الحكومة: الخميس 25 يوليو إجازة رسمية بمناسبة ذكرى ثورة 23 يوليو       خطة حكومية لزيادة الاستفادة من العلماء والباحثين المصريين في الخارج       بالأرقام الرسمية .. 50 مليون زيارة من السيدات لتلقي خدمات الفحص والتوعية ضمن مبادرة دعم صحة المرأة       اللجنة الخاصة المشكلة بمجلس النواب لدراسة برنامج الحكومة الجديدة تختتم أعمالها اليوم       تفاصيل مشاركة الأهلى فى أعمال الجمعية العمومية لرابطة الأندية الأوروبية       وزارة المالية : الدولة ليس من دورها إدارة الأصول العقارية       أخبار سارة للموظفين.. المالية تعلن تبكير صرف مرتبات شهر يوليو 2024       بالأرقام الرسمية .. إصدار 32.5 مليون قرار علاج على نفقة الدولة       وزارة العمل تُحذر المواطنين بعدم التعامل مع الشركات والصفحات وأرقام الهواتف الوهمية       إطلاق دورى رياضى لأبناء الأسر في قرى ( حياة كريمة ) تحت شعار ( أنت اقوى من المخدرات )       أخبار سارة : مصر تستهدف إنتاج 800 ألف أوقية ذهب عام 2030  
جريدة صوت الملايين
رئيس مجلس الإدارة
سيد سعيد
نائب رئيس مجلس الإدارة
د. محمد أحمد صالح
رئيس التحرير
محمد طرابية

سيد سعيد يكتب   2023-12-25T10:03:18+02:00

من يحمى مافيا الاتجار بـ«قوت الغلابة»؟

سيد سعيد

 

لا يتوقف حديث المصريين عن الحرب الدائرة فى غزة  سوى أحاديثهم، التى لا تتوقف عن معاناتهم من عدم القدرة على مجاراة القفزات المتسارعة، وغير المبررة، فى أسعار السلع الأساسية والضرورية للحياة اليومية، المرتبطة بمعيشتهم والتزاماتهم تجاه أسرهم وأطفالهم ابتداء من الألبان ومنتجاتها والبيض واللحوم، وليس انتهاء بالسكر والزيت والأرز  والأدخنة، ثم انضم إلى تلك القائمة، الخضراوات والبصل  الذى يرتفع سعره بصورة تصيب بالذهول، بل تشبه المضاربات فى البورصات الوهمية على غرار الصعود الوهمى لسعر الدولار فى السوق السوداء، إلى بقية السلع الأساسية التى تمثل الاحتياجات اليومية لكل الأسر المصرية.

 

ويتخلل حديث المعاناة من الأزمات المفتعلة، انتقادات يصل سقفها حد الاتهامات المباشرة  للحكومة، ليس بالتخاذل، فقط، أمام العبث، إنما تصل لاتهامها بالتورط بغض بصرها عن المتاجرين بقوت الشعب، وعدم قدرتها على الاقتراب من المتحكمين فى الأسواق، بما يعنى أن الحكومة تبارك ما يحدث.

 

وتطالعنا الأخبار من وقت لآخر عن إجراءات حكومية لضبط الأسعار، ومطالبات برلمانية بتدخل الأجهزة الرقابية، لكن سرعان ما تتبخر كل هذه «الفرقعات» وتصبح مجرد عبارات جوفاء لا تقدم ولا تؤخر، فلا الحكومة قامت بضبط الأسعار، ولا الأجهزة المنوط بها الرقابة على الأسواق تحركت، فالواقع على الأرض يدحض كل ما يصدر  من وعود و تصريحات، بل يزيد من حجم  الغضب على السياسات العقيمة.

 

ولعل آخر الأزمات التى «عكننت « بدون مبالغة على كل المصريين، أؤكد مرة أخرى «كافة المصريين»  هو الارتفاع الجنونى وغير المسبوق وغير المبرر لأسعار الخضراوات وعلى رأسها البصل، ومن المثير للدهشة، رغم توجيه سهام الاتهامات لوزير التموين فى الأزمات التى لحقت بالسلع التى كانت تموينية، إلا أنه لا يقدم سوى وعود براقة عن اقتراب الإجهاز  على تلك الأزمات، وهى بالفعل لا تنتهى، ولا توجد مبالغة إذا أكدنا، أنها تتفاقم، وتتحول السلع إلى محظورات، لا يجرؤ البسطاء على الاقتراب منها، رغم أن تلك السلع ضرورية للحياة، وليست رفاهية أو نوعا من الكماليات.

 

وأننى أرى وفق تعاشى مع الواقع، أن انعدام الرقابة سبب مباشر فى ارتفاع الأسعار، كما أن الأزمات المتلاحقة والمتعلقة بقوت المصريين، تعكس فى تقديرى سوء الإدارة، فالحكومة هى المسئولة عن زيادة أسعار السلع، لانعدام الرقابة، فقبل أزمة السكر والبصل كانت هناك أزمة فى الأرز، وكل هذه السلع لدينا بها فائض فى الإنتاج، فلا مبرر لزيادتها سوى غياب دور الحكومة فى الرقابة على الأسواق، حيث تركت المواطن فريسة، أو لقمة سائغة  لحيتان التربح من قوت المصريين، من أرز و سجائر وبصل وسكر، وكلها سلع استراتيجية لا يمكن الاستغناء عنها.

 

 والغريب فى الأمر أن كل السلع الأساسية لدينا اكتفاء ذاتى منها، بل يوجد فائض يتم تصديره ويباع فى الأسواق الخارجية بأقل من سعره فى مصر، لكن ربما تكون الحاجة للدولار جزءاً من الأزمة، بما يعنى أنها ليست من الفلاح، ولكن من الحكومة ذاتها، باعتبار أن وزارة التموين  هى المنوط بها تحديد ما إذا كانت حصيلة التصدير ستؤثر على توافر السلعة، وبالتالى على سعرها من عدمه.

 

وفى هذا السياق لا يفوتنا التأكيد على وجود قرارات رسمية بوقف تصدير البصل، حيث جاءت تلك القرارات بعد تفاقم أزمة كان من الممكن تجنب حدوثها.

 

لكن وقف التصدير لم يشعر به المواطن ولم يؤثر فى السوق، فالأسعار كما أسلفنا تتزايد بصورة لافتة، ولا تتوافق مع سلع كانت فى متناول الجميع ، بصورة ترضى المنتج «المزارع» والمستهلك «المواطنون على اختلاف شرائحهم». وهنا يفرض السؤال نفسه على سطح كل تلك الأزمات المفتعلة، لماذا يتراجع سعر السلعة بعد التدخل الحكومى، حال التدخل الفعلى؟ وهذا بدوره يقود إلى التشكيك فى كل ما يحدث.

 

 ومن المعلوم للكل أن الشكاوى المتصاعدة بعدم وجود السكر فى الأسواق، وبلوغ سعره  60 جنيهًا للكيلو، فضلًا عن بيعه من قبل التجار وكأنه مخدرات أو على الأقل ممنوعات، فالبيع يتم فى السر للمعارف، فلم تكن هناك أزمات فى السكر على مدار عقود، حيث كان سلعة تموينية ومتوفرة، إلى أن تم إبعاده عن التموين، فتحول الأمر إلى طوابير أمام المجمعات الاستهلاكية، وأيضا سعر البصل الذى ارتفع من الـ 3 كيلو بجنيه إلى الكيلو بـ ٤٠ جنيها، أى نحو ١٠٠ ضعف، وبالمناسبة، هذا ليس تضخمًا، بل كارثة اقتصادية لحقت بالأسواق المصرية، ومن المؤسف أن هذه الأزمات تتكرر من وقت إلى آخر فى سلع مختلفة مثل الأرز، ليجد المواطن نفسه كل يوم يعانى فى الأسواق بحثا عن السلع الأساسية ولا يجدها.

 

ونكرر مرات ومرات أن هذه السلع أساسية وليست كماليات يمكن الصبر عليها أو الاستغناء عنها، بل هى قوام غذاء المصريين، وخاصة السكر «حلو المصريين» والأرز والبصل وبقية الخضروات ، بعد أن صارت اللحوم بأنواعها سلعا ترفيهية لمن استطاع إليها سبيلا.

 

ففى الوقت الذى تتبنى فيه القيادة السياسية استراتجية شاملة، محورها بناء الانسان المصرى على أسس علمية وصحية وتغذية سليمة، والاهتمام به اجتماعيا واقتصاديا وثقافيا وسياسيا، لكن أن يتوقف فكر الحكومة عند حدود عمل ودور  الجمعيات الخيرية القائم نشاطها على التبرعات، وهذا ليس من صميم عمل الحكومة، فعملها هو توفير المناخ الملائم للأنشطة التجارية تحت مظلتها، أما هى فسمحت، أو على أقل تقدير، أغمضت عينها عن شرائح طفيلية، لتستغل ظروف الشعب وتتربح وتحقق مكاسب اقتصادية من أقوات المصريين، خاصة البسطاء وهم الغالبية الساحقة، واكتفت هى بتقديم المبادرات، ظنا منها أنها  تخفف من الأزمات، وهى مبادرات طارئة تتزامن مع تفاقم الأزمة، ولا تجد حلولا صارمة، وهذا بدوره يعكس فشل فى الإدارة والأداء، فالحكومات فى كل بلدان العالم هى التى تتحكم فى الأسواق، حتى فى أعتى الدول الرأسمالية، ولا تسمح بتفاوت فى أسعار السلعة الواحدة، كما أننى أرى أن هناك ضرورة ملحة، لأن يكون لدى الحكومة تصور عملى، للحد من تغول قلة من البشر على الفئات المتنوعة من المجتمع، ويكون لديها القدرة على توفير الضروريات ومنع تخزينهاى، لكى تكون متاحة وبأسعار مناسبة للشرائح المجتمعية البسيطة، وأيضاً تقديم حلول مدروسة وخطط عاجلة لإدارة الأمور، لا أن تنتظر ولا تتدخل إلا بعد خراب مالطة «تربح عصابات الاتجار بقوت البسطاء، واستنزاف جيوب الناس»، فهى، أى الحكومة، مطالبة بتحديد موعد لحل الأزمات ولا تتجاهل المطالبات البرلمانية، إلى جانب الإعلان عن خطة واضحة لعدم تكرار تلك الأزمات، وهى مطالبة الآن وقبل أى وقت، بالإسراع فى التحرك الرسمى الجاد لمواجهة الارتفاعات الجنونية، وغير المتسقة مع الواقع فى أسعار غالبية المحاصيل الزراعية من الفواكه والخضراوات، وفى مقدمتها البصل والبطاطس والطماطم، وبقية السلع الأساسية، فضلا عن ضرورة إيجاد قواعد وضوابط لعمليات التصدير، مهما كانت الحاجة ماسة للحصول على العملات الأجنبية، فليس من المقبول، أن نكون بلدا زراعيا، وتباع المحاصيل الزراعية المصرية فى الخارج بأقل بكثير من سعرها فى الداخل، فكيف يحدث هذا؟

 

بالطبع لا ينكر أى عاقل، سواء كان لديه دراية بالشأن الاقتصادى أو لا يعرف، أن الاقتصاد المصرى تعرض، خلال السنوات الماضية لضغوط كبيرة، ساهمت فى تفاقم الأزمات، مما أثر بصورة مباشرة على المواطنين المصريين بكل شرائحهم الاجتماعية، منها على سبيل المثال الأزمة الناتجة عن «كورونا» وقبل أن يفيق العالم  وليس مصر وحدها، من تداعياتها، أطلت الحرب «الروسية الأوكرانية» برأسها، لتخلق أزمات أخرى وأوضاعاً اقتصادية غير متوقعة، خاصة أن البلدين من أكبر موردى السلع الغذائية الضرورية، مثل القمح و زيوت الطعام، والأعلاف.

 

وإن شئنا الدقة فى تناول الأمر من كل جوانبه، لا يمكن إقصاء الشائعات التى راجت عبر متربصين، عن وجود عصابات تشكلت للتربح من الأزمات، ووجدت تلك العصابات مناخاً خصباً لا حتكار السلع وإخفائها من الأسواق بصورة عمدية فى ظل غياب الرقابة، وتغافل الحكومة عن معاناة الناس، رافعة شعار «لا أرى، لا أسمع، لا أتكلم»، رغم أنها ترى وتسمع ولا تملك سوى تصريحات بوعود، لا تغنى ولا تسمن من جوع، وفى ذات الوقت، تحاول الخروج من المأزق، أو إبعاد المسئولية عنها، بتشديدها على وجود تشريعات،  ولا يستطيع أحد انكار أهمية تلك التشريعات، فهى تضمن صوريا حماية المواطن من الغش والاحتكار، لكنها تعجز عن حماية نفسها، أقصد التشريعات، من طغيان مافيا، هى بالنسبة لنا أشباح لا نعرفها، ولا نستطيع تحديد ملامحها، هذه الأشباح تتحكم فى السوق، وتعبث باقتصاد الدولة، لذا فإن التشريعات تظل مجرد عبارات صارمة على الورق، ولا تستطيع ردع العابثين، الا اذا تدخلت الحكومة وأجهزتها الرقابية، وغالبا لا يحدث هذا التدخل إلا بعد أن تجتاح الأسواق فوضى الاسعار، فالمافيا أو الأشباح التى تدير أنشطتها، تحاول نشر شائعاتها عن تأثير الدولار على أسعار السلع، وهنا أتساءل، وربما يتساءل غيرى، ما علاقة الدولار بالخضراوات والمنتجات الزراعية المحلية؟

 

والمدهش أن الباعة الصغار يلوحون بهذا الحديث، الدولار الدولار الدولار، منتجات الألبان الدولار، البصل، الدولار، الطماطم، الدولار، أى عبث هذا الذى يجرى وتراه الحكومة، كما يرى وزراؤها وجوههم فى المرآة.

 

نعم هناك سلع تتأثر بسعر الدولار، لارتباط تلك السلع بالاقتصاد الرسمى والتجارة الدولية، لكن ليس من بينها المنتجات الزراعية والضروريات المتوافرة، وإذا انتقلنا إلى تداعيات ارتفاع أسعار السلع المرتبطة بالعملات الأجنبية، سنتوقف أمام إحداها  وهو الذهب، وبالناسبة هو يشغل قطاع كبير داخل المجتمع المصرى، لما له من تأثير اجتماعى سواء بالرضا الشعبى عن سعره مهما بلغ  للقادرين على التزين به أو اكتنازه كمخزون قيمة، وتارة أخرى بعدم الرضا الشعبى لغير القادرين من الفئات البسيطة على شرائه لمسايرة الموروثات الاجتماعية مثل هدايا الخطوبة والزواج وغير ذلك، فالقفزات لا يحكمها ضابط أو رابط فى سعره، الذى يسجل مستويات متصاعدة، بالتزامن مع جنون الدولار فى السوق السوداء تارة، مما يدفع كثيرون على اختلاف مستوياتهم الاجتماعية، لاستحوازه  باعتباره يمثل قيمة، على المستوى الاقتصادى المرتبط بالأسواق العالمية والبورصات الدولية، فهو يصعد عندما يتراجع الدولار، بل يؤثر فى سعر العملة الأجنبية التى صارت سلعة.

 

 ومن جهة أخرى سيجد المتابع لحركة السوق أن الذهب يجد دعما خلال الفترة الحالية باعتباره ملاذا آمنا على عكس الدولار ، فى ظل التوترات الحالية فى البحر الأحمر وسط استمرار عمليات مهاجمة السفن المارة من قبل جماعة الحوثى فى اليمن، هذا بالإضافة إلى  اندفاع كثير من صغار  المستثمرين بوضع استثماراتهم فى الملاذ الآمن سواء الذهب.

 

وعلى الرغم أن الذهب سلعة ترفيهية بالنسبة للمواطن العادى، وثقل اقتصادى بالنسبة للدولة وللأثرياء فى ذات الوقت، لذا فإنه، أى الذهب، يواصل رحلة الصعود ليسجل أعلى  مستوى، وصف بالصعود التاريخى، وذلك لعدة أسباب، منها  ارتفاع سعر الأونصة العالمية إلى جانب قرار البنك المركزى يوم الخميس الماضى  بتثبيت الفائدة، مما زاد من الإقبال على الذهب كملاذ آمن وتجاوز سعر الجرام الـ ٣ آلاف جنيه العيار ٢١، وهو الأكثر شيوعاً فى التداول.

 

وعلىالرغم من أهمية الذهب وبقية السلع عالية القيمة، إلا أن الغالبية تعتبره فى الظروف الحالية فى مقدمة المحظورات، ولا يعنيها إلا توفير الضروريات لمواصلة العيش، ومن المؤسف أن تلك الضروريات أصبحت رفاهية، لذا لم يعد سراً خافياً على أحد أن قدرة  الغالبية على فهم ما يحدث من عبث باتت محدودة، بحيث لا يمكن لأحد الزعم بقدرته على فهم الأسرار وفك شفرة الألغاز التى صنعت الخلل فى معادلة الجشع والصمت الرسمى، وبرغم هذا فإن الأرقام المتناثرة، تذهب إلى أن مافيا التربح من الأزمات، حققوا عشرات المليارات من الجنيهات فى غضون شهور قليلة، تحكموا خلالها فى أسعار السلع الاستراتيجية «الأرز والسكر والزيوت والبصل والسجائر».

 

وأظن، وبالطبع ليس كل الظن إثماً، أن الدهشة من  هذه الأمور تسيطر على كثيرين مثلى، جراء غياب الرقابة، برغم توافر الإرادة السياسية لمحاربة الفساد.


مقالات مشتركة