البنك المركزي يكشف أسرار تراجع معدلات التضخم       الداخلية تعلن القبض على المتهم في واقعة العبارات المسيئة على شاشة فيصل       الحكومة تنفي عودة عمل الموظفين بنظام ( الأونلاين ) يوم واحد أسبوعيًا       أخبار سارة .. المركز القومي للبحوث ينجح في إنتاج مُخصب حيوي يزيد إنتاج المحاصيل الزراعية       وزير الإسكان : الدولة لن تسمح مرة أخرى بالبناء غير المخطط والعشوائي والمخالفات       التفاصيل الكاملة لزيارة وفد قيادات الأوقاف ل شيخ الأزهر       الحكومة: الخميس 25 يوليو إجازة رسمية بمناسبة ذكرى ثورة 23 يوليو       خطة حكومية لزيادة الاستفادة من العلماء والباحثين المصريين في الخارج       بالأرقام الرسمية .. 50 مليون زيارة من السيدات لتلقي خدمات الفحص والتوعية ضمن مبادرة دعم صحة المرأة       اللجنة الخاصة المشكلة بمجلس النواب لدراسة برنامج الحكومة الجديدة تختتم أعمالها اليوم       تفاصيل مشاركة الأهلى فى أعمال الجمعية العمومية لرابطة الأندية الأوروبية  
جريدة صوت الملايين
رئيس مجلس الإدارة
سيد سعيد
نائب رئيس مجلس الإدارة
د. محمد أحمد صالح
رئيس التحرير
محمد طرابية

سيد سعيد يكتب   2022-09-19T06:50:28+02:00

انتبهوا.. الأمن الاجتماعى من ضرورات الأمن القومى

سيد سعيد

 الواقع على الأرض، لم يعد خافيًا على أحد، يعرفه ويراه ويلمسه القاصى والدانى، بل وتعيشه الغالبية، فالمواطن البسيط صار بين شقى رحى، ما بين معاناة لتوفير لقمة العيش فى ظل أسعار، منفلتة، لا تخضع لأى نوع من الرقابة الرسمية، ومحاولات تدبير مصاريف المدارس وشراء الملابس، والاستعداد لــ«أم الكوارث» المعروفة مجازًا بالدروس الخصوصية، ناهيك عن احتياجات التعليم العالى، والعلاج من الأمراض المزمنة، وتدنى أوضاع أصحاب المعاشات، حيث تعانى غالبية الأسر فى مصر المحروسة من شمالها إلى جنوبها، معاناة حقيقية، معاناة مشحونة بالوجع والضجر من سوء الأحوال الاقتصادية، وتدنى الأوضاع الاجتماعية، هذه الحقيقة المرة، معلومة للكل، ولا ينكرها إلا موتور أو فاجر، ليس لديه دراية بما يدور حوله، وليس لديه أدنى مسئولية وطنية أو أخلاقية أو إحساس، بمعاناة الشريحة الأكبر فى المجتمع، وهى الشريحة المهمومة دومًا بالاستقرار، والتصدى للعابثين حين يستهدفون النيل من الوطن، لذا أصبح من المهم، بل المهم جدًا، أن تبحث الحكومة عن وسائل مبتكرة وغير تقليدية، للحد من تفاقم تداعيات الأوضاع المجتمعية الحالية، وأن تعطى أهمية خاصة للأمن الاجتماعى، باعتباره الضمانة الحقيقية للاستقرار، وليس لدى أى شك فى أن الحكومة تعرف تلك الأهمية وتدركها جيدًا، وليس لدى أى شك أيضًا، فى أنها تتلقى تقارير من كل الجهات التابعة لها، تعرف من خلالها ما لا أعرفه أنا ولا يعرفه غيرى، فهى تعلم أكثر منا جميعًا ظروف الناس ومعاناتهم، ولديها تأكيدات بأن دوائر الشكوى تتنامى وتتصاعد بصورة جلية.

ولم يعد سرًا أن الحكومة، قامت مؤخرًا بتطبيق حزمة من الإجراءات تهدف من خلالها مراعاة البعد الاجتماعى، ودحض الشائعات المتناثرة هنا وهناك عن عدم القدرة على التعافى، ولتثبت فى ذات الوقت، أن اقتصاد الدولة لديه قدرة على مواجهة التحديات، وحماية الجبهة الداخلية وتوفير المتطلبات الضرورية، فهى تدرك أن الشعب بكل شرائحه وتنوع فئاته، يعانى أشد المعاناة من الفواتير الملتهبة التى أحرقت جيوبهم، ومع ذلك لم تتحرك إلا بتوجيه مباشر من القيادة السياسية، وفى السياق ذاته لا تنكر هذه الفئات تفاؤلها، وإن كان تفاؤلاً حذرًا، حين تقوم الحكومة باتخاذ إجراءات إيجابية، تخفف، ولو قليلا، من الأعباء الثقيلة الملقاة على عواتقهم، وهذا ليس تصورًا من عندياتى، وإنما حقيقة تبلورت أمام أعين الناظرين على أرض الواقع، وكانت ملموسة من الكافة، مفادها اتساع مساحة التفاؤل والرضا عن حزمة الإجراءات الحكومية الاستثنائية المتعلقة بمنح البطاقات التموينية دعم نقدى للبطاقات التموينية، يتراوح من مائة إلى ثلاثمائة جنيه، الهادفة دعم المواطن البسيط، الذى أصبح يئن ليل نهار من توحش الأسعار والمغالاة فى الفواتير، لذا فإن التوجه نحو حماية هؤلاء البسطاء من ضرورات الأمن القومى، نعم من ضرورات الأمن القومى، بل وضمانة أساسية من ضمانات الاستقرار المجتمعى والحد من انتشار الجرائم، وعلينا أن نعلم أن غالبية دول العالم تحث حكوماتها على اتخاذ التدابير الرسمية للحماية الاجتماعية، وليس فى مصر فقط، فالمواطن المصرى البسيط، لا يتطلع إلى حياة الرفاهية، فهو لا يريد إلا للستر والرضا بالقليل، فهؤلاء لا يبحثون عن فيللا ولا عن قصر بالأماكن الراقية أو المنتجعات الفخمة، وليس لهم طموحات فى تملك شقة أو شاليه على البحر، لكن أحلامهم بسيطة تعبر عن حالهم أن مفهوم الأمن الاجتماعى جزء لا يتجزأ من المعنى الواسع والشامل لمفهوم الأمن القومى بكل مفرداته، لذا فإنه يتمتع بمساحة واسعة من الاهتمام الرسمى والأكاديمى، ولا أبالغ إذا أكدت أنه فى كثير من الأحيان، يكون محورًا لدراسات مستفيضة لدى دوائر القرار، حيث تعمل العديد من البلدان على تعزيز الأمن الاجتماعى، عبر تصميم وإعداد برامج توعوية فى وسائل الإعلام، وتثقيفية فى المؤسسات التعليمية، وتخصيص برامج لتعظيم قيم الانتماء والتماسك المجتمعى، وإشراك الشباب عبر إشباع الاحتياجات الأساسية، مثل توفير فرص العمل وتسهيل الحصول على سكن ملائم لدخله، بما يحقق له طموحاته المشروعة، باعتبار أن تحقيق تلك الأمور كفيل بعدم تصدير أى أزمات مجتمعية، فضلاً عن أنها تساهم بصورة إيجابية فى ترسيخ قيم المسئولية الاجتماعية والوطنية. وبرغم الإجراءات الحكومية لمواجهة موجة الغلاء، خاصة السلع الغذائية، إلا أن عبث التجار راح يضرب البلاد من شمالها إلى جنوبها، من الصعيد إلى الدلتا والقاهرة، لذ لا يوجد شىء يشغل بال المصريين فى تلك الأيام سوى الخوف من عدم قدرتهم على الوفاء بالتزاماتهم الأسرية وانكسارهم أمام أبنائهم، خاصة مع بداية الموسم الدراسى، فالتداعيات الاجتماعية لحال الناس وأوضاعهم الحالية كارثية، ولا يمكن لأى إنسان عاقل أو مجنون، جاهل أو متعلم، مهووس أو مثقف، أن يعزل المشكلات الأسرية وحالات الطلاق، والهروب من دفع المبالغ فى قضايا النفقة، وغيرها من المشكلات، التى تحدث على مدار الساعة من جوهر الأزمات الاقتصادية، فهى تفاقمت وارتفعت وتيرتها، نتيجة الفقر وازدياد أعداد البطالة، وهذه قضية لا يمكن إغفالها، فضلًا عن إرهاق الجيوب بفواتير عشوائية مثيرة للغرابة، ولا تتسق مع مستويات الدخول، وهذا كله يجعل الحكومة فى مرمى سهام الاتهامات بالفشل، وليس الانتقادات فقط، فهى لم تضع فى سياستها ما تنتجه قراراتها غير المدروسة من كوارث اجتماعية، ربما يكون الانفلات الجنونى فى أسعار الغذاء والدواء وفواتير الخدمات الضرورية من أبرز مفرداتها، إلى جانب التخبط فى معالجة المشكلات المتعلقة بأصحاب المعاشات، والسعى نحو إيجاد شماعات تعلق عليها الأخطاء، فهى لا تتحرك إلا بعد خراب مالطة، من دون وعى لسلوكيات التجار، ومن دون إدراك للقاعدة الأزلية التى صارت جزءًا من ثقافة السوق، ومفادها أن السلعة التى يرتفع سعرها، لا يعود ثمنها مرة أخرى مهما توافرت السلع أو انخفض سعرها فى العالم كله، لذا فإن حلولها بإقامة شوادر قبيل بدء الدراسة لبيع الأدوات المدرسية بأسعار مخفضة، هى بمثابة مسكنات وقتية سرعان ما ينهى مفعولها، بما يعنى أن» ريمة ستعود لعادتها القديمة، فالكل الآن يتحجج بارتفاع الدولار لا يمكن بأى حال من الأحوال، تحقيق الأهداف الرامية لترسيخ مفهوم الأمن الاجتماعى بالإعلام دون غيره من وسائل الحماية الأخرى، فالإعلام لدينا صار أشبه بالملهاة العبثية، إعلاميون لا يعبرون عن الواقع، ويقفزون على الحقائق، وأصبح غالبيتهم خبراءً فى شتى مناح الحياة، من الإفتاء فى الدين إلى الاقتصاد، مرورا بالهرى فى اللاشىء، فهذا الذى نراه على الشاشات، لا يمكن البناء عليه فى تطلعات تتعلق بمسيرة الدولة نحو تحقيق أهداف الجمهورية الجديدة، وأحد أهم مقوماتها العلم والمعرفة، إذًا علينا تجنيب الإعلام فى قضية التوعية بأهمية الأمن الاجتماعى، وإنما يتحقق هذا المفهوم بإشباع الحاجات الضرورية، وأهمها توفير رغيف الخبز، وعدم المساس به مهما كانت الأسباب، ومهما كانت الدوافع والمبررات، فضلاً عن حمايته من جشع مافيا احتكار وتوزيع السلع الأساسية، المرتبطة بالحياة اليومية، خاصة أنه لا توجد رقابة فعلية من الجهات المنوط بها حماية المجتمع من عصابات التربح، ولنا فى ذلك شواهد كثيرة، وهذه الشواهد لا يستطيع أحد القفز عليها، عنوانها أن بعض السلع تتفاوت أسعارها من تاجر لآخر فى حيز المنطقة السكنية الواحدة، نفس السلعة بأسعار متعددة، إلى جانب تجاوز كل المسموح به فى مناطق أخرى، وهذا يمثل قمة العبث والاستهانة بمفهوم الأمن الاجتماعى، وهنا أجد ضرورة ملحة فى تكرار مصطلح غياب الرقابة، فالأسعار التى تعلن عنها الحكومة من الأرز إلى السجائر، مرورًا بالكثير من السلع، ليس لها معنى من الإعراب فى الواقع الفعلى.

 من الطبيعى أن يقودنا الحديث إلى أم المشكلات الاجتماعية التى لا يتوقف الحديث عنها فى المنازل والمقاهى باعتبارها الشغل الشاغل لملايين الأسر، وهى مشكلة أصحاب المعاشات، والتى لا تجد حلًا جذريًا، حيث يتم التعامل معها بالمسكنات التى تأتى فى صورة زيادات سنوية لا تتناسب إطلاقا مع الارتفاعات المستمرة للأسعار فى السلع الضرورية، خاصة الدواء، ولا تتلاءم أيضا مع حجم الأموال التى اقتطعت من العاملين أثناء خدمتهم الوظيفية، يا سادة عندما نتحدث عن هذه الفئة من المجتمع، فإننا نتحدث عن أناس أفنوا عمرهم فى خدمة البلد، كل فى مجاله، لأن المجتمع لا يقوى على الاستمرار إلا بتعدد الوظائف وتنوع المجالات، فالعامل البسيط جزء من منظومة الدولة، لو لم يؤد وظيفته وإن كانت بسيطة، لتوقفت المصالح من الاستمرار فى أداء مهامها، فلولا عامل النظافة، لتحولت دواوين الحكومة إلى مقالب قمامة، ولولا السائق، لتوقفت الحياة، فكل الذين خرجوا إلى المعاش، تحملوا الكثير، وهم فى النهاية يطالبون بالحصول على ما يعينهم على الاستمرار فى الحياة، بعد أن أنهك المرض أجساد كثيرين منهم، باعتبارهم جميعًا فى سن الشيخوخة، فمنهم من يريد ستر بناته، وتكاليف الزواج مرهقة، ومنهم من يريد إكمال تعليم أولاده، ومنهم من يبحث عن عمل لكى يستطيع توفير متطلبات أسرهم، هذه المعاناة معروفة ولا يتوقف الحديث عنها. وليست هناك مبالغة على الاطلاق حال التأكيد على حزمة من الوقائع المعلومة للكافة، تخص فى مجملها أصحاب المعاشات، وتعبر عن تطلعاتهم المشروعة، التى لم تجد آذانًا صاغية منذ سنوات، حيث لا حديث يعلو لديهم إلا عن تحسين أوضاعهم، لذا أصبح من الضرورى فى ظل الظروف الخانقة، أن يحدث تحريك لهذا الملف، خاصة أن الرئيس عبد الفتاح السيسى يولى اهتماما خاصا بالذين بلغوا سن الشيخوخة، فالحكومة عليها مسئولية كبيرة تجاههم، وحان الوقت لتوضيح الحقائق المتعلقة بأموالهم، خاصة بعد كل ما قيل عن تصرفات وزير المالية الأسبق يوسف بطرس غالى بصندوق المعاشات، وما تبعه من مخاوف ربما تختلف كثيرًا عن المخاوف الحالية أو تقل حدتها عن الأحاديث التى صاحبت إجراءات يوسف بطرس غالى فى عهد مبارك، هم يتطلعون فقط لزيادة المعاشات بنسب أكبر من التى يحصلون عليها، لمواجهة الأسعار المنفلتة بدون ضابط أو رابط، بعد ارتفاع سعر الدولار أمام تدنى سعر الجنيه لأسباب كثيرة فلايسع المجال للخوض فى تفاصيلها الآن، فالأسعار تندفع بعشوائية على مدار الساعة، لذا على الحكومة أن تعمل على إصلاح أوضاع تلك الفئة بما يتناسب مع موجة الغلاء الرهيبة والعالمية، وأن تجد آلية مختلفة غير طريقة المسكنات.


مقالات مشتركة