«الأعلى للجامعات»: تخفيض أعداد طلاب شعبة علمي في الكليات النظرية بتنسيق 2024       تفاصيل توقيع أربع اتفاقيات في مجال الأمونيا الخضراء مع المطورين الأوروبيين بتكلفة نحو 33 مليار دولار       قرارات مهمة من لوزير التعليم" خلال ساعات.. هل هيقرر يعيد امتحان الفيزياء للثانوية العامة ؟!       مصدر: الانتهاء من التشكيل الوزاري والمحافظين ومراسم حلف اليمين خلال أيام       ننشر التفاصيل: إحالة 1332 موظف بالمحليات للنيابات المختصة والشئون القانونية       شركات أوروبية توقع صفقات بأكثر من 42 مليار دولار في مصر       مصدر مسؤول : تنفيذ إجراءات الترحيل لأى أجنبى من الأراضى المصرية وفقا للقانون       استمرار اشتعال الأزمة بين الزمالك ورابطة الأندية       الأهلى يرفض ضم عاشور وعبدالمنعم للمنتخب الأوليمبى       إدراج 27 جامعة مصرية في تصنيف US.News الأمريكي       أشادة دولية بقيام مصر بسداد ٢٥ مليار دولار من الدين العام المحلى والخارجى منذ مارس الماضي  
جريدة صوت الملايين
رئيس مجلس الإدارة
سيد سعيد
نائب رئيس مجلس الإدارة
د. محمد أحمد صالح
رئيس التحرير
محمد طرابية

سيد سعيد يكتب   2022-10-18T20:02:12+02:00

الشارع يتهم الحكومة بالفشل والإعلام بـ ( المطبلاتى )

سيد سعيد

 

لا حديث فى الأوساط الشعبية الآن، يفوق الحديث عن السياسات الاقتصادية، والمخاوف من تداعياتها الاجتماعية، وما يترتب عليها من ارتفاع عشوائى فى أسعار السلع الأساسية والخدمات الضرورية، من دون رقابة حقيقية قادرة على ضبط الانفلات، مرورًا بالأحاديث المتصاعدة حول عدم قدرة الحكومة على توفير العملات الأجنبية، لاستيراد الخامات ومستلزمات الإنتاج الضرورية، وتكدس البضائع والأعلاف في الموانئ لعدم توافر «الدولار»، فضلًا عن انخفاض قيمة الجنيه مقابل العملات الأجنبية، و.. و.. إلخ 

 

ووسط هذا الكم الهائل من المشكلات التي تشغل حيزًا كبيرًا من اهتمامات الناس، تتنامى وتيرة اتهام الحكومة بالفشل فى إدارة الملفات المهمة والحيوية، وهى الملفات المرتبطة بالأوضاع الحياتية والمعيشية لقطاعات واسعة فى المجتمع، وتتراوح الاتهامات ما بين عجزها عن ابتكار آليات جديدة، لضخ الدماء فى شرايين الاقتصاد، وعدم الاكتراث بتهيئة المناخ الملائم لجذب الاستثمارات الوافدة من الخارج، واقتصار أفكارها العقيمة على اللجوء، فقط، إلى الاقتراض غير المنضبط من صندوق النقد الدولى، الذى يملى شروطًا قاسية، بل كارثية، وهى الشروط التي أوصلتنا إلى ما نحن فيه الآن.

 

إن السياسات المقتصرة على الاقتراض وتوسيع دائرة بيع الأصول، لا يمكن لها أن تحقق الأهداف الرامية للنهوض بالدولة على المستويات كافة «اقتصادياً واجتماعياً»، وهى الأهداف التى تسعى لتحقيقها القيادة السياسية، لكنها أى سياسات الحكومة، تمثل عبئا على كاهل المجتمع، وستكبل الأجيال القادمة بديون ثقيلة، يقيناً، ستحد هذه الديون، من أى انطلاقة نحو اللحاق بركب التطور المذهل فى العديد من المجالات، خصوصاً أن التوجه صوب الإنتاج والتصدير، لم يعد من الأولويات التى تراعيها الحكومة، وإن قالت كثيرًا غير ذلك، ناهيك عن أمور أخرى مرتبطة بالأمن الاجتماعى، كما أكدنا على ذلك في مقالنا السابق، باعتبار أن الأمن الاجتماعى جزء أصيل ورئيسى من الأمن القومى.

 

وما لا تعرفه حكومة الدكتور مصطفى مدبولى، ولو كانت تعرف فتلك مصيبة، تكشف بجلاء عن حجم «الخيبة»، أعنى هنا حالة الضيق التى بلغت زروتها من السياسات المتخبطة، والتى أثرت بصورة مباشرة على حياة الغالبية، حيث يتم استثمارها، لبث الشائعات عبر الأخبار الزائفة، وخلق بيئة حاضنة لتصديقها والتفاعل معها، والانصراف عن أى ردود عليها من الجهات الرسمية، ولا يفوتنا في هذا السياق، أن القرارات المفاجئة، والمتعلقة بمحاولات إنقاذ الجنيه، لم تجد صدى لدى المتابع، بل وجدت رفضا قاطعا وتشكيكا فى النوايا، وأقصد هنا ما راج مؤخرا، عن القرارات المتعلقة بالودائع الدولارية، لاستيراد السيارات، حيث ساهم فى ارتفاع وتيرة تداول الأخبار الكاذبة، وانتشارالتشكيك على نطاق واسع، ما يهيئ، إن لم يكن هيأ بالفعل، لترسيخ حقيقة لا يمكن إغفالها، أو التهوين منها، ومفادها أن الشائعات بطبيعتها أكثر جاذبية من الأخبار التي تصدر عن الحكومة، ولو مؤكدة، لأن الأمر ببساطة شديدة جداً، لا توجد ثقة في الحكومة لدى المواطن من كثرة الوعود التى لم ينفذ منها شىء، كما لا توجد ثقة فى الناقل عنها وهو الإعلام، الذى لا يعى متطلبات المرحلة الحالية ولا يدرك مسئولياته فى التوعية، بإشراك المجتمع فى القضايا التى تخصه، لذا فإنه، أى الإعلام، يوصف في أحاديث العامة، بأنه «مطبلاتى»، فهو لا يلتفت على الإطلاق للمشكلات التى يعانى منها الناس، فالمجتمع لا ينكر المشكلات، بل يعرفها ويعيش فيها ويتجرع مراراتها، ولكن كل ما يطلبه هو الشفافية، وإشراكه فى الهم العام، لكى يتفاعل مع الحكومة، إنما تهميشه وإشعاره بأنه لا يمثل شيئا فهذه هى الكارثة بعينها، لأنه ببساطة سيرتمى فى أحضان الإعلام المغرض، والذى يمسك بتلابيب أي قصة وينفخ فيها، ويلتف حولها، لبث ما يريد إيصاله.

 

فالإعلام غير قادر، ويبدو أنه لن يكون قادرًا، على مسايرة مواقع التواصل الاجتماعى، التي تساعد على انتشار الشائعة بشكل مذهل، لسهولة الوصول إليها من خلال أجهزة المحمول الذكية، فكل مستخدم يمتلك حساب على تلك المنصات ، فضلا عن أن كل ناشر لأى خبر وكل مستهلك له سواء كان الخبر زائف أوخبر مؤكد، يكون لديه حرص على النشر السريع لأي شيء، سعيًا للتريند، والمثير أن الخبر الوارد على منصات التواصل الاجتماعى، سرعان ما يصبح مادة دسمة وموضوع رئيسى لبرامج التوك شو.

 

علينا أن نعلم ومن دون مبالغة، بأن الاستخدام العشوائي وغير المسئول لمنصات التواصل الاجتماعى، رغم أضراره الخطيرة على المجتمعات التى غاب الوعى عن بعض فئاتها، إلا أن ذلك لا يقلل من أهمية المنصات ذاتها، في حالة لو تم استخدامها بشكل هادف وتوعوى، ولكن للأسف سيظل الاستخدام غير المسئول هو السمة الغالبة سواء للمنصات أو وسائل الإعلام الضخمة «الفضائيات» في ظل إعلاميين ليس لديهم وعى بأهمية أدوارهم، خاصة أن الحكومة تعتبر بعض الإعلاميين، جزءا من أدوات تأثيرها فى التواصل مع المجتمع، فالحكومة تفعل ذلك دون دراية بأن الإعلام أو على وجه الدقة «بعض الإعلاميين» صاروا أشبه بالبهلوانات فى سيرك، يتعاطون مع القضايا الكبرى وكأنها ملهاة عبثية للتهريج والصياح، ليس إلا، مثل هؤلاء لا يعبرون عن الواقع، ويقفزون على الحقائق المعلومة للكافة لذا فإن رسالتهم لا تجد اهتمامًا، أو لفت للانتباه، فقد أصبح غالبيتهم خبراءً  لا يشق لهم غبار، ولا يجاريهم أحد فى العبقرية والإلمام بمجالات العلوم وفنون الحياة بشكل موسوعى، أو هكذا يتصورون أنفسهم، رغم حالة الكراهية لهم، ولا أبالغ على الاطلاق، إذا أكدت أن سببا رئيسيا من كراهية الحكومة، جاءت من الإعلام الذى يتعامل مع المجتمع وكأنه قطيع، يمكن خداعه أو تضليله بسهولة.. يا سادة ياكرام، إن تلك النظرة الضيقة، يمكن لها أن تنجح في أزمنة أخرى، ونجحت بالفعل وكان لها تأثيرها المباشر، يوم كان هناك إعلاميون، يعى كل منهم رسالته التوعوية، لكن في زماننا هذا، سيكون مصيرها الفشل، لأننا في زمن السماوات المفتوحة، والمعلومات العابرة للقارات بالصوت والصورة وانتشار مواقع التواصل الاجتماعى، التي تمتلك قدرة على الوصول بشكل مباشر لجمهور فقد ثقته فى وسائل الإعلام التقليدية، التى تتجاهل عمدا أحوال الناس ومعاناتهم.

 

لا أحد ينكر أن غالبية المصريين على اختلاف شرائحهم الاجتماعية، يعيشون حالة من الترقب المشحون بالقلق والتوتر  مما هو آت، ولا يوجد شىء يشغل بالهم في الآونة الأخيرة سوى هواجس عدم قدرتهم على الوفاء بالتزاماتهم المعيشية، وما يترتب على عدم القدرة من انهيار مجتمعى وأخلاقى، نعم أكرر مرة أخرى،  انهيار مجتمعى وأخلاقى، وما يتم نشره على منصات التواصل الاجتماعى من جرائم متنوعة، مخدرات وقتل وسرقة ونصب، إلى جانب المشكلات الاجتماعية الأخرى، المتمثل في  حالات الطلاق، وقد بلغت زروتها، لأول مرة فى تاريخ البلد، فالتداعيات ستصبح خطيرة، ولا يمكن لأى إنسان مهما بلغت درجة وعيه وثقافته صعودا أو هبوطا، أن يتجاهل ما يحدث أمام ناظريه من مشكلات، هى فى جوهرها ناتجة عن الأزمات الاقتصادية، التى ارتفعت وتيرتها، نتيجة الفقر وتسريح العمالة من المنشآت التى توقفت بفعل أزمة العملات الأجنبية، خاصة الدولار، الذى بات حديث الجميع فى جلساتهم، لأن أمورهم ارتبطت بقيمة الجنيه أمامه، بحسب التجار والباعة، والصيدليات، حيث يربطون ارتفاع أسعار السلع، نتيجة ارتفاع الدولار، وهذه قضية لا يمكن إغفالها، فضلًا عن إرهاق الجيوب بفواتير عشوائية مثيرة للغرابة، خاصة بعد تناقل المعلومات عن تصدير الكهرباء بأسعار أقل كثيرا من السعر الذى يدفعه المواطن، فقيم الفواتير التي يتحملها المواطن  لا تتناسب بالمرة مع الدخول المتدنية ولا تفى فى كل الأحوال بالالتزامات الضرورية من مأكل وعلاج وملبس.. ألم يكن هذا كافيا بأن يجعل الحكومة فى مرمى سهام الاتهامات بالفشل، جراء  سياستها المتخبطة وقراراتها التى لا تراعى أى أبعاد اجتماعية أو إنسانية، وللمرة المليون، ألم يكن هذا كافيا لاتهامها بالفشل، ألم يكن هذا كله كافيا أيضاً للمطالبة بتغييرها، والمجىء بحكومة تعى متطلبات المرحلة، ولديها براعة في ابتكار أساليب جديدة للحد من معاناة المواطنين، فمن لا يرى تلك المعاناة، ملوث عقله، فالجميع يعلم، والرئيس عبدالفتاح السيسى يعلم، ويؤكد على درايته بما يعانيه المواطن، ويعمل على تخفيف الأعباء من فوق كاهله، لكن الحكومة في المقابل، ترى أن الأمور جميلة، والإعلام يرى أن الحياة وردية، واحنا أحسن من أوروبا، و«بص شوف احنا بنعمل ايه»، الأمر الذى جعل كثيرين يعانقون ما تنشره مواقع التواصل الاجتماعى، ويتفاعلون معه، والأهم أن الشائعة والخبر الزائف، صارا لهما الصوت العالى على ما سواهما من معلومات صحيحة، لذا لم يكن غريبا أن تتنامى الشائعات، ويصبح لها السطوة.

 

والمعلوم للكافة أن أجهزة الدولة المختصة برصد الشائعات، تقوم بتفنيدها وتحليلها والرد عليها، لكن الردود في الغالب لا تكون كافية، ولا تستطيع دحض ما يتم تداوله وتناميه بصورة مذهلة، لأن الردود ـ دائماًـ تأتى بأسلوب تقليدى روتينى، ورغم أهمية تلك الطريقة، إلا أنها نوع من العزف المنفرد، غير القادر على الاقناع، لذا لابد من جهود أخرى، تدور فى فلك متناغم مع وسائل الإعلام التوعوى، لإيضاح الحقائق بطريقة شاملة، وتحمل في طياتها قدر هائل من الشفافية، لأن الميل الشعبى لتصديق الأخبار الكاذبة، يفوق قدرة ما تنتجه ماكينة الإعلام الرسمى أو تصريحات الحكومة على الملاحقة أو النفاذ إلى العقول.

 

وبالنظر إلى الخبرات الهائلة لبلدان كثيرة فى العالم، سنجد أن الحكومات تعمل على تبنى سياسات، تضع فى أولوياتها  ترسيخ مفاهيم يدور محورها فى، الانتماء والوعى والهوية، وعملت على بناء قدرات مواطنيها، ليكون الفرد قادرا على التحقق من أى خبر سواء زائف أو صادق، قبل الإقدام على نقله للآخرين، أو إعادة نشره بوسائل التواصل الحديثة، وهذا بدوره يتطلب تدريبا متواصلا، لحماية الفرد والمجتمع من خطر المعلومات المشكوك فى صحتها، والأهم أن تكون الحكومة قادرة على التفاعل مع الرأى العام، ولا تتعامل معه على أنه قاصر أو غير كامل الأهلية.
مقالات مشتركة