غادر طارق عامر محافظ البنك المركزى منصبه «ليس مهمًا فى هذه الحالة إن كان رحيله استقالة أو إقالة»، لكن خروجه من البنك المركزى شهد صخبًا كبيرًا على المستويات كافة، سواء من حيث دلالات التوقيت، أو التداعيات الاقتصادية الناتجة عن سياساته النقدية طوال 7 سنوات، وصفت بالعجاف، منذ توليه منصبه المهم والخطير عام 2015، وهى الفترة التى ساد  خلالها التخبط في إدارة الملفات المالية والنقدية، حيث هيمن البنك المركزى في عهده على إدارة المشكلات الاقتصادية على حساب وزارة المالية والمجموعة الاقتصادية، رغم أنه جهاز منفصل تمامًا عن الحكومة، ولا يتأثر بالتعديلات أو التغييرات التي تطرأ على وزرائها، هذه الهيمنة والتوسع في الأدوار، وهذا الاستحواذ المشحون بالجرأة ، جعل رجل الشارع الذى يعانى من تلك السياسات،أن يلقى بمسئولية الاختلالات في اقتصاد الدولة على طارق عامر، خاصة فيما يتعلق بملف العملات الأجنبية، وتحرير سعر الصرف « تعويم الجنيه».

التكهنات التي سبقت رحيل محافظ البنك المركزى ، كادت تصل لحد التوقعات اليقينية بأبعاده عن منصبه، باعتباره المسئول الأول والأخير عن الاختلالات التى حدثت فى الاقتصاد، حيث وعد فور توليه أن التعويم الأول للجنيه، سيجعل الدولار يتراجع بصورة مذهلة أمام قوة العملة المحلية، وخرجت وسائل الإعلام تزف البشرى بأن الدولار الأمريكي سيعادل 4 جنيهات مصرية، وانتظر الجميع أن تتحقق التطلعات، لكن الأمل المنتظر أبى أن يأتى، فالدولار قفز بصورة مرعبة وتلاشى الجنيه، أو كاد أن يتلاشى جراء السياسات العنترية، ثم جاء التعويم الثانى ورأينا ما رأيناه من ارتفاع الأسعار  وانخفاض قيمة العملة المحلية، أما الحديث عن أن خروجه فكان إقالة أو استقالة، فيجيب عنه بجلاء القرار الذى أعقب خروجه، وهو المتعلق بتولى حسن عبدالله قائم بأعمال محافظ البنك المركزى، الذى تولى عدة مناصب مصرفية، وأشار إليه طارق عامر في اتهامات مغلفة، أحدثت ضجيجًا واسعًا في وسائل الاعلام وقتها، بما يعنى أن علاقتهما  اتسمت بقدر هائل من «الجفاء» نتيجة الاتهامات التي أوردها  عامر في حينه، «مصطلح» يحمل تخفيف عن المصطلح الملائم  للصراع بينهما وهو «العداء»،  حين برز اسم حسن عبدالله منذ سنوات وأثناء وجود طارق عامر في منصبه، كأحد أبرز المرشحين لتولى منصب محافظ البنك المركزى، فهذا الاختيار كاف بتحديد الإجابة عن التساؤل المطروح، عما إذا كان تركه لمنصبه، اعتذار عن عدم الاستمرار، أو إقالة، لكن هل كان طارق يعرف بالتوجهات والنوايا فاستبق الحدث؟

القراءة الدقيقة للملف برمته وحالة محافظ البنك المركزى في حد ذاتها، تشير الى أن طارق عامر فعل بالضبط، مثلما يفعل العارفون بالخبايا، فأراد أن يغسل يديه من أشياء صنعها، ويلقى باللوم على مجهولين، وعلى سياسات الدولة، بمعنى أدق، أراد تبرئة نفسه من مسئوليته عن السياسات النقدية، فبمجرد علمه بأن التغييرات الحكومية لن تقترب من وزراء المجموعة الاقتصادية، أدرك أن خروجه أصبح قاب قوسين أو أدنى، لأنه استحوذ على أدوار وزرائها طيلة 7 سنوات، خاصة وزارة المالية، فبعث برسالة نشرها الكاتب فاروق جويدة، تضمنت ما أشرنا إليه، حيث وزع اتهاماته ذات اليمين وذات اليسار ولم يستثن أحد،  قال: إن تجربة القطاع الخاص لم تنجح فى تحقيق التوازن الاقتصادى والنقدى ومن ثم فقدنا هذا وذاك، وأن مصر تعمل منذ سنوات بسياسات تصحيحية تجد المقاومة من ذوى المصلحة الخاصة، والدولة لا تعمل لمصالح فئة، ولكن لمصلحة الجزء الغالب من المجتمع، هذا الكلام وإن كان محاولة للتبرئة وغسيل اليدين من إجراءاته الخاطئة، إلا أنه يحمل مؤشرات خطر، تفضح وجود أصحاب مصالح، يقفون ضد تنامى الاقتصاد وضد المجتمع، وهو ما يحفز على المطالبة بالكشف عن هؤلاء، وفضح من يحميهم والكشف عن كل من يقف ضد خطط التنمية، وطموحات القيادة السياسية في النهوض بالبلد على المستويات كافة.

الرسالة التي كشفت عن اقتراب رحيله عن إدارة البنك، اتسمت بطابع هجومي على الإعلام الذي وصفه بـ«غير الفاهم»، ونال هجومه البورصة، التي وصفها بأنها مكاناً للمضاربات والاتفاقات غير العلنية التى تحقق خسائر للمجتمع، رغم أن الغرض منها أن تكون مصدرًا لتوفير رؤوس الأموال للمشروعات، وهذا لم يحدث، طال الهجوم العنيف أسماء كثيرة، لم يسمها، لكنه قال: إن البنك المركزى عندما يرفع أسعار الفائدة لتعويض المواطن عن التضخم يثور أصحاب المصالح، رغم أن مصر لديها أعلى أسعار عائد فى العالم وهذا يؤثر على البورصة المصرية، دون النظر إلى  20 مليون مواطن يعيشون على العوائد لمدخراتهم، مضيفًا، أن البنك المركزي وهيئة الرقابة المالية، حينما يتدخلا لضبط قواعد التعامل يتكالب عليهما أصحاب المصالح بالضغوط والإعلام غير الفاهم أو الوسائل الأخرى، ويتحدث عن النقد الأجنبي أشخاص لم يدربوا التدريب العملي الكافي على الأمور الفنية،  فقرار أسعار الفائدة الذى يتم الحديث عنه ببساطة يتم بناءً على تحليلات وبرامج معقدة.

 وبرغم الاتهامات التى طالت البعض من دون تسميتهم، ومن دون الكشف عنهم للرأى العام، وبرغم عدم التحرك الرسمي للمساءلة عن أصحاب المصالح، إلا أن هذا كله لا يمنع من التأكيد على جوانب إيجابية مهمة في رسالة طارق عامر  التى نشرها فاروق جويدة، وهى جوانب لا يمكن اخفاؤها أو تجاوزها، لما تحويه من تناغم مع توجهات الدولة، حيث أشار إلى، أن فتح أبواب الاستيراد من دون ضوابط، ساهم في تدهور الصناعة المصرية، وخلق فرص عمل لشعوب دول أخرى نستورد منها على حساب المجتمع، ومهما كانت الانتقادات والاتهامات لسياساته، ومهما كان الارتياح من رحيله عن منصبه، إلا أن ما قاله في هذه الجزئية المتعلقة بفتح الاستيراد من ضوابط حاكمة، تعبير حقيقى عن الرغبة المجتمعية ووصف دقيق لتطلعات القيادة السياسية، باعتبار أن التوجه نحو التصنيع «وهو الحادث الآن» سيقلل من حجم البطالة المتفاقم، ويحد من تعاظم الدولار أمام العملة المحلية.


مقالات مشتركة