الحكومة: الخميس 25 يوليو إجازة رسمية بمناسبة ذكرى ثورة 23 يوليو       خطة حكومية لزيادة الاستفادة من العلماء والباحثين المصريين في الخارج       بالأرقام الرسمية .. 50 مليون زيارة من السيدات لتلقي خدمات الفحص والتوعية ضمن مبادرة دعم صحة المرأة       اللجنة الخاصة المشكلة بمجلس النواب لدراسة برنامج الحكومة الجديدة تختتم أعمالها اليوم       تفاصيل مشاركة الأهلى فى أعمال الجمعية العمومية لرابطة الأندية الأوروبية       وزارة المالية : الدولة ليس من دورها إدارة الأصول العقارية       أخبار سارة للموظفين.. المالية تعلن تبكير صرف مرتبات شهر يوليو 2024       بالأرقام الرسمية .. إصدار 32.5 مليون قرار علاج على نفقة الدولة       وزارة العمل تُحذر المواطنين بعدم التعامل مع الشركات والصفحات وأرقام الهواتف الوهمية       إطلاق دورى رياضى لأبناء الأسر في قرى ( حياة كريمة ) تحت شعار ( أنت اقوى من المخدرات )       أخبار سارة : مصر تستهدف إنتاج 800 ألف أوقية ذهب عام 2030  
جريدة صوت الملايين
رئيس مجلس الإدارة
سيد سعيد
نائب رئيس مجلس الإدارة
د. محمد أحمد صالح
رئيس التحرير
محمد طرابية

سيد سعيد يكتب   2023-02-20T20:26:10+02:00

الحكومة تفشل فى القضاء على انفلات الأسعار

سيد سعيد

فى بلادنا، لا يحتاج المواطن، أى مواطن، أن يستمع لتصريحات الحكومة، حتى يصدقها أو يكذبها، فهى بالنسبة له مجرد عبارات إنشائية لا تقدم ولا تؤخر، ولا تشى بأى أمل، ولو ضئيل، لتحسين الأوضاع، فالواقع أصدق أنباءً من وعود الحكومة، باعتبار أن تغييره إلى الأصلح أصبح من المحال، فالواقع لم يعد سرًا، كما أنه ليس فى حاجة للتعريف به من أحد، هو معلوم وحكاياته متناثرة فى الأزقة والمقاه وعلى المصاطب فى القرى من الشمال إلى الجنوب، ومتاحة على قارعة الطريق ومكاتب الموظفين داخل العمل، ولا حديث يشغل بال الناس أكثر من الحديث عن تدنى أوضاعهم والشكاية من سوء الأحوال المعيشية التى طالت الأكثرية فى المجتمع، لا فرق بين فقير وفقير آخر كان مستورًا قبل فترة وجيزة من الزمن، فالكل صار فى الهم سواء، حيث انهارت الطبقة المتوسطة، والتى تمثل، أو التى كانت تمثل، عصب المجتمع من المهنيين والتجار، باعتبارهم الفئات الأكثر وعياً وتفاعلا مع قضايا المجتمع، دخلت تلك الفئات بتنوعها دائرة الفقر والحاجة بامتياز

شاهد الحال يؤكد أن تدنى أحوال الفئات التى كانت مستورة حتى وقت قريب جدا، انتقل إلى مواقع التواصل عبر الحديث عن غلاء أسعار اللحوم وبقية السلع التى كانت أساسية.

 إن ارتفاع الأسعار بهذه الصورة الجنونية، يفوق قدرة الغالبية على الاحتمال، فخلال فترة زمنية وجيزة، تبدلت أحوال الناس وباتوا مطحونين تحت وطأة الحاجة، وما كان يكفى بعض الأسر لشراء قائمة احتياجاتها من السلع الغذائية والأدوية وفواتير الخدمات على مدار الشهر، الآن لم تعد دخولهم كافية لتسديد فواتير الكهرباء والغاز والمياه فقط، إلى جانب العجز عن توفير جزء ضئيل من الاحتياجات الضرورية للعيش ولو بدون دواء، تاركين أمرهم إلى الله يعنيهم، بما يعنى أن الوضع أصبح منفلتا وجنونيا، ويتجاوز قدرة شرائح مجتمعية متنوعة تتجاوز أعدادها عشرات الملايين، تمثل الأسر الفقيرة وأصحاب المعاشات وذوى الدخول المتدنية من صغار الموظفين، هؤلاء جميعا دهسهم غول الأسعار تحت أقدامهم، ولم يعد لديهم قدرة على الرضا بالأمر الذى أصبح واقعا، أو قبول التعايش معه.

 نعم لا يمكن لأى إنسان موضوعى إنكار أننا جزء من المكون العالمى بكل ما فيه من أوضاع اقتصادية جراء تداعيات العملية العسكرية الروسية فى أوكرانيا، حيث تسببت الحرب الدائرة فى موجة الارتفاع فى أسعار الغذاء عالمياً، وبالطبع مصر ليست فى منأى عن ذلك، لكن فى ذات الوقت لا يمكن أن ندفن رؤوسنا فى الطين، ونتغاضى عن الفشل الذريع لسياسات الحكومة، فهى بعيدة كل البعد عن كل ما يحدث فى بلدان العالم، فقط تتحدث باستفاضة عن الأزمة العالمية، وتركت الحبل على الغارب لإعلام بليد يصرخ ليل نهار عن معاناة شعوب أوروبا واختفاء السلع فى أمريكا وغير ذلك، لإثبات أن حكومتنا هى الأجدر والأكثر خبرة فى الملفات المهمة.

يا سادة.. لو كانت الحكومة جادة فعلا، لكنها ليست جادة، فى القضاء على عشوائية الأسعار، لفرضت رقابتها بفاعلية على الأسواق وتمكنت بآلياتها القانونية والقضائية من فرض السيطرة على الانفلات، الذى لا يحكمه ضابط أو رابط بما يزيد من مساحة إهدار هيبة الحكومة، فالحكومات قادرة على حماية المجتمعات من أى ممارسات تقوض تطلعاتها الاقتصادية، أو تدفع إلى تدنى الأوضاع الاجتماعية.. لكن ما بين الواقع على الأرض والأمنيات المرجوة، أين الحكومة من هذا كله؟ ماذا فعلت رغم تنامى الغضب من الارتفاع الجنونى للأسعار؟ هل اكتفت بتقديم الإرشادات للمواطنين بإبلاغ الجهات التى لا تتحرك؟ علينا أن نعرف حقيقة مفادها أن الوصول إلى الجهات الرقابية المعنية بضبط الأسواق يحتاج لصبر أيوب فى الانتظار على الرد، كما أن الارتفاع المذهل فى أسعار السلع الضرورية، المتعلقة بأدنى متطلبات العيش، ساهم فى التقليل من حجم الشراء ولا أبالغ إذا قلت أيضا، أنها من شراء الاحتياجات الدوائية التى ارتفت الضعف خلال عام واحد

إن ارتفاع أسعار المواد الغذائية بنسبة تزيد على 30% المئة، خلال شهرين فقط، يشير إلى أن الحكومة لا يعنيها ضبط الأسواق، ولا يعنيها المطالبات المتزايدة بتشديد الرقابة على أساليب الجشع، فأسعار السلع الأساسية قفزت بصورة مزعجة، ناهيك عن عدم القدرة بالأساس على الشراء حتى وإن توفرت تلك السلع، بما يعنى أن السلع إن وجدت بوفرة، والأمر كذلك، فهى متوافرة، ولا يوجد شٌح فيها، لكن لا توجد قدرة مالية على الشراء، وعلى رأس تلك السلع الخضراوات والفاكهة والخبز والحبوب، وهنا يصبح التساؤل مشروعًا.. لماذا يتجاهل الغالبية؟ الحديث فى مضمون شكاواهم عن ارتفاع أسعار سلع أخرى مثل اللحوم ومشتقاتها المصنعة، والدجاج والبيض واللبن، الحديث عن احتياجات الفقراء من السلع الأدنى مرتبة.. بالطبع تكمن الإجابة فى متن هذا التساؤل المشروع، ومفادها أن هذه السلع التى سبق ذكرها، صارت من الكماليات لمتوسطى الحال، بل صارت من الأمور المستفزة للكثيرين، حال الحديث عنها أمامهم، رغم أنها ليست كماليات إنما هى من الضروريات التى يحتاجها الإنسان كجزء من أساليب التغذية للحفاظ على البنيان الجسدى، على أى حال اتجهت الغالبية فى الأشهر الماضية، للحديث عن جنون أسعار البقوليات لتعويض البروتين مثل الفول والعدس وغيرهما، حيث بلغت أسعارها مستوى مثيرَا للاستغراب.

ويزيد من الاستفزاز للشرائح الفقيرة، تنامى الحديث على مواقع التواصل الاجتماعى حول أسعار اللحوم التى ترتفع أسعارها ما بين ساعة وأخرى، فالناس بالفعل هجرت تلك السلع، ولم يعد لديها استعداد لمتابعة رواجها فى بورصة» الهرى» على السوشياال ميديا، لأنها بطبيعة الحال لا تعرف عنها أو عن أسعارها شيئا، سواء حاليًا أو قبل ذلك، لكن لا يفوتنا فى هذا السياق أن نتوقف، ولو قليلاً، لفهم الدلالات الناتجة عن تناثر الأحاديث حول أسعار اللحوم، وهى التى باتت فقط فى متناول الأثرياء دون غيرهم، مفاد ما أرمى إليه هنا، هو الصخب حول أسعار اللحوم والبانيه وما شابه ذلك، يؤكد أن هذا الترويج، يعنى عدم الاهتمام أو إلقاء الضوء على احتياجات الشرائح الأكثر احتياجًا فى الجتمع وهم الفقراء، ولا أبالغ إذا قلت إنهم يمثلون الغالبية العظمى من الشعب، بما يعنى أن مروجى الحديث عن ارتفاع أسعار اللحوم، لا يعنيهم من بعيد أو قريب غلاء أسعار الفول والعدس والأرز والمكرونة ومنتجات الألبان والمحاصيل الزراعية المجففة، وأن هذا الترويج يحمل فى طياته، عدم إدراك أن الغالبية لا يأكلون اللحمة إلا فى المواسم أو عن طريق الصدقة وبالصدفة، فضلاً عن جانب آخر لا يمكن إغفاله، والخاص ببورصة أسعار البانيه، ليت من يقومون بالمساهمة فى رواج تلك البورصة، يعلمون أنهم يزيدون من حالة الاستفزاز للفقراء، على غرار استفزاز إعلانات الشقق والفيللات الترفيهية التى تداهم الجميع على مدار الساعة، فهناك كثيرين داخل هذا المجتمع، لا يعرفون عن البانيه سوى اسمه، ولا توجد لديهم أدنى دراية عن طريقة طهيه، أو التوابل التى تدخل فى عملية الطهى.

الدلالات التى يرمى إليها الصخب المتعلق باللحوم والبانيه، لا تتوقف عند حدود الأسعار وحدها، إنما تمتد فى تقديرى إلى نواح أخرى، يجب عدم إهمالها أو القفز عليها، مؤداها أن هناك طبقة هجرت اللحوم قسرًا، ولم يعد لديها سوى الاستعانة ببدائل مثل البانيه، وعجزت أمام ارتفاع سعره الجنونى، وهذه الطبقة هى التى انسحقت فى الآونة الأخيرة تحت عجلات الخوف من القادم، وهذا يجعلنا ندق ناقوس الخطر، لإيقاظ الحكومة لكى تتحرك لإيقاف مهازل ارتفاع الأسعار بتلك الطريقة الموحشة، فصراخ الفئات التى كانت متوسطة ثم انسحقت، ليس سوى محاولة للنجاة من السقوط، أو بتعبير آخر من الهبوط إلى الطبقات الدنيا والانضمام إلى شرائح الفقراء التى اتسع نطاقها.

بعيدًا عن تحليل الدلالات وما ترمى إليه، فى ظنى أن الترويج فى حد ذاته يشير إلى «أنانية» مفرطة من تلك الفئات، التى ظلت تتجاهل بصورة أو أخرى حال الغالبية وهم الفقراء فعلا، بما يؤكد أن الانصراف عن معدومى الدخل أصبح» موضة» فهم مدهوسون من الكافة، سواء الحكومة أو الفئات التى بدأت تتهاوى، الجميع ينظر اليهم بنظرة محشوة بقدر هائل من التعالى، وإن اهتموا بهم، ولو لحظة عابرة، فسيكون من باب الشفقة ليس إلا.

غالبية هذه الفئات التى تئن الآن تمثل الحكومة فى الدواوين والمصالح، بما يعنى أنها جزء من مكونها العام، وتشاركها المسئولية فى سياساتها، وتتحمل معها تداعيات القرارات التى تصدرها، حتى ولو كان ذلك بصورة ضمنية وليست صريحة، فهى التى تنفذ، وهى التى تتعامل مع المواطن، لذا فإنها تتحمل معها المسئولية فى الحالة التى وصل إليها غالبية المواطنين، هؤلاء يخشون الفقر الآن، رغم مشاركتهم فى إفقار الناس، هم يشكون من ارتفاع أسعار السلع، رغم أن تلك السلع صارت تراود أحلام الفقراء فى خيالاتهم، والغريب أنهم كانوا يسعون دائمًا إلى تبرير عملية الفقر، وإظهارها بأنها ظاهرة كونية تجتاح أعتى الرأسماليات العالمية، لكنهم فى ذات الوقت يتحدثون عن غلاء ما هو ترفيهى بالنسبة لغيرهم.

 ونظرة سريعة لحال السوق سنجد أن سعر كيلو جرام الدجاج على سبيل المثال ارتفع بنسبة 500% خلال عام واحد رغم ثبات الدخول، أما الخبز والأرز فحدث ولا حرج، وهما من أكثر السلع استهلاكا بين جميع أفراد الشعب، وزجاجة الزيت تجاوز سعرها الـ 70 جنيها وكانت قبل 10 أشهر 11جنيها فقط، وهى سلع أساسية ضرورية لا غنى عنها لأى أسرة، وبينما تتزين الأسواق بالشوادر لاستقبال الزبائن فى شهر رمضان الكريم، فى ظل موجة الغلاء التى تضرب الأسواق التجارية، يصبح معدومو الدخل فى» حيص بيص» لعدم قدرتهم على الشراء بالأساس، فما بالنا بمعدومى الدخل و«الأرزقية»، وهؤلاء يزداد أنينهم من دون أن يسمعهم أحد، ناهيك عن التداعيات الاجتماعية الخطيرة، التى لا يمكن القفز عليها، ومنها ارتفاع معدلات الطلاق بصورة مخيفة، جراء عدم القدرة على الانفاق، وانكسار الآباء أمام أبنائهم لعجزهم عن الوفاء بمتطلباتهم.

يقينا هذا الواقع الأليم أصبح معلوما للكافة، فهذا الواقع يشغل مساحات هائلة من حكايات الناس على اتساع الخريطة الجغرافية للبلاد، من المناطق الشعبية فى المدن الكبرى والريف من الصعيد إلى الدلتا، وهذا ليس تضخيمًا لحجم الأزمة التى يعيشها المواطن الذى بات يئن تحت وطأة الحاجة، لكنه الواقع بدون رتوش أو عبارات تجميل وهذا بدوره يحتم على الحكومة النظر إلى تلك التداعيات التى يمكن أن تنجم عن هذا كله، وعليه أن تغض الطرف، ولو لفترة وجيزة، عن تكبيل المواطنين بأعباء جديدة من التى دأبت الحكومة على ابتكارها من وقت لآخر، بما أثقل كواهل الغالبية، فالمواطن لا يعنيه الحديث عن الموازنة أو الخطط المستقبلية، ولا يعنيه سعر الجنيه أمام الدولار، أو الأزمة العالمية، كما أنه لا يلتفت إلى التصريحات المتعلقة بزيادة موازنة بند القمح التى ستزيد وفق وزير المالية إلى 15مليار جنيه أو أكثر بسبب الأوضاع العالمية، أو أنها تقوم برفع دعم الخبز بنحو 87 مليار جنيه.

المواطن لا يعرف تلك الأرقام، رغم أهميتها، ورغم أنها تشير إلى اهتمام متزايد من القيادة السياسية بأحوال الناس وتدبير ما يلزم لاحتياجاته الحياتية، لكنه يريد أن تضعه الحكومة ضمن أولوياتها ولا تتركه فريسة لأنياب الجشع والفئات الطفيلية التى تتحكم فى الأسواق، باعتبار أن المواطن رغم فقره، لديه حس ووعى كافيين، لأن يعرف من خلالهما الفئات الطفيلية المتسلقة، التى تنهب قوت المجتمع، وتقدم نفسها كظهير للدولة وسند لها فى مواجهة المتغيرات، ويقف فى أول صفوف هؤلاء كبار البيروقراطيين فى الجهاز الإدارى، ممن يروجون للدفاع والتبرير، رغم أنهم أكثر المستفيدين.


مقالات مشتركة