جريدة صوت الملايين
رئيس مجلس الإدارة
سيد سعيد
نائب رئيس مجلس الإدارة
د. محمد أحمد صالح
رئيس التحرير
محمد طرابية

رئيس التحرير يكتب   2023-02-20T20:30:49+02:00

أسرار ( الحرب الباردة ) بين الحكومة ومجلس النواب

محمد طرابيه

 

 

 يخطىء من يتصور أن العلاقة بين الحكومة الحالية برئاسة د. مصطفى مدبولى ومجلس النواب ، جيدة طوال الوقت وأنهما " سمن على عسل " – كما يقولون فى  فى أمثالنا الشعبية - .

 حيث أنه  رغم قناعة الرأى العام  بنسبة كبيرة بتميز هذه العلاقات  ، واعتقاد الكثيرين بأن البرلمان الذى يعد – وفقا للدستور -  أقوى جهة رقابية على أعمال السلطة التنفيذية ، تحول إلى ما يشبه الجهة التابعة للحكومة والدليل أننا لم نرى استجواباً قويا حتى الآن يكشف الفساد أو الفشل الإدارى داخل الحكومة رغم أن مجلس النواب الحالى مرت على بداية  فصله التشريعى الحالى عامين وثلاثة أشهر تقريبا ، كما أن عدم إذاعة الجلسات على الهواء  أو نشر ما يدور داخل إجتماعات بعض إجتماعات اللجان يؤكد للكثيرين  غياب الدور الرقابى لمجلس النواب .

إلا أن الكواليس  تكشف عن وجود خلافات وصراعات مكتومة أو بمعنى آخر " حرب باردة " بين الحكومة والبرلمان ، وتكشف عنها تقارير بعض اللجان البرلمانية التى تنتقد جوانب الفشل والقصور فى الأداء الحكومى ، وتنتاب قيادات هذه اللجان وأعضائها حالة من الغضب المكتوم تجاه الحكومة وإهمالها لتقارير المجلس بل وإهمالها المجلس نفسه بدليل أنه نادراً ما يحضر رئيس الحكومة لإلقاء بيان  أمام مجلس النواب حول بعض القضايا التى تشغل الرأى العام ، كذلك تجاهل الوزارء والمحافظين الحضور لجلسات وإجتماعات اللجان النوعية بالبرلمان للرد على تساؤلات وإستفسارات النواب ، وهو الأمر الذى اشتكى منه الكثير من الأعضاء  للمستشار حنفى الجبالى رئيس المجلس والذى نقل شكاوى الأعضاء من  هذا التجاهل الحكومى للدكتور مصطفى مدبولى رئيس الوزراء إلا أنه لم يتغير فى الأمر  شيء رغم الوعود المتكررة .

 

فى البداية نشير إلى طبيعة العلاقة التى تربط الحكومة مع مجلس النواب ، حيث  تنص المادة الأولى من  اللائحة الداخلية لمجلس النواب والتى صدق عليها الرئيس عبد الفتاح السيسى وتم نشرها فى الجريدة فى 18 أبريل 2016 ، والتى نشرت فى اليوم التالى فى الجريدة الرسمية وبدأ العمل بها كقانون من قوانين الدولة على أن : "  مجلس النواب هو السلطة التشريعية، ويتولى إقرار السياسة العامة للدولة، والخطة العامة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية والموازنة العامة للدولة، ويمارس الرقابة على أعمال السلطة التنفيذية، وذلك كله على الوجه المبين فى الدستور " .

 

أما عن علاقة الحكومة بالبرلمان، فنظمتها 11 مادة  فى الدستور المصرى الحالى  الصادر فى 2014 ، حيث حددت الأولى منها في المادة 101 دور البرلمان في إقرار السياسة العامة للدولة التي يضعها الرئيس بالاشتراك مع رئيس الحكومة وإقرار الموازنة العامة للدولة وخطة التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وهى الأدوار التي تقوم بتنفيذها الحكومة .

 

هذا الدور المقرر بنصوص الدستور والقانون للبرلمان ، يتم تعطيله بسبب التجاهل الحكومى ، والذى نكشف جانباً من تفاصيله المثيرة فى السطور القادمة  .

 

التفاصيل تشير إلى قيام لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب  بالمطالبة فى تقاريرها الخاصة بالحسابات الختامية عن الثلاث سنوات الماضية بتشكيل عدد من اللجان لفحص موضوعات معينة وإصدار تكليفات موجهة لجهاز المحاسبات وموافاتها بنتائج أعمال هذه اللجان خلال مدد تراوحت ما بين شهرين وستة أشهر.

ومن بين هذه التكليفات واللجان التى تمت المطالبة بتشكيلها :

-  لجنة تتولى فحص أرصدة الديون المستحقة للحكومة وتحديد الأرصدة الممكن تحصيلها وغير الممكن تحصيلها وغيرها من الأمور على أن تضم فى عضويتها متخصصين من وزارة المالية والجهاز المركزى للمحاسبات وعناصر من الجهات المستحقة لهذه الديون .

-           لجنة تتولى حصر كافة المبالغ الزائدة عن الحد الأقصى للدخول " 42 ألف جنيه " التى تقاضاها المخاطبون بأحكام القرار بقانون رقم 63 لسنة 2014 سواء من الجهات الداخلة فى الموازنة العامة أو غيرها من الجهات الحكومية ، على أن تشكل لجنة من خبراء من الجهاز المركزى للمحاسبات وهيئة الرقابة الإدارية والتفتيش المالى بوزارة المالية . وفى هذا السياق ، شدد مجلس النواب – فى تقرير رسمى له – على إعادة صياغة المادة الاولى من القرار بقانون رقم 63 لسنة 2014 بشأن الحد الأقصى لدخول العاملين بأجر بحيث يشمل جميع من يحصل على أجر من خزانة الدولة أياً كانت الوظيفة التى يشغلها وأياً كانت السلطة التى تتبعها الجهة التى يعمل بها وذلك فى ضوء خروج العديد من الجهات التى شملتها المادة الأولى من عباءة القانون نتيجة لوجود " ثغرات لفظية " بها أدت إلى عدم تحقيق القانون للأهداف التى صدر من أجلها .

 

-          لجنة تتولى وضع لوائح منتظمة للصناديق والحسابات الخاصة والوحدات ذات الطابع الخاص لضبط الأوضاع المالية والإدارية لتلك الكيانات وبالأخص التى تباشر أنشطتها بدون لوائح أو بلوائح غير معتمدة من وزارة المالية أو يشوبها نقص أو قصور  على أن تشكل  من خبراء من مجلس الدولة  والجهاز المركزى للمحاسبات ووزارة المالية .

-          لجنة تختص بحصر المبالغ التى تقاضاها كبار المسئولين بالجهات الإدارية من الصناديق والحسابات الخاصة والوحدات ذات الطابع الخاص  تشكل من ممثلين من جهاز المحاسبات وهيئة الرقابة الإدارية ووزارة المالية .

-          لجنة من التفتيش المالى بوزارة المالية للتحقق من إعتماد مجالس إدارات الهيئات العامة الخدمية لحساباتها الختامية وفى المواعيد المقررة قانونا . وقد

طالب المجلس بتحديد المسئولية تجاه المخالفة المالية والمتمثلة فى عدم إعتماد مجالس إدارات  بعض الهيئات العامة الخدمية لحساباتها الختامية أو إعتمادها بعد المواعيد المقررة قانوناً مع الأخذ فى الإعتبار اختصاص هيئة النيابة الإدارية بالتحقيق فى المخالفات المالية على نحو ما ورد بالمادة 97 من الدستور .

-          لجنة من الجهاز المركزى للمحاسبات وهيئة الرقابة الإدارية لحصر كافة المشروعات المتوقف تنفيذها ومدد التوقف وبحث الأسباب التى أدت إلى ذلك وتحديد المسئولية تجاه مصدرها  .

 

 

ورغم إشادة لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب بإلتزام جهاز المحاسبات بتنفيذ التكليفات التى صدرت اليه فى ضوء حكم المادة 348 من  اللائحة الداخلية لمجلس النواب الصادرة بالقانون رقم 1 لسنة 2016 والتى تنص على أنه : "  للمجلس أن يحدد ميعادا لتقديم الجهاز المركزى للمحاسبات للتقرير الذى يكلفه به طبقا للمواد السابقة وذلك بعد أخذ رأى رئيس الجهاز. وعلى الجهاز أن يعطى فى جميع الأحوال أولوية للتقارير التى يكلف بها من المجلس. ويقدم الجهاز التقرير إلى رئيس المجلس فى الموعد المحدد لذلك متضمنا نتيجة البحث أو الفحص المكلف به وحقيقة الأوضاع الاقتصادية والمالية والإدارية التى يتناولها. وإذا تعذر على الجهاز إنجاز التقرير فى الميعاد وجب عليه إخطار رئيس المجلس كتابةً بتقرير عن الأسباب والعقبات التى أدت إلى ذلك ".

وهنا نسأل : إذا كان مجلس النواب قد أشاد بإلتزام الجهاز المركزى للمحاسبات  بتقديم تقارير رسمية توضح أسباب رفض الحكومة لتشكيل هذه اللجان  فما هى الإجراءات التى اتخذها البرلمان بصفته أكبر سلطة رقابية فى مصر لمحاسبة الحكومة على رفضها  أو منعها تنفيذ تكليفاته وموافاته بالبيانات والأرقام الرسمية حنى يتمكن من تفعيل دوره الرقابى ؟!!.

 

على الجانب الاخر ، وفى الوقت الذى أشادت فيه اللجنة  بإلتزام الحكومة بتشكيل معظم اللجان التى طلبت اللجنة تشكيلها بإستثناء اللجنة التى طالبت بتشكيلها لحصر كافة المشروعات المتوقف تنفيذها ، من جهاز المحاسبات وهيئة الرقابة الادارية  ، حيث أنه رغم مرور أكثر من 3 سنوات على هذه المطالبة البرلمانية  ، إلا أنه لم تتم الإستجابة لهذا المطلب حتى الآن ، حيث أن وزارة المالية ، قامت بتسليم د. هالة السعيد وزيرة التخطيط والتنمية الإقتصادية نسخة كاملة من التقرير العام للجنة الخطة والموازنة ، ولم يتم موافاة وزارة المالية أو مجلس النواب بتشكيل هذه اللجنة حتى الآن .

المفاجأة الكبرى  التى فجرتها اللجنة – فى تقرير رسمى لها -  أنها لم  تتلقى أية مخاطبات تكشف عن نتائج أعمال هذه اللجان على الرغم من تحديدها لمواعيد لإنتهاء هذه اللجان من أعمالها وموافاة البرلمان بنتائجها تراوحت ما بين شهرين وستة أشهر .

 هذا التجاهل الحكومى دفع مجلس النواب للمطالبة بسرعة موافاته  بنتائج أعمال هذه اللجان  التى تم تشكيلها ليتمكن من دراستها وفحص ما جاء بها من موضوعات تمهيداً لإتخاذ القرار البرلمانى الملائم تجاهها .

 

 

 

وهنا يجب أن نتطرق إلى العلاقة بين مجلس النواب والأجهزة الرقابية فى الدولة ،  والتى نصت عليها المادة 343 من لائحة مجلس النواب : " تقدم الهيئات المستقلة والأجهزة الرقابية تقاريرها السنوية إلى مجلس النواب فور صدورها. وعلى مجلس النواب أن ينظرها، ويتخذ الإجراء المناسب حيالها فى مدة لا تجاوز أربعة أشهر من تاريخ ورودها إليه، وعليه إتاحتها لمن يطلبها من الأعضاء. وتبلغ الهيئات المستقلة والأجهزة الرقابية، سلطات التحقيق المختصة بما تكتشفه من دلائل على ارتكاب مخالفات، أو جرائم، وعليها أن تتخذ اللازم حيال تلك التقارير خلال مدة محددة، وذلك كله وفقًا لأحكام القانون " .

ولذلك نسأل : هل كل الهيئات والأجهزة الرقابية تقدم تقاريرها لمجلس النواب بشكل منتظم ؟ ولماذا لا يعقد مجلس النواب جلسات  أو إجتماعات للجان النوعية لمناقشة هذه التقارير بحضور المحررين البرلمانيين المعتمدين داخل المجلس ؟ ولماذا لا يتم اتاحة هذه التقارير للنواب  حتى يتمكنوا من ممارسة دورهم الرقابى على أعمال الحكومة  حيث أنه من المتعارف عليه منذ سنوات أن التقارير يتم ايداعها فى المكتبة الموجودة فى الجور الثالث مبنى المجمع داخل المجلس ولا يستطيع أى نائب الحصول على التقارير الرقابية  ، ولا يتم سوى السماح له إلا بتصوير صفحات قليلة جدا منها ويتم التصوير داخل المكتبة   ؟! .

 

 

وبعد أن استعرضنا كل هذه الحقائق والوقائع ، نؤكد على أننا نتمنى أن يتدخل الرئيس عبدالفتاح السيسى لحل هذه الأزمات المكتومة بين الحكومة والبرلمان ، لأن الجمهورية  الجديدة لن يكتب لها النجاح إلا بتطبيق القانون والدستور على الجميع ، وأن تقوم كل جهة بدورها على الوجه المطلوب .

ويجب أن يعلم الجميع أن قيام الجهات الرقابية ووفى مقدمتها مجلس النواب

ضرورة وطنية وحتمية لأن مكافحة الفساد ومحاسبة الفاسدين والفاشلين هو أول طريق النجاح فى أى مجال تطبيقا لمبدأ :" من أمن العقاب أساء الادب والتصرف " .

 وفى النهاية أقول إن ، مجلس النواب وهو الممثل للشعب المصرى وفقا للدستور والقانون ، مطالب بإظهار " العين الحمراء " للحكومة حفاظاً على أداء الأمانة التى كلف الشعب بها  البرلمان ونوابه ، وحفاظاً على صورتهم أمام الرأى العام  ،وحتى لا يستمر النظر إلى مجلس النواب على أنه " برلمان مكسور الجناح " بعد أن كان يعرف لسنوات طويلة بأنه " سيد قراره "!!!.


مقالات مشتركة