جريدة صوت الملايين
رئيس مجلس الإدارة
سيد سعيد
نائب رئيس مجلس الإدارة
د. محمد أحمد صالح
رئيس التحرير
محمد طرابية

سيد سعيد يكتب   2023-07-25T07:35:41+02:00

23 يوليو.. ثورة أيقظت الضمير الوطنى

سيد سعيد
الاحتفال بذكرى ثورة 23 يوليو 1952 يأتى كل عام، إلا أن الحديث عنها لا يتوقف طول العام، فهو حديث يكتسب صفة الديمومة، ويتردد فى كل حدث أو مناسبة، ويبرز جوهرها فى كل مطلب شعبى، فهى ليست مجرد حركة قام بها الضباط الأحرار، لإنهاء الحكم الملكى وتأسيس نظام جمهورى، لكنها حدث استثنائى غير مجرى التاريخ، وأحدث تغييرا جذريا فى بنية المجتمع المصرى على المستويات كافة، ولا زالت تحتل بعد مرور 71 عامـًا، مساحة واسعة من النقاش النخبوى والجدل الشعبى، باعتبارها « ملهمة» لطموحات الشعب المصرى وآماله فى الاستقلال والحرية، و«أيقونة» لحركات التحرر الوطنى والاستقلال فى دول العالم الثالث من أفريقية إلى أمريكا اللاتينية، وهى البلدان التى ظلت قرونـًا طويلة تئن تحت وطأة الاستعمار، الذى نهب خيراتها وثرواتها، وجعلها فريسة للثالوث القاتل، الفقر والمرض والجهل.

 

وعلى الرغم من كل ما حققته الثورة أو بمعنى أدق» أم الثورات «من نجاحات انحنى أمامها القاصى والدانى إلا أن محاولات تشويهها من قوى خارجية وأصحاب مصالح فى الداخل لم تتوقف، ويبدو أنها لن تتوقف، لارتباطها الوثيق بالجيش والضباط الأحرار، ففى سبعينيات وثمانينيات القرن الماضى، وهى الحقبة التى مورس فيها البغاء السياسى على أوسع نطاق وبأبشع الصور، سـٌمح فيها بتشويه الثورة ورمزها الزعيم خالد الذكر جمال عبدالناصر، فتارة يتم وصفها بـ«انقلاب» عسكرى، وأنها حكم «العسكر» وتارة أخرى بالديكتاتورية والكثير من المصطلحات والمسميات التى يتم ترديدها، حيث خرجت فى تلك الفترة مؤلفات وروايات، وقصص عن التعذيب لا حصر لها، أما الهدف الأساسى فهو الانتقام من جمال عبدالناصر شخصيـَا، لترويج مظلومية فئة ضالة، فئة أدمنت الكذب ورفع الشعارات الخادعة، فى محاولة لتزييف التاريخ، من خلال كتابات مغرضة، مشحونة بالتربص والمكايدة السياسية، لكتاب من جماعة مارقة، وأذناب قوى موالية للاستعمار والملك، جميعا كانوا يحاولون إثبات وجودهم على المسرح السياسى، أملا فى الخروج من خلف جدران القصور التى تحاك فيها المؤامرات.

 

فهؤلاء الذين يحاولون القفز على حقائق التاريخ لهم أهواء باتت معلومة للكافة، وللأسف سار فى ركبهم، بلا وعى، وآخرين مضللين، يرددون مثل الببغاوات، ما يقوله المارقون عن الصف الوطنى من شعارات زائفة.. هؤلاء مهما كانت مسمياتهم» تيار دينى، اخوان، ليبراليون «، فهم أعداء للثورة، لأنهم بالأساس أعداء للجيش، ولو لم يكن هذاء عداء واضح وصريح، ما تجرأ أحد منهم على تشويه أعظم ثورة اندلعت لصالح الشعب وباركها وأيدها الشعب، والأهم من هذا كله أن أى تيار يتحرك من أرضية وطنية خالصة، وليس لخدمة أطراف دولية، لا يجرؤ على الإساءة لثورة 23 يوليو، لأن هذه الثورة النبيلة بأهدافها كتبت ببراعة من خلال قائدها وجيشها مشهد النهاية لإمبراطورية كانت لا تغيب عنها الشمس.

 

ومن بين المحاولات اليائسة، بل البائسة، هو ترديد مصطلحات جوفاء، مضمونها يدور فى فلك الإساءة للجيش الذى يمثل عقدة لدى المارقين، خاصة فى الآونة الأخيرة، التى أعقبت ثورة 30 يونيه 2013 التى أزاحت حكم الفاشية الدينية واستردت وطن جرى اختطافه بصورة مريبة، فالجيش المصرى هو القاسم المشترك فى الثورتين، الأولى» الجيش هو الذى تحرك» لتحرير الوطن والمواطن من براثن حكم رجعى والشعب التف حول الضباط الأحرار، والثانية انتصر فيها الجيش لإرادة الشعب الذى تحرك لاسترداد بلده وهويته من الخاطفين، وفى الحالتين كان الجيش حاضرا بقوة، وهنا يكمن سر عداء الجماعات المارقة عن الصف الوطنى للجيش وللرئيسين جمال عبدالناصر وعبدالفتاح السيسى، فكليهما ضرب بنية التنظيم الذى تشكل على أيدى الصهيونية العالمية فى مقتل، فالعداء للجيش صار عقيدة، لإدراكهم بأنه لن يسمح بأى عبث سواء بالوطن أو المواطن، وأيضا لدرايتهم بأن الجيش يمتلك سلطة عاطفية لدى المصريين عبر تاريخهم. بعد 6 أسابيع بالتمام والكمال من إزاحة الحكم الملكى، تحول الحدث الأهم والأبرز فى تاريخ مصر الحديث من حركة مباركة قام بها ضباط الجيش، إلى ثورة باركها وأيدها الشعب بكل طوائفه وفئاته الاجتماعية، وتبلور ذلك فى مشاهد عدة فى مقدمتها القرارات الثورية، وبهذا الالتفاف حول ضباط الجيش وتأييدهم، استمدت الثورة شرعيتها، لأنها جاءت تعبيرا عن إرادة الشعب ولتحقيق آماله فى الاستقلال والحرية والكرامة، فأحدثت تغييراً جذرياً فى نظام الحكم بعد إجبار الملك فاروق على التنازل عن العرش والرحيل إلى إيطاليا، كما أنها أحدثت تغييراً موضوعيا فى بنية المجتمع المصرى، وامتد أثرها بصورة مباشرة إلى المحيط الجغرافى العربى والإفريقى.

 

عندما تحدثنا عن الفترة الزمنية التى لا تتجاوز الـ 6 أسابيع، فلم يكن حديثنا فقط للتوثيق، انما لأهمية ما جرى، حيث إصدر مجلس قيادة الثورة يوم 9 سبتمبر 1952، قانون تحديد الملكية،باعتبار أن ذلك يندرج ضمن مبادئها الأساسية، ومنها إقامة حياة ديمقراطية سليمة، وعدالة اجتماعية، وهذا الأمر يتعلق بفكرة العدالة الاجتماعية، حيث نص القانون على تحديد الملكية الزراعية للأفراد، وتم تنفيذ هذا القانون على كبار الملاك بتوزيع أراضيهم على صغار الفلاحين المعدمين من الأجراء الذين أصبحوا ملاكا.

 

كما يعتبر إنشاء السد العالى فى جنوب مصر أحد أهم، بل أعظم، المكاسب إلى أنجزتها الثورة المباركة، لأن هذا الإنجاز جعل الدولة تتحكم فى تدفق مياه النهر والتخفيف من آثار الفيضانات، والتوجه نحو التطور فى العديد من المجالات التى تخدم فكرة التنمية والتوسع فى المشروعات الزراعية والصناعية، وتوليد الكهرباء، وتبع ذلك ثورة صناعية، جعلت الغرب يسعى بكل قوة لفرملة توجهات قادة الثورة، فخطط الدولة وقتها شملت تشييد العديد من المصانع، بجانب مكاسب عدة حققتها المرأة فى شتى المجالات، بعد أن أولى الرئيس الراحل جمال عبدالناصر المرأة المصرية بالاهتمام، وعمل على تحسين حياتها الاجتماعية بجانب مشاركتها السياسية والنهوض بأحوالها الاقتصادية.

 

القارئ بدقة لأحداث التاريخ، لن يجد صعوبة فى التأكيد على أن ثورة 23 يوليو، كانت نموذجا عبقريا كاشفا بجلاء عن أعظم تلاحم بين الشعب والجيش فى القضاء على الظلم الاجتماعى، وفتح الطريق نحو التقدم العلمى بإنشاء مراكز البحوث العلمية والجامعات، وبناء المدارس والوحدات الصحية فى الريف، وتشغيل الشباب فى المصانع والشركات، كما أنها، أى الثورة، ضربت أروع الأمثلة لانحياز الجيش الذى خرج منه الضباط الأحرار لتطلعات وآمال الشعب فى حياة كريمة، تقوم على العدالة الاجتماعية.

 

إن حقائق التاريخ تقول، بل تؤكد، على أن جمال عبدالناصر، ليس زعيمًا عاديًا، قاد ثورة لإنهاء حكم الملكية، لكنه زعيم استثنائى أجبر التاريخ على أن يتوقف عنده طويلا، فهو جاء فى وقت ملبد بالغيوم السياسية والأحداث العالمية، وقت كانت تعاد فيه تشكيل خريطة العالم على مقاس القوى الاستعمارية بصور عصرية، تهدف الإجبار على التبعية بالأساس، ووفق مصالح القوى العظمى التى فرضت هيمنتها فى أعقاب الحرب العالمية الثانية، وهى الحرب التى أفرزت قطبين عسكريين، يتنازعان على قيادة قارات العالم وهما» الاتحاد السوفييتى قبل تفككه بانتهاء الحرب الباردة والولايات المتحدة الأمريكية ومعها أوروبا»، وضع جمال عبدالناصر قواعد للتعامل مع المتغيرات الدولية بكل تعقيداتها، هذه القواعد مثلت استراتيجية طموحة، أربكت حسابات ومصالح الغرب، بل واستطاع أن ينهى بها عهود سابقة من التبعية والانكسار، فأسس دول عدم الانحياز والحياد الإيجابى مع زعماء وقادة كبار، لعبوا أهم الأدوار لخدمة أوطانهم فى التاريخ المعاصر، جوزيف تيتو وجواهر لال نهرو، وخاض معارك البناء والتعمير فى الداخل، فأمم قناة السويس، واتفاقية الجلاء، واتجه للتسليح من الكتلة الشرقية، التى رأت فيه نموذجا للقائد الصلب فى مواجهة أعداء وطنه، لذا فإنه احتل مكانته البارزة على المستويين الإقليمى والدولى كزعيم عربى شامخ، واستطاع أن يصبح بجدارة نسخة ناصعة للضمير الجمعى للشعب الذى وقف وراء الجيش ممثلا فى الضباط الأحرار، باعتبار أن الثورة خلقت حالة من الأمل ليس فى مصر فقط، بل فى أفريقية وأمريكا اللاتينية.

 

فى هذا السياق، لا يستطيع أى أحد مهما بلغ جنوحه، الجور على الحقائق الراسخة، فالمصريون لم يذوقوا طعم الحياة بمعناها الحقيقى إلا بعد أن قاد ضباط الجيش حركة التحرر لشعب عانى قرونا من تبعات الإهمال والتهميش، ولا توجد مبالغة، إذا قلنا أن هذا الشعب ذاق كل أنواع الذل على يد إقطاعيين استحلوا مقدرات الوطن وثرواته، فكان الفلاح المصرى من الدلتا إلى الصعيد يعيش حياة لا تقترب، ولو ضئيلا، من أى حياة آدمية، وانتشرت الأوبئة والأمراض ومن بينها السل والأمراض المرتبطة بسوء التغذية، بسبب نقص الرعاية الصحية وعدم وجود مستشفيات أو وحدات صحية لخدمة الفقراء والطبقة الكادحة، وكانت المستشفيات لا يدخلها إلا علية القوم من الأثرياء والمترفين والاقطاعيين، ناهيك عن حاشية الملك وباشوات ذلك العهد البغيض.

 

كانت الثورة ملهمة للطبقات الفقيرة، التى بحث أبناؤها عن العلم فلم يجدوه متاحا لهم، ليس لانعدامه، إنما لعدم قدرتهم على تكلفته الباهظة من ناحية، ولعدم وجود مدارس من ناحية أخرى، نعم كان هناك شعار، مجرد شعار وعبارات جوفاء لدغدغة المشاعر، رغم أنها حقيقة وحق، مفادها أن التعليم كالماء والهواء، لكن الثورة استطاعت من خلال قائدها تحقيق إنجازات عظيمة لا ينكرها إلا الكارهون لهذا البلد، والكارهون لتقدمه واستقلاله بأيدى أبنائه، أما مظاهر تلك النجاحات، فتمثلت فى خفض نسبة الأمية بين طبقات الشعب، وأعادت الحقوق المشروعة للعمال والفلاحين، بتشكيل تنظيمات رسمية ترعى مصالحهم، وتدافع عن جقوقهم المسلوبة جبرا، بل وتجعلهم شركاء فاعلين فى الحياة العامة ابتداء من المدرسة والجمعية الزراعية، وليس انتهاء بالمشاركة فى التنظيمات السياسية مرورا بصياغة القوانين والتمثيل البرلمانى للعمال والفلاحين، فلأول مرة فى تاريخ هذا البلد، ينشئ ما يسمى بالتأمين الصحى، وأصبح هناك مستشفيات للعلاج المجانى، أما عن المرأة فحظيت باهتمام بالغ، ولم يكتفِ دستور 1956 بمساواة الرجل والمرأة فى الانتخابات، والتصويت، بل وضع قوانين العمل والإجازات التى تكون فى صالحها، ونص على أن الدولة تساعد المرأة على الجمع بين مسئوليتها وواجباتها الأسرية والعمل، كما تم تعيين أول وزيرة مصرية للشئون الاجتماعية، وهى الدكتورة حكمت أبوزيد شئنا أو أبينا، شاء غيرنا أو أبى، لا يمكن أن نتحدث عن الثورة دون الحديث عن رمزها أو عن إنجازاتها، التى تحققت على أرض الواقع، فالتاريخ الحقيقى وما أحدثه من تغير جذرى جعلها ثورة خالدة فى الوجدان الشعبى وستظل خالدة، باعتبارها أهم إنجاز وطنى حدث فى التاريخ المعاصر حمل لواءه ضباط الجيش المصرى، فالجيش هو الذى قضى على الاستعمار والتبعية للغرب والجيش هو الذى أعاد لمصر استقلالها وعزتها وسيادتها على أراضيها، فثورة 23 يوليو، أحدثت نقلة موضوعية غيرت مجرى التاريخ، فهى قفزت بالشعب المصرى إلى عصر جديد من الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية وسيادة القرار الوطنى، ولولاها ما عرف المصريون المصطلحات التى أرست قواعدها، مثل العدالة الاجتماعية والحياة الديمقراطية السليمة، وحققت إنجازاً للسيدات بالسماح لهن بالتصويت والمشاركة فى الانتخابات لأول مرة فى التاريخ، معتبرة ذلك أقوى تأثير للثورة على الحياة النيابية فى مصر إلى جانب أن الثورة أنجزت العديد من المشروعات القومية على رأسها السد العالى، وتأميم قناة السويس، وتعميم مجانية التعليم بعد أن كانت مجرد شعار أو حلم يتمناه ساسة وعلماء وطنيين، لكنهم لا يملكون تنفيذه فى زمن، كانت فيه دعوات لمشروع مكافحة الحفاة.
مقالات مشتركة