جريدة صوت الملايين
رئيس مجلس الإدارة
سيد سعيد
نائب رئيس مجلس الإدارة
د. محمد أحمد صالح
رئيس التحرير
محمد طرابية

سيد سعيد يكتب   2023-01-24T22:30:45+02:00

إبراهيم عيسى يهاجم الشيخ الشعراوى للانفراد بـ«سبوبة» التنوير

سيد سعيد

 

لا فرق بين الذى يقتل ويسفك الدماء وينشر الخوف والخراب، وآخر يهدم القيم وينال من القمم والرموز الراسخة فى الوجدان، لتشويهها، بلوغاً لهدم الدين ذاته تحت دعوى التنوير واللحاق بالتقدم.. كلاهما إرهابى وقاتل، كلاهما يطعن فى صميم الدين ويخدم أجندة الشيطان، الأول يرتدى جلبابا ويحمل سلاحا ويعيش فى الكهوف، بعد إخضاعه لعملية تغييب كاملة للعقل، أما الآخر فيرتدى أفخم الملابس ويرتاد الفنادق ويسكن القصور وينطق بالكلام المعسول أمام الكاميرات، يجالس الحكام ويفتى فيما يعرف وفيما لا يعرف.

 وأغلب الظن أن هذه النماذج تفتى فى اللاشىء، الأول وعدوه بالجنة فى الآخرة، وأقنعوه بأن موته استشهاد فى سبيل الله لنصرة الدين، وأن الخروج على الحكام الكفرة الطغاة فريضة، أما الآخر فيحققون له جنة فى الدنيا ينعم فيها.. كلاهما متنافران فى العلن، أعداء فى الخطاب، لكنهما يتنافسان على تحقيق شعارات دخيلة على تقاليدنا ومورثاتنا، شعارات زائفة فى مضمونها، خرجت من كواليس أجهزة المخابرات العالمية لهدم الدين والوطن، كلاهما ينام منفرداً على فراش الرزيلة ليلاً، فالدولارات توحد رغبتهما.

إذاً لا فرق بين القتل ونشر الرزائل فى المجتمعات، والتحريض على «خراب البيوت» وتدمير المجتمعات والأوطان، كل هذا يا سادة خروج على الدين، لكنه يحدث أمام الكافة وكأنه صراع بين التخلف والتنوير.

ربما يتساءل البعض لماذا هذا الآن؟ أى لماذا أكتب فى هذا الشأن فى هذا التوقيت من ناحية، ولماذا انطلقت الحملة الشعواء على الدين وأئمته وشيوخه الأجلاء من ناحية أخرى؟ ولماذا اتخذت مساحات متنوعة؟ ولماذا أربطها بالإرهاب، بمعنى أكثر وضوحاً، لماذا أضع الإرهابيين مع مرتزقة التنوير فى كفة واحدة؟ حيث يرى البعض أن الدعوات الهدامة للقيم، نوعاً من التنوير المستورد، لأنه مشحون بالانحرافات والفواحش، ربما يكون العرى والمثلية أدنى درجاته، وأقل سوءاتها، ألم يكن طرح هذه الأفكار بصورة علنية طعناً فى الدين؟ ألم يكن اتهام عالم جليل من علماء الأمة، بأنه داعشى وسلفى وأنه عدو للمرأة، بالرغم من اتفاق الجميع عليه بأنه أبرز علماء هذا الزمان وأكثرهم قدرة على النفاذ إلى العقول والقلوب، وهو الشيخ محمد متولى الشعراوى.

إن التنوير الذى يريده لنا الغرب عبر أبواق فقدت حياءها ولا يعنيها سوى الحصول على الدولار، يفتح الباب أمام القضية الأكبر والأهم..... لماذا تقف نظرة مرتزقة التنوير عند نقطة العجز البين فى الفهم والمعرفة، فهؤلاء يرون أن المرادف للتنوير والأفكار المتحررة، هو سحق القيم والموروثات التى شكلتها الفطرة الإنسانية والعقيدة الدينية، سواء كانت إسلامية أو مسيحية أو يهودية، فالديانات السماوية جميعها، تنبذ الرزائل والمسمى فى أدبيات المرتزقة حرية وحداثة و.. و.. الخ.

 المثير للدهشة والمحفز على الغثيان فى آن واحد، هو أن المتعارف عليه فى أوساط المثقفين ومدعى الثقافة، العارفين ومدعى المعرفة، أن المثقف لابد وأن يكون متجاوزا لمفاهيم العقيدة ولديه القدرة على إيجاد المصطلحات العصرية، بهدف توظيفها للتشكيك فى المسلمات، كما أن الإلحاد أصبح فى أدبياتهم نوعا من التحرر العقلى، بما يعنى أن الضرب فى صميم العقيدة هو إثبات للفهم والوعى، وجواز المرور للحصول على لقب مثقف، ومن هذه الزاوية أصبح تشويه المفاهيم الدينية، والنيل من علماء الأمة، وأيقوناتها هدفاً أسمى.

دعونا نتوقف أمام ما تم سرده بعجالة.. ألم تكن الدعوات المنطلقة فى تلك الأوساط وتجد من يناصرها من المحسوبين زورا وبهتانا على المثقفين، هى فى الأصل رغبة ماسونية بامتياز، فى المقابل العمليات والجرائم الإرهابية التى تحدث، وجميعنا يعلم أنها خروج على الدين، لأن الديانات السماوية تهدف التسامح والرقى الإنسانى، ولا تبيح القتل وسفك الدماء، ألم تكن هذه الجرائم تمثل هدفاً غربياً لتمزيق الأوطان، فلماذا نصدقهم إذا زعموا بأنهم ينفذون شرع الله.

ولأن مرتزقة التنوير ودعاة الثقافة والتحرر فيما يتعلق بالدين، يقفون قليلى الحيلة أمام التعامل بنفس الروح مع القضايا الملحة التى تخص الشأن العام، ولا يستطيع أى منهم أن يطل برأسه، للظهور أو يفتح فمه فى حديث يتعلق بالهم العام، ولو على استحياء، لكنهم ذهبوا إلى المساحة المستباحة لكل من هب ودب وهى المتعلقة بالعقيدة، وذلك فى ظل غياب تام للمحاسبة على ما يطالها، ويبدو أن المسئولين عن الحساب والعقاب، لهم فلسفة مفادها، أن الدين له رب يحميه، فتمادوا وراحوا يطعنون فى الرموز التى صاغت بسلاسة التفسير العصرى للقرآن الكريم، لعل أبرز الذين طالهم السب والتجنى والاتهامات، هو الإمام الشعراوى

فقبل أسبوعين انزعج الرأى العام فى مصر بصورة لافتة، حيث دارت معارك حامية على مواقع التواصل الاجتماعى، جراء هجمة على إمام الدعاة الشيخ الشعراوى بسبب مسرحية، كانت فى خطة وزارة الثقافة، والغريب أن الهجوم جاء من نفس «الجوقة» التى ترفض ما يأتى من الأزهر وعلمائه، وترفض أى كلام لا يتوافق مع تصورهم للدين، ويهدد فى ذات الوقت سبوبة التنوير.

البداية كانت من فريدة الشوباشى التى قدمت طلب إحاطة ضد رئيس الوزراء ووزيرة الثقافة، حول مشروع المسرحية، وهكذا فتحت فريدة الشوباشى المجال للهجوم على الشيخ الشعراوى، ليكيل له الأرزقية اتهامات كثيرة، فثار الأزهر ومعه واحتج عدد هائل من علماء المسلمين فى الوطن العربى.

ووسط هذا العبث وتلك الفوضى، هناك إعلامى مثير للاستغراب فى كل أطروحاته غير المنطقية منذ ظهوره المريب على الفضائيات، بل ومنذ بداياته، والمقصود هنا المدعو إبراهيم عيسى المشهود له بعداء الشيخ الشعراوى، والمعروف عنه أنه يقف فى طليعة ضاربى الودع بتكهنات وحسابات يبنيها من خيالاته، متصورا أن مصطلحاته اللولبية كافية لأن تضعه فى مصاف المفكرين، هو يفعل ذلك ولديه قناعة بأنه يخوض حربا من أجل التنوير، هو بالتأكيد يخوض حربا، لكنها تدور فى خيالاته، فالمدعو عيسى كان الأكثر فجاجة فى كيل الاتهامات للإمام الراحل، وقد بدأ هجومه على الشيخ الشعراوى لنيل الشهرة فى منتصف تسعينيات القرن الماضى، وروج عن نفسه أنه مستهدف من الإخوان والإرهابيين، فعينت له الداخلية وقتها حراسة على سكنه فى منطقة فيصل بالجيزة، وهذا فتح أمامه الباب، للظهور، لكنه تحالف مع الإخوان من أجل تعاقدات على شراء صحيفة الدستور، وشراء الأعداد المطبوعة، وانضم له فى الموجة الرخيصة من الإعلام المشبوه، قلة من أشباه المثقفين المنتفعين من أى سبوبة، لكن جاء رد الشيخ أسامة الأزهرى مستشار رئيس الجمهورية فى متن دفاعه عن الشيخ الشعراوى قاسيًا على النماذج الرخيصة، حيث فند بالأدلة لمن قالوا كذبا إن الإمام الراحل كان ضد الأشقاء المسيحيين وأنه كان يحرض على القتل.

الشعراوى لم يكن نبيًا ولم يكن منزهًا عن الخطأ لكنه داعية وصل إلى قلوب المسلمين وعقولهم فى أنحاء العالم بأسلوبه البسيط فى تفسير القرآن.

والمسرحية الخاصة به لم نعرف عنها شيئا، حتى يقف أرزقية التنوير ومن ساروا فى ركبهم وكان عليهم انتظار العرض المسرحى لتقييمه، لكن الهدف من الأساس هو طمس سيرة الإمام.

جاء هجوم إبراهيم عيسى يحمل روح المزايدة على كل سابقيه ممن بدأوا الهرتلة للحصول على الشهرة، حيث قال إن الشيخ داعشى متطرف وسلفى ضد الأقباط، ويهين المرأة وليس وسطيًا كما يرى البعض وأضاف من خلال برنامجه على قناة القاهرة والناس أن الشعراوى أهان المرأة وطالب بضربها ومنعها من العمل، وذهب فى غيه إلى القول بوصفه، بأنه عبارة عن سلفى ينقص من حق المرأة.

 والغريب أن يصبح الإفتاء فى زماننا هذا فى كل شىء وأى أحد يستطيع الظهور على إحدى الفضائيات، يلبى دعوة المضيف، يستطيع الإفتاء، إبراهيم عيسى يفتى فيما لا يعرف، كى يحصل على لقب مفكر، دون دراية بأن المسميات يمنحها العلماء ممن يجلون علماءهم، ولا يحصل عليها أمثاله، ممن يزعمون العلم بكل مناحى الحياة.

ومن المآسى أن الناقد الفنى، لاحظ الناقد الفنى، وليس العالم أو الفقيه أو فضيلة الشيخ طارق الشناوى، تمت استضافته للإدلاء بدلوه عن الشيخ الشعراوى، فتصور أنه عالم بجد وقال إنه صدر الأفكار التى صدرها حسن البنا مؤسس جماعة الإخوان، مشيرا إلى أن الشيخ كانت لديه كاريزما طاغية استطاع من خلالها السيطرة على الشارع وأن أفكاره كلها ضد العصر، لكن ما أراد أن يروجه طارق الشناوى وكان يقصد النيل منه، جعله محطا للسخرية، عندما قال إن الكاريزما والجماهيرية، جعلت الناس تتعلق به، وأن هذا لا يعنى أنه على صواب، لكن حضوره يفوق عبدالحليم وأم كلثوم ونجوم الكرة.

ومن هذا المنطلق نريد التأكيد على حزمة من الأمور، وفى ظنى، جميعها فى غاية الأهمية، ومفاد ما أود طرحه، هو النظر بجدية إلى أن استمرار هذا العبث الذى تفرض شروطه دوائر شيطانية محترفة بتمويلات خرافية، لذا لم تعد أمامنا خيارات متعددة، فالأمور لابد وأن تكون إما بالتوعية والتصدى لمرتزقة التنوير من بعض الإعلاميين والكتاب، وحاملى أجندات هدم القيم ونشر الفوضى، ومنها الرزائل بالطبع، أو التسليم بقبول النتائج التى ستكون كارثية على الفئات المجتمعية، خاصة الأجيال القادمة، التى ستتأثر شئنا أم أبينا بالهجمة الشرسة على العقل الجمعى العربى بشكل عام، وقد يتفق معى الكثيرون فى الميل إلى تصديق تلك التوقعات، باعتبار أن بوادرها لاحت منذ سنوات وراحت تترسخ، إلى أن أصبحت واقعا ملموسا، فمهما اتسعت دوائر الرفض لـ «هرتلات» المأجورين، إلا أن الدوائر ومؤيديها من الفئات الشعبية لن تكون كافية لمواجهة وسائل إعلامية منتشرة وممولة، فهؤلاء العابثون وللأسف منهم المحسوب على النخبة التى تخرج للتنظير والتقعير، فى محاولة لإثبات وجودها على الساحة، لا يستطيعون التصدى بعقلانية للموجة الزاحفة والتى تغذيها وتعضد من وجودجها حكومات وقوى دولية، وتلعب عليها جهات لها مصالح، فالقصة بدأت بما عرف بالدين الإبراهيمى، وهذه الموضة، الموضة الجديدة، يتبناها إبراهيم عيسى، وإسلام بحيرى، وربما غيرهما، فقد كشفت تقارير صحفية سابقة عن تمويل وكالة أمريكية مشبوهة لبرنامجى إبراهيم عيسى وإسلام البحيرى، ولم يرد أى منهما على هذه التقارير، أو يكذبها، وهو ما يضع علامات الاستفهام حول ما يطرحونه.


مقالات مشتركة